كتاب يتيمة الدهر للثعالبي
ّّّبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خير ما بدئ به الكلام وختم وصلى الله على النبي المصطفى وآله وسلم أما بعد فإن محاسن أصناف الأدب كثيرة ونكتها قليلة وأنوار الأقاويل موجودة وثمارها عزيزة وأجسام النثر والنظم جمة وأرواحهما نزرة وقشورهما معرضة ولبوبهما معوزة ولما كان الشعر عمدة الأدب وعلم العرب الذي اختصت به عن سائر الأمم وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل على النبي منهم المرسل كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين وأشعار المحدثين ألطف من أشعار المتقدمين وأشعار المولدين أبدع من أشعار المحدثين وكانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن وأنظم للطائف البدائع من أشعار سائر المذكورين لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن وبلوغها أقصى نهايات الجودة والظرف تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز ومن حد الشعر إلى السحر فكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم وثمرات قرائحهم وأبكار أفكارهم أتم الألفاظ والمعاني استيفاء لأقسام البراعة وأوفرها نصيبا من كمال الصنعة ورونق الطلاوة وكذاك قد ساد النبي محمد كل الأنام وكان آخر مرسل وقد سبق مؤلفو الكتب إلى ترتيب المتقدمين من الشعراء وذكر طبقاتهم ودرجاتهم وتدوين كلماتهم والانتخاب من قصائدهم ومقطوعاتهم فكم من كتاب فاخر عملوه وعقد باهر نظموه لا يشينه الآن إلا نبو العين من إخلاق جدته وبلى بردته ومج السمع لمردداته وملالة القلب من مكرراته وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة ولذة الجدة وحلاوة قرب العهد وازدياد الجودة على كثرة النقد غير محصورة بكتاب يضم نشرها وينظم شذرها ويشد أزرها ولا مجموعة في مصنف يقيد شواردها ويخلد فوائدها وقد كنت تصديت لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلثمائة والعمر في إقباله والشباب بمائه فافتتحته باسم بعض الوزراء مجريا إياه مجرى ما يتقرب به أهل الأدب إلى ذوي الأخطار والرتب ومقيما ثمار الورق مقام نثار الورق وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه ولا تتسع لتوفية شرطه
فارتفع كعجالة الراكب وقبسة العجلان وقضيت به حاجة في نفسي وأنا لا أحسب المستعيرين يتعاورونه والمنتسخين يتداولونه حتى يصير من أنفس ما تشح عليه أنفس أدباء الإخوان وتسير به الركبان إلى أقاصي البلدان فتواترت الأخبار وشهدت الآثار بحرص أهل الفضل على غدره وعدهم إياه من فرص العمر وغرره واهتزازهم لزهره واقتفارهم لفقره وحين أعرته على الأيام بصري وأعدت فيه نظري تبينت مصداق ما قرأته في بعض الكتب أن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتابا فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه هذا في ليلة واحدة فكيف في سنين عدة ورأيتني أحاضر بأخوات كثيرة لما فيه وقعت بأخرة إلى وزيادات جمة عليه حصلت من أفواه الرواة لدي فقلت إن كان لهذا الكتاب محل من نفوس الأدباء وموقع من قلوب الفضلاء كالعادة فيما لم يقرع من قبل آذانهم ولم يصافح أذهانهم فلم لا أبلغ به المبلغ الذي يستحق حسن الإحماد ويستوجب من الاعتداد أوفر الأعداد ولم لا أبسط فيه عنان الكلام وأرمي في الإشباع والإتمام هدف المرام فجعلت أبنيه وأنقضة وأزيده وأنقصه وأمحوه وأثبته وأنتسخه ثم أنسخه وربما أفتتحه ولا أختتمه وأنتصفه فلا أستتمه والأيام تحجز وتعد ولا تنجز إلى أن أدركت عصر السن والحنكة وشارفت
أوان الثبات والمسكة فاختلست لمعة من ظلمة الدهر وانتهزت رقدة من عين الزمان واغتنمت نبوة من أنياب النوائب وخفة من زحمة الشوائب واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة وتحريرها من بين النسخ الكثيرة بعد أن غيرت ترتيبها وجددت تبويبها وأعدت ترصيفها وأحكمت تأليفها وصار مثلي فيها كمثل من يتأنق في بناء داره التي هي عشه وفيها عيشه فلا يزال ينقض أركانها ويعيد بنيانها ويستجدها على أنحاء عدة وهيئات مختلفة ويستضيف إليها مجالس كالطواوس ويستحدث فيها كنائس كالعرائس ثم يقورها آخر الأمر قوراء توسع العين قرة والنفس مسرة ويدعها حسناء تخجل منها الدور وتتقاصر عنها القصور فإن مات فيها مغفورا له انتقل من جنة إلى أخرى وورد من جنة الدنيا على جنة المأوى فهذه النسخة الآن تجمع من بدائع أعيان الفضل ونجوم الأرض من أهل العصر ومن تقدمهم قليلا وسبقهم يسيرا ما لم تأخذ الكتب العتيقة غرره ولم تفتض عذره ولم ينتقص قدم العهد وتطاول المدة زبره وتشتمل من نسج طباعهم وسبك أفهامهم وصوغ أذهانهم على الحلل الفاخرة الفائقة والحلى الرائقة الشائقة وتتضمن من طرفهم وملحهم لطائف أمتع من بواكير الرياحين والثمار وأطيب من فوح نسيم الأسحار بروائح الأنوار والأزهار ما
لم تتضمنه النسخة السائرة الأولى والشرط في هذه الأخرى إيراد لب اللب وحبة القلب وناظر العين ونكتة الكلمة وواسطة العقد ونقش الفص مع كلام في الإشارة إلى النظائر والأحاسن والسرقات وأخذ في طريق الاختصار ونبذ من أخبار المذكورين وغرر من فصوص فصول المترسلين يميل إلى جانب الاقتصار فإن وقع في خلال ما أكتبه البيت والبيتان مما ليس من أبيات القصائد ووسائط القلائد فلأن الكلام معقود به والمعنى لا يتم دونه ولأن ما يتقدمه أو يليه مفتقر إليه أو لأنه شعر ملك أو أمير أو وزير أو رئيس خطير أو إمام من أهل الأدب والعلم كبير وإنما ينفق مثل ذلك بالانتساب إلى قائله لا بكثرة طائله وخير الشعر أكرمه رجالا وشر الشعر ما قال العبيد وإن أخرت متقدما فعذري فيه أن العرب قد تبدأ بذكر الشيء والمقدم غيره كما قال الله تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقال تعالى يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين وكما قال حسان ابن ثابت وذكر بني هاشم بها ليل منهم جعفر وابن أمه علي ومنهم أحمد المتخير من الطويل وكما قال الصلتان العبدي فملتنا أننا مسلمون على دين صديقنا والنبي من المتقارب
وإن قدمت متأخرا فسبيله على ما قال إبراهيم الموصلي لمسرور وقد تقدمه في المسير إن تقدمتك كنت مطرقا لك وإن تأخرت فلحق الخدمة وقال أبو محمد المزني للملك نوح في مثل تلك الحال إن تقدمت فحاجب وإن تأخرت فذاك واجب ثم إن هذا الكتاب المقرر ينقسم إلى أربعة أقسام يشتمل كل قسم منها على أبواب وفصول القسم الأول في محاسن أشعار آل حمدان وشعرائهم وغيرهم من أهل الشام وما يجاورها ومصر والموصل والمغرب ولمع من أخبارهم القسم الثاني في محاسن أشعار أهل العراق وإنشاء الدولة الديلمية من طبقات الأفاضل وما يتعلق بها من أخبارهم ونوادرهم وفصوص من فصول المترسلين منهم القسم الثالث في محاسن أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان وأصفهان من وزراء الدولة الديلمية وكتابها وقضاتها وشعرائها وسائر فضلائها وما ينضاف إليها من أخبارهم وغرر ألفاظهم القسم الرابع في محاسن أشعار أهل خراسان وما وراء النهر من إنشاء الدولة السامانية والغزنية والطارئين على الحضرة ببخارى من الآفاق والمتصرفين على أعمالهم وما يستطرف من أخبارهم وخاصة أهل نيسابور
والغرباء الطارئين عليها والمقيمين بها وفيما لم يقع إلي من جنس هذا الكتاب كثرة ولعله يزيد على ما حصل لدي ومن يقدر على حصر الأنفاس وضبط بنات الأفكار وفي الزوايا خبايا ولا نهاية للخواطر ولا منقطع لمواد المحاسن وما على المؤلف إلا جهده وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
القسم الأول في محاسن أشعار آل حمدان وشعرائهم وغيرهم من أهل الشام وما يجاورها من مصر والموصل ولمع من أخبارهم وفيه عشرة أبواب
الباب الأول من القسم الأول في فضل شعراء الشام على شعراء سائر البلدان وذكر السبب في ذلك لم يزل شعراء عرب الشام وما يقاربها أشعر من شعراء عرب العراق وما يجاورها في الجاهلية والإسلام والكلام يطول في ذكر المتقدمين منهم فأما المحدثون فخذ إليك منهم العتابي ومنصورا النمري والأشجع السلمي ومحمد بن زرعة الدمشقي وربيعة الرقي على أن في الطائيين اللذين انتهت إليهما الرئاسة في هذه الصناعة كفاية وها هما ومن مولدي أهل الشام المعوج الرقي والمريمي والعباسي المصيصي وأبو الفتح كشاجم والصنوبري وأبو المعتصم الأنطاكي وهؤلاء رياض الشعر وحدائق الظرف فأما العصريون ففيما أسوقه من غرر أشعارهم أعدل الشهادات على تقدم أقدامهم والسبب في تبريز القوم قديما وحديثا على من سواهم في الشعر قربهم من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز وبعدهم عن بلاد العجم وسلامة ألسنتهم
من الفساد العارض لألسنة أهل العراق لمجاورة الفرس والنبط ومداخلتهم إياهم ولما جمع شعراء العصر من أهل الشام بين فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة ورزقوا ملوكا وأمراء من آل حمدان وبني ورقاء هم بقية العرب والمشغوفون بالأدب والمشهورون بالمجد والكرم والجمع بين أدوات السيف والقلم وما منهم إلا أديب جواد يحب الشعر وينتقده ويثيب على الجيد منه فيجزل ويفضل انبعثت قرائحهم في الإجادة فقادوا محاسن الكلام بألين زمام وأحسنوا وأبدعوا ما شاءوا وأخبرني جماعة من أصحاب الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد أنه كان يعجب بطريقتهم المثلى التي هي طريقة البحتري في الجزالة والعذوبة والفصاحة والسلاسة ويحرص على تحصيل الجديد من أشعارهم ويستملي الطارئين عليه من تلك البلاد ما يحفظونه من تلك البدائع واللطائف حتى كسر دفترا ضخم الحجم عليها وكان لا يفارق مجلسه ولا يملأ أحد منه عينه غيره وصار ما جمعه فيه على طرف لسانه وفي سن قلمه فطورا يحاضر به في مخاطباته ومحاوراته وتارة يحله أو يورده كما هو في رسائله فمن ذلك قول القائل من الطويل سلام على تلك المعاهد إنها شريعة وردي أو مهب شمالي ليالي لم نحذر حزون قطيعة ولم نمش إلا في سهول وصال فقد صرت أرضى من سواكن أرضها بخلب برق أو بطيف خيال
وقول الآخر من الوافر إذا دنت المنازل زاد شوقي ولا سيما إذا بدت الخيام فلمح العين دون الحي شهر ورجع الطرف دون السير عام وقول الآخر من الخفيف فسقى الله بلدة أنت فيها كدموعي عند اعتراض الفراق وأرانيك فالصبا قد ترقت يا بروحي إلى أعالي التراقي وقول الآخر من الطويل ووالله لا فارقت عقدة وده ولا حلت ما عمرت عن حفظ عهده ولا بد أن الدهر كاشف أهله ويظهر للمولى موالاة عبده وكان أبو بكر الخوارزمي في ريعان عمره وعنفوان أمره قد دوخ بلاد الشام وحصل من حضرة سيف الدولة بحلب في مجمع الرواة والشعراء ومطرح الغرباء الفضلاء فأقام ما أقام بها مع أبي عبد الله بن خالويه وأبي الحسن الشمشاطي وغيرهما من أئمة الأدباء وأبي الطيب المتنبي وأبي العباس النامي وغيرهما من فحول الشعراء بين علم يدرسه وأدب يقتبسه ومحاسن ألفاظ يستفيدها وشوارد أشعار يصيدها وانقلب عنها وهو أحد أفراد الدهر وأمراء النظم والنثر وكان يقول ما فتق قلبي وشحذ فهمي وصقل ذهني وأرهف حد لساني وبلغ هذا المبلغ بي إلا تلك الطوائف
الشامية واللطائف الحلبية التي علقت بحفظي وامتزجت بأجزاء نفسي وغصن الشباب رطيب ورداء الحداثة قشيب وما كان أكثر ما ينشدني ويكتبني مما يضن به على غيري من تلك الغرر التي تجري مجرى السحر والملح التي يقطر منها ماء الظرف وأنا أكتبها في أماكنها من أبواب هذا القسم الأول بمشيئة الله تعالى وممن خرجته تلك البلاد وأخرجته وكلامه مقبول محبوب آخذ بمجامع القلوب القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني فإنه جنى ثمارها واستصحب أنوارها حتى ارتقى إلى المحل العلي وتطبع بطبع البحتري
الباب الثاني في ذكر سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وسياق قطعة من أخباره وملح من أشعاره كان بنو حمدان ملوكا وأمراء أوجههم للصباحة وألسنتهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة وسيف الدولة مشهور بسيادتهم وواسطة قلادتهم وكان رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه غرة الزمان وعماد الإسلام ومن به سداد الثغور وسداد الأمور وكانت وقائعه في عصاة العرب تكف بأسها وتنزع لباسها وتفل أنيابها وتذل صعابها وتكفي الرعية سوء آدابها وغزواته تدرك من طاغية الروم الثار وتحسم شرهم المثار وتحسن في الإسلام الآثار وحضرته مقصد الوفود ومطلع الجود وقبلة الآمال ومحط الرحال وموسم الأدباء وحلبة الشعراء ويقال إنه لم يجتمع قط بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر ونجوم الدهر وإنما السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها وكان أديبا شاعرا محبا لجيد الشعر شديد الاهتزاز لما يمدح به
فلو أدرك ابن الرومي زمانه لما احتاج إلى أن يقول من الكامل ذهب الذين تهزهم مداحهم هز الكماة عوالي المران كانوا إذا امتدحوا رأوا ما فيهم ملأريحية منهم بمكان وكان كل من أبي محمد عبد الله بن محمد الفياض الكاتب وأبي الحسن علي بن محمد الشمشاطي قد اختار من مدائح الشعراء لسيف الدولة عشرة آلاف بيت كقول أبي الطيب المتنبي من الطويل خليلي إني لا أرى غير شاعر فلم منهم الدعوى ومني القصائد فلا تعجبا إن السيوف كثيرة ولكن سيف الدولة اليوم واحد له من كريم الطبع في الحرب منتض ومن عادة الإحسان والصفح عامد ولما رأيت الناس دون محله تيقنت أن الدهر للناس ناقد ومن القصيدة المرقومة فلم يبق إلا من حماها من الظبا لمى شفتيها والثدي النواهد تبكي عليهن الباطريق في الدجى وهن لدينا ملقيات كواسد بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد
ومن شرف الإقدام أنك فيهم على القتل مرموق كأنك شاكد وأن دما أجريته بك فاخر وأن فؤادا رعته لك حامد وكل يرى طرق الشجاعة والندى ولكن طبع النفس للنفس قائد نهبت من الأعمار ما لو حويته لهنئت الدنيا بأنك خالد فأنت حسام الملك والله ضارب وأنت لواء الدين والله عاقد أحبك يا شمس الزمان وبدره وإن لامني فيك السهى والفراقد وذاك لأن الفضل عندك باهر وليس لأن العيش عندك بارد وكقول السري بن أحمد الموصلي من الوافر أعزمتك الشهاب أم النهار أراحتك السحاب أم البحار خلقت منية ومنى فأضحت تمور بك البسيطة أو تمار تحلي الدين أو تحمي حماه فأنت عليه سور أو سوار سيوفك من شكاة الثغر برء ولكن للعدى فيها بوار وكفاك الغمام الجون يسري وفي أحشائه ماء ونار يمين من سجيتها المنايا ويسري من عطيتها اليسار حضرنا والملوك له قيام تغض نواظرا فيها انكسار وزرنا منه ليث الغاب طلقا ولم نر قبله ليثا يزار فكان لجوهر المجد انتظام وكان لجوهر المدح انتثار
فعشت مخيرا لك في الأماني وكان على العدو لك الخيار فضيفك للحيا المنهل ضيف وجارك للربيع الطلق جار وكقول أبي فراس الحارث بن سعيد البسيط أشدة ما أراه فيك أم كرم تجود بالنفس والأرواح تصطلم يا باذل النفس والأموال مبتسما أما يهولك لا موت ولا عدم لقد ظننتك بين الجحفلين ترى أن السلامة من وقع القنا تصم نشدتك الله لا تسمح بنفس علا حياة صاحبها تحيا بها أمم إذا لقيت رقاق البيض منفردا تحت العجاج فلم تستكثر الخدم تفدي بنفسك أقواما صنعتهمو وكان حقهم أن يفتدوك هم من ذا يقاتل من تلقى القتال به وليس يفضل عنك الخيل والبهم تضن بالطعن عنا ضن ذي بخل ومنك في كل حال يعرف الكرم لا تبخلن على قوم إذا قتلوا أثنى عليك بنو الهيجاء دونهم ألبست ما لبسوا أركبت ما ركبوا عرفت ما عرفوا علمت ما علموا هم الفوارس في أيديهم أسل فإن رأوك فأسد والقنا أجم وكقول أبي العباس بن محمد النامي خلقت كما أرادتك المعالي فأنت لمن رجاك كما يريد
عجيب أن سيفك ليس يروى وسيفك في الوريد له ورود وأعجب منه رمحك حين يسقى فيصحو وهو نشوان يميد من الوافر وكقول أبي الفرج الببغاء نداك إذا ضن الغمام غمام وعزمك إن فل الحسام حسام فهذا ينيل الرزق وهو ممنع وذاك يرد الجيش وهو لهام ومن طلب الأعداء بالمال والظبا وبالسعد لم يبعد عليه مرام من الطويل وكقول أبي الفرج الوأواء من قاس جدواك بالسحاب فما أنصف بالحكم بين شكلين أنت إذا جدت ضاحك أبدا وهو إذا جاد دامع العين من المنسرح وكقول أبي نصر بن نباتة وهو من شعراء العراق حاشاك أن تدعيك العرب واحدها يا من ثرى قدميه طينة العرب فإن يكن لك وجه مثل أوجههم عند العيان فليس الصفر كالذهب وإن يكن لك نطق مثل نطقهم فليس مثل كلام الله في الكتب من البسيط وكانت غمائم جوده تفيض ومآثر كرمه تستفيض فتؤرخ بها أيام المجد وتخلد في صحائف حسن الذكر
فصل في انفجار ينابيع جوده على الشعراء حدثني أبو الحسن علي بن محمد العلوي الحسيني الهمداني الوصي قال كنت واقفا في السماطين بين يدي سيف الدولة بحلب والشعراء ينشدونه فتقدم إليه أعرابي رث الهيئة فاستأذن الحجاب في الإنشاد فأذنوا له فأنشد أنت علي وهذه حلب قد نفذ الزاد وانتهى الطلب بهذه تفخر البلاد وبالأمير تزهى على الورى العرب وعبدك الدهر قد أضر بنا إليك من جور عبدك الهرب من المنسرح فقال سيف الدولة أحسنت ولله أنت وأمر له بمائتي دينار وحكى ابن لبيب غلام أبي الفرج الببغاء أن سيف الدولة كان قد أمر بضرب دنانير للصلات في كل دينار منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه وصورته فأمر يوما لأبي الفرج منها بعشرة دنانير فقال ارتجالا نحن بجود الأمير في حرم نرتع بين السعود والنعم أبدع من هذه الدنانير لم يجر قديما في خاطر الكرم فقد غدت باسمه وصورته في دهرنا عوذة من العدم من المنسرح فزاده عشرة أخرى وكان أبو فراس يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة
أيكم يجيز قولي وليس له إلا سيدي يعني أبا فراس لك جسمي تعله فدمي لم تحله لك من قلبي المكان فلم لا تحله من الخفيف فارتجل أبو فراس وقال أنا إن كنت مالكا فلي الأمر كله فاستحسنه وأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألفي دينار واستنشد سيف الدولة يوما أبا الطيب المتنبي قصيدته التي أولها على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم من الطويل وكان معجبا بها كثير الاستعادة لها فاندفع أبو الطيب المتنبي ينشدها فلما بلغ قوله فيها وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمي هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم قال قد انتقدنا عليك هذين البيتين كما انتقد على امرئ القيس بيتاه كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال من الطويل
وبيتاك لا يلتئم شطراهما كما ليس يلتئم شطرا هذين البيتين وكان ينبغي لامرئ القيس أن يقول كأني لم أركب جوادا ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال ولم أسبأ الزق الروي للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولك أن تقول وقفت وما في الموت شك لواقف ووجهك وضاح وثغرك باسم تمر بك الأبطال كلمي هزيمة كأنك في جفن الردى وهو نائم فقال أيد الله مولانا إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا كان أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا ومولانا يعلم أن الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جميلته وتفاريقه لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه ولما كان وجه الجريح المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكية قلت ووجهك وضاح وثغرك باسم لأجمع بين الأضداد في المعنى وإن لم يتسع اللفظ لجميعها فأعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين دينارا من دنانير الصلات وفيها خمسمائة دينار وكان أبو بكر وأبو عثمان الخالديان من خواص شعراء سيف الدولة فبعث إليهما مرة وصيفة ووصيفا ومع كل واحد منهما بدرة وتخت من ثياب مصر فقال أحدهما من قصيدة طويلة وهي لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا إلا ومالك في النوال حبيس
خولتنا شمسا وبدرا أشرقت بهما لدينا الظلمة الحنديس رشأ أتانا وهو حسنا يوسف وغزالة هي بهجة بلقيس هذا ولم تقنع بذاك وهذه حتى بعثت المال وهو نفيس أتت الوصيفة وهي تحمل بدرة وأتى على ظهر الوصيف الكيس وبررتنا مما أجادت حوكه مصر وزادت حسنه تنيس فغدا لنا من جودك المأكول والمشروب والمنكوح والملبوس من الكامل فقال له سيف الدولة أحسنت إلا في لفظة المنكوح فليست مما يخاطب بها الملوك وهذا من عجيب نقده حكى أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي قال طلب مني رسول سيف الدولة وكان قد قدم إلى الحضرة شيئا من شعري وذكر أن صاحبه رسم له ذلك فدافعته أياما ثم ألح علي وقت الخروج فأعطيته هذه الثلاثة الأبيات وهي إن كنت خنتك في الأمانة ساعة فذممت سيف الدولة المحمودا وزعمت أن له شريكا في العلا وجحدته في فضله التوحيدا قسما لو أني حالف بغموسها لغريم دين ما أراد مزيدا من الكامل وقال فلما عاد الرسول إلى الحضرة ودخلت عليه مسلما أخرج لي كيسا بختم سيف الدولة مكتوبا عليه اسمي وفيه ثلاثمائة دينار
نبذ من ذكر وقائعه وغزواته حدث أبو عبد الله الحسين بن خالويه قال لما كانت الشام بيد الإخشيد محمد محمد بن طغج سار إليها سيف الدولة فافتتحها وهزم عساكره عن صفين فقال له المتنبي يا سيف دولة ذي الجلال ومن له خير الخلائف والأنام سمي أو ما ترى صفين كيف أتيتها فانجاب عنها العسكر الغربي فكأنه جيش ابن حرب رعته حتى كأنك يا علي علي من الكامل وقال أبو فراس من قصيدة طويلة أتى الشام لما استذأب البهم واغتدت بها أذؤب البيداء وهي قساور فثقف منآد وأصلح فاسد وذلل جبار وأذعر ذاعر من الطويل وكان ظهر رجل في الغرب يعرف بالمبرقع يدعو الناس إلى نفسه والتفت عليه القبائل وافتتح مدائن من أطراف الشام وأسر أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان وهو خليفة سيف الدولة على حمص وألزمه شراء نفسه بعدد من الخيل وجملة من المال فأسرع سيف الدولة من حلب يغذ السير حتى لحقه في اليوم الثالث بنواحي دمشق فأوقع به وقتله ووضع السيف في أصحابه فلم ينج إلا من سبق فرسه وعاد سيف الدولة إلى حلب ومعه أبو وائل وبين يديه رأس
الخارجي على رمح فقال أبو فراس يذكر ذلك وأنقذ من مس الحديد وثقله أبا وائل والدهر أجدع صاغر وآب ورأس القرمطي أمامه له جسد من أكعب الرمح ضامر من الطويل وهذا من أحسن ما قيل في الرأس المصلوب على الرمح ولبعضهم في مثل ذلك وعاد لكنه رأس بلا جسد يسري ولكن على ساق بلا قدم من البسيط وقال أبو الطيب في خلاص أبي وائل ولو كنت في أسر غير الهوى ضمنت ضمان أبي وائل فدى نفسه بضمان النضار وأعطى صدور القنا الذابل ومناهم الخيل مجنوبة فجئن بكل فتى باسل كأن خلاص أبي وائل معاودة القمر الآفل دعا فسمعت وكم ساكت على البعد عندك كالقائل فلبيته بك في جحفل له ضامن وبه كافل وعدت إلى حلب ظافرا كعود الحلي إلى العاطل من المتقارب وكان سيف الدولة اصطنع بني كلاب وأدناهم وآمن سربهم فقهروا
العرب وعلت كلمتهم إلى أن بدرت منهم جفوة أحفظته فأسرى إليهم وأوقع بهم وملك حرمهم وأموالهم ثم صفح عنهم وكرم وجمع الحرم ووكل بهن الخدم وأفضل عليهن وأحسن إليهن فقال أبو الطيب من قصيدة فعدن كما أخذن مكرمات عليهن القلائد والملاب يثبنك بالذي أوليت شكرا وأين من الذي تولي الثواب وليس مصيرهن إليك شينا ولا في صونهن لديك عاب ولا في فقدهن بني كلاب إذا أبصرن غرتك اغتراب وكيف يتم بأسك في أناس تصيبهم فيؤلمك المصاب ترفق أيها المولى عليهم فإن الرفق بالجاني عتاب من الوافر هذا كلام ما لحسنه غاية وعين المخطئين هم وليسوا بأول معشر خطئوا فتابوا وأنت حياتهم غضبت عليهم وهجر حياتهم لهم عقاب وما جهلت أياديك البوادي ولكن ربما خفي الصواب وكم ذنب مولده دلال وكم بعد مولده اقتراب وجرم جره سفهاء قوم وحل بغير جارمه العذاب كأنما اقتبسه من قول الله سبحانه أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ونحو من هذا قول زياد في خطبته البتراء والله لآخذن المحسن بالمسيء ولو غير الأمير غزا كلابا ثناه عن شموسهم ضباب
وما أحسن ما كني عن الحرم بالشموس وعن المحاماة دونهم بالضباب ولكن ربهم أسرى إليهم فما نفع الوقوف ولا الذهاب كذا فليسر من طلب المعالي ومثل سراك فليكن الطلاب وكتب إليه أبو فراس في تلك الحال يداعبه وما أنس لا أنس يوم المغار محجبة لفظتها الحجب دعاك ذووها بسوء الفعال لما لا تشاء وما لا تحب فوافتك تعثر في مرطها وقد رأت الموت من عن كثب وقد خلط الخوف لما طلعت دل الجمال بذل الرعب تسرع في الخطو لا خفة وتهتز في المشي لا من طرب فلما بدت لك دون البيوت بدا لك منهن جيش لجب وما زلت مذ كنت تأتي الجميل وتحمي الحريم وترعى الحسب وتغضب حتى إذا ما ملكت أطعت الرضا وعصيت الغضب فكنت حماهن إذ لا حمى وكنت أباهن إذ ليس أب فولين عنك يفدينها ويرفعن من ذيلها ما انسحب ينادين بين خلال البيوت لا يقطع الله نسل العرب أمرت وأنت المطاع الكريم ببذل الأمان ورد النهب وقد رحن من مهجات القلوب بأوفر غنم وأغلى نشب فإن هن يا بن الكرام السراة رددن القلوب رددنا السلب من المتقارب
وقال أيضا يمدحه ويذكر نسوة بني كلاب قد ضج جيشك من طول القتال به وقد شكتك إلينا الخيل والإبل وقد درى الروم مذ جاورت أرضهم أن ليس يعصمهم سهل ولا جبل في كل يوم تزور الثغر لا ضجر يثنيك عنه ولا شغل ولا ملل فالنفس جاهدة والعين ساهرة والجيش منهمك والمال مبتذل توهمتك كلاب غير قاصدها وقد تكنفك الأعداء والشغل حتى رأوك أمام الجيش تقدمه وقد طلعت عليهم دون ما أملوا فاستقبلوك بفرسان أسنتها سود البراقع والأكوار والكلل فكنت أكرم مسئول وأفضله إذا وهبن فلا من ولا بخل من البسيط ويقال إن سيف الدولة غزا الروم أربعين غزوة له وعليه فمنها أنه أغار على زبطرة وعرقة وملطية ونواحيها فقتل وأحرق وسبى وانثنى قافلا إلى درب موزار فوجد عليه قسطنطين بن فردس الدمستق فأوقع به وقتل صناديد رجاله وعقب إلى للدانه وقد تراجع من هرب منها فأعظم القتل وأكثر الغنائم وقد عبر الفرات إلى بلد الروم ولم يفعله أحد قبله حتى أغار على بطن هنزيط فلما رأى فردس بعد مغزاه وخلو بلاد الشام منه غزا نواحي انطاكية فأسرى سيف الدولة يطوي المراحل لا ينتظر متأخرا ولا يلوي على متقدم حتى عارضه بمرعش فأوقع به وهزمه وقتل رؤوس البطارقة وأسر قسطنطين بن الدمستق وأصابت الدمستق ضربة في وجهه وأكثر الشعراء في هذه الوقعة فقال أبو الطيب لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادات سيف الدولة الطعن في العدا
وأن يكذب الإرجاف عنه بضده ويمسي بما تنوي أعاديه أسعدا ورب مريد ضره ضر نفسه وهاد إليه الجيش أهدى وما هدى من الطويل ومنها سريت إلى جيحان من أرض آمد ثلاثا لقد أدناك ركض وأبعدا فولى وأعطاك ابنه وجيوشه جميعا ولم يعط الجميع لتحمدا وما طلبت زرق الأسنة غيره ولكن قسطنطين كان له الفدا وقال أبو فراس وآب بقسطنطين وهو مكبل تحف بطاريق به وزرازر وولى على الرسم الدمستق هاربا وفي وجهه عذر من السيف عاذر فدى نفسه بابن عليه كنفسه وللشدة الصماء تقنى الذخائر وقد يقطع العضو النفيس لغيره وتدفع بالأمر الكبير الكبائر وسار سيف الدولة لبناء الحدث وهي قلعة عظيمة الشأن فاشتد ذلك على ملك الروم فجمع عظماء أهل مملكته وجهزهم بالصليب الأعظم وعليهم فردس الدمستق ثائرا بابنه قسطنطين في عدد لا يحصى حتى أحاطوا بعسكر سيف الدولة والتهبت الحرب واشتد الخطب وساءت ظنون المسلمين ثم أنزل الله نصره فحمل سيف الدولة يخرق الصفوف طلبا للدمستق فولى هاربا وأسر صهره وابن بنته وقتل خلق كثير من الروم وأكثر الشعراء في هذه
الوقعة فقال أبو الطيب وذكر الحدث بناها فأعلى والقنا تقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم وكان بها مثل الجنون فأصبحت ومن جثث القتلى عليها تمائم تفيت الليالي كل شيء أخذته وهن لما يأخذن منك غوارم من الطويل وذكر ولد الدمستق فقال وقد فجعته بابنه وابن صهره وبالصهر حملات الأمير الغواشم مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبا بما شغلتها هامهم والمعاصم ويفهم صوت المشرفية فيهم على أن أصوات السيوف أعاجم يسر بما أعطاك لا عن جهالة ولكن مغنوما نجا منك غانم وقال السري في بناء الحدث رفعت بالحدث الحصن الذي خفضت منه الحوادث حتى ذل جانبه أعدته عدويا في مناسبه من بعد ما كان روميا مناسبه فقد وفي عرضه بالبيد واعترضت طولا على منكب الشعرى مناكبه مصغ إلى الجو أعلاه فإن خفقت زهر الكواكب خلناها تخاطبه كأن أبراجه من كل ناحية أبراجها والدجى وحف غياهبه من البسيط
ولأبي فراس في ذكرها رأى الثغر مثغورا فسد بسيفه فم الدهر عنه وهو سغبان فاغر من الطويل ملح شعر سيف الدولة ومما أنشدني أبو الحسن محمد بن أحمد الإفريقي المتيم لسيف الدولة في وصف قوس قزح وهو أحسن ما سمعت فيه على كثرته وساق صبيح للصبوح دعوته فقام وفي أجفانه سنة الغمض يطوف بكاسات العقار كأنجم فمن بين منقض علينا ومنفض وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا على الجو دكنا والحواشي على الأرض يطرزها قوس الغمام بأصفر على أحمر في أخضر تحت مبيض كأذيال خود أقبلت في غلائل مصبغة والبعض أقصر من بعض من الطويل وهذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يحضر مثلها السوقة ونظيره قول ابن المعتز في وصف الهلال فانظر إليه كزورق من فضة قد أثقلته حمولة من عنبر من الكامل وقول أبي فراس وهو مما يعرب عن استخدامه نفائس الفرس وكأنما البرك الملاء تحفها ألوان ذاك الروض والزهر
بسط من الديباج بيض فروزت أطرافها بفراوز خضر من الكامل وقوله من قصيدة والماء يفصل بين زهر الروض في الشطين فصلا كبساط وشي جردت أيدي القيون عليه نصلا من الكامل وأنشدني أبو الحسن العلوي الهمداني قال أنشدني سيف الدولة لنفسه وأنا أراه من قوله في صباه أقبله على جزع كشرب الطائر الفزع رأى ماء فأطعمه وخاف عواقب الطمع وصادف فرصة فدنا ولم يلتذ بالجرع من الوافر ينظر معناها إلى قول ابن المعتز فكم عناق لنا وكم قبل مختلسات حذار مرتقب نقر العصافير وهي خائفة من النواطير يانع الرطب من المنسرح ويحكى أنه كانت لسيف الدولة جارية من بنات ملوك الروم لا يرى الدنيا إلا بها ويشفق من الريح الهابة عليها فحسدتها سائر حظاياه على لطف محلها منه وأزمعن إيقاع مكروه بها من سم أو غيره وبلغ سيف الدولة ذلك فأمر بنقلها إلى بعض الحصون احتياطا على روحها وقال راقبتني العيون فيك فأشفقت ولم أخل قط من إشفاق
ورأيت العذول يحسدني فيك مجدا يا أنفس الأعلاق فتمنيت أن تكوني بعيدا والذي بيننا من الود باق رب هجر يكون من خوف هجر وفراق يكون خوف فراق من الخفيف وأنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني ابن خالويه بحلب لسيف الدولة تجنى علي الذنب والذنب ذنبه وعاتبني ظلما وفي شقه العتب وأعرض لما صار قلبي بكفه فهلا جفاني حين كان لي القلب إذا برم المولى بخدمة عبده تجنى له ذنبا وإن لم يكن ذنب من الطويل يشبه هذا المعنى وإذا ما الجفاء جهر جيشا سبقته طليعة من تجني من الخفيف وأنشد أبو الحسن أحمد بن فارس قال أنشدني شاعر يعرف بالمتيم لسيف الدولة قد جرى في دمعه دمه فإلى كم أنت تظلمه رد عنه الطرف منك فقد جرحته منك أسهمه كيف يستطيع التجلد من خطرات الوهم تؤلمه من المديد
وأنشدني غير واحد له في أخيه ناصر الدولة أبي محمد عند وحشة جرت بينهما رضيت إليك العليا وقد كنت أهلها وقلت لهم بيني وبين أخي فرق ولم يك بي عنها نكول وإنما تجافيت عن حقي فتم لك الحق ولا بد لي من أن أكون مصليا إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق من الطويل وأنشدت له أيضا في وصف نار الكانون كأنما النار والرماد معا وضوءها في ظلامه يحجب وجنة عذراء مسها خجل فاستترت تحت عنبر أشهب من المنسرح نظيرهما في الحسن قول كشاجم كأنما الجمر والرماد وقد كاد يواري من ناره النورا ورد جني القطاف أحمر قد ذرت عليه الأكف كافورا من المنسرح وقول أبي طالب المأموني ما ترى النار كيف أسقمها القر فأصحت تخبو وطورا تسعر وغدا الجمر والرماد عليه في قميص مذهب ومعنبر من الخفيف
الباب الثالث في ذكر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان وأخباره وغرر أخباره وأشعاره هو ابن عم سيف الدولة المقدم ذكره وابن عم ناصر الدولة كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام وكان الصاحب يقول بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا لا إغفالا وإخلالا وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام عن سائر قومه ويصطنعه لنفسه ويصطحبه في غزواته ويستخلفه على أعماله وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته
قطعة من أخباره مع سيف الدولة وأشعاره فيه سوى الروميات حكى ابن خالويه قال كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج كتابا صدره كتابي أطال الله بقاء مولانا من المنزل وقد وردته ورود السالم الغانم مثقل البطن والظهر وفرا وشكرا فاستحسن سيف الدولة بلاغته ووصف براعته وبلغ أبا فراس ذلك فكتب إليه هل للفصاحة والسماحة والعلا عني محيد إذ أنت سيدي الذي ربيتني وأبي سعيد في كل يوم أستفيد من العلاء وأستزيد ويزيد في إذا رأيتك في الندى خلق جديد من الكامل وكان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب فوافت حضرته إحدى المحسنات من قيان بغداد فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير أن يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة فكتب إليه يحثه على استحضارها فقال محلك الجوزاء أو أرفع وصدرك الدهناء بل أوسع وقلبك الرحب الذي لم يزل للجد والهزل به موضع رفه بقرع العود سمعا غدا قرع العوالي جل ما يسمع من السريع فبلغت هذه الأبيات المهلبي الوزير فأمر القيان والقوالين بحفظها
وتلحينها وصار لا يشرب إلا عليها وكتب أبو فراس إلى سيف الدولة يا أيها الملك الذي أضحت لها جمل المناقب نتج الربيع محاسنا ألقحنها غرر السحائب راقت ورق نسيمها فحكت لنا صور الحبائب حضر الشراب فلم يطب شرب الشراب وأنت غائب من الكامل وتأخر عن حضرته لعلة وجدها فكتب إليه لقد نافسني الدهر بتأخيري عن الحضره فما ألقى من العلة ما ألقى من الحسره من الهزج وأهدى الناس إلى سيف الدولة في بعض الأعياد وأكثروا فكتب إليه أبو فراس نفسي فداؤك قد بعثت تعهدي بيد الرسول أهديت نفسي إنما يهدي الجليل إلى الجليل وجعلت ما ملكت يدي صلة المبشر بالقبول لما رأيتك في الأنام بلا مثال أو عديل من الكامل وكتب إليه يعاتبه قد كنت عدتي التي أسطو بها ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي فرميت منك بغير ما أملته والمرء يشرق بالزلال البارد
فصبرت كالولد التقي لبره أغضى على ألم لضرب الوالد من الكامل وعزم سيف الدولة على الغزو واستحلاف أبي فراس على الشام فكتب إليه قصيدة منها قالوا المسير فهز الرمح عامله وارتاح في جفنه الصمصامة الخذم حقا لقد ساءني أمر ذكرت له لولا فراقك لم يوجد له ألم لا تشغلن بأمر الشام تحرسه إن الشام على من حله حرم وإن للثغر سورا من مهابته صخوره من أعادي أهله القمم لا يحرمني سيف الدين صحبته فهي الحياة التي تحيا بها النسم وما اعترضت عليه في أوامره لكن سألت ومن عاداته نعم من البسيط وقال له وما لي لا أثني عليك وطالما وفيت بعهدي والوفاء قليل وأوعدتني حتى إذا ما ملكتني صفحت وصفح المالكين جميل من الطويل وكتب إليه يعزيه لا بد من فقد ومن فاقد هيهات ما في الناس من خالد كن المعزي لا المعزى به إن كان لا بد من الواحد من السريع وكتب إليه أيا عاتبا لا أحمل الدهر عتبه علي ولا عندي لأنعمه جحد سأسكت إجلالا لعلمك أنني إذا لم تكن خصمي لي الحجج اللد من الطويل
وكان لسيف الدولة غلام يقال له نجا قد اصطنعه ونوه باسمه وقلده طرسوس وأخذ يقرع باب العصيان والكفران وزاد تبسطه وسوء عشرته لرفقائه فبطش به ثلاثة نفر منهم وقتلوه فشق ذلك على سيف الدولة وأمر بقتل فتكته فكتب إليه أبو فراس ما زلت تسعى بجد برغم شانيك مقبل ترى لنفسك أمرا وما يرى الله أفضل من المجتث وكتب إليه يستعطفه إن لم تجاف عن الذنوب وجدتها فينا كثيره لكن عادتك الجميلة أن تغض على بصيره من الكامل وكتب إليه يستعطفه دع العبرات تنهمر انهمارا ونار الشوق تستعر استعارا أتطفأ حسرتي وتقر عيني ولم أوقد مع الغازين نارا أقمت على الأمير وكنت ممن تعز عليه فرقته اختيارا إذا سار الأمير فلا هدوا لنفس أو يؤوب ولا قرارا ستذكرني إذا طردت رجال دققت الرمح بينهم مرارا وأرض كنت أملؤها رجالا وجو كنت أرهجه غبارا إذا بقي الأمير قرير عين فديناه اختيارا واضطرارا يمد على أكابرنا جناحا ويكفل عند حاجتها الصغارا
أراني الله طلعته سريعا وأصحبه السلامة حيث سارا وبلغه أمانيه جمعيا وكان له من الحدثان جارا من الوافر وكتب إليه ألا من مبلغ سروات قومي إذا حدثن جمجمن الكلاما بأني لم أدع فتيات قومي وسيف الدولة الملك الهماما شريت ثناءهن ببذل نفسي ونار الحرب تضطرم اضطراما ولما لم أجد إلا فرارا أشد من المنية أو حماما حملت على ورود الموت نفسي وقلت لصحبتي موتوا كراما وهل عذر وسيف الدين ركني إذا لم أركب الخطط العظاما وأقفو فعله في كل أمر وأجعل فضل أبدا إماما وقد أصبحت منتسبا إليه وحسبي أن أكون له غلاما أراني كيف أكتسب المعالي وأعطاني على الدهر الذماما ورباني ففقت به البرايا وأنشأني فسدت به الأناما فأحياه الإله لنا طويلا وزاد الله نعمته دواما من الوافر ما أخرج من فخرياته قال من قصيدة يذكر فيها إيقاعه ببني كعب وهو على مقدمة سيف الدولة وكان
قد حسن بلاؤه في تلك الوقعة ألم ترنا أعز الناس جارا وأمنعهم وأمرعهم جنابا لنا الجبل المطل على نزار حللنا النجد منه والهضابا يفضلنا الأنام ولا نحاشي ونوصف بالجميل ولا نحابى وقد علمت ربيعة بل نزار بأنا الرأس والناس الذنابي ولما أن طغت سفهاء كعب فتحنا بيننا للحرب بابا منحناها الحرائب غير أنا إذا جارت منحناها الحرابا ولما ثار سيف الدين ثرنا كما هيجت آسادا غضابا أسنته إذا لاقى طعانا صورامه إذا لاقي ضرابا دعانا والأسنة مشرعات فكنا عند عودته الجوابا صنائع فاق صانعها ففاقت وغرس طاب غارسه فطابا وكنا كالسهام إذا أصابت مراميها فراميها أصابا من الوافر هذا أحسن ما قيل في معناه وقد أخذه الأستاذ أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي فكتب في كتاب فتح تولاه للصاحب بأصبهان وهنأ الله مولانا كافي الكفاة هذه المناجح التي هي نتائج عزائمه وثمرات صرائمه فما يرى عبده وصنيعته وسائر من يكنفه ظله وتريشه عنايته نفوسهم إذا وفقوا لمذهب من مذاهب الخدمة وهدوا لأداء حق من حقوق النعمة إلا سهاما إذا أصابت فراميها المصيب وما لها في المحمدة نصيب
ولأبي فراس من قصيدة أولها أيلحاني على العبرات لاحي وقد يئس العواذل من صلاحي تملكني الهوى بعد التآبي وراضني الهوى بعد الجماح ألا يا هذه هل من مقيل لضيفان الصبابة أو مراح فلولا أنت ما قلقت ركابي ولا هبت إلى نجد رياحي من الوافر ومنها ومن جراك أوطنت الفيافي وفيك غذيت ألبان اللقاح أصاحب كل خل بالتجافي وآسو كل داء بالسماح إذا ما عن لي أرب بأرض ركبت له ضمينات النجاح ولي عند العداة بكل أرض ديون في كفالات الرماح وله من قصيدة كتب بها إلى جعفر بن ورقاء إنا إذا اشتد الزمان وناب خطب وادلهم ألفيت حول بيوتنا عدد الشجاعة والكرم للقا العدا بيض السيوف وللندي حمر النعم هذا وهذا دأبنا يودى دم ويراق دم من الكامل وله من قصيدة أولها أقلي فأيام المحب قلائل وفي قلبه شغل عن اللوم شاغل من الطويل
يقول فيها تطالبني البيض الصوارم والقنا بما وعدت جدي في المخايل ووالله ما قصرت في طلب العلا ولكن كأن الدهر عني غافل مواعيد أيام تطالبني بها مراءاة أزمان ودهر مخاتل وأخلاف أيام متى ما انتجعتها حلبت بكيات وهن حوافل تدافعني الأيام عما أريغه كما دفع الدين الغريم المماطل خليلي شدا لي علي ناقتيكما إذا ما بدا شيب من الفجر ناصل فمثلي من نال المعالي بسيفه وربتما غالته عنها الغوائل وما كل طلاب من الناس بالغ ولا كل سيار إلى المجد واصل وإن مقيما منجح العز خائب وإن مريعا خائب الجهد نائل وما المرء إلا حيث يجعل نفسه وإني لها فوق السماكين جاعل أصاغرنا في المكرمات أكابر وآخرنا في المأثرات أوائل إذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا وإن قلت قولا لم أجد من يقاول وله من قصيدة أخرى عذيري من طوالع في عذاري ومن رد الشباب المستعار وثوب كنت ألبسه أنيق أجرر ذيله بين الجواري
وما زادت عن العشرين سني فما عذر المشيب إلى عذاري من الوافر أخذه من قول أبي نواس وإذا عددت السن كم هي لم أجد للشيب عذرا للنزول برأسي رجع وما استمتعت من راعي التصابي إلى أن جاءني داعي الوقار تلاعب بي على هوج المطايا خلائق لا تقر على الصغار ونفس دون مطلبها الثريا وكف دونها فيض البحار وما يغنيك من هم طوال إذا قرنت بأحوال قصار عزيز حيث حط السير رحلي تداريني الأنام ولا أداري فأهلي من أنخت إليه عيسي وداري حيث كنت من الديار من الكامل وله لنا بيت على عنق الثريا بعيد مذاهب الأطناب سامي تظلله الفوارس بالعوالي وتفرشه الولائد بالطعام من الوافر وله لقد علمت سراة الحي أنا لنا الجبل الممنع جانباه يفيء الراغبون إلى ذراه ويأوي الخائفون إلى حماه من الوافر وله لئن خلق الأنام لحث كأس ومزمار وطنبور وعود
فلم يخلق بنو حمدان إلا لمجد أو لبأس أو لجود من الوافر وله علونا جوشنا بأشد منه وأثبت عند مشتجر الرماح بجيش جاش بالفرسان حتى ظننت البر بحرا من سلاح وألسنة من العذبات حمر تخاطبنا بأفواه الرياح وأروع جيشه ليل بهيم وغرته عمود للصباح صفوح عند قدرته كريم قليل الصفح ما بين الصفاح وكان ثباته للقلب قلبا وهيبته جناحا للجناح من الوافر وله من قصيدة قتلت فتى بني عمرو بن عبد وأوسعهم على الضيفان ساحا ولست أرى فسادا في فساد يجر على فريقيه صلاحا من الوافر كان سيف الدولة قد أبعد كلابا وشردها فقصدت أبا فراس وهو ببالس في خف من أصحابه وعليهم كثير بن عوسجة فهزمهم ثم طرحوا أنفسهم عليه وقدمت وفودهم إليه فخرج وتوسط في أمرهم مع سيف الدولة وقال في ذلك سلي عنا سراة بني كلاب ببالس عند مشتجر العوالي
لقيناهم بأسياف قصار كفين مؤونة الأسل الطوال فولى بابن عوسجة كثير وساع الخطو في ضنك المجال يرى البرغوث إذ نجاه منا أجل عقيلة وأحب مال تدور به إماء بني قريط وتسأله النساء عن الرجال يقلن له السلامة خير غنم وإن الذل في ذاك المقال وعادوا سامعين لنا فعدنا إلى المعهود من شرف الفعال ونحن متى رضينا بعد سخط أسونا ما جرحنا بالنوال من الوافر أخذه من قول أبي نواس وكلت بالدهر عينا غير غافلة بجود كفك تأسو كل ما جرحا وله من قصيدة أولها وقوفك بالديار عليك عار وقد رد الشباب المستعار من الوافر ومنها وكم من ليلة لم أرو منها حننت لها وأرقني ادكار عسفت بها عواري الليالي أحق الخيل بالركض المعار فبت أعل خمرا من رضاب لها سكر وليس لها خمار
إلى أن رق ثوب الليل عنا ونادت قم فقد برد السوار ومنها إذا ما العز أصبح في مكان سموت له وإن بعد المزار مقامي حيث لا أهوى قليل ونومي عند من أقلى غرار أبت لي همتي وغرار سيفي وعزمي والمطية والقفار ونفس لا تجاورها الدنايا وعرض لا يرف عليه عار وقوم مثل من صحبوا كرام وخيل مثل من حملت خيار وكم بلد شنناهن فيه ضحى وعلا منابره المعار وكم ملك نزعنا الملك عنه وجبار به دمه جبار وله من أخرى ولو نيلت الدنيا بفضل منحتها فضائل تحويها وتبقى فضائل ولكنها الأيام تجري بما جرت فيسفل أعلاها وتعلو الأسافل لقد قل أن تلقى من الناس مجملا وأخشى قريبا أن يقل المجامل ولست بجهم الوجه في وجه صاحبي وإن سأل الأعمار ما هو سائل من الطويل وله بخلت بنفسي أن يقال مبخل وأقدمت جبنا أن يقال جبان
وملكي بقايا ما وهبت مفاضة ورمح وسيف قاطع وسنان من الطويل وله بأطراف المثقفة العوالي تفردنا بأوساط المعالي وما تحلو مجاني العز يوما إذا لم تجنها سمر العوالي ممالكنا مكاسبنا إذا ما توارثها رجال عن رجال إذا لم تمس لي نار بأرض أبيت لنار غيري غير صالي من الوافر وله غيري بغيره الفعال الجافي ويحول عن شيم الكريم الوافي لا أرتضي ودا إذا هو لم يدم عند الجفاء وقلة الإنصاف تعس الحريص وقل ما يأتي به عوضا عن الإلحاح والإلحاف إن الغني هو الغني بنفسه ولو أنه عاري المناكب حافي ما كل ما فوق البسيطة كافيا وإذا قنعت فبعض شيء كافي وتعاف لي طمع الحريص فتوتي ومروءتي وقناعتي وعفافي ما كثرة الخيل العتاق بزائدي شرفا ولا عدد السوام الضافي خيلي وإن قلت كثير نفعها بين الصوارم والقنا الرعاف ومكارمي عدد النجوم ومنزلي مأوى الكرام ومنزل الأضياف
لا أقتني لصروف دهري عدة حتى كأن خطوبه أحلافي شيم عرفت بهن مذ أنا يافع ولقد عرفت بمثلها أسلافي من الكامل وله أتعجب إن ملكنا الأرض قسرا وأن تمسي وسائدي العراب وتربط في مجالسنا المذاكي وتنزل بين أرحلنا الركاب وهذا العز أورثنا العوالي وهذا الملك ملكنا الضراب فقصرك إن حالا ملكتنا لحال لا تذم ولا تعاب من الوافر وله ونحن أناس لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يغله المهر من الطويل الإخوانيات قال وكتب بها إلى أخيه أبي الهيجاء حللت من المجد أعلى مكان وبلغك الله أقصى الأماني فإنك لا عدمتك العلا أخ لا كإخوة هذا الزمان كسوت أخوتنا بالصفاء كما كسيت بالكلام المعاني من المتقارب
وقال لصديق له وأحسن لم أؤاخذك بالجفاء لأني واثق منك بالوداد الصريح فجميل العدو غير جميل وقبيح الصديق غير قبيح من الخفيف وله ما كنت تصبر في القديم فلم صبرت الآن عنا ولقد ظننت بك الظنون لأنه من ضن ظنا من الكامل وقال أشفقت من هجري فسلطت الظنون على اليقين وضننت بي فظننت بي والظن من شيم الضنين من الكامل وقال وكتب بها إلى أخيه ولقد أبيت وجل ما أدعو به حتى الصباح وقد أقض المضجع لا هم إن أخي لديك وديعتي أبدا وليس يضيع ما تستودع من الكامل وكتب إلى أبي العشائر وهو أسير بأرض الروم نفى النوم عن عيني خيال مسلم تأوب من أسماء والركب نوم وخطب من الأيام أنساني الهوى وأحلى بفي الموت والموت علقم ووالله ما شببت إلا علالة ومن نار غير الحب قلبي يضرم
فمن مبلغ عني الحسين ألوكة تضمنها در الكلام المنظم لذيذ الكرى حتى أراك محرم ونار الأسى بين الحشا تتضرم وأترك أن أبكي عليك تطيرا وقلبي يبكي والجوانح تلطم من الطويل لم يسمع أحسن من هذا البيت في التفجع بمنكوب وأظهر للأعداء فيك جلادة وأكتم ما ألقاه والله يعلم وما أغربت فيك الليالي وإنها لتصدعنا من كل شعب وتثلم طوارق خطب ما تغب وفودها وأحداث أيام تفذ وتتئم فما عرفتني غير ما أنا عارف ولا علمتني غير ما كنت أعلم ومنها أندعو كريما من يجود بماله ومن جاد بالنفس النفيسة أكرم إذا لم يكن ينجي الفرار من الردى على حالة فالصبر أرجى وأحزم لعمري لقد أعذرت لو أن مسعدا وأقدمت لو أن الكتائب تقدم وما عابك ابن السابقين إلى العلا تأخر أقوام وأنت مقدم ومالك لا تلقى بمهجتك القنا وأنت من القوم الذين هم هم لعا يا أخي لا مسك السوء إنه هو الدهر في حاليه بؤسى وأنعم
وكتب إليه قصيدة أخرى منها أأبا العشائر إن أسرت فطالما أسرت لك البيض الخفاف رجالا لما أجلت المهر فوق رؤوسهم نسجت له حمر الشعور عقالا من الكامل ما أحسن ما اعتذر له مع إحسانه التشبيه يا من إذا حمل الحصان على الوجى قال اتخذ حبك التريك نعالا ما كنت نهزة آخذ يوم الوغى لو كنت أوجدت الكميت مجالا أخذوك في كيد المضايق غيلة مثل النساء تربب الرئبالا زلل من الأيام فيك يقيله ملك إذا عثر الزمان أقالا بالخيل ضمرا والسيوف قواضبا والسمر لدنا والرجال عجالا وقال ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني ليست مؤاخذة الإخوان من شاني يجني الخليل فأستحلي جنايته حتى أدل على عفوي وإحساني إذا خليلي لم تكثر إساءته فأين موقع إحساني وغفراني يجني علي وأحنو صافحا أبدا لا شيء أحسن من حان على جاني من البسيط وقال ما صاحبي إلا الذي من بشره عنوانه في وجهه ولسانه
كم صاحب لم أغن عن إنصافه في عشرة وغنيت عن إحسانه من الكامل وكتب في وصف كتاب ورد عليه من صديق له ووارد مورد أنسا يؤكده صدوره عن سليم الورد والصدر شدت سحائبه منه على نزه تقسم الحسن بين السمع والبصر عذوبة صدرت عن منطق جدد كالماء يخرج ينبوعا من الحجر وروضة من رياض الفكر دبجها صوب القرائح لا صوب من المطر كأنما نشرت أيدي الربيع بها بردا من الوشي أو ثوبا من الحبر من البسيط وقال لأبي الحصين القاضي من بحر شعرك أغترف وبفضل علمك أعترف أنشدتني فكأنما شققت عن در الصدف شعرا إذا ما قسته بجميع أشعار السلف قصرن دون مداه تقصير الحروف عن الألف من الكامل وقال أيضا إني عليك أبا حصين عاتب والحر يحتمل الصديق ويغفر وإذا وجدت على الصديق شكوته سرا إليه وفي المحافل أشكر من الكامل هكذا شرط الصداقة لا كما حكاه أبو إسحاق الصابي في قوله ومن الظلم أن يكون الرضى سرا ويبدو الإنكار وسط النادي
ومن العدل أن يشاع بهذا مثل ما شاع ذاك في الأشهاد من الخفيف الشكوى والعتاب سوى ما وقع في الروميات قال أراني وقومي فرقتنا مذاهب وإن جمعتنا في الأصول المناسب فأقصاهم أقصاهم من مساءتي وأقربهم مما كرهت الأقارب غريب وأهلي حيث ما كر ناظري وحيد وحولي من رجالي عصائب نسيبك من ناسبت بالود قلبه وجارك من صافيته لا المصاقب وأعظم أعداء الرجال ثقاتها وأهون من عاديته من تحارب وما الذنب إلا العجز يركبه الفتى وما ذنبه إن حاربته المطالب ومن كان غير السيف كافل رزقه فللذل منه لا محالة جانب من الطويل وقال مالي أعاتب مالي أين يذهب بي قد صرح الدهر لي بالمنع والياس أبغي الوفاء بدهر لا وفاء له كأنني جاهل بالدهر والناس من البسيط وقال تمنيتم أن تفقدوني وإنما تمنيتم أن تفقدوا العز أصيدا أما أنا أعلى من تعدون همة وإن كنت أدنى من تعدون مولدا إلى الله أشكو عصبة من عشيرتي يسيئون في القول غيبا ومشهدا
وإن حاربوا كنت المجن أمامهم وإن ضاربوا كنت المهند واليدا وإن ناب خطب أو ألمت ملمة جعلت لهم نفسي وما ملكت فدا من الطويل وقال أيا قومنا لا تنشبوا الحرب بيننا أيا قومنا لا تقطعوا اليد باليد فيا ليت داني الرحم منا ومنكم إذا لم يقرب بيننا لم يبعد عداوة ذي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند من الطويل وقال ويغتابني من لو كفاني غيبه لكنت له العين البصيرة والأذنا وعندي من الأخبار ما لو ذكرته إذا قرع المغتاب من ندم سنا من الطويل وقال إذا كان فضلي لا أسوغ نفعه فأفضل منه أن أرى غير فاضل ومن أضيع الأشياء مهجة عاقل يجوز على حوبائها حكم جاهل من الطويل الغزل والنسيب قال تبسم إذ تبسم عن أقاح وأسفر حين أسفر عن صباح وأتحفني براح من رضاب وراح من جنى خد وراح
فمن لألاء غرته صباحي ومن صهباء ريقته اصطباحي من الوافر وقال سكرت من لحظه لا من مدامته ومال بالنوم عن عيني تمايله فما السلاف دهتني بل سوالفه ولا الشمول ازدهتني بل شمائله ألوى بعزمي أصداغ لوين له وغال صبري ما تحوي غلائله من البسيط وقال من أين الرشأ الغرير الأحور في الخد مثل عذاره المتحدر قمر كأن بعارضيه كليهما مسكا تساقط فوق ورد أحمر من الكامل وقال قد كان بدر السماء حسنا والناس في حبه سواء فزاده ربه عذارا تم به الحسن والبهاء لا تعجبوا ربنا قدير يزيد في الخلق ما يشاء من مخلع البسيط وقال وظبي غرير في فؤادي كناسه إذا اكتنست عين الفلاة وحورها فمن خلقه أجيادها وعيونها ومن خلقه عصيانها ونفورها من الطويل
وقال وشادن قال لي لما رأى سقمي وضعف جسمي والدمع الذي انسجما أخذت دمعك من خدي وجسمك من خصري وسقمك من طرفي الذي سقما من البسيط وقال أساء فزادته الإساءة حظوة حبيب على ما كان منه حبيب يعد علي الواشيان ذنوبه ومن أين للوجه الجميل ذنوب من الطويل وقال أيها الغازي الذي يغزو بجيش الحب جسمي ما يقوم الأجر في غزوك للروم بإثمي من الرمل وقال وإذا يئست من الدنو رغبت في فرط البعاد أرجو الشهادة في هواك لأن روحي في جهاد من الكامل وقال وكنى الرسول عن الجواب تظرفا ولئن كنى فلقد علمنا ما عنى قل يا رسول ولا تحاش فإنه لا بد منه أساء بي أم أحسنا الذنب لي فيما جناه لأنني مكنته من مهجتي فتمكنا من الكامل وقال عدتني عن زيارته عواد أقل مخوفها سمر الرماح
ولو أني أطعت رسيس شوقي ركبت إليه أعناق الرياح من الوافر وقال يا عسوفا بالمستهام الشفيق وعنيفا على الرفيق الرفيق أسرق الدمع من نديمي بكأس فأحلي عقيانها بالعقيق من الخفيف وقال لطيرتي بالصداع نالت فوق منال الصداع مني وجدت فيه اتفاق سوء صدعني مثل صد عني من مخلع البسيط وقال يا ليلة لست أنسى طيبها أبدا كأن كل سرور حاضر فيها باتت وبت وبات الزق ثالثنا حتى الصباح تسقيني وأسقيها كأن سود عناقيد بلمتها أهدت سلافتها خمرا إلى فيها من البسيط وقال مسيء محسن طورا وطورا فما أدري عدوي أم حبيبي وبعض الظالمين وإن تناهى شهي الظلم مغتفر الذنوب من الوافر وقال قمر دون حسنه الأقمار وكثيب من النقا مستعار وغزال فيه نفار وما ينكر من شيمة الظباء النفار
لا أعاصيه في اجتراح المعاصي في هوى مثله تطيب النار قد حذرت الملاح دهرا ولكن ساقني نحو حبه المقدار كم أردت السلو فاستعطفتني رقية من رقاك يا عيار من الخفيف وقال من السلوان في عينيك آيات وآثار أراها منك بالقلب وفي الأضلاع أبصار إذا ما برد القلب فما تسخنه النار من الهزج وقال يا معشر الناس هل لي مما لقيت مجير أصاب غرة قلبي ذاك الغزال الغرير فعمر ليلى طويل وعمر يومي قصير من المجتث وقال أجملي يا أم عمرو زادك الله جمالا لا تبيعني برخص إن في مثلي يغالي أنا إن جدت بوصل أحسن العالم حالا من الرمل الأوصاف والتشبيهات قال في وصف الجسر كأنما الماء عليه الجسر درج بياض خط فيه سطر
كأننا لما تهيا العبر أسرة موسى حين شق البحر من الرجز وجلس يوما في البستان البديع والماء يتدرج في البرك فقال في وصفه وكل واصف فإنما يشبه الموصوف بما هو من جنس صناعته أو بما يكثر رؤيته له أنظر إلى زهر الربيع والماء في برك البديع وإذا الرياح جرت عليه في الذهاب وفي الرجوع نثرت على بيض الصفائح بيننا حلق الدروع من الكامل وقال في وصف النار والفحم لله برد ما أشد ومنظر ما كان أعجب جاء الغلام بناره هوجاء في فحم تلهب فكأنما جمع الحلي فمحرق منه ومذهب وكأنها لما خبت ما بيننا ند معشب من الكامل وقال مددنا علينا الليل والليل راضع إلى أن تردى رأسه بمشيب بحال ترد الحاسدين بغيظهم وتطرف عنا عين كل رقيب إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه مبادي نصول في عذار خضيب من الطويل وقال وجلنار مشرف على أعالي شجره كأن في رءوسه أحمره وأصفره
قراضة من ذهب في خرق معصفره من الرجز وقال في جارية مسبية وخريدة كرمت على آبائها زمنا وعند سبائها لم تكرم خطبت بحد السيف حتى زوجت كرها وكان صداقها للمقسم راحت وصاحبها لعرس حاضر برضا الإله وأهلها في مأتم من الكامل ينظر معنى البيت الأول والثالث إلى قول المتنبي تبكي عليهن البطاريق في الدجى وهن لدينا ملقيات كواسد بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد من الطويل ولأبي فراس في طعنة أصابت خده لما رأت أثر السنان بخده ظلت تقلبه بوجه عابس خلف السنان به مواقع لثمها بئس الخلافة للمحب البائس حسن الثناء بقبح ما صنع القنا يوم الطعان بصحن خد الفارس من الكامل الحكمة والموعظة قال غنى النفس لمن يعقل خير من غنى المال وفضل الناس في الأنفس ليس الفضل في الحال من الهزج
وقال المرء نصب مصائب لا تنقضي حتى يوارى جسمه في رمسه فمؤجل يلقى الردى في أهله ومعجل يلقى الردى في نفسه من الكامل قال أنفق من الصبر الجميل فإنه لم يخش فقرا منفق من صبره والمرء ليس ببالغ في أرضه كالصقر ليس بصائد في وكره من الكامل وقال خفض عليك ولا تكن قلق الحشا مما يكون وعله وعساه والدهر أقصر مدة مما ترى وعساك أن تكفي الذي تخشاه من الكامل وقال عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه فمن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه من الهزج وقال لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها إذا لم يكن للمبصرين بصائر وهل ينفع الخطي غير مثقف وتظهر إلا بالصقال الجواهر وكيف ينال المجد والجسم وادع وكيف يحاز الحمد والوفر وافر من الطويل وقال إذا لم يعنك الله فيما تريده فليس لمخلوق إليك سبيل
وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ضللت ولو أن السماك دليل من الطويل وقال لست بالمستضيم من هو دوني اعتداء ولست بالمستضام رب أمر عففت عنه اختيارا حذرا من أصابع الأيتام أبذل الحق للخصوم إذا ما عجزت عنه قدرة الحكام من الخفيف الروميات من غرر أبي فراس لما أدركت أبا فراس حرفة الأدب وأصابته عين الكمال أسرته الروم في بعض وقائعها وهو جريح وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينية وتطاولت مدته بها لتعذر المفاداة وقد قيل على كل نجح رقيب من الآفات وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبابه والتبرم بحاله ومكانه عن صدر حرج وقلب شج تزداد رقة ولطافة وتبكي سامعها وتعلق بالحفظ لسلاستها فمنها قوله ما للعبيد من الذي يقضي به الله امتناع ذدت الأسود عن الفرائس ثم تفرسني الضباع من الكامل وقوله قد عذب الموت بأفواهنا والموت خير من مقام الذليل إنا إلى الله لما نابنا وفي سبيل الله خير السبيل من السريع
ولما شقت فخذه عن نصل السهم الذي أصابه قال فلا تصفن الحرب عندي فإنها طعامي مذ بعت الصبا وشرابي وقد عرفت وقع المسامير مهجتي وشقق عن زرق النصول إهابي ولججت في حلو الزمان ومره وأنفقت من عمري بغير حساب من الطويل وقال بخرشنة إن زرت خرشنة أسيرا فلقد حللت بها مغيرا ولقد رأيت النار تنتهب المنازل والقصورا ولقد رأيت السبي يجلب نحونا حوا وحورا من كان مثلي لم يبت إلا أميرا أو أسيرا ليست تحل سراتنا إلا الصدور أو القبورا من الكامل وكتب إلى سيف الدولة قصيدة منها دعوتك للجفن القريح المسهد لدي وللنوم القليل المشرد وما ذاك بخلا بالحياة وإنها لأول مبذول لأول مجتد ولا زال عني أن شخصا معرضا لنبل العدا إن لم يصب فكأن قد ولكنني أختار موت بني أبي على سروات الخيل غير موسد وآبى وتأبى أن أموت موسدا بأيدي النصارى موت أكمد أكبد نضوت على الأيام ثوب جلادتي ولكنني لم أنض ثوب التجلد
فمن حسن صبر بالسلامة واعد ومن ريب دهر بالردى متوعدي فمثلك من يدعى لكل عظيمة ومثلي من يفدي بكل مسود تشبث بها أكرومة قبل فوتها وقم في خلاصي صادق العزم واقعد فإن تفتدوني تفتدوا شرف العلا وأسرع عواد إليكم معود يدافع عن أعراضكم بلسانه ويضرب عنكم بالحسام المهند متى تخلف الأيام مثلي لكم فتى طويل نجاد السيف رحب المقلد ولا وأبي ما ساعدان كساعد ولا وأبي ما سيدان كسيد وإنك للمولى الذي بك أقتدي وإنك للنجم الذي بك أهتدي وأنت الذي عرفتني طرق العلا وأنت الذي أهديتني كل مقصد وأنت الذي بلغتني كل غاية مشيت إليها فوق أعناق حسدي فيا ملبسي النعمى التي جل قدرها لقد أخلقت تلك الثياب فجدد ألم تر أني فيك صافحت حدها وفيك شربت الموت غير مصرد وفيك لقيت الألف زرقا عيونها بسبعين فيها كل أشأم أنكد يقولون جنب عادة ما عرفتها شديد على الإنسان ما لم يعود فقلت أما والله ما قال قائل شهدت له في الخيل ألأم مشهد ولكن سألقاها فإما منية هي الظن أو بنيان عز مؤيد ولم أدر أن الدهر من عدد العدا وأن المنايا السود يرمين عن يد من الطويل
وكتب إلى والدته وقد ثقل من الجراح التي به مصابي جليل والعزاء جميل وظني بأن الله سوف يديل جراح تحاماها الأساة مخافة وسقمان باد منهما ودخيل وأسر أقاسيه وليل نجومه أرى كل شيء غيرهن يزول تطول بي الساعات وهي قصيرة وفي كل دهر لا يسرك طول تناساني الأصحاب إلا عصابة ستلحق بالأخرى غدا وتحول وإن الذي يبقى على العهد منهم وإن كثرت دعواهم لقليل أقلب طرفي لا أرى غير صاحب يميل مع النعماء حيث تميل وصرنا نرى أن المتارك محسن وأن خليلا لا يضر وصول من الطويل كأنه مأخوذ من قول المتنبي إنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إنعام وإفضال من البسيط رجع تصفحت أحوال الزمان فلم يكن إلى غير شاك للزمان وصول أكل خليل أنكد غير منصف وكل زمان بالكرام بخيل نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة أجاب إليها عالم وجهول وفارق عمرو بن الزبير شقيقه وخلى أمير المؤمنين عقيل فيا حسرتي من لي بخل موافق أقول بشجوي مرة ويقول وإن وراء الستر أما بكاؤها علي وإن طال الزمان طويل فيا أمتا لا تعدمي الصبر إنه إلى الخير والنجح القريب رسول فيا أمتا لا تحبطي الأجر إنه على قدر الصبر الجميل جزيل
تأسي كفاك الله ما تجدينه فقد غال هذا الناس قبلك غول لقيت نجوم الأفق وهي صوارم وخضت سواد الليل وهو خيول ولم أرع للنفس الكريمة خلة عشية لم يعطف علي خليل ولكن لقيت الموت حتى تركته وفيه وفي حد الحسام فلول ومن لم يوق الله فهو ممزق ومن لم يعز الله فهو ذليل ومن لم يرده الله في الأمر كله فليس لمخلوق إليه سبيل وكتب إلى سيف الدولة هل تعطفان على العليل لا بالأسير ولا القتيل باتت تقلبه الأكف سحابة الليل الطويل فقد الضيوف مكانه وبكاه أبناء السبيل وتعطلت سمر الرماح وأغمدت بيض النصول يا فارج الكرب العظيم وكاشف الخطب الجليل كن يا قوي لذا الضعيف ويا عزيز لذا الذليل قربه من سيف الهدى في ظل دولته الظليل لم أرو منه ولا شفيت بطول خدمته غليلي ولئن حننت إلى ذراه لقد حننت إلى وصول لا بالقطوب ولا الغضوب ولا الكذوب ولا الملول يا عدتي في النائبات وظلتي عند المقيل أين المحبة والذمام وما وعدت من الجميل احمل على النفس الكريمة في والقلب الحمول من الكامل
وكتب إلى والدته لولا العجوز بمنبج ما خفت أسباب المنيه ولكان لي عما سألت من الفدى نفس أبيه لكن أردت مرادها ولو انجذبت إلى الدنيه أمست بمنبج حرة بالحزن من بعدي حريه فيها التقى والدين مجموعان في نفس زكيه لا زال يطرق منبجا في كل غادية تحيه يا أمتا لا تحزني وثقي بفضل الله فيه يا أمتا لا تيأسي لله ألطاف خفيه أوصيك بالصبر الجميل فإنه خير الوصيه من الكامل وكتب إلى غلامين له هل تحسان لي رفيقا رفيقا يحفظ الود أو صديقا صدوقا لا رعى الله يا خليلي دهرا فرقتنا صروفه تفريقا كنت مولاكما وما كنت إلا والدا محسنا وعما شفيقا فاذكراني وكيف لا تذكراني كلما استخون الصديق صديقا بت أبكيكما وإن عجيبا أن يبيت الأسير يبكي الطليقا من الخفيف وكتب إلى غلامه منصور مغرم مؤلم جريح أسير إن قلبا يطيق ذا لصبور وكثير من الرجال حديد وكثير من القلوب صخور قل لمن حل بالشآم طليقا بأبي قلبك الطليق الأسير
أنا أصبحت لا أطيق حراكا كيف أصبحت أنت يا منصور من الخفيف وكتب إليه ارث لصب بك قد زدته على بلايا أسره أسرا قد عدم الدنيا ولذاتها لكنه ما عدم الصبرا فهو أسير الجسم في بلدة وهو أسير القلب في أخرى من السريع وكتب إليه أيضا يا ليل ما أغفل عما بي حبائبي فيك وأحبابي يا ليل نام الناس عن موجع ناء على مضجعه نابي هبت له ريح شآمية متت إلى القلب بأسباب أدت رسالات حبيب بها فهمتها من بين أصحابي من السريع بلغني أن الصاحب كان يستظرف هذين البيتين ويستملحهما ويكثر الإعجاب بهما وكتب إليهما لأيكم أذكر وفي أيكم أفكر وكم لي على بلدتي بكاء ومستعبر ففي حلب عدتي وعزي والمفخر وفي منبج من رضاه أنفس ما أذخر ومن حبها زلفة بها يكرم المحشر وأصبيه كالفراخ أكبرهم أصغر
يخيل لي أمرهم كأنهم حضر وقوم ألفناهم وغصن الصبا أخضر فحزني ما ينقضي ودمعي ما يفتر أيا غفلتا كيف لا أرجى كما أحذر وماذا القنوط الذي أراه وأستشعر بلى إن لي سيدا مواهبه أكثر بذنبي أوردتني ومن فضلك المصدر من المتقارب وقال وقد حضره العيد يا عيد ما عدت بمحبوب على معنى القلب مكروب يا عيد قد عدت إلى ناظر عن كل حسن فيك محجوب يا وحشة الدار التي ربها أصبح في أثواب مربوب قد طلع العيد على أهلها بوجه لا حسن ولا طيب ما لي وللدهر وأحداثه لقد رماني بالأعاجيب من السريع وقال وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتي هل تشعرين بحالي معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى ولا خطرت منك الهموم ببال أتحمل محزون الفؤاد قوادم على غصن نائي المسافة عالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي تعالي تري روحا لدي ضعيفة تردد في جسم يعذب بالي أيضحك مأسور وتبكي طليقة ويسكت محزون ويندب سالي لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي من الطويل وكتب إلى سيف الدولة أما لجميل عندكن ثواب ولا لمسيء عندكن متاب إذا الخل لم يهجرك إلا ملالة فليس له إلا الفراق عتاب إذا لم أجد من خلة ما أريده فعندي لأخرى عزمة وركاب وليس فراق ما استطعت فإن يكن فراق على حال فليس إياب من الطويل أخذه من قول القائل وهو أوس بن حجر إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد إليه بوجه آخر الدهر تقبل من الطويل رجع صبور ولو لم يبق مني بقية قؤول ولو أن السيوف جواب وقور وأحداث الزمان تنوشني وللموت حولي جيئة وذهاب بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ومن أين للحر الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئاب على أجسادهن ثياب تغابيت عن قوم فظنوا غباوة بمفرق أغبانا حصى وتراب
ولو عرفوني بعض معرفتي بهم إذا علموا أني شهدت وغابوا إلى الله أشكو أننا بمنازل تحكم في آسادهن كلاب تمر الليالي ليس للنفع موضع لدي ولا للمعتفين جناب ولا شد لي سرج على متن سابح ولا ضربت لي بالعراء قباب ولا برقت لي في اللقاء قواطع ولا لمعت لي في الحروب حراب ستذكر أيامي نمير وعامر وكعب على علاتها وكلاب أنا الجار لا زادي بطيء عليهم ولا دون ما لي في الحوادث باب ولا أطلب العوراء منها أصيبها ولا عورتي للطالبين تصاب بني عمنا ما يفعل السيف في الوغى إذا قل منه مضرب وذباب بني عمنا نحن السواعد والظبا ويوشك يوما أن يكون ضراب وما أدعي ما يعلم الله غيره رحاب علي للعفاة رحاب وأفعاله للراغبين كريمة وأمواله للطالبين نهاب ولكن بنا منه بكفي صارم وأظلم في عيني منه شهاب ألم فيه بقول البحتري سحاب عداني جوده وهو ريق وبحر خطاني فيضه وهو مفعم وبدر أضاء الأرض شرقا ومغربا وموضع رحلي منه أسود مظلم من الطويل رجع وأبطأ عني والمنايا سريعة وللموت ظفر قد أطل وناب فإن لم يكن ود قريب تعده ولا نسب بين الرجال قراب فأحوط للإسلام أن لا يضيعني ولي عنه فيه حوطة ومناب
ولكنني راض على كل حالة لنعلم أي الخلتين سراب وما زلت أرضى بالقليل محبة لديه وما دون الكثير حجاب وأطلب إبقاء على الود أرضه وذكرى منى في غيرها وطلاب كذاك الوداد المحض لا يرتجى له ثواب ولا يخشى عليه عقاب ومثله للمتنبي وما أنا بالباغي على الحب رشوة ضعيف هوى يبغى عليه ثواب من الطويل رجع وقد كنت أخشى الهجر والشمل جامع وفي كل يوم لقية وخطاب فكيف وفيما بيننا ملك قيصر وللبحر حولي زخرة وعباب أمن بعد بذل النفس فيما تريده أثاب بمر العتب حين أثاب فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وكتب إليه بالكره مني واختيارك أن لا أكون حليف دارك يا تاركي إني لشكرك ما حييت لغير تارك كن كيف شئت فإنني ذاك المواسي والمشارك من الكامل وكتب إليه أبى غرب هذا الدمع إلا تسرعا ومكنون هذا الحب إلا تضوعا
وكنت أرى أني مع الصبر واجد وإذا شئت لي ممضى وإن شئت مرجعا فلما استمر الحب في غلوائه رعيت مع المضياعة الغر ما رعى فحزني حزن الهائمين مبرحا وسري سر العاشقين مضيعا وهبت شبابي والشباب مضنة لأبلج من أبناء عمي أروعا أبيت معنى من مخافة عتبه وأصبح محزونا وأمسي مروعا فلما مضى عصر الشبيبة كله وفارقني شرخ الشباب فودعا تطلبت بين العتب والهجر فرجة فحاولت أمرا لا يرام ممنعا وصرت إذا ما رمت في الخير لذة تتبعتها بين الهموم تتبعا وها أنا قد حلى الزمان مفارقي وتوجني بالشيب تاجا مرصعا فلو أنني مكنت مما أريده من العيش يوما لم أجد في موضعا أما ليلة تمضي ولا بعض ليلة أسر بها هذا الفؤاد المفجعا أما صاحب فرد يدوم وفاؤه فيصفى لمن يصفى ويرعى لمن رعى أفي كل دار لي صديق أوده إذا ما تفرقنا حفظت وضيعا إذا خفت من أخوالي الروم خطة تخوفت من أعمامي العرب أربعا وإن أوجعتني من أعادي شيمة لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا ولو قد رجوت الله لا شيء غيره رجعت إلى آلي وأملت أوسعا لقد قنعوا بعدي من القطر بالندى ومن لم يجد إلا القنوع تقنعا وما مر إنسان فأخلف مثله ولكن يرجى الناس أمرا مرقعا
تنكر سيف الدين لما عتبته وعرض بي تحت الكلام وقرعا فقولا له من صادق الود إنني جعلتك مما رابني منك مفزعا ولو أنني أكننته في جوانحي لأورق ما بين الضلوع وفرعا فلا تغترر بالناس ما كل من ترى أخوك إذا أوضعت في الأمر أوضعا فلله إحسان علي ونعمة ولله صنع قد كفاني التصنعا أراني طرق المكرمات كما رأى علي وأسعى لي عليا كما سعى فإن يك بطء مرة فلطالما تعجل بي نحو الجميل فأسرعا وإن يجف في بعض الأمور فإنني لأشكره النعمى التي كان أودعا وإن يستجد الناس بعدي فلم يزل بذاك البديل المستجد ممتعا من الطويل وكتب إليه أبو فراس مفاداتي إن تعذرت عليك فأذن لي في مكاتبة أهل خراسان ومراسلتهم ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فأجابه سيف الدولة بكلام حسن وقال له ومن يعرفك بخراسان فكتب إليه أبو فراس أسيف الهدى وقريع العرب إلام الجفاء وفيم الغضب وما بال كتبك قد أصبحت تنكبني مع هذي النكب وأنت الكريم وأنت الحليم وأنت العطوف وأنت الحدب وما زلت تسعفني بالجميل وتنزلني بالمكان الخصب وإنك للجبل المشمخر لي بل لقومك بل للعرب علا يستفاد وعاف يفاد وعز يشاد ونعمى ترب وما غض مني هذا الإسار ولكن خلصت خلوص الذهب
ففيم يقرعني بالخمول مولى به نلت أعلى الرتب وكان عتيدا لدي الجواب ولكن لهيبته لم أجب أتنكر أني شكوت الزمان وأني عتبتك فيمن عتب فألا رجعت فأعتبتني وصيرت لي ولقومي الغلب فلا تنسبن إلي الخمول عليك أقمت فلم أغترب وأصبحت منك فإن كان فضل وإن كان نقص فأنت السبب وإن خراسان إن أنكرت علاي فقد عرفتها حلب ومن أين ينكرني الأبعدون أمن نقص جد أمن نقص أب ألست وإياك من أسرة وبيني وبينك عرق النسب وداد تناسب فيه الكرام وتربية ومحل أشب ونفس تكبر إلا عليك وترغب إلاك عمن رغب فلا تعدلن فداك ابن عمك لا بل غلامك عما يجب وأنصف فتاك فإنصافه من الفضل والنسب المكتسب فكنت الحبيب وكنت القريب ليالي أدعوك من عن كثب فلما بعدت بدت جفوة ولاح من الأمر ما لا أحب فلو لم أكن بك ذا خبرة لقلت صديقك من لم يغب من المتقارب وكتب إليه أيضا زماني كله غضب وعتب وأنت علي والأيام ألب وعيش العين لديك سهل وعيشي وحده بفناك صعب فكيف وأنت دافع كل خطب مع الخطب الملم علي خطب
فلا تحمل على قلب جريح به لحوادث الأيام ندب أمثلي تقبل الأقوال فيه ومثلك يستمر عليه كذب جناني ما علمت ولي لسان يقد الدرع والإنسان عضب وزندي وهو زندك ليس يكبو وناري وهي نارك ليس تخبو وفرعي فرعك السامي المعلي وأصلي أصلك الزاكي وحسب وفضلي تعجز الفضلاء عنه لأنك أصله والمجد ترب فدت نفسي الأمير وكان حظي وقربي عنده ما دام قرب فلما حالت الأعداء دوني وأصبح بيننا بحر ودرب ظللت تبدل الأقوال بعدي ويبلغني اغتيابك ما يغب فقل ما شئت في فلي لسان مليء بالثناء عليك رطب وقابلني بإنصاف وظلم تجدني في الجميع كما تحب من الوافر وبلغ أبا فراس أن والدته قصدت حضرة سيف الدولة من منبج تكلمه في المفاداة وتتضرع إليه فلم يكن عنده ما رجت من حسن الإيجاب ووافق ذلك عنفا من الدمستق بأبي فراس ومن معه من الأسرى وزيادة في إرهاقهم فكتب إلى سيف الدولة يا حسرة ما أكاد أحملها آخرها مزعج وأولها عليلة بالشآم مفردة بات بأيدي العدى معللها
إذا اطمأنت وأين أو هدأت عنت لها ذكرة تقلقلها تسأل عنا الركبان جاهدة بأدمع ما تكاد تمهلها يا من رأى لي بحصن خرشنة أسد شرى في القيود أرجلها يا من رأى في الدروب شامخة دون لقاء الحبيب أطولها يا أيها الراكبان هل لكما في حمل نجوى يخف محملها يا أمتا هذه منازلنا نتركها تارة وننزلها من المنسرح ومنها يا سيدا ما تعد مكرمة إلا وفي راحتيك أكملها ليست تنال القيود من قدمي وفي اتباعي رضاك أحملها لا تتيمم والماء تدركه غيرك يرضى الصغرى ويقبلها أنت سماء ونحن أنجمها أنت بلاد ونحن أجبلها أنت سحاب ونحن وابله أنت يمين ونحن أشملها بأي عذر رددت والهة عليك دون الورى معولها جاءتك تمتاح رد واحدها ينتظر الناس كيف تقفلها تلك العقود التي عقدت لنا كيف وقد أحكمت تحللها أرحامنا منك لم تقطعها ولم تزل دائبا توصلها سمحت مني بمهجة كرمت أنت على يأسها مؤملها إن كنت لم تبذل الفداء لها فلم أزل في هواك أبذلها تلك المودات كيف تهملها تلك المواعيد كيف تغفلها
أين المعالي التي عرفت بها تقولها دائبا وتفعلها يا واسع الدار كيف توسعها ونحن في صخرة نزلزلها يا ناعم الثوب كيف تبدله ثيابنا الصوف ما نبدلها يا راكب الخيل لو بصرت بنا نحمل أقيادنا وننقلها رأيت في الضر أوجها كرمت فارق فيك الجمال أجملها قد أثر الدهر في محاسنها تعرفها تارة وتجهلها لا يفتح الناس باب مكرمة صاحبها المستغاث يقفلها أينبري دونك الكرام لها وأنت قمقامها وأجملها وأنت إن عز حادث جلل قلبها المرتجى وحولها منك تردى بالفضل أفضلها منك أفاد النوال أنولها فإن سألنا سواك عارفة فبعد قطع الرجاء نسألها لم يبق في الناس أمة عرفت إلا وفضل الأمير يشملها نحن أحق الورى برأفته فأين عنا وكيف معدلها يا منفق المال لا يريد به إلا المعالي التي يؤثلها أصبحت تشري مكارما فضلا فداؤنا ما علمت أفضلها لا يقبل الله قبل فرضك ذا نافلة عنده تنفلها وكتب إلى أبي المعالي وأبي المكارم ابني سيف الدولة يا سيدي أراكما لا تذكران أخاكما
أوجدتما بدلا به يبني سماء علاكما أوجدتما بدلا به يفري نحور عداكما من ذا يعاب بما لقيت من الورى إلاكما لا تقعدا بي بعدها وسلا الأمير أباكما وخذا فداي جعلت من ريب المنون فداكما من الكامل وقال لما طال أسره يسب الشامتين ويتشوق محله بمنبج قف في رسوم المستجاب وناد أكناف المصلى تلك المنازل والملاعب لا أراها الله محلا أوطنتها زمن الصبا وجعلت منبج لي محلا حيث التفت رأيت ماء سائحا وسكنت ظلا والماء يفصل بين زهر الروض في الشطين فصلا كبساط وشي جردت أيدي القيون عليه نصلا من كان سر بما عراني فليمت ضرا وهزلا ما غض مني حادث والقرم قرم حيث حلا أني حللت فإنما يدعونني السيف المحلى ولئن خلصت فإنني شرق العدا طفلا وكهلا ما كنت إلا السيف زاد على صروف الدهر صقلا
ولئن قتلت فإنما موت الكرام الصيد قتلى يغتر بالدنيا الجهول وليس بالدنيا مملى من الكامل وقال من قصيدة أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر إذا الليل أضوى بي بسطت يد الرجا وأذللت دمعا من خلائقه الكبر تكاد تضيء النار بين جوانحي إذا هي أذكتها الصبابة والفكر من الطويل ومنها وإني لجرار لكل كتيبة معودة أن لا يخل بها النصر وأصدأ حتى ترتوي البيض والقنا وأسغب حتى يشبع الذئب والنسر ومنها أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى ولا فرسي مهر ولا ربه غمر ولكن إذا حم القضاء على امرئ فليس له بر يقيه ولا بحر وقال أصيحابي الفرار أو الردى فقلت هما أمران أحلاهما مر ولكنني أمضي لما لا يعيبني وحسبك من أمرين خيرهما الأسر ولا خير في دفع الردى بمذلة كما ردها يوما بسوأته عمرو
وكتب إلى سيف الدولة قصيدة منها ما لي جزعت من الخطوب وإنما أخذ الإله لبعض ما أعطاني إن لم تكن طالت سني فإن لي رأي الكهول ونجدة الشبان قمن بما سر الأعادي موقفي والدهر برز لي مع الأقران يا دهر خنت مع الأصادق خلتي وغدرت بي في جملة الإخوان لكن سيف الدولة المولى الذي لم أنسه وأراه لا ينساني أيضيعني من لم يزل لي حافظا كرما ويخفضني الذي أعلاني إني أغار على مكاني أن أرى فيه رجالا لا تسد مكاني من الكامل وقال من قصيدة يعز على الأحبة بالشآم حبيب بات ممنوع المنام وإني للصبور على الرزايا ولكن الكلام على الكلام جروح ما يزلن يردن مني على جرح قريب العهد دام تأملني الدمستق إذ رآني فأبصر صيغة الليث الهمام أتنكرني كأنك لست تدري بأني ذلك البطل المحامي فلا هنئتها نعمى بأخذي ولا وصلت سعودك بالتمام أما من أعجب الأشياء علج يعرفني الحلال من الحرام وتكنفه بطارقة تيوس تباري بالعثانين الضخام
لهم خلق الحمير فلست تلقى فتى منهم يسير بلا حزام يريغون العيوب وأعجزتهم وأي العيب يوجد في الحسام ثناء طيب لا خلف فيه وآثار كآثار الغمام ألاز على التعرض للمنايا ولي سمع أصم عن الملام بنو الدنيا إذا ماتوا سواء ولو عمر المعمر ألف عام ألا يا صاحبي تذكراني إذا ما شمتما البرق الشآمي إذا ما لاح لي لمعان برق بعثت إلى الأحبة بالسلام من الوافر وكتب إليه ابن الأسمر يوصيه بالصبر فأجابه ندبت لحسن الصبر قلب نجيب وناديت بالتسليم خير مجيب ولم يبق مني غير قلب مشيع وعود على ناب الزمان صليب وقد علمت أمي بأن منيتي بحد حسام أو بحد قضيب كما علمت من قبل أن يغرق ابنها بمهلكه في الماء أم شبيب من الطويل كانت أم شبيب رأت في منامها وهي حبلى كأن نار أخرجت من بطنها فاشتعلت الآفاق ثم وقعت في الماء فانطفأت فلما كان من أمره ما كان ونعى إليها لم تصدق حتى قيل إنه قد غرق في الماء فأقامت المناحة تجشمت خوف العار أعظم خطة وأملت نصرا كان غير قريب وللعار خلى رب غسان ملكه وفارق دين الله غير مصيب
ولم يرتغب في العيش عيسى بن مصعب ولا خف خوف بالحزون خبيب وأحفظ أبو فراس الدمستق في مناظرة جرت بينهما فقال له الدمستق إنما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب فقال له أبو فراس نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام ثم قال أتزعم يا ضخم اللغاديد أننا ونحن أسود الحرب لا نعرف الحربا فويلك من للحرب إن لم نكن لها ومن ذا الذي يضحي ويمسي لها تربا ومن ذا يكف الجيش من جنباته ومن ذا يقود العين أو يصدم القلبا وويلك من أردى أخاك بمرعش وجلل ضربا وجه والدك العضبا وويلك من خلى ابن أختك موثقا وخلاك باللقان تبتدر الشعبا أتوعدنا بالحرب حتى كأننا وإياك لم يعصب بها قلبنا عصبا لقد جمعتنا الحرب من قبل هذه فكنا بها أسدا وكنت بها كلبا وسل برد سل عنا أباك وصهره وسل أهل برداليس أعظمهم خطبا وسل قرقاشا والشمقمق صهره وسل سبطه البطريق أثبتهم قلبا وسل صيدكم آل الملابين إننا نهبنا ببيض الهند عرضهم نهبا وسل أهل بيرام وأهل بلنطس وسل آل شنوان الخناجرة الغلبا وسل بالبطرصيس العساكر كلها وسل بالمسيطر ناطس الروم والعربا
ألم تكفهم قتلا ونهبا سيوفنا وأسد الشرى الملأى وإن جمدت رعبا بأقلامنا أجحرت أم بسيوفنا وأسد الشرى قدنا إليك أم الكتبا تفاخرنا بالضرب والطعن والقنا لقد أوسعتك النفس يا ابن استها كذبا رعى الله أوفانا إذا قال ذمة وأنفذنا طعنا وأثبتنا ضربا من الطويل وقال من قصيدة خليلي ما أعددتما لمتيم أسير لدى الأعداء جافى المراقد فريد عن الأحباب لكن دموعه مثان على الخدين غير فرائد جمعت سيوف الهند من كل وجهة وأعددت للأعداء كل مجالد إذا كان غير الله للمرء عدة أتته الرزايا من وجوه الفوائد فقد جرت الحنفاء حتف حذيفة وكان يراها عدة للشدائد وجرت منايا مالك بن نويرة عقيلته الحسناء أيام خالد وأردى ذؤابا في بيوت عتيبة بنوه وأهلوه بشدو القصائد من الطويل ولما خفف عن أبي فراس ورفه ونوظر في أمر الهدنة والأسارى وأجيب إلى ملتمسه بعد أن أكرم وبجل قال ولله عندي في الإسار وغيره مواهب لم يخصص بها أحد قبلي حللت عقودا أعجز الناس حلها وما زلت لا عقدي يذم ولا حلي
إذا عاينتني الروم قد ذل صيدها كأنهم أسرى يدي بلا كبل وأوسع أياما حللت كرامة كأني من أهلي نقلت إلى أهلي فأبلغ بني عمي وأبلغ بني أبي بأني في نعماء يشكرها مثلي وما شاء ربي غير نشر محاسني وأن يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل من الطويل ما أخرج من مزدوجته الطردية ما العمر ما طالت به الدهور العمر ما تم به السرور أيام عزي ونفاذ أمري هي التي أحسبها من عمري ما أجور الدهر على بنيه وأغدر الدهر بمن يصفيه لو شئت مما قد قللن جدا عددت أيام السرور عدا أنعت يوما مر لي بالشام ألذ ما مر من الأيام دعوت بالصقار ذات يوم عند انتباهي سحرا من نومي قلت له اختر سبعة كبارا كل نجيب يرد الغبارا يكون للأرنب منها اثنان وخمسة تفرد للغزلان واجعل كلاب الصيد نوبتين يرسل منها اثنان بعد اثنين ثم تقدمت إلى الفهاد والبازيارين بالاستعداد وقلت إن خمسة لتقنع والزرقان الفرخ والملمع وأنت يا طباخ لا تباطا عجل لنا اللفات والأوساطا ويا شرابي البلقسيات تكون للراح ميسرات
بالله لا تستصحبوا ثقيلا واجتنبوا الكثرة والفضولا ردوا فلانا وخذوا فلانا وضمنوني صيدكم ضمانا فاخترت لما وقفوا طويلا عشرين أو فويقها قليلا عصابة أكرم بها عصابه معروفة بالفضل والنجابه ثم قصدنا صيد عين باصر مظنة الصيد لكل خابر جئناه والشمس قبيل المغرب تختال في ثوب الأصيل المذهب وأخذ الدراج في الصياح مكتنفا من سائر النواحي في غفلة عنا وفي ضلال ونحن قد زرناه بالآجال يطرب للصبح وليس يدري أن المنايا في طلوع الفجر نحن نصلي والبزاة تخرج مجردات والخيول تسرج وقلت للفهاد إمض وانفرد وصح بنا إن عن ظبي واجتهد فلم يزل غير بعيد عنا إليه يمضي ما يفر منا وسرت في صف من الرجال كأنما نزحف للقتال فما استوينا كلنا حتى وقف غليم كان قريبا من شرف ثم أتاني عجلا قال السبق فقلت إن كان العيان قد صدق سرت إليه فأراني جاثمه ظننتها يقظى وكانت نائمه ثم أخذت نبلة كانت معي ودرت دورين ولم أوسع حتى تمكنت فلم أخط الطلب لكل حتف سبب من السبب ومنها ثم دعوت القوم هذا بازي فأيكم ينشط للبراز
فقال منهم رشأ أنا أنا ولو درى ما بيدي لأذعنا ومنها جئت بباز حسن وهبرج دون العقاب وفويق الزمج زين لرائيه وفوق الزين ينظر من نارين في غارين كأن فوق صدره والهادي آثار مشي الذر في الرماد ذي منسر فخم وعين غائره وأفخذ مثل الجبال وافره ضخم قريب الدستبان جدا يلقى الذي يحمل منه كدا وراحة تحمل كفي سبطة زادت على قدر البزاة بسطه سر وقال هات قلت مهلا احلف على الرد فقال كلا أما يميني فهي عندي غاليه وكلمتي مثل يميني وافيه فقلت خذه هبة بقبله فصد عني وعلته خجله ثم ندمت غاية الندامة ولمت نفسي أكثر الملامه على مزاحي والرجال حضر وهو يزيد خجلا ويحصر فلم أزل أمسحه حتى انبسط وهش للصيد قليلا ونشط ومنها في وصف البازي واستيلائه على الكركي حتى إذا جندله كالعندل أيقنت أن العظم غير الفضل صحت إلى الطباخ ماذا تنتظر انزل عن المهر وهات ما حضر
جاء بأوساط وجردباج من حجل الطير ومن دراج فما تنازلنا عن الخيول يمنعنا الحرص من النزول وجيء بالكأس وبالشراب فقلت وفرها على أصحابي أشبعني اليوم ورواني الفرح فقد كفاني بعض وسط وقدح ومنها ثم انصرفنا والبغال موقره في ليلة مثل الصباح مسفره حتى أتينا رحلنا بليل وقد سبقنا بجياد الخيل ثم نزلنا فطرحنا الصيدا لما عددنا مائة وزيدا فلم نزل نشوي ونقلي ونصب حتى طلبنا صاحيا فلم نصب شربا كما عن من الزقاق بغير ترتيب وغير ساق ولم نزل سبع ليال عددا أسعد من راح وأحظى من غدا وحكى بديع الزمان أبو الفضل الهمذاني قال قال الصاحب أبو القاسم يوما لجلسائه وأنا فيهم وقد جرى ذكر أبي فراس لا يقدر أحد أن يزور على أبي فراس شعرا فقلت ومن يقدر على ذلك وهو الذي يقول رويدك لا تصل يدها بباعك ولا تغز السباع إلى رباعك ولا تعن العدو علي إني يمين إن قطعت فمن ذراعك من الوافر فقال الصاحب صدقت قلت أيد الله مولانا قد فعلت ولعمري إنه قد حسن ولكن لم يشق غبار أبي فراس وكتب على ظهر الجزء المشتمل على مزدوجته التي أولها ما العمر ما طالت به الدهور العمر ما تم به السرور من الرجز
هذه الأبيات أروح القلب ببعض الهزل تجاهلا مني بغير جهل أمزح فيه مزح أهل الفضل والمزح أحيانا جلاء العقل من الرجز فصل قد أطلت عنان الاختيار من محاسن شعر أبي فراس وما محاسن شيء كله حسن وذلك لتناسبها وعذوبة مشارعها ولا سيما الروميات التي رمى بها هدف الإحسان وأصاب شاكلة الصواب ولعمري إنها كما قرأته لبعض البلغاء لو سمعته الوحش أنست أو خوطبت به الخرس نطقت أو استدعي به الطيرنزلت ولما خرج قمر الفضل من سراره وأطلق أسد الحرب عن إساره لم تطل أيام فرحته ولم تسمح النوائب بالتجافي عن مهجته ودلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في مرثيته على أنه قتل في وقعه كانت بينه وبين بعض موالي أسرته وما أحسن وأصدق قول المتنبي فلا تنلك الليالي إن أيديها إذا ضربن كسرن النبع بالغرب ولا يعن عدوا أنت قاهره فإنهن يصدن الصقر بالخرب من البسيط
وذكر ابن خالويه أن آخر شعر لأبي فراس قوله عند موته رحمه الله تعالى أبنيتي لا تجزعي كل الأنام إلى ذهاب نوحي علي بحسرة من خلف سترك والحجاب قولي إذا كلمتني فعييت عن رد الجواب زين الشباب أبو فراس لم يمتع بالشباب من الكامل اللهم ارحم تلك الروح الشريفة
الباب الرابع في ملح شعر آل حمدان وغيرهم من أمراء الشام وقضاتها وكتابها أخبرني جماعة من أهل الأدب أن المتنبي لما عوتب في آخر أيامه على تراجع شعره قال قد تجوزت في قولي وأعفيت طبعي واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان وفيهم من يقول وقد علمت بما لاقته منا قبائل يعرب وبنو نزار لقيناهم بأرماح طوال تبشرهم بأعمار قصار من الوافر يعني أبا زهير مهلهل بن نصر بن حمدان ومنهم من يقول يعني أبا العشائر أأخا الفوارس لو رأيت مواقفي والخيل من تحت الفوارس تنحط لقرأت منها ما تخط يد الوغى والبيض تشكل والأسنة تنقط من الكامل وأنشدني أبو بكر الخوارزمي لبعضهم أغمام ما يدريك ما أفعالنا والخيل تحت النقع كالأشباح
تطفو وترسب في الدماء كأنها صور الفوارس في كؤوس الراح من الكامل وأنشدت لأبي العشائر سطا علينا ومن حاز الجمال سطا ظبي من الجنة الفردوس قد هبطا له عذران قد خطا بوجنته فاستوقفا فوق خديه وما انبسطا وظل يخطو فكل قال من شغف يا ليته في سواد الناظرين خطا من البسيط وقال بعض الرواة دخلت على أبي العشائر أعوده من علة هجمت عليه فقلت له ما يجد الأمير فأشار إلى غلام قائم بين يديه اسمه نسطوس كأن رضوان غفل عنه فأبق من الجنة وأنشد أسقم هذا الغلام جسمي بما بعينيه من سقام فتور عينيه من دلال أهدى فتورا إلى عظامي وامتزجت روحه بروحي تمازج الماء بالمدام من مخلع البسيط وكان أبو الحسن الماسرجي ينشد في تدريسه مسألة الحر لا يقتل بالعبد هذين البيتين وهما لبعض آل حمدان خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على عمد ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل بالعبد من الطويل وأنشدت لبعضهم وهو أحسن ما سمعت في معناه للعبد مسألة لديك جوابها إن كنت تذكره فهذا وقته ما بال ريقك ليس ملحا طعمه ويزيدني عطشا إذا ما ذقته من الكامل
ووجدت بخط أبي بكر الخوارزمي هذه الأبيات منسوبة إلى أبي وائل تغلب ابن داود بن حمدان ورويت لغيره لا والذي جعل الموالي في الهوى خدم العبيد وأصار في أيدي الظباء قياد أعناق الأسود وأقام ألوية المنية بين أفنية الصدود ما الورد أحسن منظرا من حسن توريد الخدود من الكامل ووجدت بخطه لحمدان الموصلي يا رسول الحبيب ويحك قد ألقى عليك الحبيب حسنا وطيبا وتعلمت حسن ألفاظه تلك فظرفت بادئا ومجيبا ولقد كدت أن أضمك لولا أن يسيء الظنون أو يستريبا خيفة أن يكون ذاك كما قيل قديما صار الرسول حبيبا من الخفيف ولأبي وائل الحمداني لما أسره المبرقع يا خليلي أسعداني فقد عيل اصطباري على احتمال البليه غربة قارظية وغرام عامري ومحنة علوية من الخفيف ولأبي زهير وهو مما يتغنى به وزعمت أني ظالم فهجرتني ورميت في قلبي بسهم نافذ فنعم ظلمتك فاغتفر لي زلتي هذا مقام المستجير العائذ من الكامل وأنشدني الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي هذه الأبيات ولم يسم
قائلا ثم وجدتها في بعض التعليقات منسوبة إلى بعض آل حمدان أجل عينيك في عيني تجدها مشربة ندى ورد الخدود وصافحني تجد عبقا بكفي يضوع إليك من ردع النهود وخذ سمعي إليك فإن فيه بقايا من حديث كالعقود من الوافر وأنشدني أبو الحسن محمد بن أبي موسى الكرخي قال أنشدني القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن القاضي أبي القاسم التنوخي قال أنشدني أبو المطاع ذو القرنين بن ناصر الدولة أبي محمد لنفسه تغمدهم الله تعالى برحمته وأسكنهم بحبوحة جنته إني لأحسد لا في أسطر الصحف إذا رأيت اعتناق اللام للألف وما أظنهما طال اجتماعهما إلا لما لقيا من شدة الشغف من البسيط قال وأنشدني أيضا لنفسه أفدى الذي زرته بالسيف مشتملا ولحظ عينيه أمضى من مضاربه فما خلعت نجادي في العناق له حتى لبست نجادا من ذوائبه فكان أنعمنا عيشا بصاحبه من كان في الحب أشقانا بصاحبه من البسيط قال وأنشدني أيضا لنفسه قالت لطيف خيال زارها ومضى بالله صفه ولا تنقص ولا تزد فقال خلفته لو مات من ظمأ وقلت قف عن ورود الماء لم يرد قالت صدقت الوفا في الحب عادته يا برد ذاك الذي قالت على كبدي من البسيط
وأنشدني أيضا قال أنشدني لنفسه في جارية كانت معاجرها تبلى بسرعة أرى الثياب من الكتان يلمحها ضوء من البدر أحيانا فيبليها وكيف تنكر أن تبلى معاجرها والبدر في كل حين طالع فيها من البسيط وقد أحسن غاية الإحسان والعرب تزعم أن البدر يبلي الثياب الحلوة وقوله أيا من صبرت على فقده وإن كان لي مؤلما موجعا لقد نال كل الذي يشتهي حسود علينا ببين دعا من المتقارب وأنشدني أيضا للحسين بن ناصر الدولة لو كنت أملك طرفي ما نظرت به من بعد فرقتكم يوما إلى أحد ولست أعتده من بعدكم نظرا لأنه نظر من مقلتي رمد من البسيط منصور وأحمد ابنا كيغلغ أديبان شاعران من أولاد أمراء الشام فمن مشهور ملح منصور قوله خنت الذي أهوى من الناس ونمت عن جودي وعن باسي يوم أرى الدجن فلا أرتوي من ريق إلفي ومن الكاس من السريع
وقوله كأنها والقرط في أذنها بدر الدجى قرط بالمشتري قد كتب الحسن على وجهها يا أعين الناس قفي وانظري من السريع وقوله من أبيات يدير في كفه مداما ألذ من غفلة الرقيب كأنها إذا صفت ورقت شكوى محب إلى حبيب من مخلع البسيط وقوله عاد الزمان بمن هويت فأعتبا يا صاحبي فسقياني واشربا كم ليلة سامرت فيها بدرها من فوق دجلة قبل أن يتغيبا قام الغلام يديرها في كفه فحسبت بدر التم يحمل كوكبا والبدر يجنح للغروب كأنه قد سل فوق الماء سيفا مذهبا من الكامل وقد أكثروا في وصف القمر على الماء وبيت منصور هذا من غرر ذلك وأحسن ما سمعت فيه على كثرته قول القاضي التنوخي أحسن بدجلة والدجى متصوب والبدر في أفق السماء مغرب فكأنها فيه بساط أزرق وكأنه فيها طراز مذهب من الكامل وقول أبي الفتح كشاجم ما زلت أسقاها على وجه غزال مونق بقمر منتقب بخاتم منتطق والبدر فوق دجلة والصبح لما يشرق
كحلية من ذهب على رداء أزرق من مجزوء الرجز ومن ملح منصور قوله كتبت إليك بماء الجفون وقلبي بماء الهوى مشرب فكفي تخط وقلبي يمل وعيني تمحو الذي تكتب من المتقارب وقوله ألبسني ذلة العبيد من قلبه صيغ من حديد ونم طرفي بما ألاقي من كمد دائم المزيد وكيف يخفي الهوى عميد ودمه صاحب البريد من مخلع البسيط وقوله قالوا عليك سبيل الصبر قلت لهم هيهات إن سبيل الصبر قد ضاقا ما يرجع الطرف عنه حين يبصره حتى يعود إليه القلب مشتاقا من البسيط ولأحمد لا يكن للكأس في كفك يوم الغيث لبث أو ما تعلم أن الغيث ساق مستحث من الرمل وله ولولا أن برذون الهوى يعتلف الرطبه
ركبناه إلى الصيد وأرسلنا له كلبه فصدنا ثعلب الهجران تلك الخبة الضبه وصيرنا لزيت الوصل من جلد استها ربه من الهزج وله ويروي لديك الجن قلت له والجفون قرحى قد أقرح الدمع ما يليها ما لي في لوعتي شبيه قال وأبصرت لي شبيها من مخلع البسيط وله بدت من خلل الحجب كمثل اللؤلؤ الرطب فأدمى خدها لحظي وأدمى لحظها قلبي من الهزج وله واعطشي إلى فم يمج خمرا من برد إن قسم الناس فحسبي بك من كل أحد من الرجز أبو محمد جعفر وأبو أحمد عبد الله ابنا ورقاء الشيباني من رؤساء عرب الشام وقوادها والمختصين بسيف الدولة وما منهما إلا أديب شاعر جواد ممدح وبينهما وبين أبي فراس مجاوبات وإليهما أرسل أبو فراس يقول من قصيدة أتاني عن بني ورقاء قول ألذ جنى من الماء القراح
وأطيب من نسيم الروض حفت به اللذات من روح وراح ولو أني اقترحت على زماني لكنتم يا بني ورقا اقتراحي من الوافر ولأبي أحمد في جوابها من قصيدة أولها أصاح قلبه أم غير صاح وقد عنت له عفر البطاح ظباء الوحش تحكي ماثلات ظباء الإنس بالصور الملاح من الوافر ومنها يدرن مراض أجفان صحاح فيا عجبي من المرضى الصحاح وما زالت عيون العين فينا تؤثر فوق تأثير السلاح ومنها أمطلعة الهلال على قضيب ومسدلة الظلام على الصباح عدتني عن زيارتك العوادي ودهر للأكارم ذو اطراح ومنها أمدره تغلب لسنا وعلما ومصقع نطقها عند التلاحي لقد أوتيت علما واضطلاعا بآداب وألفاظ فصاح لمقولك المضاء إذا انتضاه القصيد على المهندة الصفاح وله من قصيدة ألا ليت شعري والحوادث جمة وما كنت في دهري إلى الناس شاكيا
أمخترمي ريب المنون بحسرة تبلغ نفسي من شجاها التراقيا إلى الله أشكو أن في الصدر حاجة تمر بها الأيام وهي كما هيا من الطويل ومنها في ذكر بني كعب وإيحاشهم سيف الدولة حتى أضربهم وإنهم لما استهاجوا صياله وما كان عن مستوجب البطش وانيا كمن شب نارا في شعار ثيابه وهيج ليثا للفريسة ضاريا وطه من قصيدة أجاب بها عن قصيدة أبي فراس التي أولها لعل خيال العامرية زائر عمرن بعمار من الإنس برهة فهاهن صفر ليس فيهن صافر أخلت بمغناها دمى وخرائد وحلت بأقصاها مها وجآذر أهن عيون باللحاظ دوائر على عاشقيها أم سيوف بواتر ضعائف يقهرن الأشداء قدرة عليهم وسلطان الصبابة قاهر من الطويل ومنها ألا يا ابن عم يستزيد ابن عمه رويدك إني لانبساطك شاكر تصفحت ما أنفذته فوجدته كما استودعت نظم العقود الجواهر وذكرني روضا بكته سماؤه فضاحكه مستأسد وهو زاهر عرائس تجلوها عليك خدورها ولكنما تلك الخدور دفاتر
فعدلا فإن العدل في الحكم سيرة بها سار في الناس الملوك الأساور ولما قال أبو فراس إنا إذا اشتد الزمان وناب خطب وادلهم من الكامل من أبيات قد مرت أجابه أبو محمد جعفر بن محمد بن ورقاء بقوله من أبيات أنتم كما قد قلت بل أعلى وأشرف يا ابن عم ولكم سوابق كل فخر واللواحق من أمم أحسنت والله العظيم نظام بيتك حين تم فيما ذكرت من السيوف وما ذكرت من النعم حتى كأن بنظمه للحسن درا منتظم من الكامل وكتب أبو محمد عند حصوله ببغداد بعد وفاة سيف الدولة إلى أبي إسحاق الصابي وكانت بينهما مودة وتزاور فانقطع عنه أبو إسحاق لبعض العوائق يا ذا الذي جعل القطيعة دأبه إن القطيعة موضع للريب إن كان ودك في الطوية كامنا فاطلب صديقا عالما بالغيب من الكامل فأجابه أبو إسحاق بهذه الأبيات قد يهجر الخل السليم الغيب للشغل وهو مبرا من ريب ويواصل الرجل المنافق مبديا لك ظاهرا مستبطنا للعيب
لا تفرحن من الصديق بشاهد حتى يكون موافقا للغيب وتأمل المسود من شعر الفتى أهو الشبيبة أم خضاب الشيب وإذا ظفرت بذي وداد خالص فاغفر له ما دون غش الجيب من الكامل وكتب إليه أبو إسحاق قصيدة طويلة فأجابه بقصيدة منها ومشمولة صرف صرفت بشربها وجوه لحاتي قاطبات الحواجب إذا جال فيها المزج خلت حبابها عيون الأفاعي أو قرون الجنادب وعاذلة في بذل ما ملكت يدي رددت لها المسعى بصفقة خائب فإن زئير الأسد من كل جانب ليشغل سمعي عن صياح الثعالب أفي الحق أن قايست غير محقق فظاظة جندي إلى ظرف كاتب ولا سيما أنت الذي نشرت له محاسن كالأعلام فوق المراقب وما زلت بين الناس صدر محافل وعين مقامات وقلب مواكب من الطويل وكتب إليه أبو أحمد قصيدة منها يا هلالا يدعى أبوه هلالا جل باريك في الورى وتعالى أنت بدر حسنا وشمس علوا وحسام عزما وبحر نوالا من الخفيف أبو حصين علي بن عبد الملك الرقي القاضي بحلب هو الذي يقول فيه السري الموصلي من قصيدة لقد أضحت خلال أبي حصين حصونا في الملمات الصعاب
كساني ظل وابله وآوى غرائب منطقي بعد اغتراب وكنت كروضة سقيت سحابا فأثنت بالنسيم على السحاب من الوافر وكتب إليه أبو فراس وقد عزم على المسير إلى الرقة قصيدة افتتاحها يا طول شوقي إن كان الرحيل غدا لا فرق الله فيما بيننا أبدا من البسيط فأجابه القاضي بقصيدة أولها الحمد لله حمدا دائما أبدا أعطاني الدهر ما لم يعطه أحدا من البسيط ومنها إن كان ما قيل من سير الركاب غدا حقا فإني أرى وشك الحمام غدا ومنها في ذكر سيف الدولة لولا الأمير وأن الفضل مبدؤه منه لقلت بأن الفضل منك بدا دام البقاء له ما شاء مقتدرا تمضي أوامره إن حل أو عقدا يذل أعداءه عزا ويرفع من والاه فضلا ويبقى للعلا أبدا وكتب أبو حصين إلى أبي فراس من قصيدة جوابا من واثب الدهر كان الدهر قاهره ومن شكا ظلمه قلت نواصره إن كان سار فإن الروح تذكره والعين تبصره والقلب حاضره يا من أخالصه ودي وأمحضه نصحي وتأتيه من وصفي جواهره أتى كتابك والأنفاس خافته والجسم مستسلم والسقم قاهره
والطرف منكسر والشوق طارقه والوجد باطنه والصبر ظاهره فانتاشني وأعاد الروح في بدني وشد صدعا وكسرا أنت جابره ما زلت في نزهة منه وفي زهر وأحسن الروض ما دامت زواهره حسبي بسيدنا فخرا أصول به هو الفخور وما خلق يفاخره من ذا يطاوله أم من يماجده أم من يساجله أم من يكاسره أم من يفاقهه أم من يشاعره أم من يجادله أم من يناظره أم من يقاربه في كل مكرمة أم من يناضله أم من يساوره أم من يبارزه أم من يواقفه في كل معترك أم من يصابره الحرب نزهته والبأس همته والسيف عزمته والله ناصره والجود لذته والشكر بغيته والعفو والعرف والتقوى ذخائره من البسيط ومنها هذا جواب عليل لا حراك به قد خانه فهمه بل مات خاطره يشكو إليك بعادا عنك أتلفه وطول شوق ونيرانا تخامره إن كان قصر فيما قال مجتهدا فأنت بالعدل والإحسان عاذره وقال أيضا فيه آليت إني ما بقيت رهين شكر الحارث فإذا المنية شارفت ورثت ذلك وارثي
رقي له من بعد سيدنا وليس لثالث قسما على صدق الضمير ولست فيه بحانث من الكامل أبو الفرج سلامة بن بحر أحد قضاة سيف الدولة يقول شعرا يكاد يمتزج بأجزاء الهواء رقة وخفة ويجري مع الماء لطافة وسلاسة كقوله من سره العيد فما سرني بل زاد همي وأشجاني لأنه ذكرني ما مضى من عهد أحبابي وإخواني من السريع ونظيرهما لغيره من سره العيد الجديد فما لقيت به سرورا كان السرور يتم لي لو كان أحبابي حضورا من الكامل ولأبي الفرج ويروى للقاضي أبي النعمان البصري نوح حمام بيثرب غرد هيج شوقي وزاد في كمدي واكبدي من عذابكم وكذا من ذاق ما ذقت صاح واكبدي فارقت إلفي فصار في بلد بالرغم مني وصرت في بلد من المنسرح وأنشدني أبو علي محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني القاضي أبو الفرج ببيروت لنفسه مولاي ما لي منك بخت قد ذبت من كمد ومت
تصفو بك الدنيا ولا يصفو لعبدك منك وقت مولاي ما ذنبي إليك فلو عرفت الذنب تبت لا أنني أنسيتكم أو أنني للعهد خنت إن كان ذاك فلا بقيت وإن بقيت فلا سلمت من الكامل أبو محمد عبد الله بن عمرو بن محمد الفياض كاتب سيف الدولة ونديمه معروف ببعد المدى في مضمار الأدب وحلبة الكتابة أخذ بطرفي النظم والنثر وكان سيف الدولة لا يؤثر عليه في السفارة إلى الحضرة أحدا لحسن عبارته وقوة بيانه ونفاذه في استغراق الأغراض وتحصيل المراد وقد ذكره أبو إسحاق الصابي في الكتاب التاجي ومدحه السري بقصائد منها قوله من قصيدة محت رسم الكرى عن مقلتيه رواسم لا تمل من الرسيم تروم وقد فرعن بنا فروعا من الفياض طيبة الأروم إذا طافت بعبد الله لاقت سمات المجد في الوجه الوسيم لك القلم الذي يضحي ويمسي به الإقليم محمي الحريم هو الصل الذي لو عض صلا لأسلمه إلى ليل السليم أخو حكم إذا بدأت وعادت حكمن بعجز لقمان الحكيم ملكت خطامها فعلوت قسا برونقها وقيس بن الخطيم
نجوم لا تعوز فمن درار يسار بضوئهن ومن رجوم كحلي الخود مؤتلف النواحي ووشي الروض مختلف الرقوم من الوافر وكان يعجن مداده بالمسك ولا تلاق دواته إلا بماء الورد تفاديا من قول القائل دعي في الكتابة لا روي له فيها يعد ولا بديه كأن دواته من ريق فيه تلاق فريحها أبدا كريه من الوافر وإيثار لما قال الآخر في كفه مثل سنان الصعده أرقش بز الأفعوان جلده كأنما النقش إذا استمده غالية مدوفة بنده من الرجز ومن ملح شعره قوله ولم أسمع في معناه أحسن منه قم فاسقني بين خفق الناي والعود ولا تبع طيب موجود بمفقود كأسا إذا أبصرت في القوم محتشما قال السرور له قم غير مطرود نحن الشهود وخفق العود خاطبنا نزوج ابن سحاب بنت عنقود من البسيط وأنشدني أبو علي محمد عمر الزاهر قال أنشدني ابن الفياض لنفسه بحلب في
غلام له أثير لديه استوحش منه لميله إلى غلام آخر يقال له إقبال أنكرت إقبالي على إقبال وخشيت أن تتساويا في الحال هيهات لا تجزع فكل طريفة ربح يهون وأنت رأس المال من الكامل قال وأنشدني لنفسه في ذلك الغلام الآن تهجرني وأنت المذنب وظننت أنك عاتب لا تعتب وأمنت من قلبي التقلب واثقا بوفائه لك والقلوب تقلب من الكامل وقال وما بقيت من اللذات إلا محادثة الكرام على الشراب ولثمك وجنتي قمر منير يجول بخده ماء الشباب من الوافر أبو القاسم الشيظمي قال يصف نمرقة رآها بجنب سيف الدولة نمرقة منها استعار الروض أصناف الملح فيها لمن يبصر من ريش الطواويس ملح كأنما دارت على سمائها قوس قزح من مجزوء الرجز أبو ذر أستاذ سيف الدولة قال نفسي الفداء لمن عصيت عواذلي في حبه لم أخش من رقبائه
الشمس تطلع في أسرة وجهه والبدر يطلع من خلال قبائه من الكامل وله أيضا مروع منك كل يوم محتمل فيك كل لوم إن كنت أنكرت ملك رقي غصبا صراحا بغير سوم فقل لجنبي أين قلبي وقل لعيني أين نومي من مخلع البسيط أبو الفتح البكتمري يعرف بابن الكاتب الشامي له شعر يتغنى بأكثره ملاحة ولطافة أنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني ابن الكاتب لنفسه بالشام وروضة راضية عن الديم وطأتها بناظري دون القدم وصنتها صوني بالشكر النعم من الرجز قال وأنشدني لنفسه قالوا بكيت دما فقلت مسحت من خدي خلوقا أبصرت لؤلؤ ثغره فنثرت من جفني عقيقا لولا التمسك بالهوى لحملت في دمعي غريقا من الكامل وأنشدني غيره له قمر كأن قوامه من قد غصن مسترق
وكأنما اصطبح الربيع بوجنتيه واغتبق وكأنما قلم الزمرد فوق عارضه مشق من الكامل وله من أبيات سقاني بعينيه كأس الهوى وثنى وثلث بالحاجب كأن العذار على خده فذالك من مشقة الكاتب من المتقارب ووجدت على ظهر دفتر عراقي الخط هذين البيتين منسوبين إليه ردوا الهدو كما عهدت إلى الحشا والمقلتين إلى الكرى ثم اهجروا من بعد ملكي رمتم أن تغدروا ما بعد فرقة بيعين تخير من الكامل وله زعم في الميضأة أحق بيت من بيوت الورى بصونه قدما وإيثاره بيت إذا ما زاره زائر فقد قضى أعظم أوطاره يدخله المولى بخز كما يدخله العبد بأطماره وهو إذا ما كان مستنظفا مروءة الإنسان في داره من السريع وأنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني بعضهم لنفسه في أبي الفتح ابن الكاتب ولم ينصف فضله إن أبا الفتح فتى كاتب والشعر من آلته فضل
أنشدنا شعرا فقلنا له ذا غزل ويحك أم غزل وملت عنه نحو أصحابنا أسألهم هل عندكم نعل من السريع أبو الفرج العجلي الكاتب أنشدني أبو بكر الخوارزمي له أبياتا تعجب من سلاستها وسهولة مأخذها وعذوبة ألفاظها وذكر أنه من أفراد مطبوعي تلك البلاد فمنها قوله أقول له يا مذيقي الهوى ولم أك فيما مضى ذقته سألتك بالله لا تدنني إلى أجل ما دنا وقته ملكت فؤادي فعذبته ولو أنه في يدي صنته من المتقارب ومنها قوله أرسلت نظرة وامق لك خائف من عين واش لحظه ما يفتر وجعلت أوهم أن قلبي مضمر شيئا سوى نظري وأنت المضمر من الكامل ومنها قوله وأريه أني سلوت وإني لمشوق والله صب إليه وهواه يدب في كل قلب كدبيب السواد في عارضيه من الخفيف ومنها قوله وأنشدنيه غيره عذار كالطراز على الطراز وبدر في الحقيقة لا المجاز
ولو جاز السجود له سجدنا ولكن ليس ذاك بمستجاز من الوافر أبو عبد الله الحسين بن خالويه أصله من همذان ولكن استوطن حلب وصار بها أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام الأدب والعلم وكانت إليه الرحلة من الآفاق وآل حمدان يكرمونه ويدرسون عليه ويقتبسون منه وله شعر لم يحضرني منه الآن إلا قوله في وصف برد همذان إذا همذان اعتارها القر وانقضى برغمك أيلول وأنت مقيم فعينك عمشاء وأنفك سائل ووجهك مسود البياض بهيم وأنت أسير البرد تمشي بعلة على السيف تحبو مرة وتقوم بلاد إذا ما الصيف أقبل جنة ولكنها عند الشتاء جحيم من الطويل ولبعضهم في برد همذان همذان متلفة النفوس ببردها والزمهرير وحرها مأمون غلب الشتاء مصيفها وخريفها فكأنما تموزها كانون من الكامل ولأبي علي كاتب بكر يا بلدة أسلمني بردها وبرد من يسكنها للقلق لا يسلم الشاتي به من أذى من لثق أو دمق أو زلق من السريع
ولأبي الربيع البلخي في الشاش الشاش في الصيف جنة ومن أذى الحر جنه لكنني تعتريني بها لدى البرد جنه من المجتث وفي مثل هذه الصنعة وإن كان في غير المعنى لغيره يا شادنا مت قبله قد صار في الحسن قبله امنن علي بقبلة تشفي فؤادا موله من المجتث ولابن خالويه أيضا إذا لم يكن صدر المجالس سيدا فلا خير فيمن صدرته المجالس وكم قائل ما لي رأيتك راجلا فقلت له من أجل أنك فارس من الطويل أبو الفتح عثمان بن جني النحوي اللغوي هو القطب في لسان العرب وإليه انتهت الرياسة في الأدب وصحب أبا الطيب دهرا طويلا وشرح شعره ونبه على معانيه وإعرابه وكان الشعر أقل خلاله لعظم قدره وارتفاع حاله فمن ذلك قوله في الغزل غزال غير وحشي حكى الوحشي مقلته رآه الورد يجني الورد فاستكساه حلته
وشم بأنفه الريحان فاستهداه زهرته وذاقت ريقه الصهباء فاختلسته نكهته من مجزوء الوافر وله أيا دارهم ما أنت أنت مذ انتووا ولا أنا مذ سار الركاب أنا أنا وجود المنى أن لا يكاثر بالمنى ونيل الغنى أن لا يكاثر بالغنى ومن كان في الدنيا أشد تصورا تجده عن الدنيا أشد تصونا من الطويل الشمشاطي هو أبو الفتح الحسن بن علي بن محمد لم يقع إلى من شعره إلا قوله في البنفسج إشرب على زهر البنفسج قبل تأنيب الحسود فكأنما أوراقه آثار قرص في الخدود من الكامل وقوله في الجلنار وبدا الجلنار مثل خدود قد كساها الحياء ثوب عقار صبغة الله كالعقيق تراه أحمرا ناصعا لدى الاخضرار من الخفيف وممن يليق ذكره بهذا المكان من أعيان الشام وليس يحضرني شعر أبو القاسم الآدمي وإذا حصلت عليه ألحقته به وهذا آخر الباب الرابع
الباب الخامس في ذكر أبي الطيب المتنبي وما له وما عليه هو وإن كان كوفي المولد شامي المنشأ وبها تخرج ومنها خرج نادرة الفلك وواسطة عقد الدهر في صناعة الشعر ثم هو شاعر سيف الدولة المنسوب إليه المشهور به إذ هو الذي جذب بضبعه ورفع من قدره ونفق سعر شعره وألقى عليه شعاع سعادته حتى سار ذكره مسير الشمس والقمر وسافر كلامه في البدو والحضر وكادت الليالي تنشده والأيام تحفظه كما قال وأحسن ما شاء وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا فسار به من لا يسير مشمرا وغنى به من لا يغني مغردا من الطويل وكما قال ولي فيك ما لم يقل قائل وما لم يسر قمر حيث سارا وعندي لك الشرد السائرات لا يختصصن من الأرض دارا إذا سرن من مقول مرة وثبن الجبال وخضن البحارا من المتقارب
هذا من أحسن ما قيل في وصف الشعر السائر وأبلغ منه قول علي بن الجهم حيث قال ولكن إحسان الخليفة جعفر دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر فسار مسير الشمس في كل بلدة وهب هبوب الريح في البر والبحر من الطويل فليس اليوم مجالس الدرس أعمر بشعر أبي الطيب من مجالس الأنس ولا أقلام كتاب الرسائل أجرى به من ألسن الخطباء في المحافل ولا لحون المغنين والقوالين أشغل به من كتب المؤلفين والمصنفين وقد ألفت الكتب في تفسيره وحل مشكله وعويصه وكثرت الدفاتر على ذكر جيده ورديئه وتكلم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه والإفصاح عن أبكار كلامه وعونه وتفرقوا فرقا في مدحه والقدح فيه والنضح عنه والتعصب له وعليه وذلك أول دليل دل على وفور فضله وتقدم قدمه وتفرده عن أهل زمانه بملك رقاب القوافي ورق المعاني فالكامل من عدت سقطاته والسعيد من حسبت هفواته وما زالت الأملاك تهجي وتمدح وأنا مورد في هذا الباب ذكر محاسنه ومقابحه وما يرتضى وما يستهجن من مذاهبه في الشعر وطرائقه وتفصيل الكلام في نقد شعره والتنبيه على عيونه وعيوبه والإشارة إلى غرره وعرره وترتيب المختار من قلائده وبدائعه بعد الأخذ بطرف من طرق أخباره ومتصرفات أحواله وما تكثر فوائده وتحلو ثمرته ويتميز هذا الباب به عن سائر أبواب الكتاب كتميزه عن أصحابها بعلو الشأن في شعر الزمان والقبول التام عند أكثر الخاص والعام
ذكر ابتداء أمره ذكرت الرواة أنه ولد بالكوفة في كندة سنة ثلاث وثلاثمائة وأن أباه سافر إلى بلاد الشام فلم يزل ينقله من باديتها إلى حضرها ومن مدرها إلى وبرها ويسلمه في المكاتب ويردده في القبائل ومخايله نواطق الحسنى عنه وضوامن النجح فيه حتى توفي أبوه وقد ترعرع أبو الطيب وشعر وبرع وبلغ من كبر نفسه وبعد همته أن دعا إلى بيعته قوما من رائشي نبله على الحداثة من سنه والغضاضة من عوده وحين كاد يتم له أمر دعوته تأدى خبره إلى والي البلدة ورفع إليه ما هم به من الخروج فأمر بحبسه وتقييده وهو القائل في الحبس قصيدته التي أولها أيا خدد الله ورد الخدود وقد قدود الحسان القدود من المتقارب ومنها استعطافه ذلك الأمير والتنصل مما قذف به أمالك رقي ومن شأنه هبات اللجين وعتق العبيد دعوتك عند انقطاع الرجاء والموت مني كحبل الوريد دعوتك لما براني البلى وأوهن رجلي ثقل الحديد ومنها وقد كان مشيهما في النعال فقد صار مشيهما في القيود وكنت من الناس في محفل فها أنا في محفل من قرود تعجل في وجوب الحدود وحدي قبل وجوب السجود
أي إنما تجب الحدود على البالغ وأنا صبي لم تجب علي الصلاة بعد ويجوز أن يكون قد صغر سنه وأمر نفسه عند الوالي لأن من كان صبيا لم يظن به اجتماع الناس إليه للشقاق والخلاف ومن شعره في الحبس ما كتب به إلى صديق له قد كان أنفذ إليه مبرة أهون بطول الثواء والتلف والسجن والقيد يا أبا دلف غير اختيار قبلت برك بي والجوع يرضي الأسود بالجيف من المنسرح يشبه قول أبي عيينة ما أنت إلا كلحم ميت دعا لي إلى أكله اضطرار من مخلع البسيط رجع كن أيها السجن كيف شئت فقد وطنت للموت نفس معترف لو كان سكناي فيك منقصة لم يكن الدر ساكن الصدف ويحكى أنه تنبأ في صباه وفتن شرذمة بقوة أدبه وحسن كلامه وحكى أبو الفتح عثمان بن جني قال سمعت أبا الطيب يقول إنما لقبت بالمتنبي لقولي أنا ترب الندى ورب القوافي وسمام العدا وغيظ الحسود أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود من الخفيف وفي هذه القصيدة يقول ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود وما زال في برد صباه إلى أن أخلق برد شبابه وتضاعفت عقود عمره يدور حب الولاية والرياسة في رأسه ويظهر ما يضمر من كامن وسواسه في الخروج
على السلطان والاستظهار بالشجعان والاستيلاء على بعض الأطراف ويستكثر من التصريح بذلك في مثل قوله لقد تصبرت حتى لات مصطبر فالآن أقحم حتى لات مقتحم لأتركن وجوه الخيل ساهمة والحرب أقوم من ساق على قدم والطعن يحرقها والزجر يقلقها حتى كأن بها ضربا من اللمم قد كلمتها العوالي فهي كالحة كأنما الصاب مذرور على اللجم بكل منصلت ما زال منتظري حتى أدلت له من دولة الخدم شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ويستحل دم الحجاج في الحرم من البسيط وقوله سأطلب حقي بالقنا ومشايخ كأنهم من طول ما التثموا مرد ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا وطعن كأن الطعن لا طعن بعده وضرب كأن النار من حره برد إذا شئت حفت بي على كل سابح رجال كأن الموت في فمها شهد من الطويل وقوله ولا تحسبن المجد زقا وقينة فما المجد إلا السيف والفتكة البكر وتضريب أعناق الملوك وأن ترى لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر من الطويل وقوله وإن عمرت جعلت الحرب والدة والسمهري أخا والمشرفي أبا بكل أشعث يلقى الموت مبتسما حتى كأن له في قتله أربا قح يكاد صهيل الخيل يقذفه من سرجه مرحا للعز أو طربا الموت أعذر لي والصبر أجمل بي والبر أوسع والدنيا لمن غلبا من البسيط وكان كثيرا ما يتجشم أسفارا بعيدة أبعد من آماله ويمشي في مناكب الأرض ويطوي المناهل والمراحل ولا زاد إلا من ضرب الحراب على صفحة المحراب ولا مطية إلا الخف أو النعل كما قال لا ناقتي تقبل الرديف ولا بالسوط يوم الرهان أجهدها شراكها كورها ومشفرها زمامها والشسوع مقودها من المنسرح وإنما ألم في هذا المعنى بأبي نواس في قوله إليك أبا العباس من بين من مشى عليها امتطينا الحضرمي الملسنا قلائص لم تعرف حنينا على طلا ولم تدر ما قرع الفنيق ولا الهنا من الطويل
وكما قال في شكوى الدهر ووصف الخف أظمتني الدنيا فلما جئتها مستسقيا مطرت علي مصائبا وحبيت من خوص الركاب بأسود من دارش فغدوت أمشي راكبا من الكامل وكما قال في الاعتداد بالرحلة والقدرة على الرجلة ومهمه جبته على قدمي تعجز عنه العرامس الذلل بصارمي مرتد بمخبرتي مجتزئ بالظلام معتمل إذا صديق نكرت جانبه لم تعيني في فراقه الحيل في سعة الخافقين مضطرب وفي بلاد من أختها بدل من المنسرح وشتان ما بين حاله هذه والحال التي قال فيها وعرفاهم بأني من مكارمه أقلب الطرف بين الخيل والخول من البسيط وكان قبل اتصاله بسيف الدولة يمدح القريب والغريب ويصطاد ما بين الكركي والعندليب ويحكى أن علي بن منصور الحاجب لم يعطه على قصيدته فيه التي أولها بأبي الشموس الجانحات غواربا اللابسات من الحرير جلاببا من الكامل
ومنها حال متى علم ابن منصور بها جاء الزمان إلي منها تائبا إلا دينارا واحدا فسميت الدينارية ولما انخرط في سلك سيف الدولة ودرت له أخلاف الدنيا على يده كان من قوله فيه تركت السرى خلفي لمن قل ماله وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا وقيدت نفسي في هواك محبة ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا من الطويل وهذا البيت من قلائده وإنما ألم فيه بقول أبي تمام هممي معلقة عليك رقابها مغلولة إن الوفاء إسار من الكامل ولكنه أخذ عباءة وردها ديباجا وأرسلها مثلا سائرا وكرر هذا المعنى فزاد فيه حتى كاد يفسد في قوله يا من يقتل من أراد بسيفه أصبحت من قتلاك بالإحسان من الكامل نبذ من أخباره لما أنشد سيف الدولة قصيدته التي أولها أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل دعا فلباه قبل الركب والإبل من البسيط وناوله نسختها وخرج فنظر فيها سيف الدولة فلما انتهى إلى قوله يا أيها المحسن المشكور من جهتي والشكر من جهة الإحسان لا قبلي
ما كان نومي إلا فوق معرفتي بأن رأيك لا يؤتى من الزلل أقل أنل أقطع احمل عل سل أعد زد هش بش تفضل أدن سر صل وقع تحت أقل قد أقلناك وتحت أنل يحمل إليه من الدراهم كذا وتحت أقطع قد أقطعناك الضيعة الفلانية ضيعة ببلاد حلب وتحت احمل يقاد إليه الفرس الفلاني وتحت عل قد فعلنا وتحت سل قد فعلنا فاسل وتحت أعد أعدناك إلى حالك من حسن رأينا وتحت زد يزاد كذا وتحت تفضل قد فعلنا وتحت أدن قد أدنيناك وتحت سر قد سررناك وتحت صل قد فعلنا قال ابن جني فبلغني عن المتنبي أنه قال إنما أردت سر من السرية فأمر له بجارية قال وحكى لي بعض إخواننا أن المعقلي وهو شيخ كان بحضرته ظريف قال له وحسد المتنبي على ما أمر به يا مولاي قد فعلت به كل شيء سألكه فهلا قلت له لما قال لك هش بش هه هه هه يحكي الضحك فضحك سيف الدولة فقال له ولك أيضا ما تحب وأمر له بصلة وذكر القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز في كتاب الوساطة أن أبا الطيب نسج على منوال ديك الجن فقال احل وامرر وضر وانفع ولن واخشن ورش وابر وانتدب للمعالي من الخفيف وحكى ابن جني قال حدثني أبو علي الحسين بن أحمد الصنوبري قال خرجت من حلب أريد سيف الدولة فلما برزت من السور إذا أنا بفارس متلثم قد أهوى نحوي برمح طويل وسدده إلى صدري فكدت أطرح نفسي عن
الدابة فرقا فلما قرب مني ثنى السنان وحسر لثامه فإذا المتنبي وأنشدني نثرنا رءوسا بالأحيدب منهم كما نثرت فوق العروس الدراهم من الطويل ثم قال كيف ترى هذا القول أحسن هو فقلت له ويحك قد قتلتني يا رجل قال ابن جني فحكيت أنا هذه الحكاية بمدينة السلام لأبي الطيب فعرفها وضحك لها وذكر أبا علي من التقريظ والثناء بما يقال في مثله قال وأنشدت أبا علي ليلا قصيدة أبي الطيب التي أولها واحر قلباه ممن قلبه شبم من البسيط فلما وصلت إلى قوله فيها وشر ما قنصته راحتي قنص شهب البزاة سواء فيه والرخم أعجب جدا به ولم يزل يستعيده حتى حفظه ومعناه إذا تساويت ومن لا قدر له في أخذ عطاياك فأي فضل لي عليه وما كان من الفائدة كذا لم أفرح به وإنما أفرح بأخذ ما تختص به الأفاضل قال وحدثني المتنبي قال حدثني فلان الهاشمي من أهل حران بمصر قال أحدثك بطريفة كتبت إلى امرأتي وهي بحران كتابا تمثلت فيه ببيتك بم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن من البسيط
فأجابتني عن الكتاب وقالت ما أنت والله كما ذكرته في هذا البيت بل أنت كما قال الشاعر في هذه القصيدة سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ثم استمر مريري وارعوى الوسن قال ولما سمع سيف الدولة البيت الذي يتلوه وهو قوله وإن بليت بود مثل ودكم فإنني بفراق مثله قمن قال سار وحق أبي قال ولما سمع قوله لفنا خسرو وقد رأيت الملوك قاطبة وسرت حتى رأيت مولاها من المنسرح قال ترى هل نحن في الجملة سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول كان أبو الطيب المتنبي قاعدا تحت قول الشاعر وإن أحق الناس باللوم شاعر يلوم على البخل الرجال ويبخل من الطويل وإنما أعرب عن عادته وطريقته في قوله بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه من الطويل فحضرت عنده يوما بحلب وقد أحضر مالا من صلات سيف الدولة فصب بين يديه على حصير قد افترشه ووزن وأعيد في كيس وإذا بقطعة كأصغر ما يكون من ذلك المال قد تخللت خلل الحصير فأكب عليها بمجامعه ينقرها ويعالج استنقاذها منه ويشتغل بذلك عن جلسائه حتى توصل إلى إظهار
بعضها فتمثل ببيت قيس بن الخطيم تبدت لنا كالشمس بين غمامة بدا حاجب منها وضنت بحاجب من الطويل ثم استخرجها وأمر بإعادتها إلى مكانها من الكيس وقال إنها تحضر المائدة وسمعته يقول لما أنشد المتنبي عضد الدولة قصيدته فيه التي أولها مغاني الشعب طيبا في المغاني من الوافر وانتهى إلى قوله فيها وألقى الشرق منها في ثيابي دنانيرا تفر من البنان قال له عضد الدولة لأقرنها في يديك ثم فعل قال ولما قدم أبو الطيب من مصر بغداد وترفع عن مدح المهلبي الوزير ذهابا بنفسه عن مدح غير الملوك شق ذلك على المهلبي فأغرى به شعراء بغداد حتى نالوا من عرضه وتباروا في هجائه وفيهم ابن الحجاج وابن سكرة محمد بن عبد الله الزاهد الهاشمي والحاتمي وأسمعوه ما يكره وتماجنوا به وتنادروا عليه فلم يجبهم ولم يفكر فيهم وقيل له في ذلك فقال إني فرغت من إجابتهم بقولي لمن هم أرفع طبقة منهم في الشعراء أرى المتشاعرين غروا بذمي ومن ذا يحمل الداء العضالا ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا من الوافر
وقولي أفي كل يوم تحت ضبني شويعر ضعيف يقاويني قصير يطاول لساني بنطقي صامت عنه عادل وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل وما التيه طبي فيهم غير أنني بغيض إلي الجاهل المتعاقل من الطويل وقولي وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني فاضل من الكامل قال وبلغ أبا الحسين بن لنكك بالبصرة ما جرى على المتنبي من وقيعة شعراء بغداد فيه واستحقارهم له وكان حاسدا له طاعنا عليه هاجيا إياه زاعما أن أباه كان سقاء بالكوفة فشمت به وقال قولا لأهل زمان لا خلاق لهم ضلوا عن الرشد من جهل بهم وعموا أعطيتم المتنبي فوق منيته فزوجوه برغم أمهاتكم لكن بغداد جاد الغيث ساكنها نعالهم في قفا السقاء تزدحم من البسيط قال ومن قوله فيه متنبيكم ابن سقاء كوفان ويوحى من الكنيف إليه كان من فيه يسلح الشعر حتى سلحت فقحة الزمان عليه من الخفيف ومن قوله أيضا فيه ما أوقح المتنبي فيما حكى وادعاه
أبيح مالا عظيما حتى أباح قفاه يا سائلي عن غناه من ذاك كان غناه إن كان ذاك نبيا فالجاثليق إله من المجتث ثم إن أبا الطيب المتنبي اتخذ الليل جملا وفارق بغداد متوجها إلى حضرة أبي الفضل بن العميد مراغما للمهلبي الوزير فورد أرجان وأحمد مورده فيحكى أن الصاحب أبا القاسم طمع في زيارة المتنبي إياه بأصبهان وإجرائه مجرى مقصوديه من رؤساء الزمان وهو إذ ذاك شاب وحاله حويلة ولم يكن استوزر بعد وكتب إليه يلاطفه في استدعائه وتضمن له مشاطرته جميع ماله فلم يقم له المتنبي وزنا ولم يجبه عن كتابه ولا إلى مراده وقصد حضرة عضد الدولة بشيراز فأسفرت سفرته عن بلوغ الأمنية وورود مشرع المنية واتخذه الصاحب غرضا يرشقه بسهام الوقيعة ويتتبع عليه سقطاته في شعره وهفواته وينعي عليه سيئاته وهو أعرف الناس بحسناته وأحفظهم لها وأكثرهم استعمالا إياها وتمثلا بها في محاضراته ومكاتباته وكان مثله معه كما قال الشاعر شتمت من يشتمني مغالطا لأصرف العاذل عن لجاجته فقال لما وقع البزاز في الثوب علمنا أنه من حاجته من الرجز وكما قال الآخر وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ولم أر كالدنيا تذم وتحلب من الطويل وكما قال الآخر
نبئت أني إذا ما غبت تشتمني قل ما بدا لك فالمحبوب مسبوب من البسيط قطعة من حل الصاحب وغيره نظم المتنبي واستعانتهم بألفاظه ومعانيه في الترسل فصل له من رسالة في وصف قلعة افتتحها عضد الدولة وأما قلعة كذا فقد كانت بقية الدهر المديد والأمد البعيد تعطس بأنف شامخ من المنعة وتنبو بعطف جامع على الخطبة وترى أن الأيام قد صالحتها على الإعفاء من القوارع وعاهدتها على التسليم من الحوادث فلما أتاح الله للدنيا ابن بجدتها وأبا بأسها ونجدتها جهلوا بون ما بين البحور والأنهار وظنوا الأقدار تأتيهم على مقدار فما لبثوا أن رأوا معقلهم الحصين ومثواهم القديم نهزة الحوادث وفرصة البوائق ومجر العوالي ومجرى السوابق وإنما ألم بألفاظ بيتين لأبي الطيب أحدهما حتى أتى الدنيا ابن بجدتها فشكا إليه السهل والجبل من الكامل والآخر تذكرت ما بين العذيب وبارق مجر عوالينا ومجرى السوابق من الطويل وفصل له لئن كان الفتح جليل الخطر عظيم الأثر فإن سعادة مولانا لتبشر بشوافع له يعلم معها أن لله أسرارا في علاه لا يزال يبديها ويصل أوائلها بتواليها
وهو من قول أبي الطيب ولله سر في علاك وإنما كلام العدى ضرب من الهذيان من الطويل فصل ولو كان ما أحسنه شظية في قلم كاتب لما غيرت خطه أو قذى في عين نائم لما انتبه جفنه وهو من قول أبي الطيب ولو قلم ألقيت في شق رأسه من السقم ما غيرت من خط كاتب من الطويل وقول نصر ضنيت حتى صرت لو زج بي في ناظر النائم لم ينتبه من السريع ومنه أخذ ابن العميد قوله فلو أن ما أبقيت في جسدي قذى في العين لم يمنع من الإغفاء من الكامل فصل للصاحب في التعزية إذا كان الشيخ القدوة في العلم وما يقتضيه والأسوة في الدين وما يجب فيه لزم أن يتأدب في حالات الصبر والشكر بأدبه ويؤخذ في ثارات الأسى والأسى بمذهبه فكيف لنا بتعزيته عند حادث رزيته إلا إذا روينا له بعض ما أخذناه عنه وأعدنا إليه طائفة مما استفدناه منه وإنما هو حل من قول أبي الطيب أنت يا فوق أن يعزى عن الأحباب فوق الذي يعزيك عقلا وبألفاظك اهتدى فإذا عزاك قال الذي له قلت قبلا من الخفيف وفصل له وقد أثنى عليه ثناء لسان الزهر على راحة المطر
وهو من قول أبي الطيب وذكي رائحة الرياض كلامها تبغي الثناء على الحيا فيفوح من الكامل والأصل فيه قول ابن الرومي شكرت نعمة الولي على الوسمي ثم العهاد بعد العهاد فهي تثني على السماء ثناء طيب النشر شائعا في البلاد من نسيم كأن مسراه في الآرواح مسرى الأرواح في الأجساد من الخفيف ومما أورده من أبيات أبي الطيب كما هي قوله في كتاب أجاب به ابن العميد عن كتابه الصادر إليه عن شاطئ البحر في وصف مراكبه وعجائبه وقد علمت أن سيدنا كتب وما أخطر بفكره سعة صدره ولو فعل ذلك لرأى البحر وشلا لا يفضل عن التبرض وثمدا لا يكثر عن الترشف وكم من جبال جبت تشهد أنني الجبال وبحر شاهد أنني البحر من الطويل وله من رسالة في التهنئة ببنت أولها أهلا بعقيلة النساء وكريمة الآباء وأم الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار ثم يقول فيها ولو كان النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال من الوافر وهما لأبي الطيب من قصيدة في مرثية والدة سيف الدولة إلا أنه يقول ولو كان النساء كمن فقدنا وللصاحب من كتاب تعزية وقلنا قد أخذ الزمان من أخذ وترك من ترك فهو لا شك يعفو عن القمر وقد أسلم الشمس للطفل ولا يصل الصروف بالصروف ولا يجمع الكسوف إلى الخسوف فأبي حكم الملوين وقد غبنك إذ قاسمك الأخوين إلا أن يعود فيلحق الباقي بالفاني والغابر بالماضي وعاد في طلب المتروك تاركه إنا لنفعل والأيام في الطلب ما كان أقصر وقتا كان بينهما كأنه الوقت بين الورد والقرب من البسيط أقول هذا كعادة المصدور في النفث وشكوى الحزن والبث وإلا فما يعجب السفر من تقدم بعض وكل بين الراحلة والرحل لا يترك الموت ساعيا على وجه الأرض حتى ينقله إلى بطن الترب نحن بنو الموتى فما بالنا نعاف ما لا بد من شربه تبخل أيدينا بأرواحنا على زمان هن من كسبه فهذه الأرواح من جوه وهذه الأجسام من تربه من السريع وهذا غيض من فيض ما اغترفه الصاحب من بحر المتنبي وتمثل به من شعره ولو ذكرت نظائره لامتد نفس هذا الباب وليس هو بأوحد في الاقتباس من كلامه هذا أبو إسحاق الصابي رسيله في
ذلك وزميله وقد قرأت له غير فصل فيما أشرت إليه ونبهت عليه فمنه ما كتب في تقريظ شاب مقتبل الشبيبة مكتهل الفضيلة ولقد آتاه الله في اقتبال العمر جوامع الفضل وسوغه في عنفوان الشباب محامد الاستكمال فلا تجد الكهولة خلة تتلافاها بتطاول المدة وثلمة تسدها بمزايا الحنكة وإنما هو حل نظم أبي الطيب وإن كان في معنى آخر لا تجد الخمر في مكارمه إذا انتشى خلة تلافاها من المنسرح وأخذ من قول البحتري تكرمت من قبل الكؤوس عليهم فما اسطعن أن يحدثن فيك تكرما من الطويل ومنه ما كتب إلى ابن معروف تهنئة بقضاء القضاة منزلة قاضي القضاة تجل عن التهنئة لأن ما تكتسبه الولاة بها من الصيت والذكر ويدرعونه فيها من الجمال والفخر سابق لها عنده وحاصل قبلها له وإذا مد أحدهم إليها يدا تجذبها إلى سفال جذبتها يده إلى المحل العالي فكأن أبا الطيب المتنبي عناه أو حكاه بقوله فوق السماء وفوق ما طلبوا فإذا أرادوا غاية نزلوا من الكامل ومنه ما كتب وعاد مولانا إلى مستقر عزه عود الحلي إلى العاطل والغيث إلى الروض الماحل وإنما من قول أبي الطيب وعدت إلى حلب ظافرا كعود الحلي إلى العاطل من المتقارب
وإذا كان هذان الصدران المقدمان على بلغاء الزمان يقتبسان من أبي الطيب في رسائلهما فما الظن بغيرهما وما أحسن قول الشاعر ألا إن حل الشعر زينة كاتب ولكن منهم من يحل فيعقد من الطويل وممن يحذو حذوهما الأستاذ أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي وما أظرف ما قرأت له في كتابه إلى أبي سعيد الشبيبي وقد أتاني كتاب شيخ الدولتين فكان في الحسن روضة حزن بل جنة عدن وفي شرح النفس وبسط الأنس برد الأكباد والقلوب وقميص يوسف في أجفان يعقوب وهو من بيت أبي الطيب كأن كل سؤال في مسامعه قميص يوسف في أجفان يعقوب من البسيط وفصل لأبي بكر الخوارزمي وكيف أمدح الأمير بخلق ضن به الهواء وامتلأت من ذكره الأرض والسماء وأبصره الأعمى بلا عين وسمعه الأصم بلا أذن وهو حل نظم أبي الطيب تنشد أثوابنا مدائحه بألسن ما لهن أفواه إذا مررنا على الأصم بها أغنته عن مسمعيه عيناه من المنسرح ولأبي بكر من رسالة ولقد تساوت الألسن حتى حسد الأبكم وأفسد الشعر حتى أحمد الصمم
وهو قول أبي الطيب ولا تبال بشعر بعد شاعره قد أفسد القول حتى أحمد الصمم من البسيط وهذا ميدان عريض وشوط بطين وفيما ذكرته كفاية ولاستراقات الشعراء من أبي الطيب باب هذا مكانه أنموذج لسرقات الشعراء منه قال المتنبي وقد أخذ التمام البدر فيهم وأعطاني من السقم المحاقا من الوافر أخذه أبو الفرج الببغاء فلطفه وقال أوليس من إحدى العجائب أنني فارقته وحييت بعد فراقه يا من يحاكي البدر عند تمامه ارحم فتى يحكيه عند محاقه من الكامل وقال أبو الطيب قد علم البين منا البين أجفانا تدمى وألف ذا القلب أحزانا من البسيط أخذه المهلبي الوزير وقال تصارمت الأجفان منذ صرمتني فما تلتقي إلا على عبرة تجري من الطويل
وقال أبو الطيب وهو من قلائده وكنت إذا يممت أرضا بعيدة سريت فكنت السر والليل كاتمه من الطويل أخذه الصاحب وقال تجشمتها والليل وحف جناحه كأني سر والظلام ضمير من الطويل وقال أبو الطيب وهو أيضا من قلائده لبسن الوشي لا متجملات ولكن كي يصن به الجمالا من الوافر أغار عليه الصاحب لفظا ومعنى فقال لبسن برود الوشي لا لتجمل ولكن لصون الحسن بين برود من الطويل وإنما فعل ببيتيه ما فعل أبو الطيب ببيت العباس بن الأحنف والنجم في كبد السماء كأنه أعمى تحير ما لديه قائد من الكامل فقال ما بال هذي النجوم حائرة كأنها العمى ما لها قائد من المنسرح وهذه مصالتة لا سرقة وهي مذمومة جدا عند النقدة وقال أبو الطيب وهو من فرائده سقاك وحيانا بك الله إنما على العيس نور والخدور كمائمه من الطويل أخذه السري بن أحمد قال ابن جني أنشدني لنفسه من قصيدة يمدح بها أبا
الفوارس سلامة بن فهد وهي قوله حيا به الله عاشقيه فقد أصبح ريحانة لمن عشقا من المنسرح ولم أجد أنا هذه القصيدة في ديوان شعره والبيت نهاية في العذوبة وخفة الروح والسري كثير الأخذ من أبي الطيب في مثل قوله وخرق طال فيه السير حتى حسبناه يسير مع الركاب من الوافر وهو مأخوذ من قول أبي الطيب يخدن بنا في جوزه وكأننا على كرة أو أرضه معنا سفر من الطويل وقال السري وأحلها من قلب عاشقها الهوى بيتا بلا عمد ولا أطناب من الكامل وهو من قول أبي الطيب هام الفؤاد بأعرابية سكنت بيتا من القلب لم تضرب به طنبا من البسيط وقال السري وأنا الفداء لمن مخيلة برقه عندي وعند سواي من أنوائه من الكامل وإنما ألم فيه بقول أبي الطيب ليت الغمام الذي عندي صواعقه يزيلهن إلى من عنده الديم من البسيط
وقال أبو الطيب وهو من قلائده فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال من الوافر وقال أيضا وما أنا منهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام من الوافر أخذ أبو بكر الخوارزمي معنى البيتين وهما قريب من قريب فقال فديتك ما بدا لي قصد حر سواك من الورى إلا بدالي وأنك منهم وكذاك أيضا من الماء الفرائد واللآلي وتسكن دارهم وكذاك سكنى الحجارة والزمرد في الجبال من الوافر وهذا معنى قد اخترعه المتنبي وكرره في تفضيل البعض على الكل فأحسن غاية الإحسان حيث قال فإن يك سيار بن مكرم إنقضى فإنك ماء الورد إن ذهب الورد من الطويل وقال وإن تكن تغلب الغلباء عنصرها فإن في الخمر معنى ليس في العنب من البسيط ألم به أبو الفتح علي بن محمد البستي الكاتب فقال أبوك حوى العليا وأنت مبرز عليه إذا نازعته قصب المجد وللخمر معنى ليس في الكرم مثله وفي النار نور ليس يوجد في الزند وخير من القول المقدم فاعترف نتيجته والنحل يكرم للشهد من الطويل
وقال أيضا أبوك كريم غير أنك سابق مداه بلا ضيم عليه ولا ذيم فلا يعجبن الناس مما أقوله وأقضي به فالغيث أندى من الغيم من الطويل وقال أبو الطيب وصرت أشك فيمن أصطفيه لعلمي أنه بعض الأنام من الوافر أخذه أبو بكر الخوارزمي فقال قد ظلمناك بحسن الظن يا بعض الأنام من الرمل وقال أبو الطيب أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم من البسيط أخذه أبو الفتح وحسنه فقال لا غرو إن لم تجد في الدهر مخترفا فقد أتيناه بعد الشيب والخرف من البسيط وقال أبو الطيب هما الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق من الطويل امتثله أبو الحسن السلامي فقال وبشرت آمالي بملك هو الورى ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر من الطويل وقال أبو الطيب لم تزل تسمع المديح ولكن صهيل الجياد غير النهاق من الخفيف
أخذه أبو القاسم الزعفراني ولطفه جدا فقال وتغنيك في النداء طيور أنا وحدي ما بينهن الهزار من الخفيف وإذ قد ذكرت أنموذجا من سرقات الشعراء منه فلا بأس أن أذكر سرقاته من الشعراء سوى ما أورده القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز في كتاب الوساطة فشفى وكفى وبالغ فأوفى وسوى ما مر ويمر منها في أماكنها من فصول هذا الكتاب صدر من سرقاته قال مخلد الموصلي يا منزلا ضن بالسلام سقيت ريا من الغمام ما ترك الدهر منك إلا ما ترك الشوق من عظامي من مخلع البسيط أخذه أبو الطيب فجوده حيث قال ما زال كل هزيم الودق ينحلها والشوق ينحلني حتى حكت جسدي من البسيط وقال عمرو بن كلثوم فآبوا بالنهاب وبالسبايا وإبنا بالملوك مصفدينا من الوافر أخذه أبو تمام فأحسن إذ قال إن الأسود أسود الغاب همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب من البسيط
وأخذه أبو الطيب فلم يحسن في تكرير لفظ النهب وذكر القماش إذ هو من ألفاظ العامة ونهب نفوس أهل النهب أولى بأهل المجد من نهب القماش من الوافر وقال بشار بن برد كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه من الطويل أخذه أبو الطيب وذكر الرماح مكان الأسياف فقال وكأنما كسي النهار بها دجى ليل وأطلعت الرماح كواكبا من الكامل وقال مسلم بن الوليد أرادوا ليخفوا قبره من عدوه فطيب تراب القبر دل على القبر من الطويل ألم به أبو الطيب فقال وما ريح الرياض لها ولكن كساها دفنهم في الترب طيبا من الوافر وقال الفرزدق وكنت فيهم كممطور ببلدته يسر أن جمع الأوطان والمطرا من البسيط أخذه أبو الطيب فقال وليس الذي يتبع الوبل رائدا كمن جاءه في داره رائد الوبل من الطويل وفي قوله في هذه القصيدة وخيل إذا مرت بوحش وروضة أبت رعيها إلا ومرجلنا يغلي من الطويل
رائحة من قول امرئ القيس إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا تعالوا إلى أن يأتي الصيد نخطب من الطويل وقال أبو نواس ويقال إنه أمدح بيت للمحدثين وكلت بالدهر عينا غير غافلة بجود كفيك تأسو كل ما جرحا من البسيط أخذه أبو الطيب وزاد فيه حسن التشبيه فقال تتبع آثار الرزايا بجوده تتبع آثار الأسنة بالقتل من الطويل وقال أبو نواس وهو من قلائده في وصف الخمر إذا ما أتت دون اللهاة من الفتى دعا همه من صدره برحيل من الطويل أخذه أبو الطيب ونقله إلى معنى آخر فقال وما هي إلا لحظة بعد لحظة إذا نزلت في قلبه رحل العقل من الطويل وقال ابن أبي عيينة ويروي للخليل زر وادي القصر نعم القصر والوادي في منزل حاضر إن شئت أو بادي ترقى به السفن والظلمان حاضرة والضب والنون والملاح والحادي من البسيط وهذا أحسن ما قيل في وصف مكان يجمع بين أوصاف البر والبحر والحاضرة والبادية ألم به أبو الطيب في وصف متصيد عضد الدولة بناحية سهلية
جبلية تجمع الأضداد سقيا لدشت الأرزن الطوال بين المروج الفيح والأغيال مجاور الخنزير والرئبال داني الخنانيص من الأشبال مستشرف الدب على الغزال مجتمع الأضداد والأشكال من الرجز وقال بعض العرب وهو من الأمثال السائرة إذا بل من داء به ظن أنه نجا وبه الداء الذي هو قاتله من الطويل أخذه أبو الطيب فقال وأحسن وإن أسلم فما أبقى ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام من الوافر وقال بعض الرجاز هل يغلبني واحد أقاتله ريم على لباته سلاسله سلاحه يوم الوغى مكاحله من الرجز أخذه أبو الطيب فأكمل الوصف وأظهر الغرض حيث قال من طاعني ثغر الرجال جآذر ومن الرماح دمالج وخلاخل ولذا اسم أغطية العيون جفونها من أنها عمل السيوف عوامل من الكامل
وقال أبو تمام غربت خلائقه وأغرب شاعر فيه فأبدع مغرب في مغرب من الكامل أخذه أبو الطيب فقال شاعر المجد خدنه شاعر اللفظ كلانا رب المعاني الدقاق من الخفيف وقال أبو تمام يمدون بالبيض القواطع أيديا فهن سواء والسيوف قواطع من الطويل أخذه أبو الطيب فأوقع التشبيه على الجملة حيث قال همام إذ ما فارق الغمد سيفه وعاينته لم تدر أيهما النصل من الطويل وقال ابن الرومي لا قدست نعمى تسربلتها كم حجة فيها لزنديق من السريع أخذه أبو الطيب فقال فإنه حجة يؤذي القلوب بها من دينه الدهر والتعطيل والقدم من البسيط ولابن الرومي وأجاد وأحسن من عقد العقيلة جيدها وأحسن من سربالها المتجرد من الطويل أخذه أبو الطيب فقال ورب قبح وحلي ثقال أحسن منها الحسن في المعطال من الرجز
وقال عبيد الله بن طاهر وجربت حتى لا أرى الدهر مغربا علي بشيء لم يكن في تجاربي من الطويل أخذه أبو الطيب فقال قد بلوت الخطوب حلوا ومرا وسلكت الأيام حزنا وسهلا وقتلت الزمان علما فما يغرب قولا ولا يجدد فعلا من الخفيف وكرر هذا المعنى فقال عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا فلما دهتنا لم تزدني بها علما من الطويل وكتب ابن المعتز إلى عبيد الله بن سليمان يعزيه عن ابنه أبي محمد ويسليه ببقاء أبي الحسين القاسم أبياتا منها ولقد غبنت الدهر إذ شاطرته بأبي الحسين وقد ربحت عليه وأبو محمد الجليل مصابه لكن يمني المرء خير يديه من الكامل فأخذ أبو الطيب هذا المعنى وقال لسيف الدولة من قصيدة يعزيه بها عن أخته الصغرى ويسليه ببقاء الكبرى حيث قال قاسمتك المنون شخصين جورا جعل القسم نفسه فيك عدلا فإذا قست ما أخذن بما غادرن سرى من الفؤاد وسلى وتيقنت أن حظك أوفى وتبينت أن جدك أعلى من الخفيف وكان أبو الطيب كثير الأخذ من ابن المعتز على تركه الإقرار بالنظر في شعر
المحدثين فمما أخذه منه قوله وتكسب الشمس منك النور طالعة كما تكسب منها نورها القمر من البسيط وهو معنى قول ابن المعتز البدر من شمس الضحى نوره والشمس من نورك تستملي من السريع وأخذ قوله وهو من قلائده ولعله أمير شعره أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي من البسيط من مصراع لابن المعتز ذكر ابن جني قال حدثني المتنبي وقت القراءة عليه قال قال لي حنزابة وزير كافور أحضرت كتبي كلها وجماعة من الأدباء يطلبون لي من أين أخذت هذا المعنى فلم يظفروا بذلك وكان أكثر من رأيت كتبا قال ابن جني ثم إني عثرت بالموضع الذي أخذه منه إذ وجدت لابن المعتز مصراعا بلفظ لين صغير جدا فيه معنى بيت المتنبي كله على جلالة لفظه وحسن تقسيمه وهو قوله فالشمس نمامة والليل قواد من البسيط ولن يخلو المتنبي من إحدى ثلاث إما أن يكون ألم بهذا المصراع فحسنه وزينه وصار أولى به وإما أن يكون قد عثر بالموضع الذي عثر به ابن المعتز فأربى عليه في جودة الأخذ وإما أن يكون قد اخترع المعنى وابتدعه وتفرد به فلله دره وناهيك بشرف لفظه وبراعة نسجه وما أحسن ما جمع فيه أربع مطابقات في بيت واحد وما أراه سبق إلى
مثلها وما زال الناس يعجبون من جمع البحتري ثلاث مطابقات في قوله وأمة كان قبح الجور يسخطها دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها من البسيط حتى جاء أبو الطيب فزاد عليه مع عذوبة اللفظ ورشاقة الصنعة ولبعض أهل العصر بيت يجمع خمس مطابقات ولكنه لا يستقل إلا بإنشاد بيتين قبله وهي عذيري من الأيام مدت صروفها إلى وجه من أهوى يد النسخ والمحو وأبدت بوجهي طالعات أرى بها سهام أبي يحيى مسددة نحوي فذاك سواد الحظ ينهى عن الهوى وهذا بياض الوخط يأمر بالصحو من الطويل وقال ابن الرومي أرى فضل مال المرء داء لعرضه كما أن فضل الزاد داء لجسمه فليس لداء العرض شيء كبذله وليس لداء الجسم شيء كحسمه من الطويل ألم به أبو الطيب فقال يتداوى من كثرة المال بالإقلال جودا كأن مالا سقام من الخفيف بعض ما تكرر في شعره من معانيه قال في سيف الدولة وأنت المرء تمرضه الحشايا لهمته وتشفيه الحروب من الوافر
وقال يذكر الحمى التي كانت تغشاه بمصر وما في طبه أني جواد أضر بجسمه طول الجمام من الوافر وقال يمدح بدر بن عمار ليت الحبيب الهاجري هجر الكرى من غير جرم واصلي صلة الضنا من الكامل وقال يمدح طاهر بن الحسين فيا ليت ما بيني وبين أحبتي من البعد ما بيني وبين المصائب من الطويل وقال يمدح المغيث بن بشر العجلي إذا بدا حجبت عينيك هيبته وليس يحجبه ستر إذا احتجبا من البسيط وقال وقد حجبه بدر عمار أصبحت تأمر بالحجاب لخلوة هيهات لست على الحجاب بقادر من كان ضوء جبينه ونواله لم يحجبا لم يحتجب عن ناظر فإذا احتجبت فأنت غير محجب وإذا بطنت فأنت عين الظاهر من الكامل وقال من قصيدة يمدحه بها أمير أمير عليه الندى جواد بخيل بأن لا يجودا من المتقارب وقال إلا أن الندى أضحى أميرا على مال الأمير أبي الحسين من الوافر وقال يمدح بدر بن عمار ومال وهبت بلا موعد وقرن سبقت إليه الوعيدا من المتقارب
وقال من القصيدة التي كتبها إلى السلطان من حبسه لقد حال بالسيف دون الوعيد وحالت عطاياه دون الوعود من المتقارب وقال من قصيدة يمدح بها كافوارا وما رغبتي في عسجد أستفيده ولكنها في مفخر أستجده من الطويل وقال من قصيدة يمدح بها أبا العشائر فسرت إليك في طلب المعالي وسار سواي في طلب المعاش من الوافر وقال يمدح سعيد بن عبد الله قد علم البين منا البين أجفانا تدمي وألف في ذا القلب أحزانا من البسيط وقال في خلاص أبي وائل كأن الجفون على مقلتي ثياب شققن على ثاكل من المتقارب وقال يمدح بدر بن عمار كأنك بالفقر تبغي الغنى وبالموت في الحرب تبغي الخلودا من المتقارب وقال في الحسين بن إسحاق التنوخي كأنك في الإعطاء للمال مبغض وفي كل حرب للمنية عاشق من الطويل وقال الذي زلت عنه شرقا وغربا ونداه مقابلي ما يزول من الخفيف وقال في سيف الدولة ومن فر من إحسانه حسدا له تلقاه منه حيث ما سار نائل من الطويل
وقال يمدح أبا أيوب أحمد بن عمران فكأنما نتجت قياما تحتهم وكأنما ولدوا على صهواتها من الكامل وقال في الحسن بن عبيد الله بن طغج وطعن غطاريف كأن أكفهم عرفن الردينيات قبل المعاصم من الطويل وقال يشكو الحمى بمصر جرحت مجرحا لم يبق منه مكان للسيوف وللسهام من الوافر وقال في مرثية والدة سيف الدولة رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال من الوافر وقال يمدح أبا علي هارون بن عبد الله الكاتب وشكيتي فقد السهام لأنه قد كان لما كان لي أعضاء من الكامل وقال قبيل مسيره من مصر يهجو كافورا لم يترك الدهر من قلبي ومن كبدي شيئا تتيمه عين ولا جيد من البسيط وقال يصف مدينة مرعش تصد الرياح الهوج عنها مخافة وتفزع فيها الطير أن تلقط الحبا من الطويل
وقال من قصيدة في مدح كافور إذا أتتها الرياح النكب في بلد فما تهب بها إلا بترتيب من البسيط وقال يمدح الحسن بن عبيد الله بن طغج إذا ضوؤها لاقى من الطير فرجة تدور فوق البيض مثل الدراهم من الطويل وقال من كلمة يمدح فيها عضد الدولة وألقى الشرق منها في ثيابي دنانيرا تفر من البنان من الوافر وقال يمدح أبا شجاع محمد بن أوس ولقد بكيت على الشباب ولمتي مسودة ولماء وجهي رونق حذرا عليه قبل يوم فراقه حتى لكدت بماء جفني أشرق من الكامل وقال وقد أهداه عبيد الله بن خراسان هدية هدية ما رأيت مهديها إلا رأيت العباد في رجل من المنسرح وقال يمدح بدر بن عمار أحلما نرى أم زمانا جديدا أم الخلق في شخص حي أعيدا من المتقارب ومثله في الحسين بن إسحاق التنوخي هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق من الطويل
ثم كرره وزاد فيه فقال من كلمة يمدح فيها ابن العميد ولقيت كل الفاضلين كأنما رد الإله نفوسهم والأعصرا نسقوا لنا نسق الحساب مقدما وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا من الكامل والأصل فيه قول أبي نواس ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد من السريع وقال متى تخطي إليه الرجل سالمة تستجمع الخلق في تمثال إنسان من البسيط وقال في سيف الدولة هو الشجاع يعد البخل من جبن وهو الجواد يعد الجبن من بخل من البسيط وقال وقد ضرب أبو العساكر خيمة على الطريق فكثر سؤاله وغاشيته فقلت إن الفتى شجاعته تريه في الشح صورة الفرق من المنسرح والأصل فيه قول أبي تمام أيقنت أن من السماح شجاعة تدمى وأن من الشجاعة جودا من الكامل وقال يمدح أبا شجاع عضد الدولة ومن أعتاض منك إذا افترقنا وكل الناس زور ما خلاكا من الوافر وقال في مثله فتبرد وبالغ إنما الناس أنت وما الناس بناس في موضع منك خال من الخفيف
وقال في سيف الدولة إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض ومن فوقها والبأس والكرم المحض من الطويل وقال فيه أيضا وما أخصك في برء بتهنئة إذا سلمت فكل الناس قد سلموا من البسيط وقال يمدح كافورا ولم يلقه بعد تجاوز قدر المدح حتى كأنه بأحسن ما يثنى عليه يعاب من الطويل وقال في عبد الله بن يحيى البحتري وعظم قدرك في الآفاق أوهمني أني بقلة ما أثنيت أهجوكا من البسيط وقال يعزي عضد الدولة وقد ماتت عمته وكان من عدد إحسانه كأنه أسرف في سبه من السريع والأصل في هذا قول البحتري جل عن مذهب المديح فقد كاد يكون المديح فيه هجاء من الخفيف وقال وهو مما سبق إليه نال الذي نلت منه مني لله ما تصنع الخمور من مخلع البسيط وقال أفيكم فتى حي فيخبر ناعبا بما شربت مشروبة الراح من ذهني من الطويل
وقال يمدح سيف الدولة عليم بأسرار الديانات واللغى له خطرات تفضح الناس والكتبا من الطويل وقال في أبي العشائر علي بن الحسين كأنك ناظر في كل قلب فما يخفى عليك محل غاش من الوافر وقال ووكل الظن بالأسرار فانكشفت له سرائر أهل السهل والجبل من البسيط وقال لبدر بن عمار يمدحه فاغفر فدى لك واحبني من بعدها لتخصني بعطية منها أنا من الكامل وقال له أياد إلي سالفة أعد منها ولا أعددها من المنسرح وقال وهو من قلائده خير أعضائنا الرؤس ولكن فضلتها بقصدك الأقدام من الخفيف وقال وإن القيام الألى حوله لتحسد أرجلها الأرؤس من المتقارب وقال من قصيدة في مدح سيف الدولة وما الحسن في وجه الفتى شرف له إذا لم يكن في فعله والخلائق من الطويل
وقال في وصف الخيل إذا لم تشاهد غير حسن شياتها وأعضائها فالحسن عنك مغيب من الطويل وقريب منه قوله يحب العاقلون على التصافي وحب الجاهلين على الوسام من الوافر وقال في معنى قد تصرفت فيه الشعراء ذل من يغبط الذليل بعيش رب عيش أخف منه الحمام من الخفيف وقال في صباه عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود من الخفيف وقال لعلي بن إبراهيم التنوخي يمدحه إذا ما لم تسر جيشا إليهم أسرت إلى قلوبهم الهلوعا من الوافر وقال بعثوا الرعب في قلوب الأعادي فكأن القتال قبل التلاقي من الخفيف وقال قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت لك المهابة ما لا يصنع البهم من البسيط وقال أبصروا الطعن في القلوب دراكا قبل أن يبصروا الرماح خيالا من الخفيف
وقال صيام بأبواب القباب جيادهم وأشخاصهم في قلب خائفهم تعدو من الطويل وقال تغير عنه على الغارات هيبته وماله بأقاصي البر أهمال من البسيط والأصل فيه قول النبي نصرت بالرعب ثم أكثر الناس منه ومن أوجز ما قالوا قول علي بن جبلة العكوك غدا مجتمع العزم له جند من الرعب من الهزج وقال أبو الطيب وأتعب خلق الله من زاد همه وقصر عما تشتهي النفس وجده من الطويل وقال لحى الله ذي الدنيا مناخا لراكب فكل بعيد الهم فيها معذب من الطويل وقال ومعال إذا ادعاها سواهم لزمته خيانة السراق من الخفيف وقال مسكية النفحات إلا أنها وحشية بسواهم لا تعبق من الكامل
والآن حين أذكر ما ينعى على أبي الطيب من معائب شعره ومقابحه ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها كفى المرء فضلا أن تعد معائبه ثم أقفى على آثارها بمحاسنه وسياق بدائعه وفرائده فحسن دراري الكواكب أن ترى طوالع في داج من الليل غيهب فمنها قبح المطالع وحقه الحسن والعذوبة لفظا والبارعة والجودة معنى لأنه أول ما يقرع الأذن ويصافح الذهن فإذا كانت حاله على الضد مجه السمع وزجه القلب ونبت عنه النفس وجرى أوله على ما تقوله العامة أول الدن دردى ولأبي الطيب ابتداءات ليست لعمري من أحرار الكلام وغرره بل هي كما نعاها عليه العائبون مستشنعة لا يرفع السمع لها حجابه ولا يفتح القلب لها بابه كقوله هذي برزت لنا فهجت رسيسا ثم انصرفت وما شفيت نسيسا من الكامل فإنه لم يرض بحذف علامة النداء من هذي وهو غير جائز عند النحويين حتى ذكر الرسيس والنسيس فأخذ بطرفي الثقل والبرد
وكقوله أوه بديل من قولتي واها من المنسرح وهو برقية العقرب أشبه منه بافتتاح كلام في مخاطبة ملك وكقوله وهو مما تكلف له اللفظ المتعقد والترتيب المتعسف لغير معنى بديع يفي شرفه وغرابته بالتعب في استخراجه ولا تقوم فائدة الانتفاع به بإزاء التأذي باستماعه وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه من الطويل وكقوله في استفتاح قصيدة في مدح ملك يريد أن يلقاه بها أول لقية كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا من الطويل وفي الابتداء بذكر الداء والموت والمنايا ما فيه من الطيرة التي تنفر منها السوقة فضلا عن الملوك حكى الصاحب قال ذكر الأستاذ الرئيس يوما الشعر فقال وإن أول ما يحتاج فيه إليه حسن المطلع فإن ابن أبي الشباب أنشدني في يوم نيروز قصيدة ابتداؤها أقبر وما طلت ثراك يد الطل من الطويل فتطيرت من افتتاحه بالقبر وتنغصت باليوم والشعر فقلت كذاك كانت حال
ابن مقاتل لما مدح الداعي بقوله لا تقل بشرى ولكن بشريان غرة الداعي ويوم المهرجان من الرمل فإنه نفر من قوله لا تقل بشرى أشد نفار وقال أعمى وتبتدئ بهذا في يوم مهرجان قال الصاحب ومن عنوان قصائده التي تحير الأفهام وتفوت الأوهام وتجمع من الحساب ما لا يدرك بالأرتيماطيقي وبالأعداد الموضوعة للموسيقى أحاد أم سداس في أحاد لييلتنا المنوطة بالتنادي من الوافر وهذا كلام الحكل ورطانة الزط وما ظنك بممدوح قد تشمر للسماع من مادحه فصك سمعه بهذه الألفاظ الملفوظة والمعاني المنبوذة فأي هزة تبقى هناك وأي أريحية تثبت هنا وقد خطأه في اللفظ والمعنى كثير من أهل اللغة وأصحاب المعاني حتى احتيج في الاعتذار له والنضح عنه إلى كلام لا يستأهله هذا البيت ولا يتسع له هذا الباب ومن ابتداءاته البشعة التي تنكرها بديهة السماع قوله ملث القطر أعطشها ربوعا وإلا فاسقها السم النجيعا من الوافر وقوله أثلث فإنا أيها الطلل نبكي وترزم تحتنا الإبل من الكامل
وقوله بقائي شاء ليس هم ارتحالا وحسن الصبر زموا لا الرحالا من الوافر قال الصاحب ومن افتتاحاته العجيبة قوله لسيف الدولة في التسلية عند المصيبة لا يحزن الله الأمير فإنني لآخذ من حالاته بنصيب من الطويل قال الصاحب لا أدري لم لا يحزن سيف الدولة إذا أخذ المتنبي بنصيب من القلق ومنها إتباع الفقرة الغراء بالكلمة العوراء والإفصاح بذلك في شعره عن كثرة التفاوت وقلة التناسب وتنافر الأطراف وتخالف الأبيات وما أكثر ما يحوم حول هذه الطريقة ويعود لهذه العادة السيئة ويجمع بين البديع النادر والضعيف الساقط فبينا هو يصوغ أفخر حلي وينظم أحسن عقد وينسج أنفس وشي ويختال في حديقة ورد إذا به وقد رمى بالبيت والبيتين في إبعاد الاستعارة أو تعويص اللفظ أو تعقيد المعنى إلى المبالغة في التكلف والزيادة في التعمق والخروج إلى الإفراط والإحالة والسفسفة والركاكة والتبرد والتوحش باستعمال الكلمات الشاذة فمحا تلك المحاسن وكدر صفاءها وأعقب حلاوتها مرارة لا مساغ لها واستهدف لسهام العائبين وتحكك بألسنة الطاعنين فمن متمثل بقول الشاعر أنت العروس لها جمال رائق لكنها في كل يوم تصرع من الكامل
ومن مشبه إياه بمن يقدم مائدة تشتمل على غرائب المأكولات وبدائع الطيبات ثم يتبعها بطعام وضر وشراب عكر أو من يتبخر بالند المعشب المثلث المركب من العود الهندي والمسك الأصهب والعنبر الأشهب ثم يرفقه بإرسال الريح الخبيثة ويفسده بالرائحة الردية أو بالواحد من عقلاء المجانين ينطق بنوادر الكلم وطرائف الحكم ثم يعتريه سكرة الجنون فيكون أصلح أحواله وأمثل أقواله أن يقول اعذروني فإن العذرة متعذرة فمما نشر أبو الطيب من هذا النمط قوله أتراها لكثرة العشاق تحسب الدمع خلقة في المآقي من الخفيف وهو ابتداء ما سمع بمثله ومعنى تفرد بابتداعه ثم شفعه بما لا يبالي العاقل أن يسقطه من شعره فقال كيف ترثي التي ترى كل جفن راءها غير جفنها غير راقي وقوله ليالي بعد الظاعنين شكول طوال وليل العاشقين طويل يبن لي البدر الذي لا أريده ويخفين بدرا ما إليه وصول وما عشت من بعد الأحبة سلوة ولكنني للنائبات حمول وما شرقي بالماء إلا تذكرا لماء به أهل الخليط نزول يحرمه لمع الأسنة فوقه فليس لظمآن إليه سبيل من الطويل من قصيدة اخترع أكثر معانيها وتسهل في ألفاظها فجاءت مصنوعة ثم
اعترضته تلك العادة المذمومة فقال أغركم طول الجيوش وعرضها علي شروب للجيوش أكول إذا لم تكن لليث إلا فريسة غذاه ولم ينفعك أنك فيل ثم أتى بما هو أطم منه فقال وذكر الصاحب أنه من أوابده التي لا يسمع طول الأبد بمثلها إذا كان بعض الناس سيفا لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول فإن تكن الدولات قسما فإنها لمن ورد الموت الزؤام تدول قال الصاحب قوله الدولات وتدول من الألفاظ التي لو رزق فضل السكوت عنها لكان سعيدا وقال من قصيدة جمع فيها الشذرة والبعرة والدرة والآجرة لك يا منازل في الفؤاد منازل أقفرت أنت وهن منك أواهل من الكامل وهذا ابتداء حسن ومعنى لطيف ثم قال وأنا الذي اجتلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل وهو وإن كان مأخوذا من قول دعبل لا تطلبا بظلامتي أحدا طرفي وقلبي في دمي اشتركا من الكامل فإنه آخذ بأطراف الرشاقة والملاحة ثم استمر في قصيدته فجاء بالمتوسط المقارب والبديع النادر والرديء النافر حيث قال ولذا اسم أغطية العيون جفونها من أنها عمل السيوف عوامل
وهذا معنى في نهاية الحسن واللطف لو ساعده اللفظ ثم قال كم وقفة سجرتك شوقا بعدما غري الرقيب بنا ولج العاذل فلم يحسن موقع قوله سجرتك أي ملأتك هكذا الرواية بالجيم ولو كانت بالحاء من السحر لم يكن بأس ثم قال وملح دون التعانق ناحلين كشكلتي نصب أدفهما وضم الشاكل أي قريب بعضنا من بعض ولم نتعانق خوف الرقيب ثم قال فأحسن غاية الإحسان للهو آونة تمر كأنها قبل يزودها حبيب راحل جمع الزمان فما لذيذ خالص مما يشوب ولا سرور كامل حتى أبو الفضل بن عبد الله رؤيته المنى وهو المقام الهائل قال ابن جني وهذا خروج غريب ظريف حسن ما أعرفه لغيره يقول إن المنى رؤيته إلا أن هيبته تهول ثم قال فجمع أوصافا في بيت واحد للشمس فيه وللرياح وللسحاب وللبحار وللأسود شمائل ثم قال وتحذق وتبرد ولديه ملعقيان والأدب المفاد وملحياة وملمات مناهل وإنما ألم في صدر هذا البيت بقول أبي تمام نأخذ من ماله ومن أدبه من المنسرح
ثم قال علامة العلماء واللج الذي لا ينتهي ولكل لج ساحل ثم قال فأحال لو طاب مولد كل حي مثله ولد النساء وما لهن قوابل قال القاضي أبو الحسن إن طيب المولد لا يستغنى به عن القابلة وإن استغنى عنها كان ماذا وأي فخر فيه وأي شرف ينال به ثم توسط وقارب فقال ليزد بنو الحسن الشراف تواضعا هيهات تكتم في الظلام مشاعل ستروا الندى ستر الغراب سفاده فبدا وهل يخفي الرباب الهاطل ثم قال وتوحش وتبغض ما شاء الحاسد جفخت وهم لا يجفخون بها بهم شيم على الحسب الأغر دلائل يريد بالجفخ الفخر والبذخ ثم قال يا افخر فإن الناس فيك ثلاثة مستعظم أو حاسد أو جاهل أي يا هذا افخر فحذف المنادى وتباغض وتبادى ثم قال لا تجسر الفصحاء تنشد ههنا شعرا ولكني الهزبر الباسل
ثم قال وأرسله مثلا سائرا وأحسن جدا وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل ما نال أهل الجاهلية كلهم شعري ولا سمعت بسحري بابل ثم قال وتعسف في اللفظ أما وحقك وهو غاية مقسم للحق أنت وما سواك الباطل الطيب أنت إذا أصابك طيبه والماء أنت إذا اغتسلت الغاسل وتقدير الكلام الطيب أنت طيبه إذا أصابك والماء أنت غاسله إذا اغتسلت به وإنما ألم فيه بقول القائل وتزيدين طيب الطيب طيبا إن تمسيه أين مثلك أينا من الخفيف وقال من قصيدة كهذه التي تقدمت قد علم البين منا البين أجفانا تدمى وألف في ذا القلب أحزانا أملت ساعة ساروا كشف معصمها ليلبث الحي دون السير حيرانا بالواخدات وحاديها وبي قمر يظل من وخدها في الخدر حشيانا من البسيط وحشيان بالحاء المهملة من الغريب الوحشي الذي لا يأنس به السمع ولا يقبله القلب يقال حشى الرجل حشيا فهو حشيان إذا أخذه البهر يقول إذا وخدت الإبل تحت هذا القمر أخذه البهر لترفه ومن المؤدبين من يروي خشيانا بالخاء معجمة من الخشية
ثم قال وأحسن ولطف وظرف قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا ثم أراد أن يزيد على الشعراء في وصف المطايا فأتى كما قال الصاحب بأخزى الخزايا فقال لو استطعت ركبت الناس كلهم إلى سعيد بن عبد الله بعرانا قال الصاحب ومن الناس أمه فهل ينشط لركوبها والممدوح لعل له عصبة لا يريد أن يركبوا إليه فهل في الأرض أفحش من هذا السخف وأوضع من هذا التبسط ثم أراد أن يستدرك هذه الطامة بقوله فالعيس أعقل من قوم رأيتهم عما يراه من الإحسان عميانا وقال ثم قال وأجاد في مدح الممدوح إن كوتبوا أو لقوا أو حوربوا وجدوا في الخط واللفظ والهيجاء فرسانا كأن ألسنهم في النطق قد جعلت على رماحهم في الطعن خرصانا كأنهم يردون الموت من ظمأ أو ينشقون من الخطي ريحانا ثم قال خلائق لو حواها الزنج لانقلبوا ظمي الشفاه جعاد الشعر غرانا والزنجي لا يوجد إلا جعد الشعر فكيف ينقلبون عن الجعودة إلى الجعودة وقد
احتج عنه أصحاب المعاني بما يطول ذكره والعجب كل العجب من خاطر يقدح بمثل قوله في قصيدة وملمومة زرد ثوبها ولكنه بالقنا مخمل يفاجئ جيشا بها حينه وينذر جيشا بها القسطل من المتقارب ثم يتصور في هذا الكلام الغث الرث فيتبعه به حيث يقول جعلتك في القلب لي عدة لأنك باليد لا تجعل ولو قاله بعض صبيان المكاتب لاستحيا له منه ومنها استكراه اللفظ وتعقيد المعنى وهو أحد مراكبه الخشنة التي يتسمنها ويأخذ عليها في الطرق الوعرة فيضل ويضل ويتعب ويتعب ولا ينجح إذ يقول في وصف الناقة فتبيت تسئد مسئدا في نيها إسئادها في المهمه الأنضاء من الكامل وتقديره فتبيت تسئد مسئد الأنضاء في نيها إسآدها في المهمه أي كلما قطعت الأرض قطعت الأرض شحمها على احتذاء ومثال هذا بهذا
ويقول في المدح أنى يكون أبا البرايا آدم وأبوك والثقلان أنت محمد من الكامل وتقديره أنى يكون آدم أبا البرايا وأبوك محمد وأنت الثقلان وقال من نسيب قصيدة إذا عذلوا فيها أجبت بأنة حبيبتا قلبي فؤادي هيا جمل من الطويل أراد يا حبيبتي ثم أبدل الياء من حبيبتي ألفا تخفيفا وقلبي منصوب لأنه بدل من حبيبتا وفؤادي بدل من قلبي وهذا كقولك أخي سيدي مولاي نداء بعد نداء ويقال في النداء يا زيد وأيا زيد وهيا زيد وأشباه هذه الأبيات كثيرة في شعره كقوله لساني وعيني والفؤاد وهمتي أود اللواتي إذا اسمها منك والشطر من الطويل وقوله فتى ألف جزء رأيه في زمانه أقل جزي بعضه الرأي أجمع من الطويل وقوله لو لم تكن من ذا الورى اللذ منك هو عقمت بمولد نسلها حواء من الكامل وهو مما اعتل لفظه ولم يصح معناه فإذا قرع السمع لم يصل إلى القلب إلا بعد إتعاب الفكر وكد الخاطر والحمل على القريحة ثم إن ظفر بعد العناء والمشقة فقلما يحصل على طائل
ومنها عسف اللغة والإعراب وهو مما سبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عند المحتجين عنه الاعتذار له والمناضلة دونه كقوله فدى من على الغبراء أولهم أنا لهذا الأبي الماجد الجائد القرم من الطويل ولم يحك عن العرب الجائد وإنما المحكى رجل جواد وفرس جواد ومطر جواد وكقوله فأرحام شعر تتصلن لدنه وأرحام مال لا تني تتقطع من الطويل وتشديد النون من لدن غير معروف في لغة العرب وكقوله شديد البعد من شرب الشمول ترنج الهند أو طلع النخيل من الوافر والمعروف عند العرب الأترج والترنج مما يغلط فيه العامة قال الصاحب لا أدري الاستهلال أحسن أم المعنى أبدع أو قوله ترنج أفصح وكقوله بيضاء يمنعها تكلم دلها تيها ويمنعها الحياء تميسا من الكامل فنصب تميس مع حذف أن وهو ضعيف عن أكثر النحويين وكقوله وتكرمت ركباتها عن مبرك تقعان فيه ليس مسكا أذفرا من الكامل
فجمع الركبات ثم انتقل إلى التثنية فقال تقعان وهو ضعيف وغير سديد في صناعة الإعراب وكقوله ليس إلاك يا علي همام سيفه دون عرضه مسلول من الخفيف وكقوله لم تر من نادمت إلا كا لا لسوى ودك لي ذا كا من السريع فوصل الضمير بإلا وحقه أن ينفصل عنه كما قال الله تعالى ضل من تدعون إلا إياه وكقوله لأنت أسود في عيني من الظلم من البسيط وألف التعجب لا تدخل على أفعل وإنما يقال أشد سوادا وحمرة وخضرة وكقوله جللا كما بي فليك التبريح من الكامل وحذف النون من يكن إذا استقبلها الألف واللام خطأ عند النحويين لأنها تتحرك إلى الكسر وإنما تحذف استخفافا إذا سكنت
وكقوله أمط عنك تشبيهي بما وكأنه من الطويل والتشبيه بما محال وكقوله لعظمت حتى لو تكون أمانة ما كان مؤتمنا بها جبرين من الكامل قال الصاحب وقلب هذه اللام إلى النون أبغض من وجه المنون ولا أحسب جبرائيل عليه السلام يرضى منه بهذا المجاز هذا على ما في البيت من الفساد والقبح وكقوله حملت إليه من ثنائي حديقة سقاها الحجا سقي الرياض السحائب من الطويل أي سقي السحائب الرياض ومنها الخروج عن الوزن كقوله تفكره علم ومنطقه حكم وباطنه دين وظاهره ظرف من الطويل وقد خرج فيه عن الوزن لأنه لم يجيء عن العرب مفاعيلن في عروض الطويل غير مصرع وإنما جاء مفاعلن قال الصاحب ونحن نحاكمه إلى كل شعر للقدماء والمحدثين على بحر الطويل فما نجد له على خطئه مساعدا
قال القاضي أبو الحسن وقد عيب أيضا بقوله إنما بدر بن عمار سحاب هطل فيه ثواب وعقاب من الرمل لأنه أخرج الرمل على فاعلاتن وأجرى جميع القصيدة على ذلك في الأبيات غير المصرعة وإنما جاء الشعر على فاعلن وإن كان أصله في الدائرة فاعلاتن ومنها استعمال الغريب الوحشي وإذا كان المتنبي من المحدثين بل من العصريين وجرى على رسومهم في اختيار الألفاظ المعتادة المألوفة بينهم بل ربما انحط عنهم بالركاكة والسفسفة ثم تعاطى الغريب الوحشي والشاذ البدوي بل ربما زاد في ذلك على أقحاح المتقدمين حصل كلامه بين طرفي نقيض وتعرض لاعتراض الطاعنين فمن ذلك الفن الذي ينادي على نفسه ويقلق موقعه في شعره وشعر غيره من أبناء عصره قوله وما أرضى لمقلته بحلم إذا انتبهت توهمه ابتشاكا من الوافر والابتشاك الكذب ولم أسمع فيه شعرا قديما ولا محدثا سوى هذا البيت وقوله في وصف الغيث لساحيه على الأجداث حفش كأيدي الخيل أبصرت المخالي من الوافر الساحي القاشر ومنه سميت المسحاة لأنها تقشر وجه الأرض والحفش مصدر حفش السيل حفشا إذا جمع الماء من كل جانب إلى مستنقع
وقوله في وصف السيف ودقيق قدي الهباء أنيق متوال في مستو هزهاز من الخفيف قدي بمعنى مقدار يقال بينهما قيد رمح وقدي رمح وقوله تطس الخدود كما تطسن اليرمعا من الكامل تطسن أي تدق واليرمع الحجارة الرخوة وقوله وإلى حصى أرض أقام بها بالناس من تقبيلها يلل من الكامل اليلل إقبال الأسنان وانعطافها على باطن الفم ولم أسمعه في غير شعره وقوله الشمس تشرق والسحاب كنهورا من الكامل الكهنور القطع من السحاب العظيمة وقوله وكيف أستر ما أوليت من حسن وقد غمرت نوالا أيها النال من البسيط والنال المعطي وقوله أسائلها عن المتديريها من الوافر قال الصاحب لفظة المتديريها لو وقعت في بحر صاف لكدرته ولو ألقى ثقلها على جبل سام لهده وليس للمقت فيها نهاية ولا للبرد معها غاية المتديروها المتخذوها دارا
قال الصاحب ومن أطم ما يتعاطاه التفاصح بالألفاظ النافرة والكلمات الشاذة حتى كأنه وليد خباء وغذي لبن لم يطأ الحضر ولم يعرف المدر فمن ذلك قوله أيفطمه التوراب قبل فطامه ويأكله قبل البلوغ إلى الأكل من الطويل وليس ذلك سائغا لمثله وهو وليد قرية ومعلم صبية ومن الجموع الغريبة التي يوردها قوله في جمع الأرض أروض الناس من ترب وخوف وأرض أبي شجاع من أمان من الوافر وقوله في جمع اللغة عليم بأسرار الديانات واللغى من الطويل وقوله في جمع الدنيا أعز مكان في الدنى سرج سابح من الطويل وقوله في جمع الأخ كل آخائه كرام بني الدنيا من الخفيف قال الصاحب لو وقع الآخاء في رائية الشماخ لاستثقل فكيف مع أبيات منها قد سمعنا ما قلت في الأحلام وأنلناك بدرة في المنام
والكلام إذا لم يتناسب زيفته جهابذته وبهرجته نقاده ومنها الركاكة والسفسفة بألفاظ العامة والسوقة ومعانيهم كقوله رماني خساس الناس من صائب استه وآخر قطن من يديه الجنادل من الطويل وقوله وإن ما ريتني فاركب حصانا ومثله تخر له صريعا من الوافر وقوله إن كان لا يدعى الفتى إلا كذا رجلا فسم الناس طرا إصبعا من الكامل وقوله قسا فالأسد تفزع من يديه ورق فنحن نفزع أن يذوبا من الوافر وقوله تألم درزه والدرز لين كما يتألم العضب الصنيعا من الوافر وعلى ذكر الدرز فقد حكى الصاحب في كتاب الروزنامجة من حديث لحظة الطولونية المغنية ما يشبه معنى هذا البيت وهو أنه قال سمعتها تقول يا
جارية علي بالقميص المعمول في النسج فقد آذاني نقل الدروز وقوله لسرى لباسه خشن القطن ومروي مرو لبس القرود من الخفيف وقوله ما أنصف القوم ضبه وأمه الطرطبه رموا برأس أبيه وباكوا الأم غلبه من المجتث وقوله بياض وجه يريك الشمس طالعة ودر لفظ يريك الدر مخشلبا من البسيط وقوله إن كان مثلك كان أو هو كائن فبرئت حينئذ من الإسلام من الكامل قال الصاحب حينئذ ههنا من عير منفلت قال ومن ركيك صنعه في وصف شعره والزراية على غيره قوله إن بعضا من القريض هراء ليس شيئا وبعضه أحكام منه ما يجلب البراعة والذهن ومنه ما يجلب البرسام من الخفيف وقال وههنا بيت نرضى باتباعه فيه وما ظنك بمحكم مناويه ثقة بظهور حقه وإيراء زنده ولو لم يكن التحكيم بعد أبي موسى من موجب العزم
ومقتضى الحزم وهو أطعناك طوع الدهر يا بن ابن يوسف بشهوتنا والحاسدو لك بالرغم من الطويل وقوله تقضم الجمر والحديد الأعادي دونه قضم سكر الأهواز من الخفيف وقوله فكأنما حسب الأسنة حلوة أو ظنها البرني والآزاذا من الكامل قال الصاحب إذا جمع السكر إلى البرني والأزاذ تم الأمر قال وكانت الشعراء تصف المآزر تنزيها لألفاظها عما يستشنع ذكره حتى تخطى هذا الشاعر المطبوع إلى التصريح الذي لم يهتد له غيره فقال إني على شغفي بما في خمرها لأعف عما في سراويلاتها من الكامل وكثير من العهر أحسن من هذا العفاف قال القاضي ومن أمثاله العامية قوله وكل مكان أتاه الفتى على قدر الرجل فيه الخطى من المتقارب ومنها إبعاد الاستعارة والخروج بها عن حدها كقوله مسرة في قلوب الطيب مفرقها وحسرة في قلوب البيض واليلب من البسيط
وقوله تجمعت في فؤادهم همم ملء فؤاد الزمان إحداها من المنسرح وقوله لم يحك نائلك السحاب وإنما حمت به فصبيبها الرحضاء من الكامل وقوله إلا يشب فلقد شابت له كبد شيبا إذا خضبته سلوة نصلا من البسيط وقوله وقد ذقت حلواء البنين على الصبا فلا تحسبني قلت ما قلت عن جهل من الطويل فجعل للطيب والبيض واليلب قلوبا وللسحاب حمى وللزمان فؤادا وللكبد شيبا وهذه استعارات لم تجر على شبه قريب ولا بعيد وإنما تصح الاستعارة وتحسن على وجه من الوجوه المناسبة وطرق من الشبه والمقاربة قال الصاحب وما زلنا نتعجب من قول أبي تمام لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي من الكامل فخف علينا بحلواء البنين ومنها الاستكثار من قول ذا قال القاضي وهي ضعيفة في صنعة الشعر دالة على التكلف وربما
وافقت موضعا تليق به فاكتست قبولا فأما في مثل قوله قد بلغت الذي أردت من البر ومن حق ذا الشريف عليكا وإذا لم تسر إلى الدار في وقتك ذا خفت أن تسير إليكا من الخفيف وقوله لو لم تكن من ذا الورى اللذمنك هو عقمت بمولد نسلها حواء من الكامل وقوله عن ذا الذي حرم الليوث كماله تنسى الفريسة خوفه لجماله من الكامل وقوله وإن بكينا له فلا عجب ذا الجزر في البحر غير معهود من المنسرح وقوله أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم قفاه على الإقدام للوجه لائم من الطويل وقوله أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقا إليه وذا الوقت الذي كنت راجيا من الطويل وقوله وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب من الطويل وقوله أريد من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يبلغه في نفسه الزمن من البسيط
وقوله يضاحك في ذا اليوم كل حبيبة من الطويل فهو كما تراه سخافة وضعف ولو تصفحت شعره لوجدت فيه أضعاف ما ذكرناه من هذه الإشارة وأنت لا تجد في عدة دواوين جاهلية حرفا والمحدثون أكثر استعانة بها لكن في الفرط والندرة أو على سبيل الغلط والفلتة ومنها الإفراط في المبالغة والخروج فيه إلى الإحالة كقوله ونالوا ما اشتهوا بالحزم هونا وصاد الوحش نملهم دبيبا من الوافر وقوله وضاقت الأرض حتى صار هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا فبعده وإلى ذا اليوم لو ركضت بالخيل في لهوات الطفل ما سعلا من البسيط وقوله وأعجب منك كيف قدرت تنشا وقد أعطيت في المهد الكمالا وأقسم لو صلحت يمين شيء لما صلح العباد له شمالا من الوافر وقوله بمن أضرب الأمثال أم من أقيسه إليك وأهل الدهر دونك والدهر من الطويل
وقوله ولو قلم ألقيت في شق رأسه من السقم ما غيرت من خط كاتب من الطويل وقوله من بعد ما كان ليلي لا صباح له كأن أول يوم الحشر آخره من البسيط فهو هما يستهجن في صنعة الشعر على أن كثيرا من النقدة لا يرتضون هذا الإفراط كله ومنها تكرير اللفظ في البيت الواحد من غير تحسين كقوله ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ويجهل علمي أنه بي جاهل من الطويل وقوله في هذه القصيدة فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا قلاقل عيس كلهن قلاقل قال الصاحب وما زال الناس يستبشعون قول مسلم سلت وسلت ثم سل سليلها فأتى سليل سليلها مسلولا من الكامل حتى جاء هذا المبدع فقال وأفجع من فقدنا من وجدنا قبيل الفقد مفقود المثال من الوافر وأظن المصيبة في الراثي أعظم منها في المرثي
وقوله عظمت فلما لم تكلم مهابة تواضعت وهو العظم عظما من العظم من الطويل قال الصاحب وما أحسن ما قال الأصمعي لمن أنشده فما للنوى جد النوى قطع النوى كذاك النوى قطاعة لوصال من الطويل لو سلط الله تعالى على هذا البيت شاة فأكلت هذا النوى كله وقوله ولا الضعف حتى يتبع الضعف ضعفه ولا ضعف ضعف الضعف بل مثله ألف من الطويل وقوله ولم أر مثل جيراني ومثلي لمثلي عند مثلهم مقام من الوافر وقوله العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن من البسيط وقوله وإني وإن كان الدفين حبيبه حبيب إلى قلبي حبيب حبيبي من الطويل وقوله لك الخير غيري رام من غيرك الغنى وغيري بغير اللاذقية لاحق من الطويل وقوله ملولة ما تدوم ليس لها من ملل دائم بها ملل من المنسرح
وقوله قبيل أنت أنت وأنت منهم وجدك بشر الملك الهمام من الوافر وقوله وكلكم أتى مأتى أبيه فكل فعال كلكم عجاب من الوافر وقوله وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله ولكن شعري فيك من نفسه شعر من الطويل وقوله إنما الناس حيث أنت وما الناس بناس في موضع منك خالي من الخفيف وقوله ولولا تولى نفسه حمل حمله عن الأرض لانهدت وناء بها الحمل من الطويل وقوله ونهب نفوس أهل النهب أولى بأهل النهب من نهب القماش من الوافر وقوله وطعن كأن الطعن لا طعن عنده من الطويل وقوله أراه صغيرا قدرها عظم قدره فما لعظيم قدره عنده قدر من الطويل
وقوله جواب مسائلي أله نظير ولا لك في سؤالك لا ألالا من الوافر قال الصاحب ما قدرت أن مثل هذا البيت يلج سمعا وقد سمعت الفأفاء ولم أسمع باللألاء حتى رأيت هذا المتكلف المتعسف الذي لا يقف حيث يعرف ومنها إساءة الأدب بالأدب كقوله فغدا أسيرا قد بللت ثيابه بدم وبل ببوله الأفخاذا من الكامل وقوله وما بين كاذتي المستغير كما بين كاذتي البائل من المتقارب وقوله خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العوائق من الطويل ويقال لما أنكرت عليه حاضت غيره فجعله ذابت وذكر البول والحيض مما لا يحسن وقوعه في مخاطبة الملوك والرؤساء وأقبح موقعا من ذلك قوله في قصيدة يرثي بها أخت سيف الدولة ويعزيه عنها حيث يقول وهل سمعت سلاما لي ألم بها فقد أطلت وما سلمت عن كثب من البسيط
وما باله يسلم على حرم الملوك ويذكر منهن ما يذكره المتغزل في قوله يعلمن حين تحي حسن مبسمها وليس يعلم إلا الله بالشنب من البسيط وكان أبو بكر الخوارزمي يقول لو عزاني إنسان عن حرمة لي بمثل هذا لألحقته بها وضربت عنقه على قبرها قال الصاحب ولقد مررت على مرثية له في أم سيف الدولة تدل على فساد الحس على سوء أدب النفس وما ظنك بمن يخاطب ملكا في أمه بقوله بعيشك هل سلوت فإن قلبي وإن جانبت أرضك غير سالي من الوافر فيتشوق إليها ويخطئ خطأ لم يسبق إليه وإنما يقول مثل ذلك من يرثي بعض أهله فأما استعماله إياه في هذا الموضع فدال على ضعف البصر بمواقع الكلام وفي هذه القصيدة رواق العز فوقك مسبطر وملك علي ابنك في كمال ولعل لفظة الاسبطرار في مراثي النساء من الخذلان الرقيق الصفيق المتبر قال ولما أبدع في هذه القصيدة واخترع قال صلاة الله خالقنا حنوط على الوجه المكفن بالجمال فلا أدري هذه الاستعارة أحسن أم وصفه وجه والدة ملك يرثيها بالجمال أم قوله في وصف قرابتها وجواريها أتتهن المصائب غافلات فدمع الحزن في دمع الدلال
ومنها الإيضاح عن ضعف العقيدة ورقة الدين على أن الديانة ليست عيارا على الشعراء ولا سوء الاعتقاد سببا لتأخر الشاعر ولكن للإسلام حقه من الإجلال الذي لا يسوغ الإخلال به قولا وفعلا ونظما ونثرا ومن استهان بأمره ولم يضع ذكره وذكر ما يتعلق به في موضع استحقاقه فقد باء بغضب من الله تعالى وتعرض لمقته في وقته وكثيرا ما قرع المتنبي هذا الباب بمثل قوله يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلى من التوحيد من الخفيف وقوله ونصفي الذي يكنى أبا الحسن الهوى ونرضى الذي يسمى الإله ولا يكنى من الطويل وقوله من قصيدة مدح بها العلوي وأبهر آيات التهامي أنه أبوكم وإحدى مالكم من مناقب من الطويل وقوله تتقاصر الأفهام عن إدراكه مثل الذي الأفلاك فيه والدنا من الكامل وقد أفرط جدا لأن الذي الأفلاك فيه والدنا هو علم الله عز وجل وقوله الناس كالعابدين آلهة وعبده كالموحد اللاها من المنسرح وقوله لو كان علمك بالإله مقسما في الناس ما بعث الإله رسولا من الكامل
أو كان لفظك فيهم ما أنزل التوراة والفرقان والإنجيلا من الكامل وقوله لو كان ذو القرنين أعمل رأيه لما أتى الظلمات صرن شموسا أو كان صادف رأس عازر سيفه في يوم معركة لأعيا عيسى من الكامل عازر اسم الرجل الذي أحياه المسيح عليه الصلاة والسلام بإذن الله عز وجل أو كان لج البحر مثل يمينه ما انشق حتى جاز فيه موسى وكأن المعاني أعيته حتى التجأ إلى استصغار أمور الأنبياء وفي هذه القصيدة يا من نلوذ من الزمان بظله أبدا ونطرد باسمه إبليسا وقوله وقد جاز حد الإساءة أي محل أرتقي أي عظيم أتقي وكل ما قد حلق الله وما لم يخلق محتقر في همتي كشعرة في مفرقي من مجزوء الرجز وقبيح بمن أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو فيما بينهما حامل بول وعذرة أن يقول مثل هذا الكلام الذي لا تسعه معذرة ومنها الغلط بوضع الكلام في غير موضعه كقوله أغار من الزجاجة وهي تجري على شفة الأمير أبي الحسين من الوافر
وهذه الغيرة إنما تكون بين المحب ومحبوبه كما قال أبو الفتح كشاجم وأحسن أغار إذا دنت من فيه كأس على در يقبله الزجاج من الوافر فأما الأمراء والملوك فلا معنى للغيرة على شفاهها وكقوله وغر الدمستق قول الوشاة إن عليا ثقيل وصب من المتقارب فجعل الأمراء يوشى بهم وإنما الوشاية السعاية ونحوها من الرعية ومن شأن الممدوح أن يفضل على عدوه ويجري العدو مجرى بعض أصحابه وليس في اللغة أن يقال وشى فلان بالسلطان إلى بعض رعيته وكقوله في وصف الحمى المعرقة إذا ما فارقتني غسلتني كأنا عاكفان على حرام من الوافر وليس الحرام أخص بالاغتسال منه من الحلال وكقوله في وصف مهره وزاد في الأذن على الخرانق من الرجز وأذن الفرس يستحب فيها الدقة والانتصاب وتشبه بطرف القلم وأذن الأرنب على الضد من هذا الوصف
ومنها امتثال ألفاظ المتصوفة واستعمال كلماتهم المعقدة ومعانيهم المغلقة في مثل قوله في وصف فرس وتسعدني في غمرة بعد غمرة سبوح لها منها عليها شواهد من الطويل وقوله إذا ما الكأس أرعشت اليدين صحوت فلم تحل بيني وبيني من الوافر وقوله أفيكم فتى حي يخبرني عني بما شربت مشروبة الراح من ذهني من الطويل وقوله نال الذي نلت منه مني لله ما تصنع الخمور من مخلع البسيط وقوله كبر العيان علي حتى إنه صار اليقين من العيان توهما من الكامل وقوله وبه يضن على البرية لا بها وعليه منها لا عليها يوسي من الكامل وقوله ولولا أنني في غير نوم لكنت أظنني مني خيالا من الوافر قال الصاحب ولو وقع قوله نحن من ضايق الزمان له فيك وخانته قربك الأيام من الخفيف
في عبارات الجنيد والشبلى لتنازعته المتصوفة دهرا بعيدا ومن أشد ما قاله في هذا المعنى قوله ولكنك الدنيا إلي حبيبة فما عنك لي إلا إليك ذهاب من الطويل ومنها الخروج عن طريق الشعر إلى طريق الفلسفة كقوله ولجدت حتى كدت تبخل حائلا للمنتهى ومن السرور بكاء من الكامل وقوله والأسى قبل فرقة الروح عجز والأسى لا يكون قبل الفراق من الخفيف وقوله إلف هذا الهواء أوقع في الأنفس أن الحمام مر المذاق من الخفيف وقوله تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم إلا على شجب والخلف في الشجب فقيل تخلص نفس المرء سالمة وقيل تشرك جسم المرء في العطب من البسيط وقوله خلفت صفاتك في العيون كلامه كالخط يملأ مسمعي من أبصرا من الكامل
وقوله تمتع من سهاد أو رقاد ولا تأمل كرى تحت الرجام فإن لثالث الحالين معنى سوى معنى انتباهك والمنام من الوافر قال ابن جني أرجو أن لا يكون أراد بذلك أن نومة القبر لا انتباه لها ومنها استكراه التخلص قال القاضي لعلك لا تجد في شعره تخلصا مستكرها إلا قوله أحبك أو يقولوا جر نمل ثبيرا وابن إبراهيم ريعا من الوافر فأما قوله فأفنى وما أفنته نفسي كأنما أبو الفرج القاضي له دونها كهف من الطويل وقوله لو استطعت ركبت الناس كلهم إلى سعيد بن عبد الله بعرانا من البسيط وقوله أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب وبحر أبو المسك الخضم الذي له على كل بحر زخرة وعباب من الطويل فهي وإن لم تكن مستحسنة مختارة فليست بالمستهجن الساقط
ومنها قبح المقاطع كقوله بعد أبيات أحسن فيها غاية الإحسان وترقى الدرجة العالية وهي ولله سر في علاك وإنما كلام العدا ضرب من الهذيان أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت قيام دليل أو وضوح بيان رأت كل من ينوي لك الغدر يبتلي بغدر حياة أو بغدر زمان قضى الله يا كافور أنك واحد وليس بقاض أن يرى لك ثاني فما لك تختار القسي والقسي وإنما عن السعد ترمي دونك الثقلان وما لك تعني بالأسنة والقنا وجدك طعان بغير سنان ولم تحمل السيف الطويل نجاده وأنت غني عنه بالحدثان أرد لي جميلا جدت أو لم تجد به فإنك ما أحببت في أتاني من الطويل هذا البيت الذي هو عوذتها لو الفلك الدوار أبغضت سعيه لعوقه شيء عن الدوران وقوله في قصيدة منها في خطه من كل قلب شهوة حتى كأن مداده الأهواء ولكل عين قرة في قربه حتى كأن مغيبه الأقذاء من الكامل هذا البيت الذي جعله المقطع لو لم تكن من ذا الورى اللذ منك هو عقمت بمولد نسلها حواء
وكقوله في آخر القصيدة خلت البلاد من الغزالة ليلها فأعاضهاك الله كي لا تحزنا من الكامل هذا آخر المقابح والمعائب وأول المحاسن والروائع والبدائع والقلائد والفرائد التي زاد فيها على من تقدم وسبق جميع من تأخر فمنها حسن المطالع كقوله فديناك من ربع وإن زدتنا كربا فإنك كنت الشرق للشمس والغربا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة لمن بان عنه أن نلم به ركبا من الطويل وقوله الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان من الكامل وقوله إذا كان مدح فالنسيب المقدم أكل فصيح قال شعرا متيم لحب ابن عبد الله أولى فإنه به يبدأ الذكر الجميل ويختم من الطويل وقوله أعلى الممالك ما يبنى على الأسل والطعن عند محبيهن كالقبل من البسيط
وقوله فؤاد ما تسليه المدام وعمر مثل ما يهب اللئام من الوافر وقوله أفاضل الناس أغراض لذا الزمن يخلو من الهم أخلاهم من الفطن من البسيط وقوله اليوم عهدكم فأين الموعد هيهات ليس ليوم عهدكم غد الموت أقرب مخلبا من بينكم والعيش أبعد منكم لا تبعدوا من الكامل وقوله المجد عوفي إذ عوفيت والكرم وزال عنك إلى أعدائك الألم من البسيط ومنها حسن الخروج والتخلص كقوله مرت بنا بين تربيها فقلت لها من أين جانس هذا الشادن العربا فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا من البسيط وقوله وغيث ظننا تحته أن عامرا علا لم يمت أوفى السحاب له قبر من الطويل وقوله وإلا فخانتني القوافي وعاقني عن ابن عبيد الله ضعف العزائم
إذا صلت لم أترك مصالا لصائل وإن قلت لم أترك مقالا لعالم من الطويل وقوله نودعهم والبين فينا كأنه قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق من الطويل وقوله نودعهم والبين فينا كأنه قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق وقوله ومقانب بمقانب غادرتها أقوات وحش كن من أقواتها أقبلتها غرر البلاد كأنما أيدي بني عمران في جبهاتها من الكامل وقوله حدق يذم من القواتل غيرها بدر بن عمار بن إسماعيلا من الكامل وقوله ولو كنت في أسر غير الهوى ضمنت ضمان أبي وائل فدى نفسه بضمان النضار وأعطى صدور القنا الذابل من المتقارب ومنها النسيب بالأعرابيات كقوله من الجآذر في زي الأعاريب حمر الحلى والمطايا والجلابيب إن كنت تسأل شكا في معارفها فمن بلاك بتسهيد وتعذيب
سوائر ربما سارت هوادجها منيعة بين مطعون ومضروب من البسيط أي لكثرة الرغبة فيهن وشدة الذب عنهن والمحاربة دونهن وربما وخدت أيدي المطي بها على نجيع من الفرسان مصبوب كم زروة لي في الأعراب خافية أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي قد وقع التنبيه على حسن هذا البيت في شرف لفظه ومعناه وجودة تقسيمه وكونه أمير شعره قد وافقوا الوحش في سكنى مراتعها وخالفوها بتقويض وتطنيب فؤاد كل محب في بيوتهم ومال كل أخيذ المال محروب ما أوجه الحضر المستحسنات به كأوجه البدويات الرعابيب حسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوب أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب ولا برزن من الحمام مائلة أوراكهن صقيلات العراقيب ومن هوى كل من ليست مموهة تركت لون مشيبي غير مخضوب ومن هوى الصدق في قولي وعادته رغبت عن شعر في الوجه مكذوب وناهيك بهذه الأبيات جزالة وحلاوة وحسن معادن وله طريفة ظريفة في وصف البدويات قد تفرد بحسنها وأجاد ما شاء فيها
فمنها قوله هام الفؤاد بأعرابية سكنت بيتا من القلب لم تضرب بها طنبا مظلومة القد في تشبيهه غصنا مظلومة الريق في تشبيهه ضربا من البسيط وقوله إن الذين أقمت واحتملوا أيامهم لديارهم دول الحسن يرحل كلما رحلوا معهم وينزل حيثما نزلوا في مقلتي رشأ تديرهما بدوية فتنت بها الحلل تشكو المطاعم طول هجرتها وصدودها ومن الذي تصل من الكامل وصفها بقلة الطعم وهي محمودة في نساء العرب ما أسأرت في القعب من لبن تركته وهو المسك والعسل قالت ألا تصحو فقلت لها أعلمتني أن الهوى ثمل وقوله ديار اللواتي دارهن عزيزة بطول القنا يحفظن لا بالتمائم حسان التثني ينقش الوشي مثله إذا مسن في أجسادهن النواعم ويبسمن عن در تقلدن مثله كأن التراقي وشحت بالمباسم من الطويل
ومنها حسن التصرف في سائر الغزل كقوله قد كان يمنعني الحياء من البكا فالآن يمنعه البكا أن يمنعا حتى كأن لكل عظم رنة في جلده ولكل عرق مدمعا سفرت وبرقعها الحياء بصفرة سترت محاسنها ولم تك برقعا فكأنها والدمع يقطر فوقها ذهب بسمطي لؤلؤ قد رصعا كشفت ثلاث ذوائب من شعرها في ليلة فأرت ليالي أربعا واستقبلت قمر السماء بوجهها فأرتني القمرين في وقت معا من الكامل وهي مما يتغنى به لرشاقتها وبلوغها كل مبلغ من حسن اللفظ وجودة المعنى واستحكام الصنعة وكقوله أيدري الربع أي دم أراقا وأي قلوب هذا الركب شاقا لنا ولأهله أبدا قلوب تلاقي في جسوم ما تلاقى من الوافر معناه ينظر إلى قول ابن المعتز إنا على البعاد والتفرق لنلتقي بالذكر إن لم نلتقي من الرجز ومنها فليت هوى الأحبة كان عدلا فحمل كل قلب ما أطاقا
ومنها وقد أخذ التمام البدر فيهم وأعطاني من السقم المحاقا وبين الفرع والقدمين نور يقود بلا أزمتها النياقا وطرف إن سقى العشاق كأسا بها نقص سقانيها دهاقا وخصر تثبت الأحداق فيه كأن عليه من حدق نطاقا وقوله كأنما قدها إذا انفتلت سكران من خمر طرفها ثمل يجذبها تحت خصرها عجز كأنه من فراقها وجل من المنسرح وقوله مثلت عينك في حشاي جراحة فتشابها كلتاهما نجلاء نفذت علي السابري وربما تندق فيه الصعدة السمراء من الكامل وكقوله كأن العيس كانت فوق جفني مناخات فلما ثرن سالا لبسن الوشي لا متجملات ولكن كي يصن به الجمالا وضفرن الغدائر لا لحسن ولكن خفن في الشعر الضلالا من الوافر
ومنها حسن التشبيه بغير أداة التشبيه كقوله بدت قمرا ومالت غصن بان وفاحت عنبرا ورنت غزالا من الوافر وقوله ترنو إلي بعين الظبي مجهشة وتمسح الطل فوق الورد بالعنم من البسيط وقوله قمرا ترى وسحابتين بموضع من وجهه ويمينه وشماله من الكامل وقوله أعارني سقم عينيه وحملني من الهوى ثقل ما تحوي مآزره من البسيط وقوله عرفت نوائب الحدثان حتى لو انتسبت لكنت لها نقيبا من الوافر وقوله فأتيت معتزما ولا أسد ومضيت منهزما ولا وعل من الكامل وقوله في وصف الخيل خرجنا من النقع في عارض ومن عرق الركض في وابل من المتقارب
وقوله وجياد يدخلن في الحرب أعراء ويخرجن من دم في جلال واستعار الحديد لونا وألقى لونه في ذوائب الأطفال من الخفيف ومنها الإبداع في سائر التشبيهات والتمثيلات كقوله وإن نهاري ليلة مدلهمة على مقلة من فقدكم في غياهب بعيدة ما بين الجفون كأنما عقدتم أعالي كل هدب بحاجب من الطويل ذكر ابن جني أنه مثل قول بشار جفت عيني عن التغميض حتى كأن جفونها عنها قصار من الوافر وذكر القاضي أنه مأخوذ من قول الطرمي في رطاناته ورأسي مرفوع إلى النجم كأنما قفاي إلى صلبي بخيط مخيط من الطويل وقوله كأن رقيبا منك سد مسامعي عن العذل حتى ليس يدخلها العذل كأن سهاد العين يعشق مقلتي فبينهما في كل هجر لنا وصل من الطويل وقوله رأيت الحميا في الزجاج بكفه فشبهتها بالشمس في البدر في البحر من الطويل
وقوله في الحمى وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا بالظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي من الوافر وقوله في وصف الظبي أغناه حسن الجيد عن لبس الحلى وعادة العري عن التفضل كأنه مضمخ بصندل من الرجز وقوله في سرعة الأوبة وتقليل اللبث وما أنا غير سهم في هواء يعود ولم يجد فيه امتساكا من الوافر قال ابن جنى قد اختلف أهل النظر في هذا الموضع فقال قوم إن السهم والحجر ونحوهما إذا رمي به صعدا فتناهى صعوده كانت له في آخر ذلك لبثة ما ثم يتصوب منحدرا وقال آخرون لا لبثة له هناك وإنما أول وقت انحداره وقت صعوده وقوله وهو أحسن ما قيل في وصف محنة نهكت صاحبها واشتدت به ثم عاد إلى حال السلامة وقد هذبته تلك الحال وزادته صفاء وسهولة وربتما شفيت غليل صدري بسير أو مقام أو حسام وضاقت خطة فخرجت منها خروج الخمر من نسج الفدام من الوافر وقوله وهو مما لم يسبق إليه كريم نفضت الناس لما لقيته كأنهم ما جف من زاد قادم
وكاد سروري لا يفي بندامتي على تركه في عمري المتقادم من الطويل وقوله وهو من بدائعه رضوا بك كالرضا بالشيب قسرا وقد وخط النواصي والفروعا من الوافر وقوله في وصف الشعر إذا خلعت على عرض له حللا وجدتها منه في أبهى من الحلل بذي الغباوة من إنشادها ضرر كما تضر رياح الورد بالجعل من البسيط وذلك أن الجعل إذا طرح عليه الورد غشى عليه ومنها التمثيل بما هو من جنس صناعته كقوله وإنما نحن في جيل سواسية شر على الحر من سقم على البدن حولي بكل مكان منهم خلق تخطي إذا جئت في استفهامها بمن من البسيط من إنما يستفهم بها عمن يعقل يقول هؤلاء كالبهائم فقولك لهم من أنتم خطأ إنما ينبغي أن يقال لهم ما أنتم لأن موضع ما لما لا يعقل ويحكى أن جريرا لما قال يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا من البسيط قال الفرزدق ولو كان ساكنه قرودا فقال له جرير لو أردت هذا لقلت ما كانا ولم أقل من كانا
وكقوله نتاج رأيك في وقت على عجل كلفظ حرف وعاه سامع فهم من البسيط وقوله من اقتضى بسوى الهندي حاجته أجاب كل سؤال عن هل بلم من البسيط وقوله أمضى إرادته فسوف له قد واستقرب الأقصى فثم له هنا من الكامل سوف للاستقبال وقد موضوعه للمضي ومقاربة الحال يقول إذا نوى أمرا فكأنما يسابق نيته وقوله دون التعانق ناحلين كشكلتي نصب أدقهما وضم الشاكل من الكامل وقوله ولولا كونكم في الناس كانوا هراء كالكلام بلا معان من الوافر وقوله قشير وبلعجان فيها خفية كراءين في ألفاظ ألثغ ناطق من الطويل وقوله إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم من الطويل المضارع ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع مثل أقوم ونقوم وتقوم ويقوم يقول إذا نويت فعلا أوقعته قبل فوته وقبل أن يقال لم يفعل وأن
يفعل وقوله وكان ابنا عدو كاثراه له يآءي حروف أنيسيان من الوافر أنيسيان تصغير إنسان وتحقيره وإنسان عدد حروفه خمسة وهو اسم مكبر فإذا صغرته زدت عليه ياءين فزادت حروفه ونقص معناه فكذاك إذا كان لعدوه ابنان فكاثره بهما فيكونان زائدين في عدده ولكن ناقصين لسقوطهما وتخلفهما ومنها المدح الموجه كالثوب له وجهان ما منهما إلا حسن كقوله نهبت من الأعمار ما لو حويته لهنئت الدنيا بأنك خالد من الطويل قال ابن جني لو لم يمدح أبو الطيب سيف الدولة إلا بهذا البيت وحده لكان قد بقي فيه ما لا يخلقه الزمان وهذا هو المدح الموجه لأنه بنى البيت على ذكر كثرة ما استباحه من أعمار أعدائه ثم تلقاه من آخر البيت بذكر سرور الدنيا ببقائه واتصال أيامه وكقوله عمر العدو إذا لاقاه في رهج أقل من عمر ما يحوي إذا وهبا مال كأن غراب البين يرقبه فكلما قيل هذا مجتد نعبا من البسيط وقوله تشرق تيجانه بغرته إشراق ألفاظه بمعناها من المنسرح
وقوله تشرق أعراضهم وأوجهم كأنما في نفوسهم شيم من المنسرح وقوله إلى كم ترد الرسل فيما أتوا له كأنهم فيما وهبت ملام من الطويل وقوله يخيل لي أن البلاد مسامعي وأني فيها ما تقول العواذل من الطويل وقوله كأن ألسنهم في النطق قد جعلت على رماحهم في الطعن خرصانا من البسيط ومنها حسن التصرف في مدح سيف الدولة بجنس السيفية كقوله لقد رفع الله من دولة لها منك يا سيفها منصل من المتقارب وقوله لولا سمي سيوفه ومضاؤه لما سللن لكن كالأجفان من الكامل وقوله عزاءك سيف الدولة المقتدى به فإنك نصل والشدائد للنصل من الطويل
وقوله يسمى الحسام وليست من مشابهة وكيف يشتبه المخدوم والخدم كل السيوف إذا طال الضراب بها يمسها غير سيف الدولة السأم من البسيط وقوله تهاب سيوف الهند وهي حدائد فكيف إذا كانت نزارية عربا من الطويل وقوله تحير في سيف ربيعة أصله وطابعه الرحمن والمجد صاقل من الطويل وقوله قلد الله دولة سيفها أنت حساما بالمكرمات محلى فإذا اهتز للندى كان بحرا وإذا اهتز للعدا كان نصلا من الخفيف وقوله وأنت حسام الملك والله ضارب وأنت لواء الدين والله عاقد من الطويل وقوله لقد سل سيف الدولة المجد معلما فلا المجد مخفيه ولا الضرب ثالمه على عاتق الملك الأغر نجاده وفي يد جبار السموات قائمه وإن الذي سمى عليا لمنصف وإن الذي سماه سيفا لظالمه وما كل سيف يقطع الهام حده وتقطع لزبات الزمان مكارمه من الطويل
وقوله إن الخليفة لم يسمك سيفه حتى بلاك فكنت عين الصارم وإذا تتوج كنت درة تاجه وإذا تختم كنت فص الخاتم من الكامل وقوله من للسيوف بأن تكون سميها في أصله وفرنده ووفائه طبع الحديد فكان من أجناسه وعلي المطبوع من آبائه من الكامل ومنها الإبداع في سائر مدائحه كقوله ملك سنان قناته وبنانه يتباريان دما وعرفا ساكبا يستصغر الخطر الكبير لوفده ويظن دجلة ليس تكفي شاربا كالبدر من حيث التفت رأيته يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا كالشمس في كبد السماء وضوؤها يغشى البلاد مشارقا ومغاربا كالبحر يقذف للقريب جواهرا جودا ويبعث للبعيد سحائبا من الكامل وقوله ليس التعجب من مواهب ماله بل من سلامتها إلى أوقاتها عجبا له حفظ العنان بأنمل ما حفظها الأشياء من عاداتها لو مر يركض في سطور كتابه أحصى بحافر مهره ميماتها كرم تبين في كلامك ماثلا ويبين عتق الخيل في أصواتها
أعيا زوالك عن محل نلته لا تخرج الأقمار من هالاتها من الكامل فيه مدح ومثل مضروب وتشبيه نادر ذكر الأنام لنا فكان قصيدة أنت البديع الفرد من أبياتها وهذا البديع الفرد من أبيات هذه القصيدة وكقوله وما زلت حتى قادني الشوق نحوه يسايرني في كل ركب له ذكر وأستكبر الأخبار قبل لقائه فلما التقينا صغر الخبر الخبر من الطويل هذا ضد قولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أزالت بك الأيام عتبي كأنما بنوها لها ذنب وأنت لها عذر وكقوله ألا أيها المال الذي قد أباده تعز فهذا فعله بالكتائب لعلك في وقت شغلت فؤاده عن الجود أو أكثرت جيش محارب من الطويل وقوله بعثوا الرعب في قلوب الأعادي فكأن القتال قبل التلاقي وتكاد الظبا لما عودوها تنتضي نفسها إلى الأعناق كل ذمر يزيد في الموت حسنا كبدور تمامها في المحاق كرم خشن الجوانب منهم فهو كالماء في الشفار الرقاق ومعال إذا ادعاها سواهم لزمته جناية السراق من الخفيف
وكقوله خير أعضائنا الرءوس ولكن فضلتها بقصدك الأقدام من الخفيف وكقوله قوم بلوغ الغلام عندهم طعن نحور الكماة لا الحلم كأنما يولد الندى معهم لا صغر عاذر ولا هرم إذا تولوا عداوة كشفوا وإن تولوا صنيعة كتموا تظن من فقدك اعتدادهم بأنهم أنعموا وما علموا إن برقوا فالحتوف حاضرة أو نطقوا فالصواب والحكم أو شهدوا الحرب لاقحا أخذوا من مهج الدارعين ما احتكموا أو حلفوا بالغموس واجتهدوا فقولهم خاب سائلي القسم أو ركبوا الخيل غير مسرجة فإن أفخاذهم لها حزم تشرق أعراضهم وأوجههم كأنها في نفوسهم شيم أعيذكم من صروف دهركم فإنه في الكرام متهم من المنسرح وكقوله الناس ما لم يروك أشباه والدهر لفظ وأنت معناه والجود عين وأنت ناظره والبأس باع وأنت يمناه يا راحلا كل من يودعه مودع دينه ودنياه إن كان فيما تراه من كرم فيك مزيد فزادك الله من المنسرح وكقوله تمشي الكرام على آثار غيرهم وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع
من كان فوق محل الشمس موضعه فليس يرفعه شيء ولا يضع من البسيط وكقوله فلما رأوه وحده دون جيشه دروا أن كل العالمين فضول من الطويل وكقوله وأوردهم صدر الحصان وسيفه فتى بأسه مثل العطاء جزيل جواد على العلات بالمال كله ولكنه بالدارعين بخيل من الطويل وكقوله أرى كل ذي ملك إليك مصيره كأنك بحر والملوك جداول إذا أمطرت منهم ومنك سحابة فوابلهم طل وطلك وابل من الطويل وقوله ودانت له الدنيا فأصبح جالسا وأيامه فيما يريد قيام وكل أناس يتبعون إمامهم وأنت لأهل المكرمات إمام ورب جواب عن كتاب بعثته وعنوانه للناظرين قتام من الطويل وكقوله هم المحسنون الكر في حومة الوغى وأحسن منهم كرهم في المكارم ولولا احتقار الأسد شبهتها بهم ولكنها معدودة في البهايم من الطويل
وكقوله أغر أعداؤه إذا سلموا بالهرب استكثروا الذي فعلوا إنك من معشر إذا وهبوا ما دون أعمارهم فقد بخلوا كتيبة لست ربها نفل وبلدة لست حليها عطل من المنسرح وكقوله لو كفر العالمون نعمته لما عدت نفسه سجاياها كالشمس لا تبتغي بما صنعت منفعة عندهم ولا جاها من المنسرح وكقوله فجاءت بنا إنسان عين زمانه وخلت بياضا خلفها ومآقيا من الطويل وهذا أحسن ما يمدح به ملك أسود ولا نهاية لحسنه وشرف معناه وجودة تشبيهه وتمثيله ترفع عن عون المكارم فعله فما يفعل الفعلات إلا عذاريا أبا كل طيب لا أبا المسك وحده وكل سحاب لا أخص الغواديا يدل بمعنى واحد كل فاخر وقد جمع الرحمن فيك المعانيا ألم فيه يقول أبي نواس كأنما أنت شيء حوى جميع المعاني من المجتث
ومنها مخاطبة الممدوح من الملوك بمثل مخاطبة المحبوب والصديق مع الإحسان والإبداع وهو مذهب له تفرد به واستكثر من سلوكه اقتدارا منه وتبحرا في الألفاظ والمعاني ورفعا لنفسه عن درجة الشعراء وتدريجا لها إلى مماثلة الملوك في مثل قوله لكافور وما أنا بالباغي على الحب رشوة ضعيف هوى يبغي عليه ثواب وما شئت إلا أن أدل عواذلي على أن رأيي في هواك صواب وأعلم قوما خالفوني فشرقوا وغربت أني قد ظفرت وخابوا إذا نلت منك الود فالمال هين وكل الذي فوق التراب تراب من الطويل وقوله له وقد أهداه مهرا أسود فلو لم تكن في مصر ما سرت نحوها بقلب المشوق المستهام المتيم من الطويل وقوله لابن العميد يودعه تفضلت الأيام بالجمع بيننا فلما حمدنا لم تدمنا على الحمد فجد لي بقلب إن رحلت فإنني مخلف قلبي عند من فضله عندي من الطويل وقوله لعضد الدولة أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا فلو أني استطعت حفظت طرفي فلم أبصر به حتى أراكا من الوافر من قصيدة تشتمل على أبيات من هذا الطراز سأكتبها في آخر الباب وكقوله لسيف الدولة ما لي أكتم حبا قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته فليت أنا بقدر الحب نقتسم يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن إن الليث يبتسم أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم يا من يعز علينا أن نفارقهم وأجداننا كل شيء بعدكم عدم ما كان أخلقنا منكم بتكرمة لو أن أمركم من أمرنا أمم إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة إن المعارف في أهل النهى ذمم كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم ويكره الله ما تأتون والكرم ما أبعد العيب والنقصان من شرفي أنا الثريا وذان الشيب والهرم ليت الغمام الذي عندي صواعقه يزيلهن إلى من عنده الديم أرى النوى تقتضيني كل مرحلة لا تستقل بها الوخادة الرسم لئن تركنا ضميرا عن ميامننا ليحدثن لمن ودعتهم ندم إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون هم شر البلاد بلاد لا صديق بها وشر ما يكسب الإنسان ما يصم وشر ما قنصته راحتي قنص شهب البزاة سواء فيه والرخم من البسيط
وهي على براعتها واستقلال أكثر أبياتها بأنفسها تكاد تدخل في باب إساءة الأدب بالأدب وقد تقدم ذكره ومنها استعمال ألفاظ الغزل والنسيب في أوصاف الحرب والجد وهو أيضا مما لم يسبق إليه وتفرد به وأظهر فيه الحذق بحسن النقل وأعرب عن جودة التصرف والتلعب بالكلام كقوله أعلى الممالك ما يبني على الأسل والطعن عند محبيهن كالقبل من البسيط وقوله وهو من فرائده شجاع كأن الحرب عاشقة له إذا زارها فدته بالخيل والرجل من الطويل وكقوله وكم رجال بلا أرض لكثرتهم تركت جمعهم أرضا بلا رجل ما زال طرفك يجري في دمائهم حتى مشى بك مشي الشارب الثمل من البسيط وكقوله والطعن شزر والأرض واجفة كأنما في فؤادها وهل قد صبغت خدها الدماء كما يصبغ خد الخريدة الخجل والخيل تبكي جلودها عرقا بأدمع ما تسحها مقل من المنسرح
وكقوله تعود أن لا تقضم الحب خيله إذا الهام لم ترفع جنوب العلائق ولا ترد الغدران إلا وماؤها من الدم كالريحان تحت الشقائق من الطويل وكقوله فأتتك دامية الأظل كأنما حذيت قوائمها العقيق الأحمرا وإذا الحمائل ما يخدن بنفنف إلا شققن عليه بردا أخضرا من الكامل وكقوله قد سودت شجر الجبال شعورهم فكأن فيه مسفة الغربان وجرى على الورق النجيع القاني فكأنه النارنج في الأغصان من الكامل وكقوله حمى أطراف فارس شمري يحض على التباقي في التفاني بضرب هاج أطراب المنايا سوى ضرب المثالث والمثاني كأن دم الجماجم في العناصي كسا البلدان ريش الحيقطان فلو طرحت قلوب العشق فيها لما خافت من الحدق الحسان من الوافر
وكقوله كرعن بسبت في إناء من الورد من الطويل ومنها حسن التقسيم حكى أبو القاسم الآمدي في كتاب الموازنة بين شعري الطائيين قال سمع بعض الشيوخ من نقدة الشعر قول العباس بن الأحنف وصالكم هجر وحبكم قلى وعطفكم صد وسلمكم حرب وأنتم بحمد الله فيكم فظاظة وكل ذلول من مراكبكم صعب من الطويل فقال والله هذا أحسن من تقسيمات إقليدس وقول أبي الطيب المتنبي في هذا الفن أولى بهذا الوصف ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك ملء الزمان وملء السهل والجبل فنحن في جذل والروم في وجل والبر في شغل والبحر في خجل من البسيط وكقوله الدهر معتذر والسيف منتظر وأرضهم لك مصطاف ومرتبع للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا من البسيط وقوله فلم يخل من نصر له من له يد ولم يخل من شكر له من له فم
ولم يخل من أسمائه عود منبر ولم يخل دينار ولم يخل درهم من الطويل وقوله قليل عائدي سقم فؤادي كثير حاسدي صعب مرامي عليل الجسم ممتنع القيام شديد السكر من غير المدام من الوافر وقوله بمصر ملوك لهم ما له ولكنهم ما لهم همه فأجود من جودهم بخله وأحمد من حمدهم ذمه وأشرف من عيشهم موته وأنفع من وجدهم عدمه من المتقارب وقوله لم نفتقد بك من مزن سوى لثق ولا من البحر غير الريح والسفن ولا من الليث إلا قبح منظره ومن سواه سوى ما ليس بالحسن من البسيط وقوله يجل عن التشبيه لا الكف لجة ولا هو ضرغام ولا الرأي مخذم ولا جرحه يؤسى ولا غوره يرى ولا حده ينبو ولا يتثلم محلك مقصود وشانيك مفحم ومثلك مفقود ونيلك خضرم من الطويل
وقوله أذم إلى هذا الزمان أهيله فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد وأكرمهم كلب وأبصرهم عم وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد من الطويل وقوله وغناك مسألة وطيشك نفحة ورضاك فيشلة وربك درهم من الكامل وقوله عربي لسانه فلسفي رأيه فارسية أعياده من الخفيف وقوله سقتني بها القطربلي مليحة على كاذب من وعدها ضوء صادق سهاد لأجفان وشمس لناظر وسقم لأبدان ومسك لناشق وأغيد يهوى نفسه كل عاقل عفيف ويهوى جسمه كل فاسق من الطويل ومنها حسن سياقة الأعداد كقوله على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة وميت ومولود وقال ووامق من الطويل
وقوله ألا أيها السيف الذي ليس مغمدا ولا فيه مرتاب ولا منه عاصم هنيئا لضرب الهام والمجد والعلا وراجيك والإسلام أنك سالم من الطويل وقوله لا يستحي أحد يقال له فضلوك آل بويه أو فضلوا قدروا عفوا وعدوا وفوا سئلوا أغنوا علوا اعلوا ولوا عدلوا من الكامل وقوله من قصيدة يمدح بها سيف الدولة ورب جواب عن كتاب بعثته وعنوانه للناظرين قتام حروف هجاء الناس فيه ثلاثة جواد ورمح ذابل وحسام من الطويل لما سمى الجيش جوابا جعل حروفه جوادا ورمحا وحساما اقتدارا واتساعا في الصنعة وقوله ومرهف سرت بين الجحفلين به حتى ضربت وموج الموت يلتطم فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم من البسيط قال ابن جني قد سبق الناس إلى ذكر ما جمعه في هذا البيت ولكن لم يجتمع مثله في بيت ما علمت وقد قال البحتري اطلبا ثالثا سواي فإني رابع العيس والدجى والبيد من الخفيف
وهذا اللفظ عذب ولكن ليس فيه جميع ما في بيت المتنبي وقوله أنت الجواد بلا من ولا كدر ولا مطال ولا وعد ولا مذل من البسيط وقوله بي حر شوق إلى ترشفها ينفصل الصبر حين يتصل فالثغر والفجر والمخلخل والمعصم دائي والفاحم الرجل من المنسرح وقوله ولكن بالفسطاط بحرا أزرته حياتي ونصحي والهوى والقوافيا من الطويل وقوله أمينا وإخلافا وعذرا وخسة وجبنا أشخصا لحت لي أم مخازيا من الطويل ومنها إرسال المثل في أنصاف الأبيات كقوله مصائب قوم عند قوم فوائد من الطويل وقوله ومن قصد البحر استقل السواقيا من الطويل وقوله وخير جليس في الزمان كتاب من الطويل
وقوله إن المعارف في أهل النهى ذمم من البسيط وقوله وربما صحت الأجسام بالعلل من البسيط وقوله وفي الماضي لمن بقي اعتبار من الوافر وقوله وتأبى الطباع على الناقل من المتقارب وقوله ومنفعة الغوث قبل العطب من المتقارب وقوله هيهات تكتم في الظلام مشاعل من الكامل وقوله ومخطئ من رميه القمر من المنسرح وقوله وما خير الحياة بلا سرور من الوافر وقوله بجبهة العير يفدى حافر الفرس من البسيط
وقوله ولا رأي في الحب للعاقل من المتقارب وقوله ولكن طبع النفس للنفس قائد من الطويل وقوله وليس يأكل إلا الميت الضبع من البسيط وقوله كل ما يمنح الشريف الشريف من الخفيف وقوله والجوع يرضي الأسود بالجيف من المنسرح وقوله ومن فرح النفس ما يقتل من المتقارب وقوله ويستصحب الإنسان من لا يلائمه من الطويل وقوله إن النفيس غريب حيثما كانا من البسيط وقوله فمن الرديف وقد ركبت غضنفرا من الكامل
وقوله إذا عظم المطلوب قل المساعد من الطويل وقوله ومن يسد طريق العارض الهطل من البسيط وقوله وأدنى الشرك في نسب جوار من الوافر وقوله وفي عنق الحسناء يستحسن العقد من الطويل وقوله لا تخرج الأقمار من هالاتها من الطويل وقوله إن النفوس عدد الآجال من الرجز وقوله ولكن صدم الشر بالشر أحزم من الطويل وقوله أنا الغريق فما خوفي من البلل من البسيط وقوله أشد من السقم الذي أذهب السقما من الطويل
وقوله فإن الرفق بالجاني عتاب من الوافر وقوله إن القليل من الحبيب كثير من الكامل وقوله بغيض إلي الجاهل المتعاقل من الطويل وقوله وليس كل ذوات المخلب السبع من البسيط وقوله وللسيوف كما للناس آجال من البسيط وقوله في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل من البسيط وقوله فأول قرح الخيل المهار من الوافر وقوله والبر أوسع والدنيا لمن غلبا من البسيط وقوله ليس التكحل في العينين كالكحل من البسيط
وقوله ويبين عتق الخيل في أصواتها من الكامل ومنها إرسال المثالين في مصراعي البيت الواحد كقوله وكل امرئ يولي الجميل محبب وكل مكان ينبت العز طيب من الطويل وقوله في سعة الخافقين مضطرب وفي بلاد من أختها بدل من المنسرح وقوله الحب ما منع الكلام الألسنا وألذ شكوى عاشق ما أعلنا من الكامل وقوله ذل من يغبط الذليل بعيش رب عيش أخف منه الحمام من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام من الخفيف وقوله كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا من الطويل وقوله أفاضل الناس أغراض لذا الزمن يخلو من الهم أخلاهم من الفطن من البسيط
وقوله وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل من الطويل وقوله لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد من البسيط وقوله إذ أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا وقيدت نفسي في ذراك محبة ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا من الطويل ومنها إرسال المثل والاستملاء والموعظة وشكوى الدهر والدنيا والناس وما يجرى مجراها كقوله وما الجمع بين الماء والنار في يدي بأصعب من أن أجمع الجد والفهما من الطويل وقوله يخفي العداوة وهي غير خفية نظر العدو بما أسر يبوح من الكامل وقوله والأمر لله رب مجتهد ما خاب إلا لأنه جاهد من المنسرح
وقوله إليك فإني لست ممن إذا اتقى عضاض الأفاعي نام فوق العقارب من الطويل وقوله خير الطيور على القصور وشرها يأوي الخراب ويسكن الناووسا من الكامل وقوله ليس الجمال لوجه صح مارنه أنف العزيز بقطع العز يجتدع من البسيط وقوله وليس يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل من الوافر قال ابن جني هذا كما يقول أهل الجدل من شك في المشاهدات فليس بكامل العقل وقوله وقد يتزيا بالهوى غير أهله ويستصحب الإنسان من لا يلائمه من الطويل وقوله وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام من الطويل وقوله ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن من البسيط
وقوله وأحب أني لو هويت فراقكم فارقته والدهر أخبث صاحب من الكامل وقوله من خص بالذم الفراق فإنني من لا يرى في الدهر شيئا يحمد من الكامل وقوله ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد من الطويل وقوله وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام من الخفيف وقوله تلف الذي اتخذ الشجاعة جنة وعظ الذي اتخذ الفرار خليلا من الكامل وقوله فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا فأفعاله اللاتي سررن ألوف من الطويل وقوله وإذا خفيت على الغبي فعاذر أن لا تراني مقلة عمياء من الكامل وقوله إن كنت ترضى بأن يعطوا الجزي بذلوا منها رضاك ومن للعور بالحول من البسيط
وقوله فآجرك الإله على مريض بعثت به إلى عيسى طبيبا من الوافر وقوله إذا أتت الإساءة من لئيم ولم ألم المسيء فمن ألوم من الوافر وقوله وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني فاضل من الكامل وقوله إذا ما قدرت على نطقة فإني على تركها أقدر من المتقارب وقوله واحتمال الأذى ورؤية جانيه غذاء تضوى به الأجسام من الخفيف وقوله وتوهموا اللعب الوغى والطعن في الهيجاء غير الطعن في الميدان من الكامل وقوله وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا من الخفيف وقوله ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السحب في المسير الجهام من الخفيف
وقوله وليس الذي يتبع الوبل رائدا كمن جاءه في داره رائد الوبل من الطويل وقوله أبلغ ما يطلب النجاح به الطبع وعند التعمق الزلل من المنسرح وقوله كم مخلص وعلا في خوض مهلكة وقتلة قرنت بالذم في الجبن من البسيط وقوله وما قلت للبدر أنت اللجين ولا قلت للشمس أنت الذهب ومن ركب الثور بعد الجواد أنكر أظلافه والغبب من المتقارب وقوله فقر الجهول بلا قلب إلى أدب فقر الحمار بلا رأس إلى رسن لا يعجبن مضيما حسن بزته وهل يروق دفينا جودة الكفن من البسيط وقوله إذا ما الناس جربهم لبيب فإني قد أكلتهم وذاقا فلم أر ودهم إلا خداعا ولم أر دينهم إلا نفاقا من الوافر وقوله ذريني أنل ما لا ينال من العلا فصعب العلافي الصعب والسهل في السهل تريدين لقيان المعالي رخيصة ولا بد دون الشهد من إبر النحل من الطويل
وقوله تمن يلذ المستهام بمثله وإن كان لا يغني فتيلا ولا يجدي وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ولكنه غيظ الأسير على القد من الطويل وقوله ومكائد السفهاء واقعة بهم وعداوة الشعراء بئس المقتني لعنت مقاربة اللئيم فإنها ضيف يجر من الندامة ضيفنا من الكامل وقوله وما الخيل إلا كالصديق قليلة وإن كثرت في عين من لا يجرب إذا لم تشاهد غير حسن شياتها وأعضائها فالحسن عنك مغيب من الطويل وقوله تصفو الحياة لجاهل أو غافل عما مضى منها وما يتوقع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ويسومها طلب المحال فتطمع من الكامل كأنه مأخوذ من قول لبيد أكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزري بالأمل من الرمل وكقوله وأتعب خلق الله من زاد همه وقصر عما تشتهي النفس وجده فلا ينحلل في المجد مالك كله فينحل مجد كان بالمال عقده
ودبره تدبير الذي المجد كفه إذا حارب الأعداء والمال زنده فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ولا مال في الدنيا لمن قل مجده إذا كنت في شك من السيف فابله فإما تنفيه وإما تعده وما الصارم الهندي إلا كغيره إذا لم يفارقه النجاد وغمده من الطويل وقوله إنما تنجح المقالة في المرء إذا وافقت هوى في الفؤاد وإذا الحلم لم يكن في طباع لم يحلم تقادم الميلاد إنما أنت والد والأب القاطع أحنى من واصل الأولاد من الخفيف وقوله وما الحسن في وجه الفتى شرفا له إذا لم يكن في فعله والخلائق وما بلد الإنسان غير الموافق ولا أهله الأدنون غير الأصادق وجائزة دعوى المحبة والهوى وإن كان لا يخفى كلام المنافق وما يوجع الحرمان من كف حارم كما يوجع الحرمان من كف رازق من الطويل وقوله إنما أنفس الأنيس سباع يتفارسن جهرة واغتيالا من أطاق التماس شيء غلابا واقتسارا لم يلتمسه سؤالا كل غاد لحاجة يتمنى أن يكون الغضنفر الرئبالا من الخفيف وقوله لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
وقلما يبلغ الإنسان غايته ما كل ماشية بالرجل شملال إنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان وإجمال ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ما قاته وفضول العيش أشغال من البسيط وقوله يرى الجبناء أن العجز حزم وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تغني ولا مثل الشجاعة في الحكيم من الوافر قيل له أنى يكون الشجاع حكيما فقال هذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الأذهان منه على قدر القرائح والعلوم وقوله ولقد رأيت الحادثات فلا أرى يققا يميت ولا سوادا يعصم والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم لا يخدعنك من عدو دمعه وارحم شبابك من عدو يرحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم من الكامل
قال ابن جني أشهد بالله لو لم يقل غير هذا البيت لتقدم به أكثر المحدثين وهذه الأبيات كلها غرر وفرائد لا يصدر مثلها إلا عن فضل باهر وقدرة على الإبداع ظاهرة والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم ومن البلية عذل من لا يرعوي عن جهله وخطاب من لا يفهم ومن العداوة ما ينالك نفعه ومن الصداقة ما يضر ويؤلم وقوله أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه حريصا عليها مستهاما بها صبا فحب الجبان النفس أورده التقى وحب الشجاع النفس أورده الحربا ويختلف الرزقان والفعل واحد إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا من الطويل وقوله وفيك إذا جنى الجاني أناة تظن كرامة وهي احتقار بنو كعب وما أثرت فيهم يد لم يدمها إلا السوار بها من قطعه ألم ونقص وفيها من جلالته افتخار لهم حق بشركك في نزار وأدنى الشرك في نسب جوار لعل بنيهم لبنيك جند فأول قرح الخيل المهار وما في سطوة الأرباب عيب ولا في ذلة العبدان عار من الوافر
وقوله من اقتضى بسوي الهندي حاجته أجاب كل سؤال عن هل بلم ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم هون على بصر ما شق منظره فإنما يقظات العين كالحلم لا تشكون إلى خلق فتشمته شكوى الجريح إلى الغربان والرخم وكن على حذر للناس تستره ولا يغرنك منهم ثغر مبتسم وقت يضيع وعمر أنت مدته في غير أمته من سائر الأمم أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم من البسيط وقوله الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان ولربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الأقران لولا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان من الكامل وقوله يمدح كافورا لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب فكل بعيد الهم فيها معذب ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ولا أشتكي فيها ولا أتعتب وبي ما يذود الشعر عني أقله ولكن قلبي يا ابنة القوم قلب أما تغلط الأيام في بأن أرى بغيضا تنائي أو حبيبا تقرب من الطويل
وقوله يمدحه أيضا أبي خلق الدنيا حبيبا تديمه فما طلبي منها حبيبا ترده وأسرع مفعول فعلت تغيرا تكلف شيء في طباعك ضده من الطويل وقوله يمدحه أيضا إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادي محبيه يقول عداته وأصبح في ليل من الشك مظلم من الطويل ومنها وما كل هاو للجميل بفاعل ولا كل فعال له بمتمم ومنها فأحسن وجه في الورى وجه محسن وأيمن كف فيهم كف منعم وأشرفهم من كان أشرف همه وأكثر إقداما على كل معظم لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أو مساءة مجرم وقوله يمدح المغيث بن علي العجلي فؤاد ما تسليه المدام وعمر مثل ما يهب اللئام ودهر ناسه ناس صغار وإن كانت لهم جثث ضخام وما أنا منهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام وشبه الشيء منجذب إليه وأشبهنا بدنيانا الطغام ولو لم يعل إلا ذو محل تعالى الجيش وانحط القتام
ولو حيز الحفاظ بغير عقل تجنب عنق صيقله الحسام من الوافر وقوله أبدا تسترد ما تهب الدنيا فيا ليت جودها كان بخلا فكفت كون فرحة تورث الغم وخل يغادر الوجد خلا وهي معشوقة على الغدر لا تحفظ عهدا ولا تتمم وصلا كل دمع يسيل منها عليها وبفك اليدين عنها تخلى من الخفيف أي كل من أبكته الدنيا فإنما يبكي لفوت شيء منها ولا يخليها الإنسان إلا قسرا بفك يديه وفي هذه القصيدة شيم الغانيات فيها فلا أدري لذا أنث اسمها الناس أم لا ولذيذ الحياة أنفس في النفس وأشهى من أن يمل وأحلى وإذا الشيخ قال أف فما مل حياة وإنما الضعف ملا آلة العيش صحة وشباب فإذا وليا عن المرء ولى ومنها افتضاضه أبكار المعاني في المراثي والتعازي كقوله سالم أهل الوداد بعدهم يسلم للحزن لا لتخليد من المنسرح أي إذا مات الصديق يسلم صديقه للحزن لا للخلود لأن كلا ميت فما ترجى الخلود من زمن أحمد حاليه غير محمود
أي أحمد حاليك أن تبقى مع صديقك وهو مع ذلك غير محمود لتعجيل الحزن وانتظار الأجل وقوله المجد أخسر والمكارم صفقة من أن يعيش بها الكريم الأروع والناس أنزل في زمانك منزلا من أن تعايشهم وقدرك أرفع قبحا لوجهك يا زمان فإنه وجه له من كل قبح برقع أيموت مثل أبي شجاع فاتك ويعيش حاسده الخصي الأوكع من الكامل وقوله عدمته وكأني سرت أطلبه فما تزيدني الدنيا على العدم من لا يشابهه الأحياء في شيم أمسى يشابهه الأموات في الرمم من البسيط أحسن والله أبدع ما شاء وقوله وقد فارق الناس الأحبة قبلنا وأعيا دواء الموت كل طبيب سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها منعنا بها من جيئة وذهوب تملكها الآتي تملك سالب وفارقها الماضي فراق سليب من الطويل هذا كقول بعضهم في الموعظة وإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين ويستخلفها الباقون كما تركها الماضون علينا لك الإسعاد إن كان نافعا بشق قلوب لا بشق جيوب فرب كئيب ليس تندى جفونه ورب كثير الدمع غير كئيب
وللواجد المكروب من زفراته سكون عزاء أو سكون لغوب وقوله ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن الكواكب في التراب تغور ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى رضوى على أيدي الرجال تسير خرجوا به ولكل باك خلفه صعقات موسى يوم دك الطور حتى أتوا جدثا كأن ضريحه في كل قلب موحد محفور كفل الثناء له برد حياته لما انطوى فكأنه منشور من الكامل وقوله في تعزية سيف الدولة عن أخته ولعمري لقد شغلت المنايا بالأعادي فكيف يطلبن شغلا وكم انتشت بالسيوف من الدهر أسيرا وبالنوال مقلا خطبة للحمام ليس لها رد وإن كانت المسماة ثكلا وإذا لم تجد من الناس كفوا ذات خدر أرادت الموت بعلا من الخفيف هذا أحسن ما قيل في مرثية حرم الملوك وقوله في مرثية طفل لسيف الدولة وتعزيته عنه فإن تك في قبر فإنك في الحشا وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفل ومثلك لا يبكي على قدر سنه ولكن على قدر المخيلة والفضل عزاءك سيف الدولة المقتدى به فإنك نصل والشدائد للنصل
ولم أر أعصى فيك للحزن عبرة وأثبت عقلا والقلوب بلا عقل تخون المنايا عهده في سليله وتنصره بين الفوارس والرجل ويبقى على مر الحوادث صبره ويبدو كما يبدو الفرند على الصقل وما الموت إلا سارق رق شخصه يصول بلا كف ويسعى بلا رجل يرد أبو الشبل الخميس عن ابنه ويسلمه عند الولادة للنمل إذا ما تأملت الزمان وصرفه تيقنت أن الموت ضرب من القتل وما الدهر أهل أن يؤمل عنده حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل من الطويل وقوله نحن بنو الدنيا فما بالنا نعاف ما لا بد من شربه تبخل أيدينا بأرواحنا على زمان هن من كسبه فهذه الأرواح من جوه وهذه الأجسام من تربه لو فكر العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه لم ير قرن الشمس في شرقه فشكت الأنفس في غربه يموت راعي الضأن في جهله موتة جالينوس في طبه وربما زاد على عمره وازداد في الأمن على سربه وغاية المفرط في سلمه كغاية المفرط في حربه فلا قضى حاجته طالب فؤاده يخفق من رعبه من السريع
ومنها الايجاع في الهجاء كقوله إن أوحشتك المعالي فإنها دار غربه أو آنستك المخازي فإنها لك نسبه من المجتث وقوله إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدود جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجود ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عود من البسيط يعني العود الذي يتناوله المعالج للشيء القذر ليكون واسطة بينه وبين يده وقوله العبد ليس لحر صالح بأخ لو أنه في ثياب الحر مولود لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيد أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصية السود من البسيط كأنه من قول أبي علي البصير عجز الراكب البصير وأولى منه بالعجز راجل مكفوف من الخفيف وقوله فلا ترج الخير عند امرئ مرت يد النخاس في رأسه من السريع
وقوله أخذت بمدحه فرأيت لهوا مقالي للأحيمق يا حكيم ولما أن هجوت رأيت عيا مقالي لابن آوى يا حليم فهل من غادر في ذا وهذا فمدفوع إلى السقم السقيم من الوافر وقوله لقد كنت أحسب قبل الخصي بأن الرءوس مقر النهى فلما نظرت إلى عقله رأيت النهى كلها في الخصى من المتقارب وقوله يهجو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ يمشي بأربعة على أعقابه تحت العلوج ومن وراء يلجم وجفونه ما تستقر كأنها كطروفة أو فت فيها حصرم وتراه أصغر ما تراه ناطقا ويكون أكذب ما يكون ويقسم وإذا أشار مكلما فكأنه قرد يقهقه أو عجوز تلطم يقلي مفارقة الأكف قذاله حتى يكاد على يد يتعمم من الكامل ومنها إبراز المعاني اللطيفة في معارض الألفاظ الرشيقة الشريفة والرمز بالطرف والملح كقوله في الجمع بين مدح سيف الدولة وقد فارقه وبين مدح كافور وقد
قصده في بيت واحد فراق ومن فارقت غير مذمم وأم ومن يممت حير ميمم من الطويل ثم قال معرضا بسيف الدولة وما منزل اللذات عندي بمنزل إذا لم أبجل عنده وأكرم رحلت فكم باك بأجفان شادن علي وكم باك بأجفان ضيغم المصراع الثاني تصديق لقوله ليحدثن لمن ودعتهم ندم وما ربة القرط المليح مكانه بأجزع من رب الحسام المصمم فلو كان ما بي من حبيب مقنع عذرت ولكن من حبيب معمم وهذا أيضا مما نبهت عليه من إجرائه الممدوح من الملوك مجرى المحبوب في كثير من شعره رمى واتقى رمي ومن دون ما اتقى هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي وكقوله في مدح كافور والتعريض بالقدح في سيف الدولة قالوا هجرت إليه الغيث قلت لهم إلى غيوث يديه والشآبيب إلى الذي تهب الدولات راحته ولا يمن على آثار موهوب ولا يروع بمغرور به أحدا ولا يفزع موفورا بمنكوب يا أيها الملك الغاني بتسمية في الشرق والغرب عن نعت وتلقيب من البسيط
يعني أنا مستغن بشهرته عن لقب كلقب سيف الدولة أنت الحبيب ولكني أعوذ به من أن أكون محبا غير محبوب وهذا أيضا من ذاك وقوله من قصيدة لسيف الدولة بعد ما فارق حضرته يعرض باستزادة يومه وشكر أمسه وهو من فرائده وإن فارقتني أمطاره فأكثر غدرانها ما نضب وإني لأتبع تذكاره صلاة الإله وسقي السحب من المتقارب ومنها في التعريض بكافور ومن ركب الثور بعد الجواد أنكر أظلافه والغبب وقوله في هز كافور والتعريض باستزادته أبا المسك هل في الكأس فضل أناله فإني أغني منذ حين وتشرب من الطويل يقول مديحي إياك يطربك كما يطرب الغناء الشارب فقد حان أن تسقيني من فضل كأسك وهبت على مقدار كفي زماننا ونفسي على مقدار كفيك تطلب وقوله أيضا في التعريض بالاستزادة أرى لي بقربي منك عينا قريرة وإن كان قربا بالبعاد يشاب وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ودون الذي أملت منك حجاب أقل سلامي حب ما خف عنكم وأسكت كيما لا يكون جواب
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي بيان عندها وخطاب من الطويل وكقوله في وصف الفرس ويوم كليل العاشقين كمنته أراقب فيه الشمس أيان تغرب وعيني إلى أذني أغر كأنه من الليل باق بين عينيه كوكب من الطويل أي كأنه قطعة من الليل وكأن الغرة في وجهه كوكب وعينه إلى أذنه لأنه كامن لا يرى شيئا فهو ينظر إلى أذني فرسه فإن رآه قد توجس بهما تأهب في أمره وأخذ لنفسه وذلك أن أذن الفرس تقوم مقام عينيه وتقول العرب أذن الوحشي أصدق من عينيه له فضلة عن جسمه في إهابه تجيء على صدر رحيب وتذهب شققت به الظلماء أدنى عنانه فيطغى وأرخيه مرارا فيلعب أي إذا جذبت عنانه طغى برأسه لطماحه وعزة نفسه وإذا أرخيت عنانه لعب برأسه وأصرع أي الوحش قفيته به وأنزل عنه مثله حين أركب وكقوله في التوديع وإني عنك بعد غد لغاد وقلبي في فنائك غير غاد محبك حيث ما اتجهت ركابي وضيفك حيث كنت من البلاد من الوافر وكقوله سر حيث شئت يحله النوار وأراد فيك مرادك المقدار وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة حيث اتجهت وديمة مدرار
وأراك دهرك ما تحاول في العدا حتى كأن صروفه أنصار أنت الذي بجح الزمان بذكره وتزينت بحديثه الأسمار من الكامل وكقوله في اللطف بالصديق والعنف بالعدو إني لأجبن عن فراق أحبتي وتحس نفسي بالحمام فأشجع ويزيدني غضب العداة جراءة ويلم بي عتب الصديق فأجزع من الكامل وكقوله في حسن الكناية تشتكي ما اشتكيت من ألم الشوق إلينا والشوق حيث النحول من الخفيف وإنما كنى عن تكذيبها ولم يصرح به أي أنا أشتكي الشوق ونحولي يدل على ذلك وهي غير ناحلة فليست مشتاقة وكقوله أبيض ما في تاجه ميمونه عفيف ما في ثوبه مأمونه من الرجز أي عفيف الفرج فكنى به وكقوله في حسن الحشو صلى عليك الله غير مودع وسقى ثرى أبويك صوب غمام من الكامل غير مودع حشو ولكنه حسن وكقوله ويحتقر الدنيا احتقار مجرب يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا من الطويل سبحان الله ما أحسن الحشو بقوله وحاشاك
وكقوله إذا خلت منك حمص لا خلت أبدا فلا سقاها من الوسمي باكره من البسيط وكقوله في العيادة لا نعذل المرض الذي بك شائق أنت الرجال وشائق علاتها ومنازل الحمى الجسوم فقل لنا ما عذرها في تركها خيراتها من الكامل أي لا عذر للحمى في تركها جسمك إذ هو أفضل الجسوم وكقوله قصدت من شرقها ومغربها حتى اشتكتك البلاد والسبل لم تبق إلا قليل عافية قد وفدت تجتديكها العلل من المنسرح وقوله تجشمك الزمان هوى وودا وقد يؤذى من المقت الحبيب وكيف تعلك الدنيا بشيء وأنت لعلة الدنيا طبيب وكيف تنوبك الشكوى بداء وأنت المستجار لما ينوب من الوافر وكقوله في التهنئة وهي تهنئة سيف الدولة المجد عوفي إذ عوفيت والكرم وزال عنك إلى أعدائك الألم وما أخصك في برء بتهنئة إذا سلمت فكل الناس قد سلموا من البسيط
وكقوله إنما التهنئات للأكفاء ولمن يدني من البعداء وأنا منك لا يهنئ عضو بالمسرات سائر الأعضاء من الخفيف وكقوله الصوم والفطر والأعياد والعصر منيرة بك حتى الشمس والقمر ما الدهر عندك إلا روضة أنف يا من شمائله في دهره زهر ما ينتهي لك في أيامه كرم فلا انتهي لك في أعوامه عمر فإن حظك من تكرارها شرف وحظ غيرك منها النوم والسهر من البسيط وكقوله تغير حللي والليالي بحالها وشبت وما شاب الزمان الغرانق من الطويل وكقوله تسود الشمس منا بيض أوجهنا ولا تسود بيض العذر واللمم وكان حالهما في الحكم واحدة لو احتكمنا من الدنيا إلى حكم من البسيط وقوله مشب الذي يبكي الشباب مشيبه فيكف توقيه وبانيه هادمه وما خضب الناس البياض لأنه قبيح ولكن أحسن الشعر فاحمه من الطويل
ومنها حسن المقطع كقوله قد شرف الله أرضا أنت ساكنها وشرف الناس إذ سواك إنسانا من البسيط قال ابن جني لا يعجبني قوله سواك إنسانا لأنه لا يليق بشرف ألفاظه ولو قال أنشاك أو نحو ذلك لكان أليق بالحال قلت أنا ولو قال غير ما قاله لم يكن فصيحا شريفا لأن في القرآن ثم سواك رجلا ولا أفصح ولا أشرف مما ينطق به كتاب الله عز ذكره وكقوله سما بك همي فوق الهموم فلست أعد يسارا يسارا ومن كنت بحرا له يا علي لم يقبل الدر إلا كبارا من المتقارب وكقوله يمدح سيف الدولة أنلت عبادك ما أملوا أنالك ربك ما تأمل من المتقارب وكقوله في المغيث بن علي العجلي وأعطيت الذي لم يعط خلق عليك صلاة ربك والسلام من الوافر ذكر آخر شعره وأمره لما أنجحت سفرته وربحت تجارته بحضرة عضد الدولة ووصل إليه من صلاته أكثر من مائتي درهم استأذنه في المسير عنها ليقضي حوائج في نفسه
ثم يعود إليها فأذن له وأمر بأن تخلع عليه الخلع الخاصة ويقاد إليه الحملان الخاص وتعاد صلته بالمال الكثير فامتثل ذلك وأنشده أبو الطيب الكافية التي هي آخر شعره وفي أضعافها كلام جرى على لسانه كأنه ينعي فيه نفسه وإن لم يقصد ذلك فمنه قوله فلو أني استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حتى أراكا من الوافر وهذه لفظة يتطير منها ومنه إذا التوديع أعرض قال قلبي عليك الصمت لا صاحبت فاكا ولولا أن أكثر ما تمنى معاودة لقلت ولا مناكا أي لو أن أكثر ما تمنى قلبي أن يعاودك لقله له ولا بلغت أنت أيضا منتك وهذا أيضا من ذاك ومنه قد استشفيت من داء بداء وأقتل ما أعلك ما شفاكا أي قد أضمرت يا قلب شوقا إلى أهلك وكان ذلك داء لك فاستشفيت منه بأن فارقت عضد الدولة ومفارقته داء لك أيضا أعظم من داء شوقك إلى أهلك وهذا شبه قول النبي كفى بالسلامة داء وقول حميد بن ثور وحسبك داء أن تصح وتسلما من الطويل وأقتل ما أعلك ما شفاكا من ألفاظ الطيرة أيضا ومنه وكم دون الثوية من حزين يقول له قدومي ذا بذاكا الثوية من الكوفة يقول له قدومي ذا بذاك أي هذا القدوم بتلك الغيبة وهذا السرور بذلك الحزن لم يقل إن شاء الله تعالى ومنه ومن عذب الرضاب إذا انخنا يقبل رحل تروك والوراكا
تروك اسم ناقة لم ير مثلها لعضد الدولة أمر له بها والوراك شيء يتخذه الراكب كالمخدة تحت وركه يحرم أن يمس الطيب بعدي وقد عبق العبير به وصاكا وهذا أيضا من تلك الألفاظ ومنه وفي الأحباب مختص بوجد وآخر يدعي معه اشتراكا إذا اشتبهت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى وهذا أيضا من ذاك ومنه فزل بعد عن أيدي ركاب لها وقع الأسنة في حشاكا هذه استعارة حسنة لأنه خاطب البعد وجعل له حشا ومنه وأيا شئت يا طرقي فكوني أذاة أو نجاة أو هلاكا جعل قافية البيت الهلاك فهلك وذلك أنه ارتحل عن شيراز بحسن حال ووفور مال فلما فارق أعمال فارس حسب أن السلامة تستمر به كاستمرارها في مملكة عضد الدولة ولم يقبل ما أشير به عليه من الاحتياط باستصحاب الخفراء والمبذرقين فجرى ما هو مشهور من خروج سرية من الأعراب عليه ومحاربتهم إياه وتكشف الوقعة عن قتله وابنه محسد ونفر من غلمانه وفاز الأعراب بأمواله وذلك في سنة أربع وخمسين وثلثمائة أنشدني أبو القاسم المظفر بن علي الطبسي الكاتب لنفسه في مرثية المتنبي لا رعى الله سرب هذا الزمان إذ دهانا في مثل ذاك اللسان
ما رأى الناس ثاني المتنبي أي ثان يرى لبكر الزمان كان من نفسه الكبيرة في جيش وفي كبرياء ذي سلطان كان في لفظة نبيا ولكن ظهرت معجزاته في المعاني من الخفيف فصل وقد جمح بي القلم في إشباع هذا الباب وتذييله وتصييره كتابا برأسه في أخبار أبي الطيب والاختيار من أشعاره والتنبيه على محاسنه ومساويه وقد كان بعض الأصدقاء سألني عمل ذلك وله الآن فيه كفاية وبه غنية فإن أحب إفراده عن الأبواب كان كتابا على حدة وإن نشط لانتساخ الجميع تضاعفت الفوائد لديه وانثالت القلائد عليه بمشيئة الله وإرادته والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
الباب السادس في ذكر النامي والناشي والزاهي وإخراج غرر أشعارهم أبو العباس أحمد بن محمد النامي شارع من فحولة شعراء العصر وخواص شعراء سيف الدولة وكان عنده تلو المتنبي في المنزلة والرتبة وقد أخرجت من ديوانه ما هو شرط الكتاب من عقائل شعره وفرائد عقده فمن ذلك قوله من قصيدة له من هواها ما لصب متيم وذمة حب عهده لم يذمم أفارق نفسي شعبة بعد شعبة فريقين باتا منجدا بعد متهم فقد كثرت في كل أرض ديارهم ككثرة عذالي علي ولومي ولم أر يوما كان أثلم للحشا من اليوم بين الجزع والمتثلم من الطويل ومنها لكم يا بني العباس سيف على العدا حسام متى يعرض له الداء يحسم أخف إلى يوم الوغى من حمامة وأثبت من شوق بقلب متيم
وقوله من أخرى أمير العلا إن العوالي كواسب علاءك في الدنيا وفي جنة الخلد يمر عليك الحول سيفك في الطلا وطرفك ما بين الشكيمة واللبد ويمضي عليك الدهر فعلك للعلا وقولك للتقوى وكفك للرفد من الطويل ومنها في وصف أشعاره ريايحن أذهان سماحك غارس لها فاجنها بالعرف من روضة الحمد من المذهبات الدارميات شرد تدق معانيها على الملك الكندي وقوله من أخرى أحقا أن قالتي زرود وأن عهودها تلك العهود وقفت وقد فقدت الصبر حتى تبين موقفي أني الفقيد وشكت في عذالي فقالوا لرسم الدار أيكما العميد من الوافر ومثل هذا النمط من التشبيه قول السري إذا ما الراح والأترج لاحا لعينك قلت أيهما الشراب من الوافر وقول بعض أهل العصر لي سيد فاتن يعلمني بحسنه كيف يعبد الصنم لما رآني وفي يدي قلم لم يدر مولاي أينا القلم من المنسرح
ومنها إليك صدعن أفئدة الليالي وفيهن السخائم والحقود فعيدان الأراك لها عظام وأسقية السنان لها جلود ومنها وشعر لو عبيد الشعر أصغى إليه لظل لي عبدا عبيد كأن لفكرة نشر ابن حجر ونودي من حفيرته لبيد وقوله من أخرى إلمامة بمغاني داره لمم إذ لا أمامة في دار لها أمم بأي حكم لأيام الفراق نأت بناعب كاعب والبين يحتكم عقلت عيسا كأني كنت حاسدها بدار سلمى وترب الدار مستلم إحدى الحسان أساءت بي وقد صرمت يوم الحمى وهواها ليس ينصرم من البسيط أخذه من قول ابن الرومي يا رب حسانه منهن قد فعلت سوءا وقد يفعل الأسواء حسان من البسيط رجع كأن قلبي معار للنوى جزعا من قلب قرن علي وهو منهزم ناط الحمائل في ليث وفي قمر وفي الحمائل قد نيطت به الهمم كأنه أجل أو طرفه وجل أو سيفه قدر في الروح يحتكم
يا مظمئ الخيل أو تروى ذوابله والخيل تشرب من أشداقها اللجم إذا ملائكة النصر اختلطت بها تشابه العالم النوري والنسم لم تدع يا علم المجد المقابلنا إلا وسبح إجلالا لك العلم لا يكتم النصر يوما أنت شاهده واليوم من نقعه قد كاد ينكتم النصر أسرجها والعز ألجمها والحزم أمسك بالأسراج لا الحزم قال النهار له والشمس مغمدة وللمنايا شموس غمدها القمم هذا عجاج فأين الأفق وهو قنا وتلك خيل فأين الأرض وهي دم بحد سيفك سيف الدولة انحطمت قواعد الشرك والأرواح تنحطم يحدث الذئب ذئب وهو مبتهج ويخبر النسر نسر وهو مبتسم قد أرضعتك ثدي الأرض درتها ورمحك ابن رضاع ليس ينفطم من آل حمدان حيث الملك مقتبل والمال مقتسم والحمد مغتنم قوم إذا حكموا يوما لأنفسهم جار السماح عليهم في الذي حكموا أمن علا أم ندى أدعوك أم بهما فأنت ذا والحيا والصارم الخذم إن يعجل الرأي تلحقه بغايته كذا الجواد من الإعجاب يحتدم وإن تأنيت عزما لم يفتك عدا إن الأسود تمطى ثم تعتزم إن لم أقم أمما للمدح من فكري فشك فيك يقيني أنك الأمم إذا طلبتك لم ألحقك في أمد ما حيلتي قد تناهى دونك الكلم وما علي إذا ما كنت ناظمها فعطلت كل ما قالوا وما نطموا
وقوله من أخرى أمرن هوانا أن يصح لنسقما فأدمى قلوبا صاديات إلى الدمى من الطويل ومنها أرتنا جنى العناب للورد ظالما ومن أقحوان مرمض متظلما ما أحسن هذا البيت وأظرفه وفيه كناية عن حك الوجه بالبنان المخضب وعض اليد بالثغر الأشنب طوى البين ديباج الخدود ونشرت يد البين وشيا للخدود منمنما تقسمت الأهواء قلبي كما غدا نوال علي في العلا متقسما ويوم كأجياد العذارى حليه فريد ندى في جيده قد تنظما جلونا به وجهي عروس وكاعب على طفل زهر قد بكى وتبسما وأخرس يصبينا بخمسة ألسن إلى أيها مد السنان تكلما لدن غدوة حتى إذا الشمس ودعت مغاربها واستأذنتها التصرما ثوينا كأنا بعض أبناء قيصر غدا فيهم سيف الأمير محكما أطعت العلا حتى كأنك عبدها وإن كنت مولاها وكنت لها ابنما مكارم لا تنفك تتعب حاسدا يؤخره سعي لها قد تقدما زكت فكري فيها وأينع هاجسي فظلت على أهل القريض مقدما وولد شعري فيك شعرا لمعشر فكنت عليهم مثل نعماك منعما
وقوله من أخرى سلاها لم اسود الهوى في ابيضاضه وإلا سلاني كيف بيض مسودي كأن برأسي عسكرين تحاربا فقد كثر استئمان جند إلى جند وليل له نجم كليل عن السري تحير لا يهدى لقصد ولا يهدي كأني وابن الغمد والطرف أنجم على قصدها والنجم ليس على قصد إلى أن رأيت الفجر والنسر خاضب جناحيه ورسا عل بالعنبر الوردي وحلت يد الجوزاء عقد وشاحها إزاء الثريا وهي مقطوعة العقد فقلت أخيل التغلبي مغيرة أم الفجر يرمي الليل سدا على سد فتى قسم الأيام بين سيوفه وبين طريفات المكارم والتلد فسود يوما بالعجاج وبالردى وبيض يوما بالفضائل والمجد ألم تر فرعونا وموسى تجاريا فغودرت العقبى لذي الحق لا الحشد جهدت فلم أبلغ مداك بمدحة وليس مع التقصير عندي سوى جهدي يزيد على شأوي زياد وجرول وقد غودر ابن العبد في نظمها عبدي من الطويل وقوله من أخرى له سورة في البشر تقرأ في العلا وتثبت في صحف العطاء وتكتب إذا ما علي أمطرتك سماؤه رأيت العلا أنواؤها تتحلب يرجى ويخشى ضره وهو نافع كذا البحر في أزاته متهيب
يروع ويبدو الأنس منه كأنه الهوى لذعه بين الجوانح يعذب وأزهر يبيض الندى منه في الرضى وتحمر أطراف القنا حين يغضب أمير الندى ما للندى عنك مذهب ولا عنك يوما للرغائب مرغب إذا فاخرت بالمكرمات قبيلة فتغلب أبناء العلا بك تغلب قناة من العلياء أنت سنانها وتلك أنابيب عليها وأكعب وخيل كأمثال القنا في لبودها فإن صهلت فهي اليراع المثقب وضرب يريك الخيل مج نجيعه وأشبهها من لون أشقر يخضب من الطويل وقوله من أخرى سألت بالفراق صبا وما ينبئها بالفراق مثل خبير هو بين الحشا صدوع وفي الأعين ماء وجمرة في الصدور نحن أبناء ذا الهوى تسكن الأنفس منا إلى الضنا والزفير نال منا يوم الفراق كما نال من الناكثين سيف الأمير في خميس للنصر فيه لواء عقده من لوائه المنصور رجله كالدبا وفرسانه كالأسد بأسا وخيله كالصقور وسجاياك يا أبا الحسن الغر وإتعابهن شكر الشكور لو غدا الدهر صافحا لي عن الحظ وأعلى من جد حال عثور لتعطرت من غبار مذاكيك رواحي وكان عطري بكوري ثم صيرت من دماء أعاديك خلوقي وكان منه طهوري
ولقيت المنون تحت عواليك معدا ذخرا ليوم نشوري سر على السعد تستظل من الأيام ظلي سلامة وحبور بين فرضين من جهاد وشهر أنت في الناس مثله في الشهور سمع النصر فيه أمرك لما خاطبته الأقدار بالتأمير أنتم دارة العلا يا بني حمدان سكان بيتها المعمور وتسيرون في القنا فترى الآجال مرتابة بذاك المسير في شموس من الحديد عليها أنجم يفترون فوق بدور وعجاج كأنه من دخان الند يلقى الهواء بالتعطير عبق من علاكم فكأن الأرض مسك والجو من كافور فتحبو بمدحتي فهي ريحانة حمد تبقى بقاء الدهور من الخفيف وقوله من أخرى ومنازلين إذا بدوا في شارق شبوا ضياء وقوده بوقود ردوا على داود صنعة سرده لغناهم بالصبر عن داود لا يصبحون إذا انتضوا بيض الظبا وشبا القنا غير المنايا السود من الكامل وقوله من أخرى ألم تر أعداء الأمير كوفره يظل لتوفير العلا غير وافر وحساده مما تذوب كخيله بلغن مدى أنفاسهن الزوافر من الطويل وقوله من أخرى وصارم مثل لحظ البرق أسلك في مثال جدول ماء فيه منسكب
تنأى به الهام عن أجسامهن كما تنأى الخواتيم عن مقروءة الكتب من البسيط وقوله من أخرى في ناظر الشمس إن عنت له رمد ومسمع الرعد إن أصغى له صمم يردها ونظام الملك متسق والموت في خرز الأعناق ينتظم أسعد بعيد إذا كارمته حكمت لك المعاني وأمضى حكمها الكرم عيد وفتح وملك والأمير له دامت سلامته ما أورق السلم الله أعطاك أقسام الفخار فما خلق يساميك مذ حيزت لك القسم لو كان يرضى لك الدنيا لما فنيت ونلت فيها خلودا أنت والنعم من البسيط وقوله في صفة منارة سامية في الجو مثل الفرقد قاعدة فيه وإن لم تقعد يكاد عاليها وإن لم يبعد يغرف من حوض الغمام باليد من الرجز وقوله خليلي هل للمزن مقلة عاشق أم النار في أحشائها وهي لا تدري أشارت إلى أرض العراق فأصبحت وكاللؤلؤ المبتول أدمعها تجري تسربل وشيا من خروز تطرزت مطارفها طرزا من البرق كالتبر سحاب حكت ثكلى أصيبت بواحد فعاجت له نحو الرياض على قبر فوشي بلا رقم ونقش بلا يد ودمع بلا عين وضحك بلا ثغر من الطويل
ودخل على ناصر الدولة ويده وجعة قد لطخت بلطوخ فقال له هل قلت شيئا قال ما علمت قال فقل فقال ارتجالا يد في برئها برء الأيادي ووعك للطريف وللتلاد يد الحسن التي خلقت سماء موكلة بأرزاق العباد من الوافر أبو الحسين الناشئ الأصغر أنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني أبو الحسين الناشئ بحلب لنفسه إذا أنا عاتبت الملوك فإنما أخط بأقلامي على الماء أحرفا وهبه ارعوى بعد العتاب ألم يكن تودده طبعا فصار تكلفا من الطويل قال وأنشدني لنفسه ليس الحجاب من آلة الأشراف إن الحجاب مجانب الإنصاف ولقل من يأتي فيحجب مرة فيعود ثانية بقلب صافي من الكامل وله في سيف الدولة يودعه أودع لا أني أودع طائعا وأعطي بكرهي الدهر ما كنت مانعا وأرجع لا ألقى سوى الوجد صاحبا لنفسي إن القيت بالنفس راجعا تحملت عنا بالصنائع والعلا فنستودع الله العلا والصنائعا رعاك الذي يرعى بسيفك دينه ولقاك روض العيش أخضر يانعا من الطويل
وله إذا لم تنل همم الأكرمين وسعيهم وادعا فاغترب فكم دعة أتعبت أهلها وكم راحة نتجت من تعب من المتقارب وله أيضا يا خليلي وصاحبي من لؤي بن غالب حاكم الحب جائر موجب غير واجب لك صدغ كأنما نونه نون كاتب يلذع الناس إذا تعقرب لذع العقارب من مجزوء الخفيف أبو القاسم الزاهي وصاف محسن كثير الملح والظرف ولم يقع إلي شعره مجموعا وإنما تطرفته من أفواه الرواة واستفدته من التعليقات أنشدني أبو نصر سهل بن المرزبان فيما أنشدنيه من النتف التي استفادها ببغداد وأتحفني به من اللطائف التي استصحبها منها للزاهي سفرن بدورا وانتقبن أهلة ومسن غصونا والتفتن جآذرا وأطلعن في الأجياد بالدر أنجما جعلن لحبات القلوب ضرائرا من الطويل
وإنما احتذى في البيت الأول مثال المتنبي في قوله بدت قمرا ومالت غصن بان وفاحت عنبرا ورنت غزالا من الوافر وممن نسج على هذا المنوال أبو عامر إسمعيل بن أحمد الشاشي فإنه قال من قصيدة رأيت على أكوارنا كل ماجد يرى كل ما يبقى من المال مغرما ندوم أسيافا ونعلو قواضبا وننقض عقبانا ونطلع أنجما من الطويل وقال أبو الحسن الجوهري في الخمر إلا أنه قلب التشبيه يقولون بغداد التي اشتقت برهة دساكرها والعكبري المقيرا إذا فض عنه الختم فاح بنفسجا وأشرق مصباحا ونور عصفرا من الطويل ولبعض أهل العصر في غلام مغن فديتك يا أتم الناس ظرفا وأصلحهم لمتخذ حبيبا فوجهك نزهة الأبصار حسنا وصوتك متعة الأسماع طيبا وسائلة تسائل عنك قلنا لها في وصفك العجب العجيبا رنا ظبيا وغنى عندليبا ولاح شقائقا ومشى قضيبا من الوافر وللزاهي أرى الليل يمضي والنجوم كأنها عيون الندامى حين مالت إلى الغمض وقد لاح فجر يغمر الجو نوره كما انفجرت بالماء عين على الأرض من الطويل
وأنشدني أبو سعد نصر بن يعقوب في كتابه كتاب روائع التوجيهات من بدائع التشبيهات للزاهي الريح تعصف والأغصان تعتنق والمزن باكية والزهر معتبق كأنما الليل جفن والبروق له عين من الشمس تبدو ثم تنطبق من البسيط ومن مشهور شعر الزاهي قوله لولا عذارك ما خلعت عذاري ولكنت في وزر من الأوزار ما كنت أحسب أن أعاين أو أرى تخطيط ليل في بياض نهار حتى نظرت إلى عذارك فاغتدى سقم القلوب ونزهة الأبصار فتركت قولي في الوعيد لأجله وعزمت فيك على دخول النار من الكامل ووجدت في كتاب أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدان في مجموعة المترجم بحاطب الليل قصيدة للزاهي أولها الليل من فكري يصير ضياء والسيف من نظري يذوب حياء والخيل لو حملتها علمي بها لتركتها تحت العجاج هباء من الكامل ومنها أحصي على دهري الذنوب بمقلة لدموعها لا أملك الإحصاء سرقه من قول ديك الجن أنا أحصي فيك النجوم ولكن لذنوب الزمان لست بمحص من الخفيف
رجع عجبا لصرف الدهر كيف يخون من غمر البرية نجدة ووفاء عدم الصباح فناب عنه بفكره وعلت يداه فطاول الجوزاء وأنشدت له بيت معمى وما أراه قاله من كان آدم جملا في سنه هجرته حواء السنين من الدمى من الكامل آدم في حساب الجمل خمس وأربعون وحواء خمسة عشر وله في وصف الأترج وذات جسم من الكافور في ذهب دارت عليه حواشيه بمقدار كأنها وهي قدامي ممثلة في رأس دوحتها تاج من النار من البسيط
الباب السابع في ذكر أبي الفرج عبد الواحد الببغاء وغرر نثره ونظمه هو أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي من أهل نصيبين نجم الآفاق وشمامة الشام والعراق وظرف الظرف وينبوع اللطف واحد أفراد الدهر في النظم والنثر له كلام بل مدام بل نظام من الياقوت بل حب الغمام فنثره مستوف أقسام العذوبة وشروط الحلاوة والسهولة ونظمه كأنه روضة منورة تجمع طيبا ومنظرا حسنا وقد أخرجت من شعره ما يشهد بالذي أجريت من ذكره وإنما لقب بالببغاء للثغة فيه سيجري وصفها في ذكر ما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابي من طرف المكاتبات وملح المجاوبات وكان في عنفوان أمره وريعان شبابه متصلا بسيف الدولة مقيما في جملته ثم تنقلت به بعد وفاة صاحبه الأحوال في وروده الموصل وبغداد ومنادمته بهما الملوك والرؤساء وإخفاقه مرة وإنجاحه أخرى وآخر ما بلغني من خبره ما سمعت الأمير أبا الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي يورده من ذكر التقائه معه عند صدره من الحج وحصوله ببغداد في سنة تسعين وثلاثمائة ورؤيته بها شيخا عالي السن متطاول الأمد نظيف اللبسة بهي الركبة مليح اللثغة ظريف الجملة قد أخذت الأيام من جسمه وقوته ولم تأخذ من طرفه وأدبه وأنه مدح أباه الأمير أبا نصر بقصيدة فريدة أجزل عليها صلته ثم السلامي وغيره من شعراء العراق ثم عرض على القاضي أبو بشر الفضل بن محمد بجرجان سنة إحدى وتسعين كتاب
أبي الفرج الوارد عليه من بغداد مشتملا من النظم والنثر على ما أثرت فيه حال من بلغ ساحل الحياة ووقف إلى ثنية الوداع ولست أدري ما فعل الدهر به وأغلب ظني أنه إلى الآن قد لحق باللطيف الخبير وأنا أبدأ بسياق قصة له من عبارته وحكايته لم أسمع أظرف منها في فنها ولا ألطف ولا أعذب ولا أخف وإن كان فيها بعض الطول والبديع غير مملول قال أبو الفرج تأخرت بدمشق عن سيف الدولة رحمه الله مكرها وقد سار عنها في بعض وقائعه وكان الخطر شديدا على من أراد اللحاق به من أصحابه حتى إن ذلك كان مؤديا إلى النهب وطول الاعتقال واضطررت إلى إعمال الحيلة في التخلص والسلامة بخدمة من بها من رؤساء الدولة الإخشيدية وكان سني في ذلك الوقت عشرين سنة وكان انقطاعي منهم إلى أبي بكر علي بن صالح الروزباري لتقدمه في الرياسة ومكانه من الفصل والصناعة فأحسن تقبلي وبالغ في الإحسان بي وحصلت تحت الضرورة في المقام فتوفرت على قصد البقاع الحسنة والمتنزهات المطرفة تسليا وتعللا فلما كان في بعض الأيام عملت على قصد دير مران وهذا الدير مشهور الموقع في الجلالة وحسن المنظر فاستصحبت بعض من كنت آنس به وتقدمت لحمل ما يصلحنا وتوجهنا نحوه فلما نزلنا أخذنا في شأننا وقد كنت اخترت من رهبانه لعشرتنا من توسمت فيه رقة الطبع وسجاحة الخلق حسبما جرى به الرسم في غشيان الأعمار وطروق الديرة ومن التطرف بعشرة أهلها والأنسة بسكانها ولم تزل الأقداح دائرة بين مطرب الغناء وزاهر المذاكرة إلى أن فض اللهو ختامه ولوح السكر لصحبي أعلامه وحانت مني نظرة إلى بعض الرهبان فوجدته إلى خطابي متوثبا ولنظري إليه مترقبا فلما أخذته عيني أكب يزعجني بخفي الغمز ووحي الإيماء فاستوحشت لذلك وأنكرته ونهضت عجلان واستحضرته فأخرج إلي رقعة مختومة وقال لي قد لزمم فرض الأمانة فيما تضمنته هذه الرقعة وونى وسقط
ذمام كاتبها في سترها بك عني ففضضتها فإذا فيها بأحسن خط وأملحه وأقرئه وأوضحه بسم الله الرحمن الرحيم لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة يا مولاي بين حزم يحث على الانقباض عنك وحسن ظن يحض على التسامح بنفيس الحظ منك إلى أن استنزلتني الرغبة فيك على حكم الثقة بك من غير خبرة ورفعت بيني وبينك سجف الحشمة فأطعت بالانبساط أوامر الأنسة وانتهزت في التوصل إلى مودتك فائت الفرصة والمستماح منك جعلني الله فداك زورة أرتجع بها اغتصبتنيه الأيام من المسرة مهنأة بالانفراد إلا من غلامك الذي هو مادة مسرتك وما ذاك عن خلق يضيق بطارق ولكن لأخذي بالاحتياط على حالي فإن صادف ما خطبته منك أيدك الله قبولا ولديك نفاقا فمنية غفل الدهر عنها أو فارق مذهبه فيما أهداه إلي منها وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره وأهواه وأترقبه من قربك وأتمناه فذمام المروءة يلزمك رد هذه الوقعة وسترها وتناسيها واطراح ذكرها وإذا بأبيات تتلو الخطاب وهي يا عامر العمر بالفتوة والقصف وحث الكؤوس والطرب هل لك في صاحب تناسب في الغربة أخلاقه وبالأدب أوحشه الدهر فاستراح إلى قربك مستنصرا على النوب فإن تقبلت ما أتاك به لم تشن الظن فيه بالكذب وإن أتى الزهد دون رغبتنا فكن كمن لم يقل ولم يجب من المنسرح
قال أبو الفرج فورد علي ما حيرني واسترد ما كان الشراب حازه من تميزي وحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة خطا وترسلا ونظما فشاهدته بالفراسة من ألفاظه وحمدت أخلاقه قبل الاختبار من رقعته وقلت للراهب ويحك من هذا وكيف السبيل إلى لقائه فقال أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا وأما السبيل إلى لقائه فمتسهل إن شئت قلت دلني قال تظهر فتورا وتنصب عذرا تفارق به أصحابك منصرفا وإذا حصلت بباب الدير عدلت بك إلى باب خفي تدخل منه فرددت الرقعة عليه وقلت ارفعها إليه ليتأكد أنسه بي وسكونه إلي وعرفه أن التوفر على إعمال الحيلة في المبادرة إلى حضرته على ما آثره من التفرد أولى من التشاغل بإصدار جواب وقطع وقت بمكاتبته ومضى الراهب وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي نهضت به فأنكروا ذلك فاعتذرت إليهم بشيء عرض لي واستدعيت ما أركبه وتقدمت إلى من كان معي ممن يخدم بالتوفر على خدمتهم وقد كنا عملنا على المبيت فأجمعوا على تعجل السكر والانصراف وخرجت من باب الدير ومعي صبي كنت آنس به وبخدمته وتقدمت إلى الشاكري برد الدابة وستر خبري ومباكرتي وتلقاني الراهب وعدل بي إلى طريق في مضيق وأدخلني إلى الدير من باب غامض وصار بي إلى باب قلاية متميز عما يجاوره من الأبواب نظافة وحسنا فقرعه بحركات مختلفة كالعلامة فابتدرنا منه غلام كأن البدر ركب على أزراره مهفهف الكشح مخطفه معتدل القوام أهيفه تخال الشمس برقعت غرته والليل ناسب أصداغه وطرته في غلالة تنم على ما تستره وتجفو مع رقتها عما تظهره وعلى رأسه مجلسية مصمت فبهر عقلي واستوقف نظري ثم أجفل كالظبي المذعور وتلوته والراهب إلى صحن القلاية فإذا أنا ببيت فضي
الحيطان رخامي الأركان يضم طارقة خيش مفروشة بحصير مستعمل فوثب إلينا منه مقتبل الشبيبة حسن الصورة ظاهر النبل والهيئة متزي من اللباس بزي غلامه فلقيني حافيا يعثر بسراويله واعتنقني ثم قال إنما استخدمت هذا الغلام في تلقيك يا سيدي لأجعل ما لعلك استحسنته من وجهه مصانعا عما ترد عليه من مشاهدتي فاستحسنت اختصاره الطريق إلى بسطي وارتجاله النادرة على نفسه حرصا في تأنيسي وأفاض في شكري على المسارعة إلى أمره وأنا أواصل في خلال سكناته المبالغة في الاعتداد به ثم قال يا سيدي أنت مكدود بمن كان معك والاستمتاع بمحادثتك لا يتم إلا بالتوصل إلى راحتك وقد كان الأمر على ما ذكر فاستلقيت يسيرا ثم نهضت فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي ألفتها في دور أكابر الملوك وأجلة الرؤساء وأحضرنا خادم له لم أر أحسن منه وجها ولا سوادا طبقا يضم ما يتخذ للعشاء مما خف ولطف فقال الأكل مني يا سيدي للحاجة ومنك للممالحة والمساعدة فنلنا شيئا وأقبل الليل فطلع القمر ففتحت مناظر ذلك البيت إلى فضاء أدى إلينا محاسن الغوطة وحبانا بذخائر رياضها من المنظر الجناني والنسيم العطري وجاءنا الراهب من الأشربة بما وقع اتفاقنا على المختار منه ثم اقتعدنا غارب اللذة وجرينا في ميدان المفاوضة فلم يزل يناهبني نوادر الأخبار وملح الأشعار ونخلط ذلك من المزح بأظرفه ومن التودد بألطفه إلى أن توسطنا الشراب فالتفت إلى غلامه وقال له يا مترف إن مولاك ما ادخر عنا السرور بحضوره وما يجب أن ندخر ممكنا في مسرته فامتقع وجه الغلام حياء وخفرا فأقسم عليه بحياته وأنا لا أعلم ما يريد ومضى فعاد يحمل طنبورا وجلس فقال لي يا سيدي تأذن لي في خدمتك فهممت بتقبيل يده لما تداخلني من عظم المسرة بذلك فأصلح الغلام الطنبور وضرب وغنى يا مالكي وهو ملكي وسالبي ثوب نسكي
نزه يقين الهوى فيك عن تعرض شك لولاك ما كنت أبكي إلى الصباح وأبكي من المجتث فنظر إلى الغلام وتبسم فعلمت أن الشعر له فكدت والله أطير طربا وفرحا بملاحة خلقه وجودة ضربه وعذوبة ألفاظه وتكامل حسنه فاستدعيت كيزانا فأحضرنا الخادم عدة قطع من فاخر البلور وجيد المحكم فشربت سرورا بوجهه وشرب بمثل ما شربت ثم قال لي أنا والله يا سيدي أحب ترفيهك وأن لا أقطعك عما أنت متوفر عليه ولكن إذا عرفت الاسم والنسب والصناعة واللقب فلا بد أن تشي ليلتنا بشيء يكون لها طرازا ولذكرها معلما فجذبت الدواة وكتبت ارتجالا وقد أخذ الشراب مني وليلة أوسعتني حسنا ولهوا وأنسا ما زلت ألثم بدرا بها وأشرب شمسا إذا أطلع الدير سعدا لم يبق مذ بان نحسا فصار للروح مني روحا وللنفس نفسا من المجتث فطرب على قولي ألثم بدرا وأشرب شمسا وجذب غلامه فقبله وقال ما جهلت ما يجب لك يا سيدي من التوقير وإنما اعتمدت تصديقك فيما ذكرته فبحياتي إلا فعلت مثل ذلك بغلامك فاتبعت آثاره خوفا من احتشامه وأخذ الأبيات وجعل يرددها ثم أخذ الدواة وكتب إجازة لها ولم أكن لغريمي والله أبذل فلسا لو ارتضى لي خصمي بدير مران حبسا من المجتث فقلت إذا والله ما كان أحد يؤدي حقا ولا باطلا وداعبته في هذا المعنى بما حضر وعرفت في الجملة أنه مستتر من دين قد ركبه وقال لي قد خرج لك أكثر الحديث فإن عذرت وإلا ذكرت لك الحال لتعرفها على صورتها فتبينت ما يؤثره من كتمان أمره فقلت له يا سيدي كل ما لا يتعرف بك نكرة وقد
أغنت المشاهدة عن الاعتذار ونابت الخبرة عن الاستخبار وجعل يشرب وينخب علي من غير إكراه ولا حث ولا استبطاء إلى أن رأيت الشراب قد دب فيه وأكب على مجاذبة غلامه والفطنة تثنيه في الوقت بعد الوقت فأظهرت السكر وحاولت النوم وجاء الغلام ببرذعة ففرشها لي بإزاء برذعته فنهضت إليها وقام يتفقد أمري بنفسه فقلت له إن لي مذهبا في تقريب غلامي مني واعتمدت بذلك تسهيل ما يختاره من هذه الحال في غلامه فتبسم وقال لي بسكره جمع الله لك شمل المسرة كما جمعه لي بك وأظهرت النوم وعاد يجاذب غلامه بأعذب لفظ وأحلى معاتبة ويخلط ذلك بمواعيد تدل على سعة وانبساط يد وغلامه تارة يقبل يده وتارة فمه وغلبتني عيناي إلى أن أيقظنى هواء السحر فانتبهت وهما متعانقان بما كان عليهما من اللباس فأردت توديعه وحاذرت إنباهه وإزعاجه فخرجت ولقيني الخادم يريد إيقاظه وتعريفه انصرافي فأقسمت عليه أن لا يفعل ووجدت غلامي قد بكر بما أركبه كما كنت أمرته فركبت منصرفا وعاملا على العود إليه والتوفر على مواصلته وأخذ الحظ من معاشرته ومتوهما أن ما كنت فيه منام لطيبه وقرب أوله من آخره واعترضتني أسباب أدت إلى اللحاق بسيف الدولة فسرت على أتم حسرة لما فاتني من معاودة لقائه وقلت في ذلك ويوم كأن الدهر سامحني به فصار اسمه ما بيننا هبة الدهر جرت فيه أفراس الصبا بارتياحنا إلى دير مران المعظم والعمر بحيث هواء الغوطتين معطر النسيم بأنفاس الرياحين والزهر فمن روضة بالحسن ترفد روضة ومن نهر بالفيض يجري إلى نهر وفي الهيكل المعمور منه افترعتها وصحبي حلالا بعد توفية المهر ونزهت عن غير الدنانير قدرها فما زلت منها أشرب التبر بالتبر
وحل لنا ما كان منها محرما وهل يحظر المحظور في بلد الكفر فأهدت لي الأيام فيه مودة دعتني في ستر فلبيت في ستر أتى من شريف الطبع أصدق رغبة تخاطبني عن معدن النظم والنثر وكان جوابي طاعة لا مقالة ومن ذا الذي لا يستجيب إلى اليسر فلاقيت ملء العين نبلا وهمة محلى السجايا بالطلاقة والبشر وأحشمني بالبر حتى ظننته يريد اختداعي عن جناني ولا أدري ونزه عن غير الصفاء اجتماعنا فكنت وإياه كقلبين في صدر وشاء السرور أن يلينا بثالث فلاطفنا بالبدر أو بأخي البدر بمعطي عيون ما اشتهت من جماله ومضني قلوب بالتجنب والهجر جنينا جني الورد في غير وقته وزهر الربا من روض خديه والثغر وقابلنا من وجهه وشرابه بشمسين في جنحي دجى الليل والشعر وغنى فصار السمع كالطرف آخذا بأوفر حظ من محاسنه الزهر وأمتعنا من وجنيته بمثل ما تمزج كفاه من الماء والخمر سرور شكرنا منة الصحو إذا دعا إليه ولم نشكر به منة السكر كأن الليالي نمن عنه فعندما تنبهن نكبن الوفاء إلى الغدر مضى وكأني كنت فيه مهوما يحدث عن طيف الخيال الذي يسري وهل يحصل الإنسان من كل ما به تسامحه الأيام إلا على الذكر من الطويل ولم أزل على أتم قلق وأعظم حسرة وأشد تأسف على ما سلبته من فراق الفتى لا سيما ولم أحصل منه على حقيقة علم ولا يقين خبر يؤديانني إلى الطمع
في لقائه إلى أن عاد سيف الدولة إلى دمشق وأنا في جملته فما بدأت بشيء قبل المصير إلى الراهب وقد كنت حفظت اسمه فخرج إلي مرعوبا وهو لا يعرف السبب فلما رآني استطار فرحا وأقسم ألا يخاطبني إلا بعد النزول والمقام عنده يومي ذلك ففعلت فلما جلسنا للمحادثة قال ما لي لا أراك تسأل عن صديقك قلت والله ما لي فكر ينصرف عنه ولا أسف يتجاوز ما حرمته منه ولا سررت بعودي إلى هذه البلدة إلا من أجله ولذلك بدأت بقصدك فاذكر لي خبره فقال لي أما الآن فنعم هذا فتى من المادرانيين جليل القدر عظيم النعمة كان ضمن من سلطانه بمصر ضياعا بمال كثير فخاس به ضمانه لقعود السعر وأشرف على الخروج من نعمته فاستتر ولما اشتد البحث عنه خرج متخفيا إلى أن ورد دمشق بزي تاجر فكان استتاره عند بعض إخوانه ممن أخدمه فإني عنده يوما إذ ظهر لي وقال لصديقه إني أريد الانتقال إلى هذا الراهب إن كان علي مأمونا فذكر له صديقه مذهبي وأظهرت السرور بما رغب فيه من الأنس بي وأنا لا أعرفه غير أن صديقي قد أمرني بخدمته وحصل في قلايتي فواصل الصوم فلما كان بعد أيام جاءنا الرسول من عند صديقنا ومعه الغلام والخادم وقد لحقا به ومعهما سفاتج وعليهما ثياب رثة فلما نظر إلى الغلام قال يا راهب قد حل الفطر وجاء العيد ووثب إليه فاعتنقه وجعل يقبل عينيه ويبكي ووقف على السفاتج فأنفذها مع درج رقعة منه إلى صديقه فلما كان بعد يومين حمل إليه ألفي دينار وقال له ابتع لنا ما نستخدمه في هذه الضيعة فابتاع آلة وفرشا ولم يزل مكبا على ما رأيت إلى أن ورد عليه بالبغال والآلات الحسنة وكتب أهله باجتماعهم إلى صاحب مصر وتعريفهم إياه الحال في بعده عن وطنه لضيق ذات يده عما يطالب به والتوقيع
بحطيطة المال عنه مقترنا بالكتب فلما عمل على المسير قال لغلامه سلم جميع ما بقي معك من نفقتنا إلى الراهب ليصرفه في مصالح الدير إلى أن نواصل تفقده من مستقرنا وسار وما له حسرة غيرك ولا أسف إلا عليك يقطع الأوقات بذكرك ولا يشرب إلا على ما يغنيه الغلام من شعرك وهو الآن بمصر على أفضل الأحوال وأجلها ما يبخل بتفقدي ولا يغب بري فتعجلت بعض السلوة بما عرفت من حقيقة خبره وأتممت يومي عند الراهب وكان آخر العهد به انتهى كلامه في بيان غرر من رسائله الموصولة بمحاسن شعره كتب إلى سيف الدولة يذكر منصرفه من بعض الغزوات ظافرا إلى الثغر ومقامه على ابن الزيات صاحبه وقد عصي وأخذه إياه وانكفاءه بعد ذلك إلى حلب الرياسة أيد الله سيدنا حلة موموقة ومرتبة مرموقة يتفاضل الناس فيها بقدر الهمم وينالونها بحسب مراتبها من الكرم فما تدرك إلا بالسماح ولا تملك إلا بأطراف الرماح ولا تتقمص إلا بالحمد ولا تخطب إلا بلسان المجد فكل من أدركها طلبا واستحقها بأفعاله لقبا من غير الدخول لسيدنا تحت شرف التعبد ورق الإخلاص لا التودد فقد حرم نيل الكمال وعدل عن الحقيقة إلى المحال لأنه الغاية القصوى التي عجزت عن أن تؤمل إدراكا لها الهمم ما تستحق ملوك الدهر مرتبة في الفضل إلا له من فوقها قدم
ذكاؤه إن دجا ليل الشكوك ضحى وظله إن خطا صرف الردى حرم فلو عدا الكرم الموصوف راحته عن أن يجاوزها لم يكرم الكرم من البسيط الشجاعة أقل أدواته والبلاغة أصغر صفاته يطرق الدهر إذا نطق وينطق المجد إذا افتخر فالآمال موقوفة عليه والثناء أجمع مصروف إليه نهض بما قعدت همم الملوك عن ثقله وضعف الدهر عن معاناة مثله بهمم سيفية وعزائم علوية فرد شمل الدين جديدا وذميم الأيام حميدا بحق أوضحه وخلل أصلحه وهدى أعاده وضلال أباده فلا انتزع الله الهدى عز بأسه ولا انتزع الله الوغى عزنصره وأحسن عن حفظ النبي وآله ورعي سوام الدين توفير شكره فما تدرك المداح أدنى حقوقه بإغراق منظوم الكلام ونثره من الطويل لأن أدنى نعمة تستغرق جماع الشكر وأيسر منة تفوت المبالغة في جميل الذكر فأما هذا الفتح الشريف خطره الحميد أثره المشهور بلاؤه الواجب ثناؤه الباسق فرعه العام نفعه فأشرف من أن يحد بالصفات أو يعد بأفصح العبارات لإجراء الله تعالى سيدنا فيه من نيل الإرادة على مشكور العرف والعادة فيما ابتسم به من ثغر الدين وشمل صلاحه كافة المسلمين كأنما ادخر الرحمن معظمة دون الملوك لسيف الدولة البطل رآه أكرمهم في الخير إن ذكروا وصفا وأفضلهم في القول والعمل فهزه وظبا الأسياف مغمدة واستله غير منسوب إلى الفلل
حتى غدا الدين من بعد العبوس به جذلان يرفل من نعماه في حلل فلو تكلم في حال وقيل له من خير هذا الورى لم يسم غير علي من البسيط وله من رسالة أخرى شهاب ذكاء وطود وفاء وكعبة فضل وغمامة بذل وحسام حق ولسان صدق فالليالي بأفعاله مشرقة والأقدار لخوفه مطرقة تحمده أولياؤه وتشهد له بالفضل أعداؤه يقابلنا البدر من برده ويشملنا السعد من سعده ولو فخر المجد لم تلقه فخورا شيء سوى مجده من المتقارب وله من رسالة أخرى ثم إن شكري نعمة الله تعالى بما جددت من ملاحظة سيدنا حالي وتداركه بطول التطول مرض آمالي ما لا أؤمل مع المبالغة والإغراق فيه فك نفسي بحال من رق أياديه غير أني أحسن لها النظر وأجمل عندها الأحدوثة والخبر بالدخول في جملة الشاكرين والاتسام بفضيلة المخلصين إذ كان أدام الله عزه قد نصر نباهتي على الخمول واستنقذني من التعهد للتأميل فصرت أمسك عن أوصاف نعمته عجزا وينطق عن آثارها حالي لما تحصنت من دهري بمعقله سمت بحملانه ألحاظ إقبالي وواصلتني صلات منه رحت بها أختال ما بين عز الجاه والمال فلينظر الدهر عقبي ما صبرت له إذ كان من بعض حسادي وعذالي ألم أكده بحسن الانتظار إلى أن صنت حظي عن حل وترحال
بلغت ما لا يجوز السؤل نائله ولا يدافع عن فضل وإفضال يا عارضا لم أشم مذ كنت بارقه إلا رويت بغيث منه هطال رويد جودك قد ضاقت به هممي ورد عني برغم الدهر إقلالي لم يبق لي أمل أرجو نداك به دهري لأنك قد أفنيت آمالي من البسيط والله ينهضني من شكر طوله والنهوض بحقوق فضله لما يبلغني رتبة الزيادة ونيل السؤل والإرادة بمنه وكرمه وله من رسالة إليه يلتمس رسمه من الكسوة والعادة جارية بإعانتي على ما أوثره من التجمل في الخدمة بمتابعة النظر ومواصلة التفقد فإن رأى لا رأى سوءا ولا برح الإقبال مشتملا أيام دولته أن يقتضي لي من إنعامه خلعا تنوب عن منطقي في شكر نعمته إذا تأملها الحساد لائحة تيقنوا أنها عنوان نيته من البسيط فعل إن شاء الله وله من رسالة إلى المهلبي الوزير ولما كانت مناقب سيدنا من المعجز الذي لا يتعاطى استطاعة الوصف مطالوته ولا إمكان البلاغة مساجلته عدلت إلى شكر الله تعالى على ما ألهمنيه من تأميل سيدنا والتجمل بحمل منته واكتساب الشرف بسمة ذكره متحققا أني على البعد منه حاضر بالإخلاص لا حق بذوي الحظوة والاختصاص إذ كانت خدمة مثلي إنما هي بلبه لا بقربه وبفهمه لا بجسمه وفي الحقيقة لولا أن معتقلي عن السرى جود سيف الدولة الملك
لما اقتصرت على غير المسير إلى من حظه في المعالي غير مشترك لكنه فلك الفضل المحيط وما من عادة الشمس أن تنأى عن الفلك من البسيط وفي هذه الرسالة وإن رأى المتناهي من سيادته إلى المحل الذي لم يرقه أحد أن يقتضي لي حظا من مكارمه يغري على العدى من أجله الحسد فالشمس تدنو ضياء وهي نازحة والسحب تروي ومن أوطانها البعد من البسيط وله من رسالة إلى أبي محمد جعفر بن محمد بن ورقاء وقد كنت أوثر أن لا يصدر كتابي هذا إلا بقصيدة في الأمير غير أن الوقت لم يتسع لما أوثره فأنفذت هذه الأبيات وأرجو أن يكون موقعها باسطا لي إلى ما أوثره من المواصلة بأمثالها ولا والله ما حسبت فيها ولا فيما تقدمها من المنثور عنان القلم وهي جاد ربعا حللته يا همام من ندى كفك العزيز رهام فقبيح إن استزدت له صوب غمام وأنت فيه غمام ما بأرض لم تبد فيها صباح ما بدار حللت فيها ظلام وإذا ما حللت في بلد فهو جميع الدنيا وأنت الأنام سؤدد عنده التفاخر ذل وندى عنده الكرام لئام وسجايا كأنها الروض إلا أنها للعدو موت زؤام أنتم أنفس العلا يا بني ورقاء والناس كلهم أجسام
سخط المال من أكفكم ما حمدته السيوف والأقلام من الخفيف وله من رسالة كتبها بعد وفاة سيف الدولة إلى عدة الدولة أبي تغلب بن ناصر الدولة يذكر رغبته في قصده وإيثاره الانقطاع إليه وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ومن أبرز لسيدنا صفحة رجائه ووفق للانقطاع إلى سعة نعمائه فقد استظهر لما بقي من عمره وحكم لنفسه بالفوز على دهره فما يقدح الفقر في حاله ولا يطمع الدهر في قصده وكيف وقد صار ضيف الغمام وهو قريب على بعده ومن علقت بأبي تغلب يداه احتذى البدر من سعده همام قضى الله من عرشه له بالإمارة في مهده فطود السيادة في دسته وشمس الرياسة في برده من المتقارب ولما ورد الجواب عن مكتوبه مقرونا بإزاحة العلة في جميع ما يحتاج إليه في سفره والتوقيع بالمبادرة في المسير إلى الموصل وردها ولقي أبا تغلب برسالة طويلة منها أفصح دلائل الإقبال وأصدق براهين السعادة أطال الله بقاء سيدنا ما شهدت العقول بصحته ونطقت البصائر بحقيقته ونعمة الله تعالى على الدين والدنيا بما أولاهما من اختيار سيدنا لحراستهما بناظر فضله وسترهما بظل عدله مفصحة بتكامل الإقبال مبشرة بتصديق الآمال محروسة ضمن الشكر الوفي لها عن الزيادة نيل السؤل في الدرك تحقق الدهر أن الملك منذ نشا له أبو تغلب اسم غير مشترك
واستخلف الفلك الدوار همته فلو ونى أغنت الدنيا عن الفلك من البسيط موفر الحسنات مأمون الهفوات متناصر الصفات ربعي النفاسات حمداني السياسة ناصري الرياسة عطاردي الذكاء موفق الآراء شمسي التأثير فلكي التدبير قمري التصوير للصدق كلامه والعدل أحكامه وللوفاء ذمامه وللحسام عناؤه وللقدر مضاؤه وللسحاب عطاؤه دعوته فأجابتني مكارمه ولو دعوت سوى نعماه لم تجب وجدته الغيث مشغوفا بعادته والروض يجني بما في عادة السحب لو فاته النسب الوضاح كان له من فضله نسب يغني عن النسب إذا دعته ملوك الأرض سيدها طرا دعته المعالي سيد العرب من البسيط فأجمل بره وتقبله مدة مقامه بحضرته إلى أن سار عنها إلى مدينة السلام سنة تسعة وخمسين وثلاثمائة وجعل يعاود الموصل مرة ومدينة السلام أخرى وله من رسالة شكر وكأني أرى عواقب اشتمالك علي وتفقدك المتواصل إلي من مرآة العقل وبصيرة الذكاء والفضل إذ كانت أمارات الإقبال على حالي بك لائحة وشواهد السعادة لدي بعنايتك واضحة فمن نظر يسارع في صلاحي ومن وصف يحث على نفاقي فإنعام أسر من التداني على عدم أفظ من الفراق من الوافر
وله في مثلها من كان جميل رأي سيدنا عدته أمن من الدهر شدته ومن فزع إلى إحسانه استظهر على زمانه ومن توجه برغبته إليه لم تقدم الأيام عليه وأنا الذي علمت من طلب الغنى كيف الطريق إلى الغنى برجائه فظللت مخصوصا بحمد عفاته وغدوت ممدوحا بشكر عطائه وأفدت قدما معجزات فضائلي من نور فطنته ونار ذكائه فإذا نطقت نطقت من ألفاظه وإذا وهبت وهبت من نعمائه من الكامل ذكر ما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابي كان كل منهما يتمنى لقاء صاحبه ويكاتبه ويراسله فاتفق أن أبا الفرج قدم مرة بغداد وأبو إسحاق معتقل منذ مدة بعيدة فلم يصبر عنه فزاره في محبسه ثم انصرف عنه ولم يعاوده فكتب إليه أبو إسحاق أبا الفرج اسلم وابق وانعم ولا تزل يزيدك صرف الدهر حظا إذا نقص مضى زمن تستام وصلي غاليا فأرخصته والبيع غال ومرتخص وآنستني في محبسي بزيارة شفت كمدا من صاحب لك قد خلص ولكنها كانت كحسوة طائر فواقا كما يستفرص السارق الفرص وأحسبك استوحشت من ضيق محبسي وأوجست خوفا من تذكرك القفص كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه إذا عاين الأشراك تنصب للقنص
فحوشيت يا قس الطيور فصاحة إذا أنشد المنظوم أو درس القصص من المنسر الأشغى ومن حزة المدى ومن بندق الرامي ومن قصة المقص ومن صعدة فيها من الدبق لهذم لفرسانكم عند الطعان بها قعص فهذي دواهي الطير وقيت شرها إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص من الطويل فأجابه أبو الفرج في الحال مع رسوله أيا ماجدا مذ يمم المجد ما نكص وبدر تمام مذ تكامل ما نقص ستخلص من هذا السرار وأيما هلال توارى بالسرار فما خلص برأفة تاج الملة الملك الذي لسؤدده في خطة المشتري خصص تقنصت بالألطاف شكري ولم أكن علمت بأن الحر بالبر يقتنص وصادفت أدنى فرصة فانتهزتها بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص أتتني القوافي الباهرات تحمل البدائع من مستحسن الجد والرخص فقابلت زهر الروض منها ولم أرع وأحرزت در البحر منها ولم أغص فإن كنت بالببغاء قدما ملقبا فكم لقب بالجور لا العدل مخترص وبعد فما أخشى تقنص جارح وقلبك لي وكر ورأيك لي قفص فانتهى الابتداء والجواب إلى عضد الدولة فأعجب بهما واستظرفهما وكان ذلك أحد أسباب إطلاق أبي إسحاق من اعتقاله ثم اتصلت بينهما المكاتبة والمودة
وكتب أبو إسحاق إلى أبي الفرج أبياتا في صفة القبج والخطاطيف ثم كتب إليه هذه الأرجوزة في صفة الببغاء أنعتها صبيحة مليحة ناطقة باللغة الفصيحة غدت من الأطيار واللسان يوهمني بأنها إنسان تنهي إلى صاحبها الأخبارا وتكشف الأسرار والأستارا سكاء إلا أنها سميعه تعيد ما تسمعه طبيعه وربما لقنت العضيهه فتغتدي بذيئة سفيهه زارتك من بلادها البعيده واستوطنت عندك كالقعيده ضيف قراه الجوز والأرز والضيف في أبياتنا يعز تراه في منقارها الخلوقي كلؤلؤ يلقط بالعقيق تنظر من عينين كالفصين في النور والظلمة بصاصين تميس في حلتها الخضراء مثل الفتاة الغادة العذراء خريدة خدورها الأقفاص ليس لها من حبسها خلاص تحبسها وما لها من ذنب وإنما تحبسها للحب تلك التي قلبي بها مشغوف كنيت عنها واسمها معروف نشرك فيها شاعر الزمان والكاتب المعروف بالبيان وذاك عبد الواحد بن نصر تقيه نفسي عاديات الدهر فأجابه أبو الفرج بهذه الأرجوزة من منصفي من حكم الكتاب شمس العلوم قمر الآداب
أضحى لأوصاف الكلام محرزا وسام أن يلحق لما برزا وهل يجاري السابق المقصر أم هل يساوي المدرك المعذر ما زال بي عن غرض معرضا ولي بما يصدره مستنهضا فتارة يعتمد الخطافا ببدع تستغرق الأوصافا وتارة يعني بنعت القبج من منطق لفضله محتج يحوم حول غرض معلوم ومقصد في شعره مفهوم حتى تجلت رغوة الصريح وسلم التلويح للتصريح وصح أن الببغاء مقصده بكل ما كان قديما يورده فلم يدع لقائل مقالا فيها ولا لخاطر مجالا أهدى لها من كل نعت أحسنه وصاغ من حلي المعاني أزينه أحال بالريش الأشيب الأخضر وباحمرار طوقها والمنسر على اختلاط الروض بالشقيق وأخضر الميناء بالعقيق تزهى بدواج من الزمرد ومقلة كسبج في عسجد وحسن منقار أشم قاني كأنما صيغ من المرجان صيرها انفرادها في الحبس بنطقها من فصحاء الإنس تميزت في الطير بالبيان عن كل مخلوق سوى الإنسان تحكي الذي تسمعه بلا كذب من غير تغيير لجد أو لعب غذاؤها أزكى طعام رغدا لا تشرب الماء ولا تخشى الصدا ذات شغى تحسبه ياقوتا لا ترتضي غير الأرز قوتا
كأنما الحبة في منقارها حبابة تطفو على عقارها إقدامها ببأسها الشديد أسكنها في قفص الحديد فهي كخود في لباس أخضر تأوي إلى خركاهة لم تستر ووصفها المعجز ما لا يدرك ومثله في غيرها لا يملك لو لم تكن لي لقبا لم أختصر لكن خشيت أن يقال منتصر وإنما تنعت باستحقاق لوصفها حذق أبي إسحاق شرفها وزاد في تشريفها بحكم أبدع في تفويفها فكيف أجزي بالثناء المنتخب من صرف المدح إلى اسمي واللقب وكتب إليه أبو إسحاق بأحسن ما قيل في مدح الألثغ أبا الفرج استحققت نعتا لأجله تسميت من بين الخلائق ببغا بيانا منيرا كاللجين مضمنا نضارا من المعنى أديبا وأفرغا فلو لامرئ القيس انتدبت مجاريا كبا أو لقس في فصاحته صغا متى ما يرم ذا الاسم غيرك رائم ليبلغ من غايات فضلك مبلغا فإني أسميه به ثم أنثني فأسلبه باء من الاسم إذ بغى إذا أنا سلمت البلاغة طائعا إليك فأي الناس خالفني طغى كفتك على رغم الحسود شهادتي بأن كنت منه ثم مني أبلغا وما هجنت منك المحاسن لثغة وليس سوى الإنسان تلقاه ألثغا
أتعرفها فيما تقدم خاليا لعير إذا ما صاح أو جمل رغا فيا لك حرفا زدت فضلا بنقصه فأصبحت منه بالكمال مسوغا بقيت ولا تعدم بقاء مرفها وعشت ولا تعدم معاشا مرفغا من الطويل ولما نقل عز الدولة باختيار ابنته المزوجة بعدة الدولة أبي تغلب إليه بالموصل كتب عنه أبو إسحاق في معناها فصلا من كتاب استحسنه الناس وتحفظوه وأقر له بالبراعة والبلاغة كل بليغ وهو قد توجه أبو النجم بدر الحرمي وهو الأمين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك يا سيدي ومولاي أدام الله عزك بالوديعة وإنما نقلت من وطن إلى سكن ومن مغرس إلى معرس ومن مأوى بر وانعطاف إلى مثوى كرامة وإلطاف ومن منبت درت لها نعماؤه إلى منشأ تجود عليها سماؤه وهي بضعة مني انفصلت إليك وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك وما بان عني من وصلت حبله بحبلك وتخيرت له بارع فضلك وبوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك وأسكنته الكنف الفسيح من كرم شيمك وطرائقك ولا ضياع على ما تضمه أمانتك ويشتمل عليه حفظك ورعايتك وأرجو أن يقرن الله موردها بالطائر السعيد والأمر الرشيد والعز الزائد والمجد الصاعد والنماء في الائتلاف والعصمة من الفرقة بالخلاف حتى تكون عوائد البركة بأحوالها منوطة ومن عوادي الأيام وغيرها محوطة وإنما ألم أبو إسحاق في تسميته لها بالوديعة بالفصل الذي كتبه جعفر ابن محمد بن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر الندى المنقولة إليه وهو وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك
عناية بها وحياطة لها ورعاية لموالاتك فيها فلما عرضه على الوزير عبد الله بن سليمان ارتضاه جدا واستحسنه وقال له تسميتك إياه بالوديعة نصف البلاغة ووقع له بالزيادة في إقطاعه ومشاهرته ولما قرئ الفصل من إنشاء الصابي بحضرة أبي تغلب اعتمد في الجواب عنه على أبي الفرج الببغاء وكتب كتابا يشتمل على هذا الفصل الذي هو الجواب عن الفصل المذكور وهو وأما أبو النجم بدر الحرمي أيده الله المستوجب للارتضاء والإحماد الموفى بمناصحته على كل مراد فقد أدى الأمانة إلى متحملها وسلم الذخيرة الجليلة إلى متقبلها فحلت من محل العز في وطنها وأوت من حمى السؤدد إلى مستقرها وسكنها متنقلة من عطن الفضل والكمال إلى كنف السعادة والإقبال وصادرة عن أنبل ولادة ونسب إلى أشرف اتصال وأنبه سبب وفي اليسير من لوازم فروضها وواجبات حقوقها ما صان رعايتي عن الوصاة بها ونزه وفائي عن الاستزادة لها وكيف يوصي الناظر بنوره أم كيف يحض القلب على حفظ سروره وإن سببا قرن بإحماد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ذكراى ووصل بحبل السيد العم ركن الدولة أدام الله تأييده حبلي ومنح عز الدولة أيده الله مكنون ودي واختص الأخوة من ولد أبيه السعيد رضي الله عنه وأيدهم بوثيق عهدي إلى أن صرت بفضل الجماعة قائلا ودونها بالنية والفعل مناضلا وبمحاسنها المجموعة إلى ناطقا وبمالي عندها من المساهمة والمشاركة واثقا لحقيق بالتناهي في الإعظام وخليق بالمبالغة في الإيجاب والإكرام والله يعين على ما اعتقده من ذلك وأخفيه ويوفقني لما يوفي على المحبة والبغية فيه بمنه وقدرته وحوله وقوته
هذا ما أخرج من شعر أبي الفرج الذي يتغنى به فمنه قوله لقد عز العزاء علي لما تصدى لي لتقتلني الصدود إذا بعد الحبيب فكل شيء من الدنيا ولذتها بعيد من الوافر وقوله يا سادتي هذه نفسي تودعكم إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع قد كنت أطمع في روح الحياة لها فالآن إذ بنتم لم يبق لي طمع لا عذب الله روحي بالبقاء فما أظنني بعدكم بالعيش أنتفع من البسيط وقوله حصلت من الهوى بك في محل يساوي بين قربك والفراق فلو واصلت ما نقص اشتياقي كما لو بنت ما زاد اشتياقي من الوافر وقوله يا مسقمي بجفون سقمها سبب إلى مواصلة الأقسام في جسدي وحق جفنيك لا استعفيت من كمدي دهري ولو مت من هم ومن كمد عذرت من ظل في حبيك يحسدني لأنه فيك معذور على حسدي من البسيط وقوله يا من تشابه منه الخلق والخلق فما تسافر إلا نحوه الحدق توريد دمعي من خديك مختلس وسقم جسمي من جفنيك مسترق
لم يبق لي رمق أشكو هواك به وإنما يتشكى من به رمق من البسيط وقوله ومهفهف لما اكتست وجناته حلل الملاحة طرزت بعذاره لما انتصرت على عظيم جفائه بالثلب كان القلب من أنصاره كملت محاسن وجهه فكأنما اقتبس الهلال النور من أنواره وإذا ألح القلب في هجرانه قال الهوى لا بد منه فداره من الكامل وقوله ما ضر من بعد السرور ببعده لو كان يجمل في صيانة عبده يبدو فأطرق هيبة ومخافة من أن يؤثر ناظري في خده قد صرت أعجب أن علة طرفه ليست تؤثر علة في وده من الكامل وقوله يا طيف من أنا عبده من أين لي شكر يقوم ببعض ما توليه ينأى فتدنيه إلي على النوى فأراه كالتحقيق في التشبيه ما كان أحسن حالتي لو أن ما أوتيت من كرم وعطف فيه من الكامل وقوله علمت طيفك اسعافي فما هجعت عيناي إلا وطيف منك يطرفني فكيف أشكر من إن نمت واصلني بالطيف منه وإن لم أغف قاطعني من البسيط
وقوله خيالك منك أعرف بالغرام وأرأف بالمحب المستهام فلو يستطيع حين حظرت نومي علي لزار في غير المنام من الوافر وقوله قد كان أحسن شيء بعد بعدهم بروح مثلك أن تنأى عن الجسد هم بالوصال أعادوها إليك فلم ذخرتها بعدهم للصبر والجلد وعدت بالدمع تعليلا كأنك قد أظهرت ما ليس موجودا لدى أحد من البسيط وقوله يا من إذا خفت فيه العذل آمنني جميل إنصافه من عذل عذالي ما يستحق زماني وهو سامحني بمثل ودك أن أشكوه في حال رآك غاية آمالي فما برحت تسعى لياليه حتى نلت آمالي من البسيط وقوله أو ليس من إحدى العجائب أنني فارقته فحييت بعد فراقه يا من يحاكي البدر عند تمامه ارحم فتى يحكيه عند محاقه من الكامل وقوله جاورت بالحب قلبا لم تذر فكري للحب مستمتعا فيه ولم تدع مفرقا بين هم غير مفترق عنه وبين سلو غير مجتمع من البسيط
وهذه غرر من شعره في الغزل والخمر أنشدت له في رمد المحبوب وهو أحسن ما سمعت في معناه بنفسي ما يشكوه من راح طرفه ونرجسه مما دهى حسنه ورد أراقت دمي ظلما محاسن وجهه فأضحى وفي عينيه آثاره تبدو غدت عينه كالخد حتى كأنما سقى عينه من ماء توريده الخد لئن أصبحت رمداء مقلة مالكي لقد طالما استشفت بها مقل رمد من الطويل وله في الفصد بأبي الغائب الذي لم يغب عني فأشكو إليه هم المغيب باشرته كف الطبيب فلو نلت الأماني قبلت كف الطبيب فعلت في ذراعه ظبة المبضع أفعال لحظه بالقلوب فأسالت دما كأن جفوني عصفرته بدمعها المسكوب طاب جدا فلو به سمح الدهر لأمسي عطري وأصبح طيبي من الخفيف وله في غلام خرج غازيا يا غازيا أتت الأحزان غازية إلى فؤادي والأحشاء حين غزا إن بارزتك كماة الروم فارمهم بسهم عينيك تقتل كل من برزا من البسيط وله في وصف معصرة ومعصرة أنخت بها وقرن الشمس لم يغب فخلت قزازها بالراح بعض معادن الذهب
وقد ذرفت لفقد الكرم فيها أعين العنب وجاش عباب واديها بمنهل ومنسكب وياقوت العصير بها يلاعب لؤلؤ الحبب فيا عجبا لعاصرها وما يغني به عجبي وكيف يعيش وهو يخوض في بحر من اللهب من مجزوء الوافر قوله في الخمر والقدح بالقفص للقصف منزل كثب ما للتصابي في غيره أرب جادت به ديمة السرور وحل اللهو فيه وعرس الطرب دارت نجوم السرور في فلك منه له من فتوتي قطب من كل جسم كأنه عرض يكاد لطفا باللحظ ينتهب نور وإن يغب ووهم وإن صح وماء لو كان ينسكب لا عيب فيه سوى إذاعته السر الذي في حشاه يحتجب كأنما صاغه النفاق فما يخلص صدق منه ولا كذب فهو إلى لون ما يجاوره على اختلاف الطباع ينتسب إذا ادعاه اللجين أكذبه بالراح في صبغ جسمه الذهب جلت عروس المدام حالية فيه علينا الأوتار والنخب فالراح بدر والجام هالته والأفق كفي والأنجم الحبب حال به الماء عن طبيعته بالمزج حتى خلناه يلتهب
ونحن في مجلس تدير به الخمر علينا الأقداح لا العلب ينسى بأوطانه الحنين إلى الأوطان من بالسرور ويغترب لولا حفاظي المشهور ما أمنت من بعد بغداد سلوتي حلب من المنسرح وله ومدام كأنها في حشا الدن صباح مقارن لمساء فهي نفس لها من الطين جسم لم تمتع فيه بطول البقاء ما توهمت قبلها أن في العالم نارا تذكي بقرع الماء بزلت والضحى عن الليل محجوب فلاحت كالشمس في الظلماء وتلاه الفجر المنير فعناه لأنا عن نوره في غناء مازجت جوهر الزجاج فجاءت كشعاع ممازج لهواء وتحلت من الحباب بدر يتلاشى باللحظ والإيماء بينما تسكتسي به زرد البلور حتى ترفض مثل الهباء فكأنا بين الكؤوس بدور تتهادى كواكب الجوازاء وكأن المدير في الحلة البيضاء منها في حلة صفراء حبذا العيش حيث تسري الأماني بين جد الغنا وهزل الغناء حيث سكر الشباب أقضى على قلبي وأمضى من نشوة الصهباء من الخفيف وله وهو من أبلغ ما قيل في عتق الخمر وعريقة الأنساب والشيم موجودة والخلق في العدم قدمت فلا تعزى إلى حدث إلا إذا عزيت إلى الهرم
هي آدم الكرم المولد في الدنيا وحوا الخمر في القدم كملت فضائلها وقصر عن أوصافها الإغراق في الكلم ظهرت ونور الشمس في فلك من قبل خلق الصبح والظلم فانهل جوهرها بمنسكب لم يعتصر بيد ولا قدم واشتق معنى اسم السلاف لها من كونها في سالف الأمم فكأنها في صفوها خلقي وكأنها في عتقها كرمي من الكامل وله غادني بالصبوح قبل الصباح واجر في حلبة الصبا والمراح واغتنم زائر الغرام فقد بشر بالغيث من نسيم الرياح عاطنيها كالجلنار إذا ما كللت من حبابها بالأقاح في اختصاص التفاح بالطيب والخمرة لا في كثافة التفاح غير نكر أن تستمد شعاع الشمس منها كواكب الأقداح فهي أصل الأنوار لطفا كما كاساتها عنصر الزلال القراح خدمتها الأجسام بالطبع لما شاهدت قربها من الأرواح فتدارك بها حشاشة أفراحي وحرك بها سكون ارتياحي بين وردين من بنان وخد وشرابين من رضاب وراح ونشيد مستنبط من حديث وغناء يغني عن الأقتراح فألذ الحياة ما خلط العاقل فيه فساده بصلاح من الخفيف
وله في وصف شراب في قدح أزرق فيه صور كم منة للظلام في عنقي بجمع شمل وضم معتنق وكم صباح للراح أسلمني من قلق ساطع إلى فلق فعاطنيها بكرا مشعشعة كأنها في صفائها خلقي في أزرق كالهواء يخرقه اللحظ وإن كان غير منخرق كأن أجزاءه مركبة حسنا ولطفا من زرقة الحدق ما زلت منه منادما لعبا مذ أسكرتها السقاة لم تفق تختال قبل المزاج في أزرق الفجر وبعد المزاج في الشفق تغرق في أبحر المدام فيستنقذها شربنا من الغرق فلو ترى راحتي وزرقته من صبغها في معصفر شرق لخلت أن الهواء لاطفني بالشمس في قطعة من الأفق من المنسرح وله من قصيدة كم للصبابة والصبا من منزل ما بين كلوا ذا إلى قطربل جادته من ديم المدام سحائب أغنته عن صوت الحيا المتهلل غيث إذا ما الراح أو مض برقه فرعوده حث الثقيل الأول لطفت مواقع صوبه فسجاله تهمي على كرب النفوس فتنجلي راضعت فيه الكأس أهيف ينثني نحوي بجيد رشا وعيني مغزل فأتى وقد نقش الشعاع ثيابه بممزح من نسجها ومثقل وكسا البنان بها خضابا ياله لو أنه من وقته لم ينصل قدح البزال زنادها من دونها فتهافتت مثل الشراب المرسل
وطغت لعجز الماء عن إطفائها حتى ظننت الكأس جذوة مصطلي فوردت أروي مورد وشربت أحلى مشرب ونهلت أعذب منهل ونزعت لا في السكر خنت تصوني بخنا ولا في الصحو شنت تجملي من الكامل وقال في الورد زمن الورد أظرف الأزمان وأوان الربيع خير أوان أدرك النرجس الجني وفزنا منهما بالخدود والأجفان أشرف الزهر زار في أشرف الدهر فصل فيه أشرف الإخوان وأجل شمس العقار في يد بدر الحسن يخدمك منهما النيران وأدرها عذراء وانتهز الإمكان من قبل عائق الإمكان في كؤوس كأنها زهر الخشخاش ضمت شقائق النعمان واختدعها عند البزال بألفاظ المثاني ومطربات الأغاني فهي أولى من العرائس إن زفت بعزف النايات والعيدان من الخفيف وقال في النرجس ونرجس لم يعد مبيضه الكأس ولا أصفره الراحا تخال أقحاف لجين حوت من أصفر العسجد أقداحا كأنما تهدي التحايا به لطفا إلى الأرواح أرواحا يلهي عن الورد إذا مارنا ويخلف المسك إذا فاحا أحبب به من زائر راحل عوض بالأحزان أفراحا فانتهز الفرصة في قربه وكن إلى اللذات مرتاحا
وهاتها عذراء لم تفترع في الليل إلا عاد إصباحا كأنما كل بنان حوت كاساتها تحمل مصباحا واجن بألحاظك من وجنتي مديرها وردا وتفاحا من السريع غرر شعره في سائر الفنون وله من قصيدة صحبت الدهر في سهل وحزن وجربت الأمور وجربتني فلم أر مذ عرفت محل نفسي بلوغ غنى يساوي حمل من ولم تتضمن الدنيا لحظي منال مسرة إلا بحزن حملت على السوابق ثقل همي وشاهدت العواقب صفو ذهني وشمت بوارق الآمال دهرا فلم أظفر على ظمأ بمزن ولم أر كالجياد أصح ودا إذا عدل الودود إلى التضني نكلفها عزائمنا فتكفي ونستدني الحظوظ بها فتدني وهبت لمثل قطع الليل منها أغر كمثل ضوء الصبح مني وكنت بحيث ظن من اعتزام وكان من المضاء بحيث ظني وثالثنا ابن جد لا يرى أن يصاحب في تصرفه ابن وهن حجبت لجفنه الأبصار عنه ومن لي أن يكون الجفن جفني سقيت نداي ما أسنى محلى وأرفع همتي وأعز ركني رسا في تربة العلياء أصلي وأينع في بروج العز غصني
وليس علي بغير الجد فيما سعيت له لأستغنى وأغني فإن أحرم فلم أحرم لعجز وإن أبلغ فنفسي بلغتني من الوافر وله من أخرى ما الذل إلا تحمل المنن فكن عزيزا إن شئت أوفهن إذا اقتصرنا على اليسير فما العلة في عتبنا على الزمن من المنسرح وله من أخرى جزيت أفضل ما يجزاه ذو كرم أحلافه في دياجي دهره شعل حماه وهو غلام غير مكتهل عن المطامع فضل فيه مكتهل من البسيط وله من أخرى أكل وميض بارقة كذوب أما في الدهر شيء لا يريب أبى لي أن أقول الهجر قدر بعيد أن تجاور العيوب من الوافر وله من أخرى في سعد الدولة بن سيف الدولة لا غيث نعماه في الورى خلب البرق ولا ورد جوده وشل جاد إلى أن لم يبق نائله مالا ولم يبق للورى أمل من المنسرح وله واليوم من غسق العجاجة ليلة والكر يخرق سجفها الممدودا وعلى الصفاح من الكفاح وصدقه روع أحال بياضها توريدا
والطعن يغتصب الجياد شياتها والضرب يقدح في التريك وقودا وعلى النفوس من الحمام طلائع والخوف ينشد صبرها المفقودا وقد استحال البر بحرا والضحى ليلا ومنخرق الفضاء حديدا وأجل ما عند الفوارس حثها في طاعة الهرب الجياد القودا حتى إذا ما فارق الرأي الهوى وغدا اليقين على الظنون شهيدا لم يغن غير أبى شجاع والعلا عنه تناجي النصر والتأييدا من الكامل وله من أخرى من كل متسع الأخلاق مبتسم للخطب إن ضاقت الأخلاق والحيل يسعى به البرق إلا أنه فرس في صورة الموت إلا أنه رجل يلقى الرماح بصدر منه ليس له ظهر وهادى جواد ما له كفل من البسيط وله من أخرى في سالب للشمس ثوب ضيائها بعجاجة ملء الفضاء لهام كالليل إلا أن ثوب ظلامه من عثير ونجومه من لام يلقى الدجى من بيضه بضحى كما يلقى الضحى من نقعه بظلام من الكامل وله من أخرى قاد الجياد إلى الجياد عوابسا شعثا ولولا بأسه لم تنقد في جحفل كالسيل أو كالليل أو كالقطر صافح موج بحر مزبد متوقد الجنبات يعتنق القنا فيه اعتناق تواصل وتودد
مثعنجر بظبا الصوارم مبرق تحت الغبار وبالصواهل مرعد رد الظلام على الضحى فاسترجع الإظلام من ليل العجاج الأربد وكأنما نقشت حوافر خيله للناظرين أهلة في الجلمد وكأن طرف الشمس مطروف وقد جعل الغبار له مكان الإثمد من الكامل ما أحسن هذا التشبيه وأوقعه وكل هذه الأوصاف مالا مزيد عليه حسنا وبراعة وله من أخرى من كل مختالة تنقب بالعثير وجه الضحى من الخجل تضم أحشاءها على أسد تزأر في غابة من الأسل من المنسرح وله من أخرى في خميس كأنما السمر والأبطال غيل حمته أسود سلب الشمس ضوءها بشموس طالعات أفلاكهن حديد عارض كلما جلته بروق البيض حثته بالصهيل الرعود من الخفيف وله من أخرى وموشية بالبيص والزغف والقنا محبرة الأعصاب بالضمر القب بعيدة ما بين الجناحين في السرى قريبة ما بين الكميين بالضرب
من السالبات الشمس ثوب ضيائها بثوب تولى نسجه عثير الترب يعاتب نشوان القنا صادح الظبا إذا التقيا فيها على قلة الشرب أعادت علينا الليل بالنقع في الضحى وردت إلينا الصبح في الليل بالشهب تبلج عن شمسي نزار ويعرب وتفتر عن طودي علا تغلب الغلب موقرة يقتاد ثني زمامها بصير بأدواء الكريهة والحرب أصح اعتزاما من خؤون على فلا وأنفذ حكما من غرام على صب من الطويل وله من أخرى ويوم أغص اتساع الفضاء جيش لمن أمه مهول يخيل أن ما له آخر إذا ما تراءى له أول ويغصب شمس الضحى نورها من الخيل ما تبعث الأرجل دجى أنت بدر به والنجوم زرقك والظلمة القسطل من المتقارب وله من أخرى في عارض ضاقت الأرض الفسيحة عن سراه إذ سال فيها سيله العرم كأنه الليل لا قرب ولا بعد يخفى عليه ولا فج ولا علم يهدي الغبار إليه الشمس كاسفة كأنها فيه سر ليس ينكتم شق الغضنفر آجام الرماح به والموت يسفر أحيانا ويلتثم فراسل الدهر في الأعداء عزمته وكاتب النصر عنه السيف لا القلم وما سمعنا بليث قبل رؤيته إذا سرى صاحبته في السرى الأجم
الباذل العرف والأنواء باخلة والمانع الجار والأعمار تخترم حيث الدجى النقع والفجر الصوارم والأسد الفوارس والخطية الأجم من البسيط وله من أخرى وكل بعيد قرب الحين نحوه سلاهبك الجرد الخفاف قريب تباشر أقطار البلاد كأنها رياح لها في الخافقين هبوب تماشي بفتيان كأن جسومهم لخفتها فوق السروج قلوب من الطويل وله من أخرى أتاهم بألحاظ الجياد ولم تكن لينأى عليها المنزل المتباعد من اللاء يهجرن المياه لدى السرى ويعتضن شم الجو والجو راكد مرن على لدغ القنا فكأنما عليهن من صبغ الدماء مجاسد نسجن ملاء النقع ثم حرقنه بكر لها منه إلى النصر قائد عليهن من نسج الغبار غلائل رقاق ومن نضح الدماء قلائد من الطويل وله من قصيدة في وصف فرس إن لاح قلت أدمية أم هيكل أو عن قلت أسابح أم أجدل تتخاذل الألحاظ في إدراكه ويحار فيه الناظر المتأمل فكأنه في اللطف فهم ثاقب وكأنه في الحسن حظ مقبل من الكامل
وله من قصيدة يشكر بها بعض إخوانه وقد أهدى إليه بغلة قد جاءت البغلة السفواء يجنب منها البرد غيث ندى ينهل ماطره عريقة ناسبت أخوالها فلها بالعتق من كرم الجنسين فاخره ملء الحزام وملء اللبد مجفرة يريك غائبها في الحسن حاضره أهدى لها الروض من أوصافه شية خضراء ناضرة إذ حال ناضره ليست بأول حملان شريت به حمدي ولا هي ياذا المجد آخره كم قد تقدمها من سابح بيدي عنانه وعلى الجوزاء حافره من البسيط وله في وصف بركة وقوراء كالفلك المستدير تروق العيون بلألائها حبتها البحار بأمواجها وسحب السماء بأنوائها كأن تدفق تيارها يداك تفيض بنعمائها وجودك أغزر من جريها وخلقك أعذب من مائها من المتقارب
الباب الثامن في ذكر الخليع الشامي والوأواء الدمشقي وأبي طالب الرقي أما الخليع فكنيته أبو عبد الله وقد ذهب عني اسمه وكان شاعرا مفلقا قد أدرك زمان البحتري وبقي إلى أيام سيف الدولة فانخرط في سلك شعرائه فحدثني أبو بكر الخوارزمي قال رأيت الخليع بحلب شيخا قد أخذت منه السن العالية وثقلت عليه الحركة فمما أنشدنيه لنفسه قوله جيراننا جار الزمان عليهم إذا جار حكمهم على الجيران ما الشأن ويحك في فراق فريقهم الشأن ويحك في جنون جناني خذ يا غلام عنان طرفك فاثنه عني فقد ملك الشمول عناني سكران سكر هوى وسكر مدامة أنى يفيق فتى به سكران من الكامل وقوله وهو مما يتغنى به بأي المدامين لم أسكر بكأسك أم طرفك الأحور سقيت من الشمس مشمولة على غرة القمر الأزهر إذا الماء خالطها جنحت أكاليل در على جوهر
كأن على الشرب من لونها ثيابا من الذهب الأحمر من المتقارب وقوله لسيف الدولة أنا شاعر أنا شاكر أنا ناشر أنا راجل أنا جائع أنا عاري هي ستة فكن الضمين لنصفها أكن الضمين لنصفها بعيار والنار عندي كالسؤال فهل ترى أن لا تكلفني دخول النار من الكامل وأنشدني غيره للخليع وأنا أشك فيه لو لم تحل ما سميت حالا وكل ما حال فقد زالا انظر إلى الظل إذا ما انتهى يأخذ في النقص إذا طالا من السريع أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الدمشقي الملقب بالوأواء من حسنات الشام وصاغة الكلام ومن عجيب شأنه ما أخبرني به أبو بكر الخوارزمي قال كان الوأواء مناديا في دار البطيخ بدمشق ينادي على الفوكه وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه ووقع فيه ما يروق ويشوق ويفوق حتى يعلو العيوق ثم أخبرني أبو الحسن المصيصي بما يصدقه وأنشدني لمعا يسيرة من شعره وذكر أنه سمعها من إنشاده وأول من حمل ديوانه إلى نيسابور أبو نصر سهل بن المرزبان فإنه استصحبه من بغداد في جملة ما حصله من اللطائف والبدائع التي عنى بها وأنفق الرغائب عليها وأتحفني بذلك في دفتر صغير الجرم خفيف الحجم ثم ألحق به ما استملاه من القوال المعروف بعين الزمان وهو غير ثقة في الرواية والحكاية وكنت تأنقت في إخراج ما يفتقر الأديب
إلى فقره ولا يستغنى الشاعر عن غرره من شعر الوأواء في النسخة الأولى من هذا الكتاب ولم أزد في هذه المقررة كثير زيادة وقرأت في بعض الكتب عن ابن حمدون قال كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من سره فقال لي مرة أشعرت يا أبا عبد الله أني انصرفت البارحة من مجلس أمير المؤمنين فلما دخلت منزلي استقبلتني فلانة يعني جارية له فلم أتمالك أن قبلتها فوجدت فيما بين شفتيها هواء لو رقد المخمور فيه لصحا فكان هذا ما يستحسن ويستظرف من كلام الفتح وكأن الوأواء قد سمع ذلك فألم به ونظمه في قوله سقى الله ليلا طاب إذ زار طيفه فأفنيته حتى الصباح عناقا بطيب نسيم منه يستجلب الكرا ولو رقد المخمور فيه أفاقا تملكني لما تملكت مهجتي وفارقني لما أمنت فراقا من الطويل ومما أنشدنيه كل من الخوارزمي والمصيصي له ووجدته في ديوان شعره والبيت الرابع منه نهاية في الملاحة أتاني زائرا من كان يبدي لي الهجر الطويل ولا يزور فقال الناس لما أبصروه ليهنك زارك البدر المنير فقلت لهم ودمع العين يجري على خدي له در نثير متى أرعى بروض الحسن منه وعيني قد تضمنها غدير ولو نصبت رحى بإزاء دمعي لكانت من تحدره تدور من الوافر وأقدر أنه ألم في البيت الرابع بقول ابن المعتز وإن تك في خديك للحسن روضة فإن على خدي غديرا من الدمع من الطويل
ومن ملح قوله في وصف الدمع كل دمع فبالتكلف يجري غير دمع المحب والمهجور ورد البين ومع عيني فأضحى كعقيق أذيب في بلور من الخفيف ومن ملحه في الخمر عذبتها بالمزاج فابتسمت عن برد نابت على لهب كأن أيدي المزاج قد سبكت في كأسها فضة على ذهب من المنسرح وقوله فامزج بمائك نار كأسك واسقني فلقد مزجت مدامعي بدمائي واشرب عغى زهر الرياض مدامة تنفي الهموم بعاجل السراء لطفت فصارت من لطيف محلها تجري كمجرى الروح في الأعضاء وكأن مخنقة عليها جوهر ما بين نار أذكيت وهواء وكأنها وكأن حامل كأسها إذ قام يجلوها على الندماء شمس الضحى رقصت فنقط وجهها بدر الدجى بكواكب الجوزاء من الكامل وقوله يطوف براح ريحها ومذاقها نسيم الصبا والعيش في زمن الصبا من الطويل ومن ملحه في الخط وشمس بأعلاه وليلين أسبلا بخديه إلا أنها ليس تغرب ولما حوى نصف الدجى نصف خده تحير حتى ما درى أين يذهب من الطويل
وقوله زار بليل على صباح على قضيب على كثيب حتى أتت ألسن الليالي معتذرات من الذنوب فيا لها زورة أخذنا بها أمانا من الخطوب من مخلع البسيط وقوله بدر تقنع بالظلام على قضيب في كثيب تدعو محاسنه القلوب إلى مشافهة الذنوب فعلت به ريح الصبا ما ليس تفعل بالقضيب عقلت ركائب حسنه بعقولنا عند المغيب وتلطمت وجناتنا بيد الدموع من النحيب وكأنما تشويشنا تشويش ألفاظ المريب يا بدر بالبدر الذي أطلعت من فلك الجيوب وبعقرب الصدغ الذي زرفنت من حسن وطيب ترعى وما استرعيتها ثمر القلوب بلا دبيب هب لي مزارك في الكرا كيما أراك بلا رقيب من الكامل ومن بدائع تشبيهاته قوله قالت وقد فتكت فينا لواحظها كم ذا أما لقتيل الحب من قود وأسبلت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد من البسيط
هذا البيت مما أحسن فيه وضمنه خمس تشبيهات بغير أداة التشبيه إنسانة لو بدت للشمس ما طلعت من بعد رؤيتها يوما على أحد كأنما بين غابات الجفون لها أسد الحمام على طرق الهوى رصدي وقوله قد سترت وجهها عن النظر بساعد حل عقد مصطبري كأنه والعيون ترمقه عمود نور في دارة القمر من المنسرح وقوله جعلت تشتكي الفراق وفي أجفانها عقد لؤلؤ منثور فكأن الكحل السحيق مع الدمع على خدها بقايا سطور من الخفيف وقوله في قوس قزح مع البروق والشمس سقيا ليوم ترى قوس السماء به والشمس مسفرة والبرق خلاس كأنها قوس رام والبروق له رشق السهام وعين الشمس برجاس من البسيط وقوله وهو مما يتغنى به لا تنكري ما بي فليس بمنكر عند التفرق دهشة المتحير يا هذه روحي إليك هدية فتجملي في أخذها لي واعذري وتأملي غير الزمان فإنها تحكي تغير عهدك المتغير ولرب ليل ضل عنه صباحه وكأنه بك خطرة المتذكر والبدر أول ما بدا متلثما يبدي الضياء لنا بخد مسفر
فكأنما هو خوذة من فضة قد ركبت في هامة من عنبر من الكامل وقوله في غلام عليل إبيض واصفر لاعتلال فصار كالنرجس المضعف كأن نسرين وجنتيه بشعر أصداغه مغلف يرشح منه الجبين ماء كأنه لؤلؤ مصنف من مخلع البسيط وقوله ليت ليلي أمد من نفس العاشق طولا إذ زار فيه الخليل ما اعتنقنا حتى افترقنا وخفان الدجى عن قميصه محلول وكأن الهلال تحت الثريا ملك فوق رأسه إكليل من الخفيف وقوله وغداف الظلام في شرك الفجر شريكي في قبضة الارتهان وكأن النجوم أحداق روم ركبت في محاجر السودان من الخفيف وقوله من أبيات كم حث شربي بكأسه قمر بقد غصن وخصر زنبور من المنسرح وقوله من قصيدة يقمن لنا برق الثغور أدلة إذا ما ضللنا في ظلام الذوائب من الطويل
ومما يتغنى به من شعره يا من سقام جفونه لسقام عاشقه طبيب حزت المودة فاستوى عندي حضورك والمغيب كن كيف شئت من البعاد فأنت من قلبي قريب من مجزوء الكامل وقوله أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي أن تودعني روح الحياة وأني لا أودعه وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى وأدمعي مستهلات وأدمعه وكم تشفع في أن لا أفارقه وللضرورة حال لا تشفعه من البسيط وقوله بالله ربكما عوجا على سكني وعاتباه لعل العتب يعطفه وعرضا بي وقولا في كلامكما ما بال عبدك بالهجران تتلفه فإن تبسم قولا عن ملاطفة ما ضر لو بوصال منك تسعفه وإن بدا لكما من سيدي غضب فغالطاه وقولا ليس نعرفه من البسيط وقوله زمان الرياض زمان أنيق وعيش الخلاعة عيش رقيق وقد جمع الوقت حاليهما فمن ذا يفيق ومن يستفيق فيا من هو الفوز لي والمنى ومن هو بالود مني حقيق أدر لحظ عينيك وامرجه في مروج الرياض تجدها تشوق ترى مزوج الحسن في مفرد جليل المحاسن فيه دقيق
إذا ضاحك الزهر زهر الوجوه فكيف الخلاص وأين الطريق بهار بهير به غيرة على نرجس وشقيق شقيق فذا عاشق وجل خائف وذا خجل وكذاك العشيق مداهن يحملن طل الندى فهاتيك تبر وهذي عقيق تنظم أوراقها درها وتنثر منها التي لا تطيق يميل النسيم بأغصانها فبعض نشاوى وبعض مفيق ويوم ستارته غيمة وقد طرزت رفرفيها البروق جعلنا البخور دخانا له ومن شرر الراح فيه حريق تظل به الشمس محجوبة كأن اصطباحك فيه غبوق على شجرات رافعات الذيول لماء الجداول منها شهيق سجدنا لصلبان منثورها وقد نصرتنا عليها الرحيق وقلنا بها ولضوء الصباح على عنبر الفجر منها خلوق أدر يا غلام كؤوس المدام وإلا فيكفيك لحظ وريق أيا من هو الفوز لي بالمنى ومن هو بالود مني حقيق تغنم بنا غفلة الحادثات فوجه الحوادث وجه مفيق وحث الصبوح لضوء الصباح فمتسع الهم فيه يضيق من المتقارب وقوله وزائر راع قلب الناس منظره أحلى من الأمن عند الخائف الوجل ألقى على الليل ليلا من ذوائبه فهابه الصبح أن يبدو من الخجل أراد بالهجر قتلي فاستجرت به فاستل بالوصل روحي من يدي أجلي
وصرت فيه أمير العاشقين فقد صارت إمارة أهل العشق من قبلي من البسيط وقوله وما أبقى الهوى والشوق مني سوى روح تردد في خيال خفيت عن النوائب أن تراني كأن الروح مني في محال من الوافر وقوله ما حكم البين إلا جار محتكما ولا انتضى سيفه إلا أراق دما يا دارهم خبرينا ما الذي فعلوا فربما جهل المشتاق ما علما الله يعلم أني يوم بينهم ندمت إذا لم أمت في إثرهم ندما قد سرني أنهم قد سرهم سقمي فازددت كيما يسروا بالضنا سقما من البسيط وقوله رماه ريم فأصاب ب القلب منه إذرمي واحتج في قتلته بأنه ما علما يا معشر الناس أما ينصفني من ظلما علم سقم طرفه جسمي منه سقما فسقم جسمي في الهوى من طرفه تعلما لو قيل لي ما تشتهي مخيرا محكما لقلت أن ألثمه نحرا ووجها وفما من مجزوء الرجز وقوله له مضحك برقه خاطف عقول الرجال إذا ما ابتسم
أقول له إذ بدا دره شهدنا لصانعه بالحكم أرى الدر يثقبه الناظمون وما ثقبوا ذا فكيف انتظم من المتقارب وقوله تملكت يا مهجتي مهجتي وأسهرت يا ناظري ناظري وفيك تعلمت نظم الكلام فلقبني الناس بالشاعر وما كان ذا أملي يا ظلوم ولا خطر الهجر في خاطري من المتقاب وقوله وحديث كأنه أوبة من مسافر كان أحلى من الرقاد لدى طرف ساهر بت ألهو بطيبه في رياض زواهر بين ساق وسامر ومغن وزامر من مجزوء الخفيف حدثني أبو بكر الخوارزمي قال حضرت مع الشيخ أبي الحسن النمري دعوة القاضي أبي بكر الحميري فغنى بعض القوالين بهذه الأبيات قم يا غلام إلى المدام قم داوني منها بجام قم فاسقني برق الثغور فقد مضى برق الغمام بادر إلى صرف الحميا سابقا صرف الحمام وتغنم الغفلات من دهر يجور على الكرام من الكامل فاستملحها أبو الحسن وسألني عن قائلها فأخبرته أنها لأبي الفرج
الوأواء فاقترح علي معارضتها فارتجلت أبياتا ثم أتممتها قصيدة منها لما بدت روح الضياء تدب في جسم الظلام وغدت نجوم الليل وهي تفر من حدق الأنام والديك يتلو دائما هجو النيام على القيام ناقضت ما قال المؤذن بالفعال وبالكلام هو قال حي على الصلاة وقلت حي على المدام من الكامل ومنها لما رأيت الهم يطرق من أتاه بلا سلام ضيف يزور فليس يأكل عير لحمي أو عظامي والدهر قد حمل السلاح على الكرام عن اللئام داويته بالراح إن الراح ترياق الكرام ومن ملح الوأواء وطرفه قوله في جرب معشوقه يا صروف الدهر حسبي أي ذنب كان ذنبي طرقتني نائبات الدهر في إعلال حبي علة عمت وخصت في حبيب ومحب دب في كفيه ما من حبه دب بقلبي فهو يشكو حر حب واشتكائي حر حب من مجزوء الرمل وقوله في زرقة عين محبوبه يا من هو الماء في تكوين خلقته ومن هو الخمر في أفعال مقلته
ومن بزرقة سيف اللحظ طل دمي والسيف ما فخره إلا بزرقته علمت إنسان عيني أن يعوم فقد جادت سباحته في بحر دمعته من البسيط وللسري الموصلي في مثله وقالوا بمقلته زرقة تشين فظل لها مطرقا وهل يقطع السيف يوم الوغى إذا لم يكن متنه أزرقا من المتقارب ومن ملح الوأواء يا ذا الذي ورد خديه إذا أخذت منه اللواحظ شيئا رده الخجل ماذا يضرك أن تجني وقد ضمنت أضعاف ما تجتني من لحظها المقل هذا لعمرك ماعون بخلت به على العيون وبئس الخلة البخل من البسيط وله رثى له مما به نابه صب غدا صبا بأوصابه ميت يرى حيا ولكنه تربته ما بين أثوابه أي حياة لامرئ قد بلى بالقرب من فرقة أحبابه من السريع وقوله من قصيدة قد أطلت الصلاة في قبلة الكأس بتسبيح ألسن العيدان كم صلاة على فتى مات سكرا قد أقيمت فينا بغير أذان من الخفيف
أبو طالب الرقي لم أجد ذكره إلا عند أبي بكر الخوارزمي وسمعته يقول إنه أحد المقلين المحسنين الذين يطبقون المفصل في أغراضهم وينظمون الدر المفصل في معانيهم وألفاظهم ثم أنشدني له قوله ولقد ذكرتك في الظلام كأنه يوم النوى وفؤاد من لم يعشق وكأن أجرام النجوم لوامعا درر نثرن على زجاج أزرق والفجر فيه كأنه قطر الندى ينهل من سح الغمام المغدق من الكامل وقوله ومعير وجه البدر ما في وجهه والغصن ما في قده المتأود رمدت جفوني من تورد خده فكحلتها من عارضيه بإثمد من الكامل وقوله ديباج خدك بالعذار مطرز وشبيه وجهك في البرايا معوز وكأنما إنسان عينك شاهر سيف اللحاظ يصيح من ذا يبرز يا من أعز بذلتي في حبه مثلي رأيت بذلة يتعزز من الكامل وقوله ومشتمل ثوبي عفاف وفتنة يرى قتل من يهوى إلى النسك مسلكا إذا طاف بالأركان طاف به الورى فيقضي ولا يقضون للحج منسكا
جنى اللحظ من خديه وردا موردا ومن عارضيه ياسمينا ممسكا فيا رائحا منه بأوفر فتنة تجهز لعام بعد هذا لعلكا من الطويل وقوله مصفرة الظاهر بيضاء الحشا أبدع في صنعتها رب السما كأنها كف محب دنف مبعد يحسب أيام الجفا من الرجز وقوله ووردة في بنان معطار جئت بها في لطيف أسرار كأنها وجنة الحبيب وقد نقطها عاشق بدينار من المنسرح
الباب التاسع في ملح أهل الشام ومصر والمغرب وطرف أشعارهم ونوادرهم هذا باب كثرته على غرر تلقفتها من أفواه الرواة وتطرفتها من أثناء التعليقات ولم أجد لأصحابها أشعارا مجموعة يتفسح في طريق الاختيار منها وإنما هي تفاريق تلتقي أطرافها وتجتمع حواشيها ولن تعدم القلائد فيها بحمد الله ومشيئته أنشدني أبو بكر الخوارزمي للتلعفري ولم يسمه ولم يكنه ما أصعب العيش على بائس معاشه في حلب النحو ليس له في بردها جبة ولا قميص لا ولا فرو من السريع ثم أنشدني له مرة هذين البيتين ومرة لبعضهم وزعم أنهما مما يتغنى بهما يا راكب العيس قف وعرج واقرأ سلامي على بني طي وقل لهم ظبيكم جفاني لما رآني وما معي شي من مخلع البسيط ووجدت للسري والسلامي هجاء في التلعفري يدل على أنه من مذكوري الشعراء بتلك البلاد ثم أنشدني محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو الحسن علي بن أحمد
التلعفري بنصيبين لنفسه من قصيدة أولها من ذا يدل على الرقاد جفوني قد ضاع صبابتي وشجوني أما النجوم فقد ألفن رعايتي والعائدات فقد مللن أنيني من الكامل قال وأنشدني أيضا علي بن محمد الشاشي بميا فارقين قال أنشدني لنفسه في غلام نصراني غريب الحسن من سماك بدرا وبدر التم في خديك خال كتمت هواك إذ قلبي سليم فذاب القلب وانحل العقال وكنت كمودع الحلفاء نارا وكتم النار في قصب محال من الوافر وأنشدني أيضا رب ليل سهرت حتى تجلى مغرما في ظلامه أتقلى والثريا كأنها رأس طرف أدهم زين باللجام المحلى من الخفيف وقوله ومتيم أبدى إلي غرامه فعذلته والعذل فعل الجاهل حتى إذا أبصرت مالك رقه كادت لواحظه تصيب مقاتلي إن عدت أعذل عاشقا من بعده فأصابني ربي بحتف عاجل من الكامل وأنشدني أيضا قال أنشدني أبو نصر بن أبي الفتح بن كشاجم بصيداء
الشام لنفسه في وصف الكتاب من أبيات وصاحب مؤنس إذا حضرا جالسني بالملوك والكبرا جسم موات تحيا النفوس به يجل معنى وإن دنا خطرا ملكت منه كنزا غنيت به فما أبالي ما قل أو كثرا أظل منه في مجلس حفل بالناس طرا ولا أرى بشرا وإن أطفل به فيا لك من مستحسن منظرا ومختبرا أعجب به جامعا ولو جعلت عليه كف الجليس لاستترا من المنسرح وله في شمعة بركة صفر عمودها شمع تفيض نارا من موضع الماء تبكي إذا ما المقص خمشها فرط حياء من الأخلاء كأنها عاشق مخايله فيه بواد لمقلة الرائي صفرة لون وذوب معتبة ودمع حزن ونار أحشاء من المنسرح قلت شبه أربعة بغير حرف تشبيه وقال في بخيل صديق لنا من أبدع الناس في البخل وأفضلهم فيه وليس بذي فضل دعاني كما يدعو الصديق صديقه فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي فلما جلسنا للطعام رأيته يرى أنه من بعض أعضائه أكلي ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده وأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي فأقبلت استل الغذاء مخافة وألحاظ عينيه رقيب على فعلي أمد يدي سرا لأسرق لقمة فيلحظني شزرا فأعبث بالبقل
إلى أن جنت كفي لحتفي جناية وذلك أن الجوع أعدمني عقلي فجرت يدي للحين رجل دجاجة فجرت كما جرت يدي رجلها رجلي وقدم من بعد الطعام حلاوة فلم أستطع فيها أمر ولا أحلي وقمت لو أني كنت بيت نية ربحت ثواب الصوم مع عدم الأكل من الطويل وكتب على تفاحة حمراء بالذهب إلى الوزير أبي الفضل جعفر بن الفضل ابن الفرات وأنفذها إليه وقد خرج إلى متنزهه بالمقس إذا الوزير تجلى للنيل في الأوقات فقد أتاه سمياه جعفر بن الفرات من المجتث وله في طبيب عيسى الطبيب ترفق فأنت طوفان نوح يأبى علاجك إلا فراق جسم لروح شتان ما بين عيسى وبين عيسى المسيح فذاك محي موات وذا مميت صحيح من المجتث وقال في فصد إسحاق بن كيغلغ يا فاصدا شق عرق إسحاق أي دم لو علمت مهراق سفكته من يد معودة لنيل مال وضرب أعناق لو يوم حرب أصبت من دمه إذا أقام الدنيا على ساق من المنسرح وأنشدني له يصف جونة الطعام من قصيدة مزدوجة وجونة موصوفة من الجون قد جمع الطباخ فيها كل فن
من كل سخن منضج وبارد ما بين ألوان إلى بوارد فمن رقاق ناعم رقاق يحمد في المنظر والمذاق وأرغف تشف للصفاء كما تشف أوجه المرائي ومن مصوص من مخاليف الحجل كأنما كانت ترف في الجبل ومن فراريج بماء الحصرم تصلح للمخمور أو للمحتمي قد شوشت أكبادها ببيض فهي كمثل نرجس في روض وجاءنا فيها ببيض أحمر كأنه العقيق ما لم يقشر حتى إذا قدمه مقشرا أبرز من تحت عقيق دررا حتى إذا ما قطع البيض فلق رأيت منه ذهبا تحت ورق يخال أن الشطر منه من لمح أعاره تلونيه قوس قزح ما بين أوساط لطاف القد مقدودة كمثل قد الند من صدر دراج وصدر حجله بملحها وبقلها متبله فيها جبن صادق الحرافه مقطع باللطف والنظافه قد ألبست قضبان طلع غضه كأنها سلاسل من فضه وجاءنا فيها بباذنجان مثل قدود أكر الميدان قد قارن الهليون بالممازجة تقارن الكرات بالصوالجه ثم أتت سكارج الكوامخ كمثل أنوار من اللخالخ ما بين طرخون وبين صعتر وفيجن غض وبين كزبر
وبين بن عدة المشطور كأنه تعلية النحور ثم أتى براضع لم يعتلف كأن في جنبيه قطنا قد ندف وحمل مبزر مشبر كأنه مضمخ بعنبر يتلوه جدي قارس بخل كأنه بالزعفران مطلي تخاله في خله المزعفر مركبا تحت عقيق أحمر وقد عملت أطرافه سلاقه عجيبة الصنعة والمذاقه زيدت من الخردل والصباغ وكشف القحف عن الدماغ وصف فيه فلق الرمان مثل رصيع خرز المرجان ثم أتى بناطف هياج يحر طبع البارد المزاج كأنه في العين والقياس سبائك جاءت من الروباس ثم أتانا بعده لوزينج كأنه في الأتحمي مدرج تنشله من دهنه العميق كما أخذت بيد الغريق وجاءنا الغلمة بالمدام ونحن لم ننهض من الطعام بغير ترتيب ولا صواني وغير أنقال ولا ريحان لأن في الجونة أنواع الأرب وعوضا من كل شيء يطلب هذا هو النوع الذي أختاره ليس الذي عذبنا انتظاره من الرجز وأنشدني عبد الصمد بن وهب المصري قال أنشدني أبو نصر بن أبي
الفتح كشاجم لنفسه غبط الناس بالكتابة قوما حرموا حظهم بحسن الكتابه وإذا أخطأ الكتابة حظ سقطت تاؤها فصارت كآبه من الخفيف وأنشدني الخوارزمي لعبد الرحمن بن جعفر النحوي الرقي قل لمن تاب ولم يقض من اللذات نحبه توبة الحشوي لا تعدل عند الله حبه أم من تسبقه أنت إلى الجنة قحبه من مجزوء الرمل وأنشدني أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي قال أنشدني أبو العميد هاشم بن محمد المتيم الأطرابلسي لنفسه مضت للهو أوقات وللأوقات لذات إلهيا أنا مشتاق وقد فاتت بمن فاتوا وما لي عوض عنهم وأحيا الناس أموات مضى أهل المروءات فلم تبق المروءات من الهزج وقرأت في كتاب التحف والظرف لابن لبيب غلام أبي الفرج الببغاء لأبي عمارة الصوفي في ثقيل خفيف على القلب وثقيل لو كان في حسناتي وجميع الأنام في سيئاتي لاستخف الذنوب بل كسر الميزان من ثقله على الكفات من الخفيف
وله في ثقيل ثقيل براه الله أثقل من برى ففي كل قلب بغضة منه كامنه مشى فدعا من ثقله الحوت ربه فقال إلهي زدت في الأرض ثامنه من الطويل وأنشدنا أبو الحسن محمد بن أحمد الإفريقي المتيم في كتاب أشعار الندماء لأبي الحسن الممشوق الشامي ولست أتحقق اسمه في المشمش أما ترى المشمش يا خل الأدب مشطبا أكرم بهاتيك الشطب مثقب الهامات من غير ثقب كأنه بنادق من الذهب قد صاغها صائغها بلا تعب من الرجز وله في جام فالوذج إني اتخذت أبا علي ذا العلا معقودة لك ذات طعم طيب فقد اغتدت في جامها وكأنها شمس على بدر أوان المغرب وتخال فيها اللوز وهو منصف أنصاف در فوق صحن مذهب فتعال نخمش وجهها بأكفنا غضبت علينا أو غدت لم تغضب من الكامل وأنشدني غيره للممشوق فؤادي كفيك إذا ما نطقت وصبري كخصرك في دقته وما آس عارضك المستنير كالقلب مني في حرقته وبالجسم مني الذي يشتكيه طرفك من غير ما علته
أشبه وعدك إما وعدت بعقرب صدغك في عطفته وأزداد في كل يوم هوى وحبيك يزداد في فتنته من المتقارب وأنشدني محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو الحسن الممشوق صاحب المتنبي لنفسه ليلة بتها بقرتم أسقي عاتقا عتقت مداها الدهور وكأن السماء والبدر والأنجم روض ونرجس وغدير من الخفيف وأنشدني أيضا محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي لما تأمل جودك القطر وسما ليدرك صدرك البحر خجلا جميعا مثل ما خجلا إذ قابلاك الشمس والبدر يا صالح الخيرات ما صلحا إلا لك التأييد والأمر من الكامل وأنشدني أيضا للحسن بن عبد الرحيم الزلالي صاحب كتاب الأسجاع على معنى الحمدوني في طيلسان ابن حرب طيلسان كان رسما ثم قد أصبح وهما لا تراه العين إلا بعد أن يهجع حلما تتعب المقلة كي تدرك منه أثرا ما تعب الفكرة في إخراجها البيت المعمى من مجزوء الرمل
وقوله نظرة كانت لحتفي سببا جلب الحين لها ما جلبا ضحكت أسماء من ذي لمة ضاحك الأشيب فيه الأشيبا إنما يعرف أيام الصبا من صبا في غير أيام الصبا من الرمل وللأنطاكي في وصف عود وبربط صحب الترنام نغمته أحلى من اليسر وافى بعد إعسار يملي القريض عليه لفظ محسنه فينبري مخبرا عنها بإجهار ما حث أوتاره في وجه نائبة إلا استفاد بتارات وأوتار تحنو عليه أم تخاطبه سرا فيخبر بالنجوى بإظهار وإن هفا عركت آذانه شفقا عليه من وصمة النقصان والعار من البسيط وأنشدني أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي وغيره لتميم بن معد أبي تميم صاحب مصر وهي مشهورة ما بان عذري فيه حتى عذرا ومشى الدجى في خده فتحيرا همت تقبله عقارب صدغه فاستل ناظره عليها خنجرا والله لولا أن يقال تغيرا وصبا وإن كان التصابي أجدرا لأعدت تفاح الخدود بنفسجا لثما وكافور الترائب عنبرا من الكامل
وأنشدني أبو نصر سهل بن المرزبان قال أنشدت بمدينة السلام لمعد ابن تميم ويروي للوأواء لا تظلموا الناس ولا تطلبوا بثأري اليوم أذى مسلم ويا لقومي دونكم شادنا معتدل القامة والمبسم وإن أبى إلا جحودا له واكتتم الأمر فلم يعلم قولوا له يكشف عن وجهه فإن فيه نقطة من دمي من السريع وأنشدني المصيصي له وجنة من شفني هواه ومن أفنيت فيه دموع آماقي كأنما الصيرفي دنر ما نجم منها ودرهم الباقي من المنسرح ووجدت له من قصيدة وما بلد الإنسان إلا الذي به له سكن يشتاقه وحبيب إلى الله أشكو وشك بين وفرقة لها بين أحشاء المحب ندوب ترى عندهم علم وإن شطت النوى بأن لهم قلبي علي رقيب من الطويل وأنشدني أبو حفص عمر بن علي الفقيه لأبي منصور نزار بن معد أبي تميم وقد وافق بعض الأعياد وفاة ابنه وعقد المأتم عليه نحن بنو المصطفى ذوو محن يجرعها في الحياة كاظمنا
عجيبة في الأنام محنتنا أولنا مبتلى وآخرنا يفرح هذا الورى بعيدهم طرا وأفراحنا مآتمنا من المنسرح وأنشدني المصيصي للأمير تميم شربنا على نوح المطوقة الورق وأردية الروض المفوفة البلق معتقة أفنى الزمان وجودها فجاءت كفوت اللحظ أو رقة العشق كأن السحاب الغر أصبحن أكؤسا لنا وكأن الراح فيها سنا البرق فبتنا نحث الكأس فينا وإننا لنشربها بالحث صرفا ونستسقي إلى أن رأيت النجم وهو مغرب وأقبلن رايات الصباح من الشرق كأن سواد الليل والفجر طالع بقية لطخ الكحل في الأعين الزرق من الطويل أحسن في هذا البيت ما شاء وأنشدت للمرواني في الهلال وأجاد والبدر في جو السماء قد انطوت طرفاه حتى عاد مثل الزورق وتراه من تحت المحاق كأنما غرق الكثير وبعضه لم يغرق من الكامل وهو من قول ابن المعتز قد أثقلته حمولة من عنبر من الكامل قال وسمعت الشيخ الإمام أبا الطيب يحكي أن المرواني صاحب الأندلس كتب إليه صاحب مصر كتابا يسبه ويهجوه فيه فكتب إليه أما بعد فإنك عرفتنا
فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك والسلام وأنشدني أبو سعيد بن دوست قال أنشدني الوليد بن بكر الأندلسي الفقيه المالكي لأميرهم محمد بن أبي مروان بن أخي المستنصر بالله المدعو الخليفة بالأندلس وهو الحكم بن عبد الرحمن المرواني من قصيدة كتب بها إلى صاحب مصر يفتخر ألسنا بني مروان كيف تبدلت بنا الحال أو دارت علينا الدوائر إذا ولد المولود منا تهللت له الأرض واهتزت إليه المنابر من الطويل وذكر أن المستنصر وهو أبو الحسن قتل ابن أخيه خوفا منه على المملكة قال وأنشدني لوزير المستنصر وهو أبو الحسن جعفر بن عثمان المصحفي يا من أراني بألحاظ يصرفها عني الصبا والهوى رشدي وتوفيقي جمعت فيك غليل العاشقين كما جمعت ما تشتهي من كل معشوق من البسيط وله أيضا لعينيك في قلبي علي عيون وبين ضلوعي للشجون شجون لئن كان جسمي مخلقا في يد الهوى فحبك غض في الفؤاد مصون نصيبي من الدنيا هواك وإنه عذابي ولكني عليه ضنين من الطويل وله أيضا في الخمر صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت في الجسم دبت مثل أيم لاذع
لم يحسن في تشبيه دبيب الخمر في جسم شاربها بدبيب الحية اللاذعة وقد أحسن في البيت الذي يليه جدا خفيت على شرابها فكأنهم يجدون ريا من إناء فارغ قال وأنشدني لعيسى بن وطيس كاتب المستنصر يا سيدا أفرطت بالعبد سطوته ما كل مالك رق مغضب حنق أعتق وإلا فبع كم ذا تعذبني إن العبيد إذا ما عذبوا أبقوا وثقت مني بأن الحب قيدني أجل وحقك إني فوق ما تثق من البسيط ومعنى بيته الثاني مما يزيفه نقدة الشعر المتغزلون ولا يرضونه وإنما يميلون إلى مثل ما قال أهل العصر لي مولى أقسى البرية قد قاسيت فيه الهموم والأشواقا قلت إذ لج في جفائي واحتج عليه فساق نحوي السياقا أيهذا المليك رأيك في سوء امتلاكي فلن أروم الفراقا من الخفيف قال وأنشدني حبيب بن أحمد الأندلسي لنفسه ثلاثون من عمري مضين فما الذي أؤمل من بعد الثلاثين من عمري أطايب أيامي مضين حميدة سراعا ولم أشعر بهن ولم أدر كأن شبابي والمشيب يروعه دجى ليلة قد راعها وضح الفجر من الطويل
وأنشدت لأحمد بن عبد الرحمن المتيم النحوي إذا ما نلت من دنياك حظا فأحسن للغني وللفقير ولا تمسك يديك على قليل فإن الله يأتي بالكثير من الوافر عبد المحسن بن محمد الصوري أحد المحسنين الفضلاء المجيدين الأدباء وشعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام من محاسن أهل الشام فمن شعره قوله أترى بثأر أم بدين علقت محاسنها بعيني في خصرها وقوامها ولحاظها ما في الرديني وبوجهها ماء الشباب خليط نار الوجنتين بكرت علي وقالت اختر خصلة من خصلتين إما الصدود أو الفراق فليس عندي غير ذين فأجبتها ومدامعي منهلة كالمرزمين يا هذه لا تعجلي إن حان بينك حان حيني فكأنما قلت اذهبي فمضت مسارعة لبيني من الكامل قال وأعطاه بعض الأمراء عمامة حسنة فلبسها أياما ثم باعها ولبس عمامة
لطيفة ومشى فقال بعض من رآه ثقلت عليه العمامة فباعها فقال ارتجالا قالوا عسى ثقلت عليه فباعها من غير عدم والله ما ثقلت علي عمامتي بل خف كمي من الكامل وقوله وكم آمر بالصبر لم ير لوعتي وما صنعت نار الأسى بين أحشائي ومن أين لي صبر وفي كل ساعة أرى حسناتي في موازين أعدائي من الطويل وقوله ومعتذر العذار إلى فؤادي لجرم سابق من مقلتيه وكم أعرضت عنه فأعرضت بي عن الإعراض خضرة عارضيه ولما قلت إن الشعر يسعى لقلبي في الخلاص سعى عليه من الوافر وقوله لحظات تترامى بي إلى المرمى القصي طرحتني من علي بين ألحاظ علي فادعى رقي وما رقى بدعوى المدعي أنا عبد المحسن الصوري لا عبد المسي من مجزوء الرمل وقوله جنى ما جنى وانصرف وأنكر ثم اعترف وظن بأن القصاص يمنع منه الترف سلوا صدغه لم جرى ولما جرى لم وقف وكان على أنه يجوز المدى فانعطف من مجزوء المتقارب
وقوله بالذي ألهم تعذيبي ثناياك العذابا والذي ألبس خديك من الورد نقابا والذي صير حظي منك هجرا واجتنابا يا غزالا صاد باللحظ فؤادي فأصابا ما الذي قالته عيناك لقلبي فأجابا من مجزوء الرمل وقوله تعلمت وجنته رقية لعقرب الصدغ فما تلسع صمت عن العاذل في حبه أذني فما لي مسمع يسمع من السريع وقوله في صبي اسمه عمر نادمني من وجهه روضة مشرقة يمرح فيها النظر فانظر معي تنظر إلى معجز سيف علي بين جفني عمر من السريع وقوله زففت إلى نبهان من عفو فكرتي عروسا غدا بطن الكتاب لها خدرا فقبلها عشرا وهام بذكرها فلما ذكرت المهر طلقها عشرا من الطويل وأنشدني له وقد مر بقبر صديق له عجبا لي وقد مررت بآثارك أني اهتديت قصد الطريق أتراني نسيت عهدك يوما صدقوا ما لميت من صديق من الخفيف
وقوله أمنون بدت لنا أم جفون حركات للسقم فيها سكون بعتها ما حييت طول هجوعي بدموعي فأينا المغبون من الخفيف وقوله تعلقته سكران من خمرة الصبابة غفلة عن لوعتي ولهيبي وشاركني في حبه كل أغيد يشاركني في مهجتي بنصيب فلا تلزموني غيرة ما عرفتها فإن حبيبي من أحب حبيبي من الطويل وقوله قلت وقد أوردني حبه مواردا ليس لها مصدر أفسدت دنياي ولا دين لي تفسده فاصدع بما تؤمر من السريع وقوله أتابعت أهل البيعة اليوم في دمي غلبت فخذ أخطارهم وتقدم ولا تورثن عينيك سقمي فإنه حرام على الذمي ميراث مسلم من الطويل وقوله رأيت ما لم يره رائي ماء غدا يسبح في ماء أومأت باللحظ إلى جسمه فكاد أن يدميه إيمائي من السريع وقوله ظبي أقام قيامتي من قبل أن تأتي القيامه
عطب القلوب جفونه فعلام سموه سلامه من مجزوء الكامل وقوله ولئن كنت قد رحلت بقلبي فاعلمي أن سر حبك فيه لا تقولي ضيعته بعد بين ضيعيه إن شئت أو فاحفظيه من الخفيف وقوله رقت فكادت لا ترى في كأسها إلا التماسا لولا الحباب لخالها شرابها في الكأس كاسا من مجزوء الكامل وقوله لما تبينت أن حبكم يحسن عندي وليس يحسن بي بشرت طرفي بحسن عاقبتي فيكم وقلبي بسوء منقلبي من المنسرح وقوله يا مطيع العذول في عصياني ومذيقي حرارة الهجران اتق الله لا ترعني بالصد وجاز الإحسان بالإحسان كيف أبقى على الزمان وهجرانك مما جنت صروف الزمان صرت أجفوك مكرها وعلى الحب دليل من ناظري ولساني فإذا عدت بالتجلد عنكم كذبتني نواظر الأجفان كيف تجني ولا تخاف عقابا وفؤادي معاقب غير جاني خل ما بين مقلتيك وقلبي فعلينا يد من السلطان لا تكونن ثالثا لقويين فلو كان واحد لكفاني لك والله في صميم فؤادي لذة الماء في فم العطشان من الخفيف
وقال يهجو بعض من أضافه وأخ مسه نزولي بقرح مثل ما مسني من الجوع قرح قيل لي إنه جواد كريم والفتى يعتريه بخل وشح بت ضيفا له كما حكم الدهر وفي حكمه على الحر قبح قال لي إذ نزلت وهو في السكرة والهم طافح ليس يصحو لم تغربت قلت قال رسول الله والقول منه نصح ونجح سافروا تغنموا فقال وقد قال تمام الحديث صوموا تصحوا من الخفيف وقوله بدر تم يثنيه دعص وخوط عذري في عذاره مبسوط أي در للثقب أي كتاب لو تأتت بصفحتيه الخطوط وإذا اغتر قلت ظبي غرير وإذا افتر قلت در سقيط من الخفيف وقوله يستوجب العفو الفتى إذا اعترف وتاب مما قد جناه واقترف لقوله قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف من الرجز وقوله طرة مسك وشارب أخضر وثغر در ومقلتا جؤذر ريم إذا رمت أن أكلمه كلمني من جفونه خنجر وإن تعوضت من عوارضه لثما تجنى علي واستكبر
كأن خيلانه ووجنته سماء حسن نجومها تزهر سبحان من صاغه على قدر فذلك الله خير من قدر من المنسرح وقوله يا حار إن الركب قد حاروا فاذهب تجسس لمن النار تبدو وتخبو إن خبت وقفوا وإن أضاءت لهم ساروا قام عليها موقد مرشد له بفضل الزاد إيثار فلا تلوموني إذا مسكم أو مسها من قربكم عار وسائل يسأل عن حالتي قلت كما تهوى وتختار وأين ما أسررت في لحظه مما أسر الطين والقار ما نظرة إلا لها سكرة كأنما طرفك خمار هذا هوى يصدر عنه جوى تتلوه لوعات وأفكار وهذه أفعالها هذه ما بعد رأي العين إخبار ولست أعتد عليك الضنا ألست من جفنيك أمتار من السريع وقوله هواي الذي أبدى وأضمره يحيى وسؤلي في دار الخلود وفي الدنيا وعيني التي أرعى بها من يودني وكفي التي أرمي الأعادي بها رميا أأصبر عن يحيى وأطوي وصاله إذا فطواني عنه صرف الردى طيا كتمت الهوى جهدي ونفيت طاقتي وقد زاد حتى ما أطيق له نفيا يود أناس لو عميت عن الصبا إذا فأراني الله أعينهم عميا
فما بالهم لا قدس الله بالهم ولا حاط ميتا منهم لا ولا حيا يلومون في يحيى ولو أن لائما رأى وجهه لاستقبح اللوم واستحيا فيا منيتي كم فيك عاصيت عاذلا أرى غيهم رشدا ورشدهم غيا وكم جاءني ما قاله فيك كاشح فزدتك حبا كلما زادني نعيا أأسمع فيك العذل ممن يلومني فلا سمعت أذني إذا بعدهم شيا فما أحسن الدنيا إذا كنت جانبي وإن غبت عن عيني فما أقبح الدنيا من الطويل وله يهجو حديثه كالحدث يرفث كل الرفث يود من يسمعه لو أنه في جدث من مجزوء الرجز وله يرثي قالوا ألم تحضر عليا بعد ما دفنوه قلت هناك بئس المحضر لا أستطيع أرى المعالي بينكم محمولة وأرى المكارم تقبر لم يمض قبلك من أراه أسوة فأقول هذا مثل ذاك فأصبر قد كنت جزءا والأكارم كلهم جزء ولكن الأقل الأكثر ما كان أكثرهم وأنت جليسهم وأقلهم إذ شيعوك وكبروا من الكامل ومما يتغنى به من شعره قوله ما عليها سهرت أم بت نائم بعد أن لا يلم بي طيف حالم تسأل الناس كيف حالي ومن أعلم منها وفاعل الشيء عالم وغزال أغن أغيد ساجي الطرف مستحسن الخلائق ناعم
لم يصلني ولم يعدني وقال اكتم فماذا أسر حتى أكاتم من الخفيف وقوله قبلتها أشتفي بقبلتها فزادني ذلك اللمى ألما وساءلتني عن مبتدا سقمي مسقم جفنيك مسقمي بهما من المنسرح وقوله يا علة الأجفان كفي كفي ما حملت منك وما استوثقت وساعدينا واعلمي أنها قد نذرت قتلي وما أعتقت من السريع وقوله أرى الليالي إذا عاتبتها جعلت تمن أن جعلتني من ذوي الأدب وليس عند الليالي أن أقبح ما صنعن بي أن جعلن الشعر مكتسبي إن كان لا بد من مدح فها أنا ذا بحيث آمن في قولي من الكذب من البسيط وقوله إذا كسدت سوق الثناء فجوده طلوب لأسباب الثناء كسوب تضيق بما تحوي يداه وصدره بتفريق ما تحوي يداه رحيب من الطويل وقوله وغزال مثل الغزالة يحكيها كمالا إلا بقلب وود رق جسما فرق دمعي عليه فجرى مثل خده فوق خدي من الخفيف وقوله والله ما عورضت في مهجتي إلا لأن أرفع عنها يدي
الأهيف الأغيد والنفس ما آلفها للأهيف الأغيد يعجبها أن ترتدي حسنه والحسن قد يردى به المرتدي طوفان نوح طبق الأرض لا يبرح منها آخر المسند طاف علينا فاستوينا على الجودي من جود أبي أحمد أبوالعلا إذ ذكرت وابنها يا ذا المكانين من السؤدد غير من حالي ومن نيتي في غيره كم مصلح مفسد لو كان من أحببته بعض ما في يده زارت بلا موعد من السريع وقوله من قصيدة فتى كلما قالوا تناهى صعوده إلى كل مجد خالف القول صاعدا ترى كل ملقى المقاليد في الوغى إليه إذا لاقاه ألقى المقالدا ولست ترى بيتا من المجد أو ترى من الجود أركانا له وقواعدا لقد شرفت أبيات عوف وطهرت من الرجس حتى خلتهن معابدا وكل يعاف الورد من بعد ربه وأرماح عوف لا تعاف المواردا ترى منهم يوم الوغى كل ناشر من النقع فوق الدار عين مطاردا ينالون ما أمسى بعيدا مناله كأنهم طالوا الرماح سواعدا وقلبت الهيجاء أعيان خلقهم فقد وثبوا أسدا ودبوا أساودا
على أن من لاقيت منهم مسالما لقيت به نوء السماك مجاودا من الطويل وقوله وقد حسدت على ما بي فواعجبي حتى على الموت لا أخلو من الحسد ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يدا بيد من البسيط ومن قصيدة يقول في مدحها طالما جاد لي وظن بأن الجود يبلي في كل يوم مجدد بيمين طالت فكم تضرب الأيام عني بها وكم تتجلد أحسن الفعل بي فأحسنت قولا فاشتبهنا فقيل جاد وجود من الخفيف وقوله وغريرة مغرورة بجمالها وتظن أن المنتهى كالمبتدي ظلت تناكرني الهوى من بعد ما اعترفت به زمنا فقلت تقلدي ليكن عقابك لي بقدر تجلدي لا بالنوى فضعيفة عنها يدي من الكامل وقوله في أبي الجيش حامد بن سلهم ما زال ينحلني أبو الجيش اسمه فيما يجد وكل يوم جودا حتى غدوت أنا المسمى حامدا وغدا يسمى حامدا محمودا من الكامل وقوله نام الخليون من حولي فقلت لهم ما كل عين لها عين تسهدها لا تنكروا عقلتي عامين في يده فإن صيداء معروف تصيدها
كأنما أهلها أهل المقيم بها فذلك الزهد في الأوطان يبعدها من البسيط وقال يهجو أخاه عبد الصمد قال لي أنت أخو الكلب وفي ظنه أن قد تناهى واجتهد أحمد الله كثيرا أنه ما درى أني أخو عبد الصمد من الرمل وقوله من قصيدة أولها لا بتماديك على هجري ولا بإكثارك من ذكري عهدتكم من حيث عاهدتكم لم تعرفوا شيئا سوى الغدر فما لكم لما نذرتم دمي صرتم من الموفين بالنذر جاءت عطاياك موفرة فلم يكن عندي سوى النشر مقرونة بالعذر إني لفي التقصير أولى منك بالعذر من السريع وقوله من قصيدة أولها حتى متى كل مشتك زاجر واللوم مثل الهوى بلا آخر كم عاذل عاشق وكنت أرى أن الذي جرب الهوى عاذر يا نافرا نفرة الغزال وكان الحزم لو أنني أنا النافر يبيت ما تستعد مقلته من خمرها فوق ثغره قاطر فطرفه عاصر وليس به خمر وفوه خمر بلا عاصر وشادن طائف على نفر شخص الكرى من يمينه دائر صرعهم حوله وأوجسهم بما اشتكى نائب له ساهر فحثني ساعة فلم ترني في أثر القوم بعدهم سائر فقال أوصيك بي وأسلمه الصبر على رغمه إلى الصابر
فبت في روضه ألف على الغادة طرفي وأمرح الناظر من المنسرح يقول في مدحه بالكتابة وأجاد لا يخطر الفكر في كتابته كأن أقلامه لها خاطر القول والفضل يجريان معا لا أول فيهما ولا آخر وقوله وأغن أغيد وده مستأنس بي وهو نافر إن قلت زرني قال نم فالطيف ليس يزور ساهر ويقول لي فيما يقول نعم وما للقول آخر حتى أشاور قلت لكني هويت ولم أشاور من مجزوء الكامل وقوله سهلت عنده المسالك حتى أوصلته إلى العلا وهي وعره ثم هامت به المعالي فصارت تتقي صده وتحذر هجره من الخفيف وقوله من قصيدة يقول فيها هلموا اسألوا عن سلو يباع أو استخبروا عن كرى يكترى هل الناس مثلي وإلا فما أشد القلوب وما أصبرا وصفراء تنفذ من كأسها فتترك ما حولها أصفرا بمد إذا شعشعت كالهباء لمن كان قدامها أو ورا وفي القوم من لم يكن عنده إذا سكر القوم أن يسكرا
سقاني وشد معي مئزرا فما شد من بعدها مئزرا من المتقارب وقوله عندي حدائق شكر غرس جودكم قد مسها عطش فليسق من غرسا تداركوها وفي أغصانها رمق فلن يعود أخضر العود إن يبسا من البسيط وقوله من قصيدة يقول في مدحها بئس السياسة والرياسة منزل أصبحت وحدك في ذراه مقيما وجعلت تفعل مثل ما فعل الألى فيه وتتخذ الخطوب خصوما ولو اختصرت على القديم كفى العلا إن القديم ليوجب التقديما للحادثات معي حديث مبهم أضحى النهار علي منه بهيما وصناعتي عربية وكأنني ألقى بأكثر ما حفظت الروما فلمن أقول وما أقول فأين بي فأسير أولا اين بي فأقيما وإذا اشتكيت إلى امرئ ما حل بي فأقول يرحمني أراه حليما من الكامل وقوله من قصيدة يقول فيها يروح إلى كسب الثناء ويغتدي إذا كان هم الناس كسب الدراهم وإن جلس الأقوام عن واجب الندى وحق العطايا كان أول قائم يزيد ابتهاجا كلما جاء قاصد كأن به شوقا إلى كل قادم من الطويل وقوله إن لها من لوعة شانا أضرمت الأحشاء نيرانا وحالفت دمعي فلم يطفها وقد جرى سحا وتهتانا
وآل ما زال عدوا لها مذ كانت النار ومذ كانا لكن في حيني وفي شقوتي ما يجعل الأعداء خلانا وغادة قمت لتوديعها أسعى إلى التفريق عجلانا فغاض دمعي وجرى دمعها زورا على الحب وبهتانا ثم انثنت قائلة ما له لم يبكه البين وأبكانا فقلت جار الدمع في حكمه ففاض من أجفان أجفانا من السريع وقوله ما زال يبني كعبة للعلا ويجعل الجود لها ركنا حتى أتى الناس فطافوا بها وقبلوا راحته اليمنى من السريع وقوله في أبي الجيش حامد بن سلهم أبا الجيش حسب الشعر ما أنت صانع فقد عجزت عن وصف ذاك القصائد أما انصلحت للمال منك طوية فتصلحه حتى متى أنت حاقد سبقت بني الدنيا فما هب قائم سواك إلى جود ولا قام قاعد من الطويل وقوله ومن بني القواد من بغته عن سيفه سيوف أجفانه سلطان عينيه له سطوة أشد من سطوة سلطانه من السريع
وقوله يا ذا الذي في خده جيشان من زنج وروم هذا يغير على القلوب وذا يغير على الجسوم إني وقفت من الهوى في موقف ضنك عظيم كوقوف عارضك الذي قد حار في ماء النعيم من الكامل وقوله غنني يا أعز ذا الخلق عندي حي نجدا ومن بأكناف نجد واسقني ما يصير ذو البخل منه حاتما والجبان عمرو بن معدي لي وما فوق وجنتيك من الورد مدام كالمسك في لون ورد فاسقينها ملأى فقد فضح الليل هلال كأنه فتر رند والثريا خفاقة بجناح الغرب تهوي كأنها رأس فهد في أوان الشباب عاجلني الشيب فهذا من أول الدن دردي من الخفيف وقوله إن خيالا زارنا وهنا من عندكم هاج لنا حزنا أحبابنا لا بلغت منكم أيدي النوى ما بلغت منا فلم يغب عنكم على بعدكم ما فعلت غيبتكم عنا أيسر ما في عهدكم أننا لما حفظنا عهدكم ضعنا من السريع
أحمد بن سليمان الفجري شاعر ماهر كتب إلى عبد المحسن الصوري هذه الأبيات أعبد المحسن الصوري لم قد جثمت جثوم منهاض كسير فإن قلت العبالة أقعدتني على مضض وعاقت عن مسيري فهذا البحر يحمل هضب رضوى ويستثني بركن من ثبير وإن حاولت سير البر يوما فلست بمثقل ظهر البعير إذا استحلى أخوك قلاك يوما فمثل أخيك موجود النظير تحرك عل أن تلقى كريما تزول بقربه إحن الصدور فما كل البرية من تراه ولا كل البلاد بلاد صور من الوافر فأجابه عبد المحسن جزاك الله عن ذا النصح خيرا ولكن جاء في الزمن الأخير وقد حدث لي السبعون حدا نهى عما أمرت من المسير ومذ صارت نفوس الناس حولي قصارا عدت بالأمل القصير من الوافر أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي المعروف بأبي الرقعمق نادرة الزمان وجملة الإحسان وممن تصرف بالشعر الجزل في أنواع الجد
والهزل وأحرز قصب الفضل وهو أحد المداح المجيدين والفضلاء المحسنين وهو بالشام كابن حجاج بالعراق فمن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة أولها قد سمعنا مقاله واعتذاره وأقلناه ذنبه وعثاره والمعاني لمن عنيت ولكن بك عرضت فاسمعي يا جاره من مراديه أنه أبد الدهر تراه محللا أزراره عالم أنه عذاب من الله مباح لأعين النظاره هتك الله ستره فلكم هتك من ذي تستر أستاره سحرتني ألحاظه وكذا كل مليح لحاظه سحاره ما على مؤثر التباعد والإعراض لو آثر الرضى والزياره وعلى أنني وإن كان قد عذب بالهجر مؤثر إيثاره لم أزل لا عدمته من حبيب أشتهي قربه وآبى نفاره من الخفيف يقول في مدحها لم يدع للعزيز في سائر الأرض عدوا إلا وأخمد ناره فلهذا اجتباه دون سواه واصطفاه لنفسه واختاره لم تشيد له الوزارة مجدا لا ولا قيل رفعت مقداره بل كساها وقد تخرمها الدهر جلالا وبهجة ونضارة كل يوم له على نوب الدهر وكر الخطوب بالبذل غاره ذو يد شأنها الفرار من البخل وفي حومة الوغى كراره
هي فلت عن العزيز عداه بالعطايا وكثرت أنصاره هكذا كل فاضل يده تمسي وتضحي نفاعة ضراره فاستجره فليس يأمن إلا من تفيا بظله واستجاره فإذا ما رأيته مطرقا يعمل فيما يريده أفكاره لم يدع بالذكاء والذهن شيئا في ضمير الغيوب إلا أناره لا ولا موضعا من الأرض إلا كان بالرأي مدركا أقطاره زاده الله بسطة وكفاه خوفه من زمانه وحذاره وقوله من أخرى أولها إن ربعا عرفته مألوفا كان للبيض مربعا ومصيفا غيرت آية صروف الليالي وغدا عنه حسنه مصروفا ما مررنا عليه إلا وقفنا وأطلنا شوقا إليه الوقوفا آلفا فيه للبكاء كأني لم أكن فيه للغواني ألوفا حاسدا للجفون لما أزالت في مغانيه دمعها المذروفا إن يعقوب قد أفاد وأقنى وأعاد الندى وأغنى الضعيفا سل سيفا من البصيرة والرأي فأغناه أن يسل السيوفا باذلا للعزيز دون حماه مهجة حرة ورأيا حصيفا لم تزل دونه تخوض المنايا وترد الردى وتلقى الصفوفا ناصحا مشفقا محبا ودودا قائما في رضاه صعبا عسوفا ليس يخشى فساد أمر تولاه وأضحى برأيه مكنوفا
ما رأيناه قط إلا رأينا خلقا طاهرا وفعلا شريفا ورأينا قرما كبيرا هماما منعما مفضلا رحيما رؤوفا لذ طعم العطاء وهو إذا جاد وأعطى يرى الكثير طفيفا خلق منه منذ كان كريم يستلذ الندى ويقري الضيوفا ويريش الفقير بالذل والجود ويعطي ويسعف الملهوفا فأرانا الإله صرف الليالي أبدا عن فنائه مصروفا من الخفيف وقوله من أخرى حي الخيام فإني مغرى بأهل الخيام بالراميات فؤادي بصائبات السهام أسقمتني وتألين لأشفين سقامي أيام وصلي حرام والهجر غير حرام لا عذب الله قلبي إلا بطول الغرام سقيا لدهر تولى بشرتي وغرامي كأنما ذلك العيش كان في الأحلام لم يبق من نرتجيه لحادث الأيام إلا ابن أحمد ذو الطول والأيادي الجسام كفاه أغدق جودا من واكفات الغمام يلقى العفاة بوجه مستبشر بسام
معظما ترتجيه للنائبات العظام يرمي الخطوب برأي أمضى من الصمصام قرم له عزمات تفل حد الحسام من المجتث وله من أخرى توهمت أمرا فلم أنبس بحرف وناديت بالأكؤس حميا كأن سنا نورها سنا بارق لاح في الحندس يعاطيكها رشأ طرفه سريع إلى تلف الأنفس بخد يروقك توريده وعين تنوب عن النرجس من المتقارب يقول في مدحها له قلم أبدا ناطق بأسعد قوم وبالأنحس إذا ما انتضاه لأمر رمى به الدهر عن صائبات القسي رآه الوزير على غاية من الفضل تعلو على الخنس ومن أخرى أظن ودادها من غير نية وهل هي فيه إلا مدعية فتاة لا تمل عذاب قلبي ولا تخليه وقتا من أذيه ولا ذنب له إلا التوافي لمن في الحب ليست بالوفيه ويعجبني التمنع والتشاجي من الخود الممنعة الشجيه فوا أسفا على حر يعزي أخا رزء على عظم الرزيه من الوافر
ومنها وذلك أن إيري فيه رطل وما في حرها إلا وقيه ومن بعث المدام فليس بد ولاتك غير بكر بابليه فثم هناك حر شافعي عظيم الشأن واست مالكيه ونفسي غير مائلة إليها لأحوال مقبحة بذيه أحب دنوها وتحب قربي وهذا لا يكون بلا بليه وما لاقيتها إلا تلاقى مبالانا بإسقاط التقيه وهذا الرأي لا رأي سواه فلا تحفل بأقوال الرعيه ولا عيش سوى تقليب بظر وثقب من صبي أو صبيه على أني أقول بكل شيء سوى نيك العجوز القذمليه ولا ألوي على أحد يراني بعين النقص والحال الدنيه ومن نال العلاء حجا ومجدا وأفعالا مهذبة سنيه تشابه خلقه والخلق حسنا وحسبك بالنفاسة والسجيه تشاهد منه طودا مشمخرا وأفعال الملوك الكسرويه له الأقلام كيف يشاء تجري بتأييد القضاء بالمشية كأن اللفظ في القرطاس زهر تفتح عن معان معنويه ومن أخرى كفي ملامك يا ذات الملامات فما أريد بديلا بالرقاعات
كأنني وجنود الصفح تتبعني وقد تولت مزامير الرطانات قسيس دير تلا مزماره سحرا على القسوس بترجيع ورنات وقد مجنت وعلمت المجون فما أدعي بشيء سوى رب المجانات وذاك أني رأيت العقل مطرحا فجئت أهل زماني بالحماقات إني سأدخل عذالي على عذل في الحب أن عذلوني في الحرامات أفدي الذي نأوا والدار دانية وشتتوا بالجفا شمل المودات كم قد نتفت سبالي في صدودهم والصد أصعب من نتف السبالات سقيا ورعيا لأيام لنا سلفت بالقفص قصرها طيب اللذاذات إذا لا أروح ولا أغدو إلى وطن إلا إلى ربع خمار وحانات أيام أسحب أذيال الهوى مرحا مصرعا بين سكرات ونشوات عوضت منهم أحزانا تؤرقني بعد السرور وفرحات بترحات لولا عذار تعالى كيف صوره رب العباد لتعذيبي وحسراتي كأنه مشقة من خد من شقيت روحي بهجرانه أو عطف نونات لما حللت بدار مالها أحد إلا أناس تواصوا بالخساسات لو كنت بين كرام ما تهضمني دهر أناخ على أهل المروءات من البسيط ومنها لو نيل بالمجد في العلياء منزلة لنال بالمجد أعنان السموات يرمي الخطوب برأي يستضاء به إذا دجا الرأي من أهل البصيرات فليس تلقاه إلا عند عارفة أو واقفا في صدور السمهريات
يا من غدت أوجه الأيام مشرقة بجوده مستهلات منيرات مالي بلا سبب غودرت مطرحا وقد حرمت عطاياك الجزيلات ولي مدائح قدما فيك سائرة مستطرفات بألفاظ طريفات ومن أخرى كل بشعري مفتون ومشغوف وجيد الشعر منعوت وموصوف كلفت من أمرهم ما لا أقوم به ومن يقوم بأمر فيه تكليف لأنتفن سبالي طاعة لهم والذقن إن دام ذا الإعراض منتوف أمسي وأصبح مجفوا ومطرحا هذا ورأسي وما والاه مكشوف وبي وعندي وفي ملكي ولا رزقوا رزقي قذال أصم السمع مكفوف من تلك أقفية القوم الكشاخنة الفدم الذين لهم منها مجاديف مفوقات بتنفيش وأطبعها لا شك ما فيه تنقيش وتفويف معطوفة وبنفسي يا ابن أم قفا على الأخادع مثني ومعطوف كم قاتل ويداه في أطايبه وطيب الشيء مجني ومقطوف فإن يكن ذا فلا غرو ولا حرج فلليالي وللأيام تصريف هذا الذي من رآه دون ملمسه لم يأكل اللحم إلا وهو معلوف ولم يمد إلى رأس على طرب يديه إلا وفي اليمنى تطاريف بينا يرى الثوب منشورا بلا سبب حتى يرى وهو بعد النشر ملفوف فكم ألام وكم ألحى وهل حمقي إلا نتيجة رأس فيه تخفيف ألفته حسب مالي من محبته دون البرية والمحبوب مألوف
إلف المكارم والجدوى فتى أسد محمد خير من ناداه ملهوف حر إذا ذكر الأحرار مشتمل على السماح ببذل العرف معروف بمثله يدفع الخطب الجليل إذا تصرفت ببني الدنيا تصاريف ندب نماه كرام سادة نجب شم الأنوف بها ليل غطاريف تحصى النجوم ولا تحصى فضائله ولا يحيط بها وصف وتكييف من البسيط ومن أخرى لمن أمدح بالشعر لمن أقصد لا أدري إلى من إن دجا خطب ونابت نوب الدهر فقد والشفع والوتر ومن أقسم بالفجر تحيرت فما أدري الذي أصنع في أمري على أني بالدهر وبالأيام ذو خبر ولكني للحيرة سكران بلا سكر كأني لست مخلوقا لغير الجهد والضر ومذ كنت فمدفوع إلى الفاقة والفقر فما أصنع في مصر إذا لم أحظ في مصر وفي الآفاق أقوام يميلون إلى شعري ونبئت بأن القوم لا يخلون من ذكري ففيم الترك للسير وهل في ذاك من عذر وقد قدمت أثقالي وسيري غرة الشهر فأما أكثر الحمق فقد سيرت في البحر وباقيه معي يذهب في البر على ظهري
ولا أترك في مصر لذكر الحمق من أثر فمن بعدي ليطبيه في النظم وفي النثر ومن يلعب في الرأس من العصر إلى العصر ومن من شدة الصفع له رأس بلا شعر ومن هامته أقوى على الصفع من الصخر ومن يضرط في الذقن بلا كيل ولا حزر ومن ينتف بالدبق سبالات بني البظر ولكني لا كنت لما في من الكبر إذا أمراني الصفع تجشأت من الدبر وهيهات ترى صفعا لغيري أبدا يمري من الهزج ومنها ألا يا منتهى الجود ويا ذا المجد والفخر ويا ابن السادة الغر ويا ابن الأنجم الزهر ويا أبهى من الشمس ضياء ومن البدر لماذا أنت لا تعدي على الأيام والدهر همام طاهر الذيل سليل السادة الغر كريم الأصل والخيم رحيب الباع والصدر جواد غير مدفوع عن الإفضال والبر
وما زال إلى كل له عارفة تسري لقد عمت أياديه جميع البدو والحضر ومن أخرى عجب ما مثله عجب فعلوا بي غير ما يجب قرقرت بطني فواحزني ذقن من بالسلح يختضب هربا من شرها هربا فعسى أن ينفع الهرب ذهب الناس فما أحد يشتهي أن تنفخ القرب حزني أني مذ زمن ما لعبناه ولا لعبوا ولكم بتنا على طرب ورؤوس القوم تستلب وكؤوس الصفع دائرة ملؤها اللذات والطرب وانتخبناها وهاههم وأكف القوم تصطخب وكأن الصفع بينهم شعل النيران تلتهب والعمى منهم وإن شغلوا عنه باللذات مقترب سوف يدرون أيما رجل ضيعوا مني إذا طربوا بسيوف شركها أدم مرهفات للعمى سبب وعجيب والحسين له راحة بالجود تنسكب أن شربي عنده رنق ولديه مربعي جدب وله الورد المعاذ به والجناب الممرع الخصب
وهو الغيث الملث إذا أعوزتنا درها السحب وإلى الرسي ملجؤنا من صروف الدهر والهرب سيد شادت علاه له في العلا آباؤه النجب وله بيت تمد له فوق مجرى الأنجم الطنب حسبه بالمصطفى شرفا وعلي حين ينتسب رتبة في العز شامخة قصرت عن نيلها الرتب ذاك فخر ليس تنكره لكم عجم ولا عرب ولأنتم من بفضلهم جاءت الأخبار والكتب وإليكم كل منقبة في الورى تعزي وتنتسب وبكم في كل معركة تفخر الهندية القضب وبكم في كل عارفة ترفع الأستار والحجب وإذا سمر القنا اشتجرت فبكم تستكشف الكرب من المديد وقوله من قصيدة في الرسي أولها باح وجدا بهواه حين لم يعط مناه مغرم أغرى به السقم فما يرجى شفاه كاد يخفيه نحول الجسم حتى لا تراه لو ضنا يخفى عن العين لأخفاه ضناه من مجزوء الرمل ومنها حبذا الرسي مولى رضي الناس ولاه
جعل الله أعاديه من السوء فداه فلقد أيقن بالثروة من حل ذراه من رقى حتى تناهى في المعالي مرتقاه فات أن يبلغ في السؤدد والمجد مداه ملك مذ كان بالسطوة ممنوع حماه بحر جود ليس يدرى أين منه منتهاه لم يضع من كان إبراهيم في الناس رجاه لا ولا يفرق من صرف زمان إن عراه من به استكفى أذى الأيام والدهر كفاه كيف لا أمدح من لم يخل خلق من نداه وقوله من أخرى يقول فيها لو برجلي ما برأسي لم أبت إلا بنجد خفة ليست لغيري لا أراني الله فقدي ومحال أن يرى مثلي أو يبصر بعدي رجل لا يضرط الضرطة إلا بعد جهد فلذا الأمر تراه يأكل التمر بزبد غير أني قيل عني إنني مغرى بدعد وبليلي وبسلمي وبسعدى وبهند ثم لا أملك شيئا غير سنور وخلد وحماقات وعمري إن لي رأسا مرندي
أصبر الأرؤس في صفع بلا حزر وعد من مجزوء الرمل ومنها خلقت كفاه من جود لراجيه ورفد مورد يورد راجيه إلى أعذب ورد لا خلا من منة منه إلى الأحرار يسدي فهو القائم بالحق وموفي كل عهد ومن أخرى قلبي لك الخير بالأفراح معمور مستبشر جذل بالفتح مسرور من البسيط يقول فيها خذ في هناتك مما قد عرفت به مما به أنت معروف ومشهور واحك العصافير صي صي صي صصي صصصي إذا تجاوبن في الصبح العصافير ففيك ما شئت من حمق ومن هوس قليله لكثير الحمق إكسير كم رام إدراكه قوم فأعجزهم وكيف يدرك ما فيه قناطير لا تنكرن حماقاتي لأن بها لواء حمقي في الآفاق منشور ولست أبغي بها خلا ولا بدلا هيهات غيري بترك الحمق معذور لا عيب في سوى أني إذا طربوا وقد حضرت يرى في الرأس تفجير
والأخدعان فما زالا يرى بهما لكثرة المزح توريم وتحمير وذا الفعال مع الإعراض مطرد صفع ونقع وتيسير وتعسير فذا وذاك وهذا ثم ذاك وذا كذا الليالي لها صفو وتكدير أستغفر الله مما قلته عبثا لغير شيء وما في الصحف مسطور أقول للنفس لما استشعرت جزعا وبات يردعها خوف وتحذير إن الإمام نزارا مدحه فثقي ذخر لمثلك عند الله مذخور هو الذي ليس بعد الله من أحد سواه في الناس محمود ومشكور مشمر في المعالي ذيل مجتهد وماله في سوى العلياء تشمير ومن أخرى أترضى بالتخلف والتواني على ضرب اللجاجة والحران وما أنا والأحاديث اللواتي تزهد في المثالث والمثاني ألا طربت إلى النشوات نفسي وتقت إلى معتقة الدنان كما طربت أباريق الندامى إلى أصوات قهقهة القناني ويومك إذ تطوف به فتاة على الخدين منها وردتان مهفهقة القوام إذا تثنت تثنت كالقضيب الخيزران ولم أر قبلها شمسا تبدت ولا قمرا بأعلى غصن بان لحاه الله من شيخ ضروط ضجيج ظراطه بالنهروان ولكن رأسه جلد جليد صبور عند مختلف الطعان
ولم أر قبله رأسا سواه غدا وقفا على حرب عوان ولا سيما إذا الأيدي توالت عليه والتقت حلق البطان من الوافر ومنها إلى من راحتهاه ندى وجود علينا بالمواهب ثرتان كريم لا يدافع عن سماح جواد ماله في الجود ثان تناهت عنده الآمال لما غدا أقصى النهاية في الأماني ومن أخرى كل يوم أنا من إيري في أمر عجاب ليس يخليني من هم وحزن واكتئاب لم يدع لي ذهبا إلا رماه بالذهاب وابتدى المشؤوم أن يعمل في أمر التباب هل مجير لي منه أهل ودي وصحابي أو وإلا ثبت والرحمن من لعب الكعاب أنا مبلي من بلاياه بنصب وعذاب أنا لولاه لألفيت قليل الاضطراب وتجزيت بنزر من طعام وشراب ولما طال انتزاحي عن بلادي واغترابي لعنة الله عليه وبراغيث الكلاب
فلكم أوقفني موقف خزي واكتئاب ولكم أغلقت بابا من هواه دون باب رب قد أبليتني منه بمعتوه مصاب عينه في كل من دب على وجه التراب ثم لا يرضيه منه غير دبر مستطاب من مجزوء الرمل ومنها وبإحسان تميم عذت من عظم مصابي بالأمير السيد الماجد والقرم اللباب والهمام المنعم المفضل والبحر العباب والذي لا فرق ما بين جداه والسحاب تنثني منه إلى ذي كرم رحب الجناب رافع دون بني الآمال أستار الحجاب لم أزره قط إلا بت محمود الإياب ذكره أعذب في الأنفس من ذكر الشباب ولقد رق عن الماء وعن طبع الشراب أكثم في الرأي والفضل وقس في الخطاب وقوله كتب الحصير إلى السرير أن الفصيل ابن البعير
فلمثلها طرب الأمير إلى طباهجة بقير فلأمنعن حمارتي سنتين من علف الشعير لا هم إلا أن تطير من الهزال مع الطيور فلأخبرنك قصتي فلقد وقعت على الخبير إن الذين تصافعوا بالقرع في زمن القشور أسفوا علي لأنهم حضروا ولم أك في الحضور لو كنت ثم لقيل هل من آخذ بيد الضرير ولقد دخلت على الصديق البيت في اليوم المطير متشمرا متبخترا للصفع بالدلو الكبير فأدرت حين تبادروا دلوي فكان عمي المدير يا للرجال تصافعوا فالصفع مفتاح السرور لا تغفلوه فإنه يستل أحقاد الصدور هو في المجالس كالبخور فلا تملوا من بخور ولأذكرن إذا ذكرت أحبتي وقت السحور ولأحزنن لأنهم لما دنا نضج القدور رحلوا وقد خبزوا الفطير ففاتهم أكل الفطير لا والذي نطق النبي بفضله يوم الغدير ما للإمام أبي علي في البرية من نظير من الكامل وله من أخرى أولها سلام على الربع ربع الجدا سلام على تمره واللبا
سلام عليه سلام امرئ معنى بتذكار ما قد مضى سلام عليه فكم موقف وقفناه فيه ندير الدلا لعهدي فيه شيوخ لنا غلاظ الرقاب عراض اللحى إذا ما قبضت على لحية وناديت بطني أجاب الخرا وكنا من الظرف لو أننا أقمنا نصافع شهرا ولا نعيب الوفاء ولهفي على أخادع من لا يعيب الوفا ولا عذر إلا أدير اللطام إذا الصفع دار وكلي قفا وقد كنت تبت ولكنني إذا الصفع دار أتاني الجشا فلا تترك الصفع جهلا به فما أطيب الصفع لولا العمى ومالي أكاتمكم قصتي وأضرب بالطبل تحت الكسا إذا كان في الصيف لي جنة لأية حال أذم الفرا ولم أكسب الحمق لكنني خلقت رقيعا كما قد ترى لقد فقت فيه كما الفارسي في الرمي فاق جميع الورى كأن البنادق طوع له فهن يصبن له ما اشتهى إذا ما رمى طائرا حطه ولو أنه بمكان السها فيالك من موقف مبهج عجيب ومن منظر مشتهى فعيد الطيور به مأتم وأضيافه عنده في القرى من المتقارب ومن أخرى عاذل كم فيه تعذليني وكم إلى كم تؤنبيني لو بك ما بي من التصابي لكنت لا شك تعذريني
إن الذي قد أذاب جسمي بالثغر والجيد والجفون بدر تمام على قضيب ركب من نغمة ولين ما شئت من نرجس جني غض وورد وياسمين عيناه تسطو على فؤادي والموت في سطوة العيون من مخلع البسيط ومنها فأطيب العيش كان عندي أيام للفسق قلدوني وكنت طبا به بصيرا وأقود الناس في سكون فكم غزال أخذت قسرا وكم مليح حوت يميني والناس يسعون نحو داري من كل أرض ويقصدوني فذا يوافي بثوب خز وذا يوافي بثوب توني وذا يفدي وذاك يهدي وذاك يمضي وذا يجيني وكل علق إلى مراحي أهدى من الطير للوكون وكان خلقي لهم رضيا أصفعهم ثم يصفعوني قد أجمع الناس أن حمقي أحسن من عفتي وديني قد عشت دهرا أعول عقلي والناس إذ ذاك يبعدوني فمذ تحامقت قد كساني حمقي وقد عالني جنوني ومن بلائي أبو عمير معرض لي إلى المنون منتصب ما ينام وقتا وليس يهدى من الرنين من كان ذا زوجة فإني لشقوتي زوجتي يميني عميرة قد جلدت حتى خشيت والله يجلدوني
فراقبوا الله في أموري فطلقوها وزوجوني ومن أخرى يا أهل ذا المنزل هل حيلة تنجي فمن ظبيكم معطبي عقرب صدغيه فقلبي إذا هم توقى لدغة العقرب وكلما لاحظني طرفه لاحظني عن مقلة الربرب يبسم إن ناولني ثغره عن ذي غروب واضح أشنب أنجبت في الحمق وهل فاضل كناقص في الحمق لم ينجب لو علموا مالي من لذة لم ألح في الحمق ولم أعتب أعتبني الدهر ولولا الذي عم الورى بالبذل لم يعتب لما رأى الآمال مصروفة إلى السديد ابن أبي الطيب فارقني من شره صاحب كان لعمري شر مستصحب هناك لو تبصرني تائها على بني الدهر تعلقت بي تطلب مني نائلا بعد أن كنت أرى الرزق مع الكوكب كذاك من صاحب من لم يزل رب جناب ممرع مخصب أكرم من جاد فما بعده لطالبي جدواه من مطلب أول من يثني به خنصر وأصفح النفس عن المذنب مهذب الآراء محمودها مفضل في الشرق والمغرب لا فرق عندي بين أقلامه وبين فعل الصارم المقضب ما استلها إلا أذلت له من الأعادي كل مستصعب من السريع
ومن أخرى إني ليرتاح قلبي إلى اصطحاب المثاني بحيث تنفي همومي معتقات الدنان مع شادن ذي دلال مهفهف فتان يرنو إلي بطرف وناظر وسنان أعار حسن التثني تثني الأغصان إذا تبسم تيها يفتر عن أقحوان لأسخطن عذولي فيه بخلع العنان فقم رفيقي فاحثث كؤوسنا غير واني وهاتها كسنا البرق لاح من نعمان صفراء مما اقتناها كسرى أنو شروان صفت ورقت ففاتت إدراكها بالعيان فليس تدرك بالحس لا ولا الأذهان روح من الراح لكنها بلا جثمان فالريح للمسك منها واللون للزعفران من المجتث يقول في مدحها من قال من غير خبر بأن في الناس ثاني لسؤدد ابني علي قد جاء بالبهتان يداهما بالعطايا وبالندى ثرتان
ومن أخرى رب يوم قد قطعناه حديثا وعتابا وجمعنا بين خمرين مداما ورضابا وشفينا غلة النفس دنوا واقترابا وترشفت على شوق ثناياه العذابا وسألنا ذلك الشيء جهارا فأجابا من مجزوء الرمل يقول في مدحها ورحلنا نطلب السيد والقرم اللبابا فرأينا العز والثروة والبحر والعبابا ورأينا أفضل الناس وأحلامهم خطابا يقظا يدرك بالفطنة ما فات وغابا هذبته فطنة العلم فما يخشى معابا عرف اللذة للبذل فأعطى وأثابا وإذا ما كرم الأصل زكا الفرع وطابا ومن أخرى يقول فيها كأنما عذاره سطرا سواد في يقق كأنما رضابه خمر بمسك قد فتق من مجزوء الرجز ومنها إن نكته فاستمعن نصحك من خل شفق
كن حذرا كن حذرا كن حذرا من الغرق لأنه من سعة يصلح للبحر طبق إن قلت إني حسن والحسن مني مسترق قلنا مقالا بينا لا كذبا ولا خرق كل امرء صوره خالقه كما اتفق كن غصنا كن قمرا كن شمس دجن في الأفق كن يوسف الحسن الذي من طينة الحسن خلق هل أنت إلا خلق زدت على كل خلق يا أيها العلق الذي فتحته بلا غلق خانك في الود الذي بوده كنت تثق ومن أخرى خليلي من عامر اسعدا على الشوق خلا بلا مسعد قفا وقفة بربوع الحمى فلولا الوفا لهوى الخرد لما عجت بالركب مستنجدا دموعي على الطل الملبد معاهد لهو كأن الهوى بها بعد زينب لم يعهد فسبحان من جعل المكرمات جميعا بكف أبي أحمد وقال له كن كما تشتهي فكان النهاية في السؤدد وهل غيره أحد يرتجى ويعدى على الزمن المعتدي من المتقارب
ومن أخرى عد عن قال وقيل وصعود ونزول حصحص الحق فماذا شئت من قول فقولي غير أني أقبل الناس لشيء مستحيل فاسمعن مني ودعني من كثير وقليل وصغير وكبير ودقيق وجليل قد ربحنا بالحماقات على أهل العقول فرعى الله ويبقى كل ذي عقل قليل ما له في الحمق والخفة مثلي من عديل فمتى أذكر قالوا شيخنا طبل الطبول شيخنا شيخ ولكن ليس بالشيخ النبيل طالما نادى نداماه إلى شرب الشمول قائلا بالشادن الأغيد ذي الطرف الكحيل أطرب الناس إذا غنى على ثاني الثقيل قف على المنزل بالنحتين فالرسم المحيل وقفة الواله للتسآل ما بين الطلول أهملن دمعك فالراحة في الدمع المهمول عد عما أنت فيه من محال وفضول واصرف المدح إلى ذي الطول والفعل الجميل
الذي ذكراه في كل محل وقبيل ذي يد بالجود أندى من ندى الغيث الهطول لم يكن قط لراجيه سوى سمح منيل أسمح الأمة بالمال وبالنيل الجزيل وإذا ما سيل الفي بالندى غير بخيل لم يزل يذخر للحادث والخطب الجليل ناهض إذ عجز الأقوام بالعبء الثقيل ليس يصغي في المقالات إلى عذل العذول وإذا ما قال قولا لم يكن غير فعول ولقد عزت به الآداب من بعد الخمول من مجزوء الرمل ومن أخرى في الرثاء لعمرك إنه رزء عظيم وخطب أمره جلل جسيم رزئنا من صلاة الله تترى عليه ما دجا ليل بهيم وما أطت إلى البيت المطايا وما طلعت على الأرض النجوم لعمرك ما المصاب به خصوص ولكن المصاب به عموم سقى جدثا به حماد أضحى من الوسمي هطال سجوم ففيه المجد أمسى والمعالي وفيه العز والفخر القديم أبعد وفاته يدعى همام لخطب أو يقال بقي كريم كأنا يوم منعاه إلينا وقد فتكت بأنفسنا الهموم
ثواكل حزنهن على الليالي وإن قدم المدى حزن مقيم وكان ربيعنا في كل محل إذا ضنت بوابلها الغيوم جميل الفعل محمود السجايا يزين فعاله كرم وخيم من الوافر ومن أخرى هل من سبيل إلى بيتي وجاريتي أنى وكيف وما داري بدانية أم هل سبيل إلى البيت الذي سكنت فيه التي بفراقي غير راضية لا أحمد البعد عنها بعد معرفتي بأنها لبعادي غير حامدة أشكو إلى الله دهرا غير متئد من قبح ما لج فيه من معاندتي ما زدت فيه اجتهادا في معاتبة إلا وزاد اجتهادا في مغايظتي أقول والدهر لا يألو مراغمة وليس يثنيه شيء عن مراغمتي يا واحدا ليس إلا من يؤمله ويرتجى عفوه جد لي بواحدة وامنن علي على أني وإن نزحت عني فما هي عن قلبي بنازحة ناشدتك الله فيما أشرت به إلا قبلت ولا تهمل مناشدتي واستعمل السخف واترك ما سواه فما لذاذة العيش إلا في المساخفة والصفع إياك منه فالعمى أبدا بغير شك منوط بالمصافعة من البسيط ومنها لكن مدحت حميدا فامتدحت فتى وقفا على منة تسدى وعارفة رأيته فرأيت البدر في أفق والشمس طالعة من كل شارقة والبحر معترضا والغيث منبجسا برائح لمرجيه وغادية
ساس الأمور بآراء مهذبة صوادر بين أفكار وبادرة مستحسن اللفظ في القرطاس موجزه موفق الرأي محمود المخاطبة ذو أنمل ما انتضت في حادث قلما إلا وفل شباه كل حادثة في كل يوم له نعمى مجددة ليست إذا طلعت عنا بآفله ما زال يتبع معروفا بعارفة جودا ويجهد نفسا في معاونتي حتى رأيت صروف الدهر عائذة من بعد ضربي وحربي بالمسالمة ومن أخرى نشدتك أن تحول عن الوداد وعن حال الصلاح إلى الفساد ولو عاينت ما لك في ضميري ولو شاهدت ما لك في فؤادي إذا لعلمت أنك منه تمسي وتصبح دون غيرك في السواد فما آلوك نصحا في وداد ولا آلوك جهدا في اجتهاد وليس سوى المودة والتصافي أبا عبد الإله لك اعتقادي ولو في ذاك حاولت ازديادا إذا ما اسطعت فيه على ازدياد ولم أعهدك في طلب المعالي وكسب الحمد غير فتى جواد ومن ألف المكارم والعطايا كإلفك جاد عن غير اعتداد ويوشك أن يجود بما حواه وأن يهب الطريف مع التلاد ووعدك في الحياة له مرادي ولست أريده يوم التناد من الوافر ومنها فكم منن قرنت بهن شكرا كشكر الروض منهل الغوادي
وكم لك يا محمد من أياد لدي ومن جميل وافتقاد ومن أخرى ليلي بتنيس ليل الخائف العاني تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني أقول إذ لج ليلي في تطاوله يا ليل أنت وطول الدهر سيان لم يكف أني في تنيس مطرح مخيم بين أشجان وأحزان حتى بليت بفقدان المنام فما للنوم إذ بعدوا عهد بأجفاني ما صاعد البرق من تلقاء أرضهم إلا تذكرت أيامي بنعمان ولا حننت إلى نجران من طرب إلا تكنفني شوق لنجران لا تكذبن فما مصر وإن بعدت إلا مواطن أطرابي وأشجاني ليالي النيل لا أنساك ما هتفت ورق الحمام على دوح وأغصان أصبو إلى هنوات فيك لي سلفت قطعتهن وعين الدهر ترعاني مع سادة نجب غر غطارفة في ذروة المجد من ذهل بن شيبان وذي دلال إذا ما شئت أنشدني وأن أردت غناء منه غناني سقيته وسقاني فضل ريقته وجاد لي طرفه عفوا ومناني ما زلت أجني بلحظي ورد وجنته وأستغير على تفاح لبنان ما زال يأخذها صفراء صافية حتى توسد يسراه وخلاني الله يعلم ما بي من صبابته وما علي جناه طرفه الجاني كم بالجزيرة من يوم نعمت به على تصاخب نايات وعيدان سقيا لليلتنا بالدير بين ربا باتت تجود عليها سحب نيسان
والطل منحدر والروض مبتسم عن أصفر فاقع أو أحمر قان والنرجس الغض منهل مدامعه كأن أجفانه أجفان وسنان من البسيط ومنها أستغفر الله من عقل نطفت به مالي وللعقل ليس العقل من شاني لا والذي دون هذا الخلق صيرني أحدوثة وبحب الحمق أغراني ما للشذائي من مثل يقاس به ولا له في اصطناع العرف من ثان مهذب الرأي محمود خلائقه رحب المكارم سمح غير منان من كان في الجود والإفضال لذته لم يخله الجود من فضل وإحسان وجملة الأمر فيه أنه رجل يراقب الله في سر وإعلان إن كنت قلت سوى ما فيه أعرفه إذا كفرت بمعبودي ودياني إذا جرت يده في الطرس كاتبة تبلج الطرس عن در وعقيان وإن تكلم جاءته براعته بكل ما شاء من فهم وتبيان أبو القاسم الحسين بن الحسين بن واسانة بن محمد المعروف بالواساني أعجوبة الزمان ونادرتة وفريد عصره وباقعته وهو أحد الفضلاء المجيدين في الهجاء وكان في زمانه كابن الرومي في أوانه فمن شعره قوله يهجو ابن أبي أسامة يا ساكني حلب العواصم جادها صوب الغمامه أنا في مدينتكم غريب لست من أهل الإقامه
والخان يحدث للغريب إذا أبن به سآمه فقرضت من طول المقام بها وأعوزت المدامه وخرجت في بعض الليالي قاصدا باب السلامة وشربت من بئر بها من يأتها ينقع أوامه ورتعت في فلواته وعلوت مرتقيا أكامه فلمحت في بعض الوهاد وقد قعدت سواد هامه فسعيت أحسبها غرابا أو حداة أو حمامه وإذا بأسود كالفنيق يقل إيرا كالدعامه وإذا بشيخ تحته حسن الوسامة والقسامه والشيخ يعصر تحته قد بل من عرق حزامه فزجرت نايكه فقال له ألست ترى مقامه انهض فديتك علنا نقضي بنهضتنا ذمامه ونعود بعد عزوبه عنا وتربحنا خصامه فسطا عليه وقال نك لا كان ذاك ولا كرامه هذا الرقيع بعينه لي في رقاعته علامه لولا فضول فيه لم يصرف إلى دبري اهتمامه وبكى وقال لي امض ويحك واسأل الله السلامه
واشكره لما صار سرمك لا يريد له صمامه واعلم بأني كنت من أهل الرياسة والزعامه يومي إلي إذا عبرت يقال ذا ابن أبي أسامه حتى ابتليت بمبعري فحصلت بين الناس شامه فعجبت من تلك الفصاحة وهو يعفج والعرامه شيخ له سمة تخاطبني بألفاظ مقامه والأير يغرق في استه قد غاب في مفساه قامه فتضاحك الحبشي منه وقال لا تسمع كلامه هذا وعيشك دأبه من قبل مبلغه احتلامه أبدا يباري باسته بين الورى صوب الغمامه واستله من دبره وكأنه عنق النعامه من الكامل وقال يهجو منشا بن إبراهيم القزاز قال منشا يوما لسعدانه وهي سحور العينين فتانه من بعد أن غلف العوارض بالطيب وغلا بالمسك أسنانه وامتص من خمرة معتقة تحول بين الدنان في الحانه وكان خشف قد باسها بفم وهي من البوس بعد شبعانه هل لك في قبلة وهاك خذي خمسين حمرا وحل هميانه قالت له هاتها ودونك فاسطعني بجعص وعجل الآنه فباسها ثم قال قد بقيت أخرى فقالت وعظمت شانه
ما هي قل لي ألم أبس شرجا جمشت أعفاجه ومصرانه ألم أقدم فما أظن به إلى كنيف أطرت ذبانه فقال أن تدخلي لسانك في في فردت مرد حردانه يا ألف كشخان وابن زانية نعم ويا زوج ألف كشخانه لم ترض أني قبلت مقعدة تحت سبال كأنها عانه حتى تناهيت في الهوان فشبهت لساني ببنت وردانه من المنسرح وقوله فيه إن منشا قد زاد في التيه وزاد في شامنا تعديه فلا ابن هند ولا ابن ذي يزن ولا ابن ماء السما يدانيه وهو مغيظ علي الوصي ومن يعزى إليه من يواليه يذكر أيام خيبر بهم وهم قذى جال في أماقيه وقد حكى أن فاه أطيب من سرمي وأني ممن يعاديه ومن يقول القبيح فيه ومن أصبح بالمعضلات يرميه فسوكوه بكل طيبة الريح تعفي على مساويه ومضمضوه بالخل واجتهدوا معا بكل اجتهادكم فيه وأطعموه من الجوارش ما يعمل بالمسك والأفاويه واسقوه من خمرة معتقة قد صانها القس في خوابيه واستفقحوني واستنكهوه فإن كان لسرمي فضل على فيه
فحملوا الكلب والحمار على عياله واصفعوا محبيه من المنسرح وقوله فيه يا راكبا يقطع عرض الفلا على أمون جسرة حرف أبلغ أبا سهل إذا جئته رسالة عن عبده المنفي وقل له عرنين ذاك الفتى في حالة جلت عن الوصف قد ذاب مذ ليلة ساررته وصار للسقم على النصف يبكي فما ترقا له عبرة ويسهر الليل فما يغفي حزنا على أرنبة غودرت تقطر قطرا من دم صرف فهو بسرم الكلب يا سيدي من داء أنفاسك يستشفي من عاذري من رجل زرته للحين والإدبار والحرف فقال عندي لك أحدوثة مليحة تكتب في الصحف فادن لكي تسمعها واحتفظ بالسر في مكنون ما تخفي فقمت للغفلة مستعجلا أمشي برجلي إلى حتفي ففاه عن أنتن من جعسه يعد بين البخر بالألف وشارب فيه دم فارث ولثه تشخب كالخلف تحوم ذبان الخلا حوله مثل حمام طار من كف كشعر زق الدبس أو شعرة الحائض أو مكنسة الكنف وشك خيشومي بنشابة من يد حر طامش وجف
تصمى العرانين ولو أنها في الدلص الموضونة الزغف وتدرك الهارب منها ولا ينجو ولو كان على طرف فانغمرت روحي وناديته يا أيها الثعبان بالكهف بحق من كلم موسى على الطور فدك الطور بالرجف هب لي ما أبقيت مني فقد أشفى على مثل شفا الجرف ولم أزل أدفعه جاهدا وقد تقاعست إلى خلف فانقد بعض الثوب في كفه وقال أفلت فيالهفي وكان للحين على موضع مستشرف مرتفع السقف فانكسرت ساقي وهيضت يدي واندق صدري ووهى كتفي وقمت أجري بعدها هاربا أسعى على رجلي كالخشف يا معشر الناس اسمعوا ما أنا قائله واسمعوا وصفي إذا أردتم سرم أستاذنا فلتكن الآناف في غلف ثم اغسلوا شعر اللحى بعدها غسل الدرابيك أو القطف وبخروها بعد تطييبها بكل شيء طيب العرف وما أرى سائر ما قلته يغني ولا أحسبه يكفي أو فانتفوها واستريحوا فما ينجيكم شيء سوى النتف وسوكوه بخروا أمه في رأس كرناف من الرعف
فإن جالينوس ما عالج البخرة إلا بخرا القلف من السريع وقال في الغزل ويعرض بابن بسطام في الهجاء ويذكر أنها لميسر ومهفهف يزهو علي بجيده وبخصره وبردفه وبساقه وافى إلي وقلبه متخوف كتخوف المعشوق من عشاقه حتى إذا مددته وحللت عن كفل مباح الحل بعد وثاقه وافت إلي أصنة من دبره بخلاف ما قد فاح من أطواقه فأجبته ماذا فقال بحرقة ودموعه تنهل من آماقه هذا ابن بسطام أتاني طارقا بلطيف حيلته وحسن نفاقه وعلا على كفلي وبلغم مثقبي برياله المنهل من أشداقه فبقى صنان رضابه في مثقبي زمنا لحاه الله بعد فراقه فالله يحرمه معيشته كما قد سد مكسب مثقبي ببصاقه من الكامل وقال يصف ما جرى عليه في الدعوة التي عملها في قرية حرايا من أعمال دمشق من لعين تجود بالهملان ولقلب مدله حيران يا خليلي أقصرا عن ملامي وارثيا لي من نكبتي وارحماني ومتى ما ذكرت دعوة أولاد البغايا والعاهرات الزواني فانتفا لحيتي وجزا سبالي وبنعل الكنيف فاستقبلاني ما الذي ساقني لحيني إلى حتفي وما غالني وماذا دهاني
من عذيري من دعوة أوهنت عظمي وهدت بهولها أركاني كنت في منظر ومستمتع عنها ومن ذا يغتر بالحدثان فنزت بطنتي وهاجت على نفسي بلاء ما كان في حسباني كان عيشي صاف فكدره أهل صفائي بنو أبي صفوان فارثوا لي يا معاشر الناس من ضري ومن طول عطلتي وامتحاني ضرب البوق في دمشق ونادوا لشقائي في سائر البلدان النفير النفير بالخيل والرجل إلى فقر ذا الفتى الواساني جمعوا لي الجموع من خيل جيلان وفرغانة إلى ديلمان ومن الروم والصقالب والترك وخلقا من بلغر واللان ومن الهند والطماطم والبربر والكيلجوح والبيلقان لم يبقوا ممن عددت من الآفاق من مسلم ولا نصراني والبوادي من الحجاز إلى نجد معديها مع القحطاني كل ضرب فمن طوال ومن حدب قصار والحول والعوران وشيوخ مثل الفراخ وشبان رحاب الأشداق والمصران معد جوعت ثلاثين يوما بسلاح شاك من الأسنان من مرند ومن تكين وطرخان وكسرى وخرد وطعان وخمار وزيرك وعجيب وبديع وفارس وجوان وجريح ونار قسطا ويونان وبرحفثيا يوحنان وطراد وجهيل وزياد وشهاب وعامر وسنان قمس جمعوا بغير عقول ردعتهم عني ولا أديان
هل سمعتم بمعشر جمعوا الخيل وساروا في الرجل والفرسان رحلوا من بيوتهم ليلة المرفع من أجل أكلة مجان يركضون البريد تسعة أميال بنص الوجيف والذملان شره بارد وحرص على الأكل بأنا قوم من المجان ما شعرنا ونحن من آمن العالم إلا بصرخة الديدبان أدركوني فهذه غرر الخيل وسمر يعسلن كالأشطان لست أنسى مصيبتي ويوم جاءوني وقد غص منهم الواديان وردوا ليلة الخميس علينا في خميس ملء الربا والمحاني متلئب كالسيل لا يلتقي منه لفرط انتشاره الطرفان شزروني بأعين تقدح النيران خوص إلى العدو زواني أشرفوا لي على زروع وأحطاب وبيت من خيره ملآن لبن قارس وخبز كثير وقدور تغلي على الدادكان وشواء من الجداء ومعلوف دجاج وفائق الحملان وشراب ألذ من زورة المعشوق بعد الصدود والهجران يخجل الورد في الروائح والطعم ويحكي شقائق النعمان أذكرتني جيوشهم يوم جاءوني جيوش العدو في رغبان بقدم القوم هاشمي هريت الشدق رحب المعي طويل اللسان
هو نمس الدجاج والبط والأوز وذئب النعاج والخرفان والشريفان أشرفا في خلال الخيل في موكب من الحبشان وسواد من عظمه طبق الأرض وخيل تهوين كالظلمان وأبو القاسم الكبير على طرف كميت أقب كالسرحان وأخوه الصغير يعترض الخيل على قارح عريض اللبان وهما يهويان بالسوط والرجل إلى ما يسوءني مسرعان أي قلب يطيق شتم بني خير البرايا وأكرم النسوان غير أني يوم القيامة أشكوهم إلى الحرة الحصان الرزان وأنادي يا بنت خير النبيين ويا أم أكرم الفتيان أي شيء صنعت بابنيك حتى غزواني في الزنج والسودان والسري الذي سرى في جيوش أضعفتني وقصرت من عناني بفم أشوه وشدق رحيب وبكف يجول كالصولجان وأخوه الفضل الذي بان للعالم من فضل أكله نقصاني والشمولي خلقه خلق تراس عريض الأكتاف عبل الحران لست أنساه جاثيا جاحظ العين عبوسا في صورة الغضبان كالعقاب الغرثان يقتنص اللحم ويهوي إلى طيور الخوان والأديب الذي به كنت أعتد غزاني للحين فيمن غزاني
وكذا الكاتب الذي كان جاري وصديقي ومشتكى أحزاني غيرته الأيام حتى أتاني جائعا للشقاء مذ سنتان وصديق الأشراف أخنى على خمري وأفنى بالكرع ما في دناني كلما شقق الفراريج شققت لغيظي من فعله قمصاني وهو في أمره مجد رخي البال لم يعنه الذي قد عناني مجرهد كالسوس في الصوف في الصيف بقلب خال من الإيمان قلت قل يا ابن المبشر ما شأنك من بين من غزاني وشاني ليس هذا من شهوة الأكل هذا من طريق البغضاء والشنآن قلت للفيلسوف لما غدا في الأكل أعني فتى أبي عدنان واستحث الكؤوس صرفا بلا مزج مكبا كالهائم العطشان ليت شعري أمن رسائل بقراط تعلمت ذا وسمع الكيان أنت تزداد يا خليلي بهذا الفعل علما بالعالم الروحاني ثم لا تنس ما لقيت وما مر لشؤمي من عسكر الفرغاني أعجمي اللسان أفصح من قس إذا ما نشا ومن سحبان قال قم فأتنا بخبز ولحم ونبيذ في حمرة الأرجوان وغلام مقين حسن الوجه يحاكي بقده غصن بان لم توكل فرغان إلا بتفريغ دناني وصبها في الجفان إن من أعظم المصائب يا قوم بلائي بذلك الطرمذان رجل كالفنيق فدم بلا لب طويل في صورة الشيطان
يققا كالعمود يستعذب الصفع ورأس أصم كالسندان زائد الخلق ناقص العقل والدين غليظ القذال كالقلتان يبلع الطيبات بلعا بلا مضغ ويحسو النبيذ كالثعبان لا تمتني حتى أراه وقد قصر من فضل طوله شبران وأتوني بزامر زمره يحكي ضراط العبيد والرعيان ومغن غناؤه يطلق البطن ويأتي بالقيء والغثيان قصدت هذه الطوائف حمرا يا لهتكي وذلتي وامتحاني قلت ما شأنكم قالوا أغثنا ما طعمنا الطعام منذ ثمان وأناخوا بنا فيا لك من يوم عبوس عصبصب أرونان نزلوا حجرتي وأطلقت الأفراس بين الرطبان والقصلان لم يكن مربعا سوى ساعة حتى رأيت الزروع كالفلحان أفقروني وغادروني بلا دار ولا ضيعة ولا بستان حيروني ودلهوني فقد صرت بليدا كالذاهل السكران أسمع اللفظ كالطنين لسهوي وهو لفظ يجري لغير معاني تركوني يا قوم أفقر من فرخ وأعرى ظهرا من الأفعوان أكلوا لي من الجرادق ألفين ببن تشتاقه العارضان أكلوا لي أضعافها غير مسطور ومالوا إلى سميد الفران أكلوا لي من الجداء ثلاثين قريصا بالخل والزعفران
أكلوا ضعفها شواء وضعفيها طبيخا من سائر الألوان أكلوا لي تبالة تبلت عقلي بعشر من الدجاج السمان أكلوا لي مضيرة ضاعفت ضري بروس الجداء والعصبان أكلوا لي كشكية قرحت قلبي وهاجت لفقدها أشجاني أكلوا لي سبعين حوتا من النهر طريا من أعظم الحيتان أكلوا لي عدلا من المالح المشوي ملقى في الخل والأنجدان أكلوا لي من القريشاء والبرني والمعقلي والصرفان ألف عدل سوى المصقر والبردي واللؤلؤي والصيحاني أكلوا لي من الكوامخ والجوز معا والخلاط والأجبان ومن البيض والمخلل ما تعجز عن جمعه قرى حوران فتتوا لي من السفرجل والتفاح والرازقي والرمان والرياحين ما رهنت عليه جبتي عند أحمد الفاكهاني درسوا لي من البنفسج والنرجس ما ليس مثله في الجنان ذبحوا لي بالرغم يا معشر الناس ثمانين من معين وضان ما كفاهم ما مر من غنم القرية حتى أخنوا على الثيران ذبحوها والدمع يجري على خدي انسيابا مثل انسياب الجمان أكلوا كل ما حوته يميني وشمالي وما حوى جيراني ثم قالوا هلم شيئا فناديت غلامي قم ويحك فاخبأ حصاني لم تدع لي بطونكم يا بني البظر سواه وذا شطوب يماني فتمالوا علي شتما ولعنا واستباحوا عرضي بكل لسان من له قدرة على الشعر يهجوني ومن كان مفحما يلحاني
وكأني أنا الذي عثت في الخير وغيرت صورة الحيوان ثم جاء المعقبون من الساسة والشاكري والعبدان فرأيت النخاغ واللطم والدفع وكدم الأنوف والآذان وتفانوا صفعا وفاح من القوم غبار من الفسا والصنان ثم لما أتوا على كل شيء ختموا محنتي بكسر الأواني ثم قاموا إلى الجلاهق والباشق والمحدقات والزربطان فرأيت الحمام بعضا على بعض وبعضا ملقى على الأغصان ورأيت الدجاج في وسط القرية ملقى مكسر السيقان أكلوا ما ذكرت واستعملوا لي يا ثقاتي كرا من الأشنان ومن المحلب المطيب بالبان وماء الكافور سبع براني شربوا لي عشرين ظرفا من الراح لذيذ المذاق أحمر قان فأقاموا سواسهم والمكارين إلى أن سمعت صوت الأذان ينقلون الأحطاب من حيث وافوها فبالطير مر لي غيضتان جوزة كان حملها أحسن الحمل وكانت ظليلة الأفنان كان لي في فنائها منزل رحب أنيق يحفه نهران ورياض مثل البرود علاها الطل بين البهار والأقحوان وطيور ما بينها تتغنى بجميع اللغات والألحان هي كهفي ومستظلي من الحر وذخري لنائبات الزمان أحرقوها يا قوم في ساعة القفز وضرب الأحطاب بالنيران كسروا السكر فاختلطت فقالوا كيف تبقى بغير شاذروان قطعوا اللوز والسفرجل أحطابا ومالوا بها على غلماني
والنواطير مددوا وعلوهم حنقا بالعصي والقضبان طالبوني بالنيك في آخر الليل وجمع النساء والمردان قم فأسرع فبعضنا يطلب المرد وبعض مستهتر بالغواني فتوهمته مزاحا فجدوا قلت هذا ضرب من الهذيان ليس يبقي على أرامل حمرا يا سوى بذلهن للضيفان لو سمعتم يا قوم في غسق الليل بكاء النساء والولدان يتنادون بالعويل والويل وراء الأبواب والجدران ويقولون ويلنا من أبي القاسم هذا المطرمذ المخرقاني قصدته الأعداء فاستملكونا فحصلنا أسرى بغير أمان أوجروني النبيذ بالرطل حتى صرت أمشي كمشية الفرزان فجعوني لما سكرت بهمياني وشقوا عصائب الطيلسان كان في أول النهار على رأسي فأمسى على رءوس القيان ثم راحوا بعد الهدوء إلى داري فلم يتركوا سوى الحيطان كان لي مفرش وكل مليح فوقه مطرح من الميساني وبساط من أحسن البسط مذخور لعرس أو دعوة أو ختان غرقوه بالزيت والبول والقيء فأضحى وقدره بعرتان أوقدوا زيتنا جزافا بلا كيل يكيلونه ولا ميزان خلت داري يا إخوتي المسجد الجامع ليلا للنصف من رمضان سرقوا جبتي وسيفي وسكيني وخفي وجوربي وراني
ثم لما انتهت بهم شدة الكظة خروا صرعى على الأذقان هوموا ساعة كتهويمة الخائف في غير أرضه الفزعان ثم قاموا ليلا وقد جنح النسر ومال السماك والفرقدان يصرخون الصبوح يا صاحب البيت فأبكوا عيني وراعوا جناني سحبوني من جوف بيتي على وجهي كأني أدعى إلى السلطان بقلوب أشد حرا من الجمر وأقسى من الصفا الصوان قلت رقوا لذلك الطفل ميمون ولا تؤتموه يا إخواني ما تفي أكلة بقتل غريب ذي عيال ناء عن الأوطان علقوني بفرد رجل إلى السقف وعذبت ليلتي بالدخان لو رآني أبي وأمي على رأسي ورجلاي بالعصا تنقران بكيا لي من ذاك واشترياني من يديهم بكل ما يملكان وقع الضرب يا خليلي على جسم من السوط والعصا قرحان قلت للفضل والسري غثاني ومماتي قد حل بي خلصاني واذكرا عشرتي وودي وإخلاصي وحنا علي واستبقياني أنتما إن قتلتماني وحق الله من أجل أكلة تندمان أي شيء تركتماه لضعفي قد مضى لي بالأمس ما قد كفاني أحلفاني أن ليس عندي مشروب ولا في خزانتي لقمتان فاستشاطا علي غيظا وقال الفضل قل لي بأي عين تراني نحن من أجهل البرية طرا إن حصلنا منكم على الأيمان قطعوا الحبل فانقلبت على رأسي وظهري فاندق لي ضلعان
ثم لما تمكن اليأس خلوني ومالوا حشوا على الأتبان وأجيري مسخر ينقل الأتبان بالذل عاريا والهوان وهو يبكي فقلت ويحك ما تصنع بالتبن بعد موتة الفدان سرقوا السرج والقناديل والزيت وأقداحنا وكل القناني والنبيذ استقوه واغتنموه آخر الليل كاستقاء السواني زودوه سواسهم والمكارين معا بالجرار والكيزان لو ترى الفضل وهو يحمل في السرج قميصا مخيط الأردان قد حشاه لحما وطيرا وسبعين رغيفا من أعظم الرغفان سرقوا الراح في الزقاق وراحوا بطعام منضد في الصواني ميزوا خيلهم بكل كسير وعقير مدبر جربان خلفوه يرعى بقية زرعي رعي لا خائف ولا متوان ما رثى لي سوى المبارك من ضري وذاك القصير الدحدحاني رفهاني وخففا الثقل عني فهما من ملامتي سالمان والسري السرى حقا كما سمى أيضا من بطنه أعفاني هل سمعتم فيما سمعتم بإنسان عراه في دعوة ما عراني أسعدوني يا إخوتي وثقاتي بدموع تجري من الأجفان إخوتي من لواكف الدمع محزون كئيب مدله حيران هائم الفكر ساهر الليل باكي العين واهي القوى ضعيف الجنان لم يكن ذا القران إلا على شؤمي فويلي من نحس ذاك القران من الخفيف قد أحسن في هذه القصيدة غاية الإحسان وأبان فيها عن مغزاه أحسن بيان وتصرف فيها وأطال وأمكنه القول فقال وإذا تخلص الشاعر عند الإطالة
والوصف هذا التخلص وسلم مما يؤديه إلى التكلف والتلصص فهو الذي لا يدرك غوره ولا يخاض بحره وقال أيضا يهجو أبا الفضل يوسف بن علي ويعرض فيها بمنشأ بن إبراهيم ابن القزاز ويقال إن هذه القصيدة كانت سبب عزله من عمله وقد تصرف فيها كل التصرف وهي سالمة عن التكلف ولم يقل في معناها مثلها وهي يا أهل جيرون هل لسامركم إذا استقلت كواكب الحمل في ملح كالرياض باكرها نوء الثريا بعارض هطل أو مثل نظم العقود بالشذر والدر ووشي البرود والكلل يلذ للسامع الغناء بها على خفيف الثقيل والرمل كنت على باب منزلي سحرا أنتظر الشاكري يسرج لي وطال ليلي لحاجة عرضت باكرتها والنجوم لم تمل فمر بي في الظلام أسود كالفيل عريض الأكتاف ذو عضل أشغى له منخر ككوة تنور وعين سجراء كالشعل ومشفر مسبل كخب رحى على نيوب مثل المدى عصل مشقق الكعب أفدع اليد والرجل طويل الساقين في سمل فأهدت الريح منه لي أرجا مثل جني الروض في الندى الخضل مسكا وقفصية معتقة شيبا ببان وعنبر شمل فقلت ما هكذا يكون إذا راح الندامى روائح السفل
أسود غاد من الأتون له عرف أمير نشوان في فضل هذا ورب السماء أعجب من حمار وحش في البر منتعل أردده يا نصر كي أسائله فشأنه عضلة من العضل فقال يخشى فوات حاجتنا وليس هذا من أكبر الشغل فقلت ترك الفضول يا ناقص الهمة عين الإدبار والكسل بادره من قبل أن يفوتك في سلوكه بين هذه السبل فصد عني تغافلا ومضى يعجب من عقله ومن خللي وصاح من خلفه رويدك يا أسود مالي بالعدو من قبل ارجع إلى ذلك الرقيع وإن أطال في خطبه فلا تطل أجب إذا ما سئلت مقتصدا في اللفظ واسكت إن أنت لم تسل وهو بترك الفضول أجدر لو يسلم من خفة ومن خطل فكر نحوي عجلان يعثر في مرط كساء مبرغث قمل وقد مذى والمذي يقطر من غرموله في الذيول كالوشل وظن أني صيد فأبرز لي فيشلة مثل ركبة الجمل سوداء قد طوقت بطوق خرا أصفر تزهى به على الحجل وقال لج داركم لأولجها فيك وإن كنت لم تبل فبل فطالما أسهلت طبيعة من ليس لأمثالها بمحتمل هذا على أنها مؤدبة من الفياشي المروضة الذلل وطال والله ما خدمت بها الملوك خلف الستور والكلل وكنت أغشاهم على فرش الخز بلا سقطة ولا زلل
لأنها صنعتي وصنعة آبائي قديما في الأعصر الأول وزاد في دولة اليهود بها شرطي على ما مضى من الدول حتى لقد فتقت فروشهم وطريت بالغدو والأصل فانظر إليها فإن رأيت لها شبها فلا تدعني أبا الجعل وخذ عمودا أغلافه شرج لم يمتهن ساعة ولم يذل قلت له لا عدمت برك قد بذلت ما لم يكن بمبتذل وجدت عفوا من غير مسألة بدرة لا تباع بالجمل لكنني والذي يمد لك العمر ويعطيك غاية الأمل ما شق دبري مذ قط فيشلة ولا انتخاب الأيور من عملي ولا لهذا دعيت فاطلب لميلوخك من يستلذه بدلي وهات قل لي بالله من أين أقبلت ودعني من هذه العلل فقال لي بت عند عاملكم هذا أبي الفضل يوسف بن علي فصاك بي طيبه وصاك به مني صنان في حدة البصل تركته بالنهار أخفش لا ينظر في خدمة ولا عمل قلت تزيدت وادعيت على شيخ نبيل ينمى إلى نبل أبوه سمح وجده ملك يدعى حنينا وعمه الصملي لعل ذا غيره فصفه فما يخدع مثلي بهذه الحيل فإن تكن صادقا نجوت وأنحيت عليه باللوم والعذل وإن تكن كاذبا صفعتك بالنعل فإن كنت قائلا فقل فقال يا سيدي عجلت بمكر وهي وكان الإنسان من عجل هذا الذي بت عنده نصف دون مسن وفوق مكتهل
في فيه نتن وتحت عصعصه عين تمج الصديد في دغل آدر رخو العجان منخرق المبعر ألحى مهيج السفل حيضة باسوره إذا اختلطت بالسلح كالسمن شيب بالعسل له إذا ما علوته نفس أمضى من السيف في يد البطل يصرع طير السماء في الأفق الأعلى ويوهي مخارم القلل أنتن من كل ما يقال إذا بالغ في الوصف ضارب المثل وهو على ذاك مولع أبدا لشؤم بختي بالعض والقبل نعم وفي باب سرمه وضح أبيت ليلي منه على وجل أخاف يعدى أيري ببرصته فأغتدى مثلة من المثل أسود كالليل بين أكرعه عمود صبح ينجاب عن طفل فقلت هذى صفاته ولقد شغلت قلبي بذلك الرجل فقال أما إذ اهتممت به فإنه في نهاية الجذل قد طاب عيشا وقد أصاب من اللذة ما لم يصب ولم ينل يكون مثل العروس مفترشا طورا وطورا كالفحر في الإبل فيجمع اللذتين مغتبطا ذي دبره تارة وفي قبل وهو عوان لم يخش من ألم الحمل عقيم لم يخش من حبل وأنت يا ابن الخراء محتفل بأمره وهو غير محتفل فقلت قل لي من أين تعرفه فقال ذرني من هذه العقل كنت أجيرا بيد معصرة بصور كانت لكاتب البجل وكنت أضحى النهار في ظاهر اليد إذا ما انصرفت من شغلي
فنمت يوما وكنت من سهر الليل وقيذا كالشارب الثمل وهبت الريح فانكشفت ولم أشعر وطار الشراع عن قبلي واجتاز للحين والقضاء الذي حم منشا في موكب زجل حف بصفر البنود والخيل والرجل وبيض الصفيح والأسل على كميت أقب كالصخرة الصماء قدت من قنة الجبل ليس بأشغى ولا أجش ولا أهضم طاوي الحشى ولا شغل وهو أمام الصفوف تقدمه جرد الهوادي شوازب المقل مجنبات كأنهن سرا حين قطاء أو كالقنا الذبل وحان منه التفاتة فرأى ذيل قميصي قد قد من قبل فاشتد تحديقه إلي كما حدق ذئب طاو إلى حمل ولم أبت ليلتي وعيشك يا مولاي حتى دعيت بالرسل فجئته خائفا كما يلج العصفور مستكرها على الورل فارتعت لما رأيت لحيته وكدت أخرى من شدة الوهل وظن أني استحييته فغدا يبسطني بالمزاح والغزل وقال هذا الحياء يا بأبي أنت بريد النكول والفشل فاطرح الهيبة المضرة بي واعتزل الخوف أي معتزل إن كنت أكرمتني لترفع من قدري فبعض الهوان أنفع لي
انتف سبالي واصفع قفاي ولا تنظر إلى قدرتي ولا خولي ولا عبيدي ولا فروشي ولا طيبي ولا حليتي ولا حللي إن يشق أعلاي باللطام فقد يسعد بالرهز بعده سفلي وليس بعد المزاح يا بأبي في الرأس من حشمة ولا خجل ولم يزل دائبا يشمرخ شا قولي ويختال لي على مهل فحين أدليت كالحمار بدا يرفع أجلاله عن الكفل وخر للوجه والجبين وقد رطب حول خصييه بالبلل طعنته طعنة بصدق الأنابيب أصم الكعوب معتدل فقال أوجعت جوف مقعدتي وظل يدعو بالويل والهبل وقرقرت بطنه وربتما حذرت من مثلها ولم أبل ثم رماني بسلحة خطمت أنفي فزاولتها على ميل فقلت يا سيدي ويا أملي أظن ذا السرم من بني ثعل فقال أخطأت إذ أسلت دمي فقلت كلا والله لم يسل أين النجيع القاني فديتك من لطخ رجيع كالورس منسحل ألا تبرزت لا أبالك أو شددت من باب سرمك النغل فقال لما أنشأت تعفجني في استى برمح لم يعتصم سفلي ألم تكن عالما بأن سلاح استي سلاحي في كل منتضل
خذ آبنوسا حليته ذهبا فالحلى أولى به من العطل ولا تلمني فيكف أصنع في سرم شديد الحكاك مؤتكل تمنعه اللذة الحياء فتسترخي حواشي مثقف نغل نعم وعاجلتني بجانفة أصمت ومرت في موضع العلل عاجلت قلبي عن التحفظ في أمري برهز كالبرق مشتعل وخاض جعسي أير به هوج يجوز حد الجنون والخبل يا سيدي ما اسمه فقلت أبو الأسود يكنى وليس بالدؤلي فقال يا حبذا أبو الأسود الزاهد فينا بسلحة قبلي هل رابه غيرها وقد جعل الماء طهورا لكل مغتسل فامض وعد بعدها لترويني من بعد نومي علا على نهل ولا تخف بعدها وصاح بفراش قصير السربال معتمل فقال ذاك الفراش مالك قدمت كذا فاغتسل ولا تبل فهذه عادة لسيدنا موروثة عن أبيه لم تزل ولم أزل في خزانة الفرش أياما مخلى في زي معتقل حتى انثنت صعدتي وبان له في أناة الفتور والكسل ثم تغني والأير في يده قد خف بعد العتو والثقل يا دار هند بالخيف من ملل حييت من دمنة ومن طلل وقال لي ويك في دمشق أخ للوقف والخرج والضياع بلى وهو بحب السودان أعرفه وليس عن رأيه بمنتقل فخذ كتابي وسر إليه ولا تترك مقالا مذ قط لم يقل
وقل سرت بي في الليل ذعلبة تهدي صدور المهرية البزل تمطو جماحا إذا المطي ونت حتى تراخى لها من الجذل أهوى بطون الأقطار في غسق اللميل وآوي مناهل الوعل وليس لي شافع إليك سوى فيشلة أسهلت أبا سهل فإنه سوف يلتقيها ويحبوها إذا أقبلت بحيهل وتغتدي عنده أعز من الأهلين والأقربين والخول فجئته واثقا بقول أبي سهل ومن يسمع المنى يخل فما حصلنا إلا على سهر يعمي ورهز يوهي القوى نكل وكان هذا ابتداء معرفتي به فحسبي فاقطع ولا تصل وقد مضى يومنا بلا عمل ترجى له أجرة ولا أمل ظننت للنيك قد دعيت ولم أدري بأني دعيت للجدل من المنسرح صرف عنه بعض الأدباء وهو ابن خيران العبد لأنه أصال ولم يصرفه صرف عند بعض الأدباء وهو ابن خيران العبد لأنه أطال ولم يصرفه بعد منثور يتقدم ذلك قلت له اذهب مصاحبا فلقد حدثت عنه بحادث جلل فمر يسعى كأنه ثمل من سهر كده ومن ملل يقول في سيره وقد وضح الصبح ألا رب واثق خجل كان نكاح إبليس زوره بلا شهود ولا حضور ولي لا بارك الله فيهما فلقد جاءا بما لا يجوز في الملل
وعدت بالله أستعيذ من السوء ومن كل موقف رذل والحمد للواهب السلامة من جرح يداوي بهذه الفتل وإن اتفق وجود المنثور ألحقته بعون الله وقدرته أحمد بن محمد الطائي الدمشقي قال قد غدونا إلى صلاة الغداة ثم ملنا منها إلى الحانات فشربنا مدامة كدم الخشف عقارا تضيء في الكاسات فإذا شجها السقاة بماء أبرزت مثل ألسن الحيات وكأن الأنامل اعتصرتها من شقيق الخدود والوجنات من الخفيف أبو محمد الموصلي قال يرثي أم الأمير أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وقد رثاها الناس على طبقاتهم يا أميرا علا على النجم همه مثل ما قد زرى على الخلق عزمه أكثر الناس في التعازي وقالوا كل معنى ينسي أخا الهم همه فاختصرت العزاء في نصف بيت كل خطب إذا تعداك نعمه من الخفيف
أبو محمد الحسن بن علي بن وكيع التنيسي شاعر بارع وعالم جامع قد برع في إبانه على أهل زمانه فلم يتقدمه أحد في أوانه وله كل بديعة تسحر الأوهام وتستعبد الأفهام فمن ملح شعره وغرائبه قوله من قصيدة مربعة رسالة من كلف عميد حياته في قبضة الصدود بلغه الشوق مدى المجهود ما فوق ما يلقاه من مزيد جار عليه حاكم الغرام فدق أن يدرك بالأوهام فلو أتاه طارق الحمام لم يرده من شدة السقام له اهتزاز وارتياح وطرب لوجه من أورثه طول الكرب فهل سمعتم في أحاديث العجب بمن مناه قرب من منه العطب ما غاب عنه الحزم في الأمور لكن مقدار الهوى ضروري صاحبه يخبط في ديجور منفسد التقدير بالمقدور إذا التقى في مسمعيه العذل وقيل من دون المراد القتل قال لهم لوم المحب جهل إن الهوى يغلب فيه العقل ما العذر في السلوة في غزال منقطع الأقران والأشكال
تستخلف الشمس لدى الزوال ضياء خديه على الليالي بخفة الروح احتوى صلاحي فصرت لا أرغب في الفلاح والشكل والخفة في الأرواح أملح ما يعشق في الملاح من عشق الفدم وإن دق البصر فليقصد البيعة وليهو الصور من كان يهوي منظرا بلا خبر فما له أوفق من عشق القمر ظبي سلوي عنه مثل جوده خياله أكذب من موعوده أجفانه أسقم من عهوده أردافه أثقل من صدوده يا وصله صل مثل وصل صده يا حكمه كن في اعتدال قده يا قلبه كن رقة كخده يا خصره كن مثل ضعف عهده أما وخصر ضعفه كصبري له ووجه حسنه كشعري له عذار قام لي بعذري لا تبت من شوقي إليه دهري أضحى لإبليس به استقدار على بني آدم واستبشار وقال في ذا تستطاب النار ما لهم عن مثل ذا اصطبار
تمت لي الحيلة في العباد أدركت من صالحهم مرادي بمثل ذا أمكنني إفسادي لأنفس العباد والزهاد والهفتي من خده الأسيل إذا انجلى عن صفحتي صقيل واحربي من طرفه الكحيل من منصفي منه ومن مديلي من مقلة كالصارم البتار ألحاظها أمضى من المقدار تحكم في لبي وفي اصطباري نظير حكم الدهر في الأحرار حل قواي العقد من زناره ألهب قلبي خده بناره عذر صبري مبتدأ عذاره حيرني بالطرف واحوراره جاء بوجه حسنه محبوب تطيب في أمثاله الذنوب وقامة ذل لها القضيب والقد تنقد به القلوب هفا بقلبي منه إفراط الهيف فقلت لما أن تثنى وانعطف يا سيدي من دون ذا الميل التلف وشرط من كان ظريفا في القطف
ما قصر القامة مثل الطول ولا البدين الجسم كالمهزول عشق الرشيق الأهيف المجدول شأن ذوي الأفهام والعقول لا يعشق الضخم الغليظ الجسم غير غليظ الطبع جاف فدم مكدر الحس ركود الفهم يقول في الحسن بغير علم قد صحت لما خفت منه القتلا وكدت من فرط السقام أبلى يا حاكما جانب في العدلا مهلا بمن يهواك مهلا مهلا يا ظالما يقتلني مجاهره قد منع الوجد من المساتره هلم إن شئت إلى المناظرة واستعمل الإنصاف لا المكابره في أي دين حل قتل الروح وهل كما تفعل من مبيح إن قلت ذا جاء عن المسيح فليس ما تزعم بالصحيح مرقص ما أخبرنا بذا الخبر عنه ولا لوقا حكاه في الأثر وقد نهى عن ذا يوحنا وزجر ولا ارتضى متى به ولا أمر أربعة ليس لهم عديل ولا لهم في أمرهم كفيل
ما فيهم من قال ما تقول فهل سوى إنجيلهم إنجيل فإن زعمت أن ذا موجود في زبر جاء بها داود فما الزبور بيننا مفقود فكيف لم تعلم به اليهود ولم يخبر أحد سواكا من النصارى كلهم بذاكا لا تتقول غير ما أتاكا وغلب الحق على هواكا سفك دمي يحظر في الأديان فدع حجاجا ظاهر البطلان لا تجمع الإثم مع البهتان وكن على خوف من العدوان واعلم بأني إن تمادى بي الهوى وخفت أن أتلف من فرط الضنى ودمت في هجرك لي كما أرى ولم أجد منك لما بي مشتكى شكوت ما تلقاه نفسي البائسة من خطرات للهموم هاجسه عفت رسوم الصبر فهي دارسه إلى جميع عصبة الشمامسة فإن هم لم يرحموا أنيني وخيبوا في قصدهم ظنوني
ولم أجد في القوم من معين ينصفني منك ولا يعديني شكوت ما يلقى من الأحزان قلبي إلى مشيخة الرهبان عساك تستحي من الشيخان وإن تهاونت بهم في شاني فلا أراك مغضبا عبوسا إذا أتيت أسأل القسيسا معونة أرجو لها التنفيسا عن مهجة قاربت النسيسا واعلم بأني إن رددت شافعي هذا ولم يرجع بأمر نافع فليس ذا بحاسم مطامعي كم طالب جد بجد مانع لو كنت مبذولا لنا لم تطلب وإنما نرغب إذ لم ترغب وكلت النفس بترك الأقرب وشدة الحرص على المستصعب وإن تماديت على جفائكا ودمت بالقلة من حبائكا في هجرنا على قبيح رأيكا واستيأس الرهبان من إصفائكا
فلا تلمني إن قصدت الأسقفا من برح السقم به رام الشفا فلا تقل أبديت مكنون الخفا أنت الذي أحوجتني أن أكشفا سوف إلى المطران أنهي قصتي إن دام ما تؤثره من هجرتي فإن رثى لي طالبا معونتي ولم تشفعه بكشف كربتي شكوت ما يلقاه من فرط السقم قلبي إلى البطرك والحبر العلم عساك إن حالفته فيما حكم يدخلك الحرم فويل من حرم هناك تأتي مستقيلا ظلمي تسألني عطف الرضى بالرغم ترضى بما ينفذ فيك حكمي إذا بك اشتد عذاب الحرم دع ذا فهذا كله تهديد أرجو به قربك يا بعيد هيهات سري أبدا جحود فيك وقولي كلما تريد مولاي قد ضاقت بي الأمور فقلت ما قلت وقولي زور قلبي إلا في الهوى جسور فلا تلم أن ينفث المصدور
مولاي بالرحمن أحي مغرما يخاف أن تغضب إن تظلما إليك أشكو فعسى أن تنعما مهلا قليلا قد قتلت المسلما يا جرجس ارفق بفؤاد هائم يا سيدي خف سوء عقبي الظالم وقد رضينا بك في التحاكم والجور لا يشبه فعل الحاكم أقصى رجائي منك نيل الود وقبلة تشفي غليل الوجد يا جائرا أفرط في التعدي منك إليك في الهوى أستعدي من الرجز وقال في أزمنة السنة مزدوجة يا سائلي عن أطيب الدهور وقعت في ذاك على الخبير سألتني أي الزمان أحلى وأيه بالقصف عندي أولى عندي في وصف الفصول الأربعة مقالة تغني اللبيب مقنعه فصل الصيف أما المصيف فاستمع ما فيه من فطن يفهم سامعيه فصل من الدهر إذا قيل حضر أذكرنا بحره نار سقر تبصر فيه النبت مقشعرا والأرض تشكو حره المضرا نهاره مقسم بين قسم جميعها يعاب عندي ويذم أوله فيه ندى مبغض كأنه على القلوب يقبض يلصق منه الجسم بالثياب وتعلق الأذيال بالتراب
حتى تراها مثل منديل الغمر فيهن تخطيط كتخطيط الحبر حتى إذا ما طردته الشمس وفرحت بأن يزول النفس فتحت النار له أبوابها وشب فيها مالك شهابها حر يحيل الأوجه الغرانا حتى ترى الروم بها حبشانا يعلو به الكرب ويشتد القلق وتنضج الأبدان منه بالعرق تبصره فوق القميص قد علا حتى ترى مبيضه مصندلا إن كان رثا زاد في تمزيقه أو مستجدا حل حبل زيقه ثم يعيد الماء نارا حامية تزيد في كرب قلوب الضاويه شاربه يكرع في حميم كأنه من ساكني الجحيم ينسيه ما يلقى من التهابه أن يحمد الله على شرابه حتى إذا عنا انقضى نهاره وأرخيت من ليله أستاره تحركت في جنحه دواهي سارية وأنت عنها ساهي من عقرب يسعى كسعي اللص سرحها في إبر كالشص وحية تنفث سما قاتلا تزود الملدوغ حتفا عاجلا تبصر ما في جلدها من الرقش كوجنة مصفرة فيها نمش لو نهشت بالناب منها الخضرا لبترت منه الحياة بترا فإن أردت الشرب في إبانه على الذي وصفته من شانه أبشر بما شئت من الصراع فضلا عن التهويس والصداع
وعلل تعجز إحصاء العدد من جرب ومن دوار ورمد وبعد حمى الكبد لا تنساه لأنه أول ما تلقاه ولا تقل إن جاء يوما أهلا فلعنة الله عليه فصلا فصل الخريف حتى إذا زال أتى الخريف فصل بكل سوءة معروف أهوية تسرع في كل الجسد وهو كطبع الموت يبسا وبرد يخشى على الأجسام من آفاته فأرضه قرعاء من نباته لا يمكن الناس اتقاء شره من اختلاف برده وحره تبصره مثل الصبي الأرعن في كثرة التغيير والتلون فإن أردت الشرب للعقار في حينه بالليل والنهار فأنت منه خائف على حذر لأنه يمزج بالصفو الكدر أحسن ما يهدي لك النسيما يقلبه في ساعة سموما وهو على المعدود من ذنوبه خير من الصيف على عيوبه فصل الشتاء حتى إذا ما أقبل الشتاء جاءتك منه غمة غماء أقبل منه أسد مزير له وعيد وله تحذير لو أنه روح لكان فدما أو أنه شخص لكان جهما يأتيك في إبانه رياح ليس على لاعنها جناح
حراكها ليس إلى سكون تضر بالأسماع والعيون يحدث من أفعالها الزكام هذا إذا ما فاتك الصدام ثم يليها مطر مداوم كأنه خصم لنا ملازم يقطعنا بغضا عن الطريق وعن قضاء الحق للصديق وربما خر عليك السقف وإن عفا عنك أتاك الوكف هذا وكم فيه من المغارم وكثرة الإنفاق للدراهم في ملبس يدفع شر برده يكف عنا منه غرب حده ملابس تعيي الجليد حملا كأنما يحمل منها ثقلا يحكي بها المنحوف أصحاب السمن لكن تراه سمنا غير حسن فإن أردت بالنهار الشربا فيه فقد قاسيت خطبا صعبا واحتجت أن توقد فيه النارا تطير نحو الحدق الشرارا تترك مبيض الثياب أرقطا تحكي السعيدي لك المنقطا وبعد ذا تسدد الثقابا من خوفه وتغلق الأبوابا نعم وترخي نحوه الستورا حتى ترى صاحبه ديجورا فحسن لون الراح فيه لا يرى لأنه صار سواء والدجى تشرب فيه إن شربت الخمرا ليس لأن تلهو أو تسرا لكن لتحمي خضر الأعضاء فشربها ضرب من الدواء وإن أردت الشرب في الظلام عاقك عن تناول المدام حسبك أن تندس في اللحاف وخشية البرد على الأطراف
ورعدة تشغل عن كل عمل وتؤثر النوم وتستحلي الكسل حتى إذا ملت إلى الرقاد نمت على فرش من القتاد إن البراغيث عذاب مزعج لكل ما قلب وجلد تنضج لا يستلذ جنبه المضاجعا كأنما أفرشته مباضعا قبح فصلا فوق ما ذممته لو أنه يظهر لي قتلته حتى إذا ما هو عنا بانا وزال عنا بعضه لا كانا فصل الربيع جاء إلينا زمن الربيع فجاء فصل حسن الجميع لبرده وحره مقدار لم يكتنف حدهما الإكثار عدل في أوزانه حتى اعتدل وحمد التفصيل منه والجمل نهاره من أحسن النهار في غاية الإشراق والإسفار تضحك فيه الشمس من غير حجب كأنها في الأفق جام من ذهب وليله مستلطف النسيم مقوم في أحسن التقويم لبدره فضل على البدور في حسن إشراق وفرط نور كجامة البلور في صفائها أو غرة الحسناء في نقابها كأنها إذا دنت من نحره جوزاؤه قبل طلوع فجره رومية حلتها زرقاء في الجيد منها درة بيضاء هذا وكم يجمع من أمور إسراف مطريها من التقصير فيه تظل الطير في ترنم حاذقة باللحن لم تعلم غناؤها ذو عجمة لا يفهمه سامعه وهو على ذا يقرمه
من كل دبسي له رنين وكل قمري له حنين في قرطق أعجل أن يوردا خاط له الخياط طوقا أسودا هذا وفيه للرياض منظر يفشي الثرى من سرها ما يضمر سر نبات حسنه إعلانه إذا سواه زانه كتمانه فيه ضروب للنبات الغض يحكي لباس الجند يوم العرض من نرجس أبيض كالثغور كأنه مخانق الكافور وروضة تزهر من بنفسج كأنها أرض من الفيروزج قد لبست غلالة زرقاء فكايدت بلونها السماء تبصرها كثاكل أولادها قد لبست من حزن حدادها يضحك فيها زهر الشقيق كأنه مداهن العقيق مضمنات قطعا من السبج فأشرفت بين احمرار ودعج كأنما المحمر في المسود منه إذا لاح عيون الرمد أما ترى أترجه ما أحسنه يختال في غلائل مبينه وانظر إلى الخشخاش إن نظرتا يحكي كرات ظوهرت كيمختا وارم بعينيك إلى البهار فإنه من أحسن الأنوار كأنه مداهن من عسجد قد سمرت في قضب الزبرجد فانهض إلى اللهو ولا تخلف فلست في ذلك بالمعنف واشرب عقارا طال فينا كونها يصفر من خوف المزاج لونها
من كف طبي من بني النصارى ألبابنا في حسنه حيارى إذا بدا جماله لذي النظر قال تعالى الله ما هذا بشر يبدي جمالا جل عن أن يوصفا لو أنه رزق حريص لاكتفى تزينه أحشاء كشح طاويه وسرة محشوة بالغاليه لا سيما مع مسمع وزامر قد سلما من وحشة التنافر دونك هذه صفة الزمان مشروحة في أحسن التبيان فأصغ نحو شرحها كي تسمعا ولا تكن لحقها مضيعا وارض بتقليدي فيما قلته فإنني أدرى بما وصفته ولا تعارضني في هذا العمل فإنني شيخ الملاهي والغزل من الرجز وقال أيضا باعثا لدعوتي غلامه وعاتبا من تركنا إلمامه إذا أردت أن تزار في غد فلا تغال في الطعام واقصد واعمد إلى ما أنا منه واصف فإنني بالطيبات عارف ابعث فخذ عشرا من الرقاق تلذها نواظر الأحداق تكاد مما رق من حرسائها تشف للأعين من صفائها أرقها الصانع حتى خفت ولطفت أجسامها ومدت تكاد لولا حذقه في صنعته تطيرها أنفاسه من راحته حتى أتت في صورة البدور أو مثل جامات من البلور
حتى إذا فرغت منها متقنا ولم ير العائب فيها مطعنا فاعمد إلى مدور من البصل فإنه أكبر أعوان العمل يحكي لعينيك اخضرار قشره إذا رماه ناظر بفكره غلائلا خضرا على جسوم بيض رطاب من بنات الروم حتى إذا أحكمته تقطيعا وقلت قد جودته صنيعا خلطته باللحم خلطا جيدا ولم تزل تخلطه مرددا حتى إذا أنت أجدت فعله ثم جمعت في الرقاق شمله صيرته يا ذا العلا السنيه شابورة ليست لها سميه ثمت أغل الشبرق المقشرا من فوقه حتى تراه أحمرا مكتسيا حلته الخمريه من بعدما عهدتها فضيه ثم أدر كأس الشمول منعما أكرم بهذا مشربا ومطعما فلست في فعلك ذا مبذرا كلا ولا في حقنا مقصرا من الرجز وله في الروض أسفر عن بهجته الدهر الأغر وابتسم الروض لنا عن الزهر أبدى لنا فصل الربيع منظرا بمثله تفتن ألباب البشر وشيا ولكن حاكه صانعه لا لابتذال اللبس لكن للنظر عاينه طرف السماء فانثنى عشقا له يبكي بأجفان المطر فالأرض في زي عروس فوقها من أدمع القطر نثار من درر وشي طواه في الثرى صوانه حتى إذا مل من الطي نشر
أما ترى الورد كخدي كاعب راودها فامتنعت منه ذكر كأنما الخمر عليه نفضت صباغها أو هي منه تعتصر أخجله النرجس إذ جاد له فاحمر من فرط حياء وخفر قال له العين وما الخد لها موازنا في عظم قدر وخطر ماذا الذي يرجى لخد بهج مستحسن صاحبه أعمى البصر فاحمر من حجته إذ ظهرت والحق لا يدفع يوما إن ظهر وانظر إلى النارنج في بهجته يلوح في أفنان هاتيك الشجر مثل دنانير نضار أحمر أو كعقيق خرطت منه أكر وانطر إلى المنثور في ميدانه يرنو إلى الناظر من حيث نظر كجوهر مختلف ألوانه أسلمه سلك نظام فانتثر كأن نور الباقلا إذا بدا لناظريه أعين فيها حور كمثل ألحاظ اليعافير إذا روعها من قانص فرط الحذر كأنه مداهن من فضة أوساطها بها من المسك أثر كأنها سوالف من خرد قد زينت بياضها سود الطرر وانظر إلى الأطيار في أرجائه إذا دعا الثاكل منها وصفر كأنها تصفر في رياضها سرب قيان فوق بسط من حبر فانهض إلى اللهو ولذات الصبا لامك من يعذل فيها أو عذر فقلما يغنيك من يعذل فيما تشتهي حتى تواريك الحفر فكيف هجران اللذاذات ولم يبد نهار الشيب في ليل الشعر والنسك في عصر الصبا كأنه من قبحه خلع عذار في الكبر
يا لائما يعذلني في طربي حسبك قد أكثرت من هذا الهذر أعرف فضل العقل إلا أنه لعيش من آثره عين الكدر الجهل ينبوع مسرات الفتى والعقل ينبوع الهموم والفكر فاجسر على ما تشتهي جهالة ما فاز باللذات إلا من جسر واشرب عقارا لو أصابت حجرا لطار من خفته ذاك الحجر عدوة الحزن الذي ما ظفرت قط به إلا أساءت في الظفر لو رام أن يجيره من كيدها صرف الزمان الحتم يوما ما قدر أرقها الدهر إلى أن شاكلت من رقة شعر جميل وعمر خفية الحيلة في جسم الفتى تحدث في الجسم دبيبا وخدر كأنما الأوطار فيها جمعت فليس في العيش لجافيها وطر لا سيما من كف ظبي لم يشن بفرط طول لا ولا فرط قصر له سهام من لحاظ صيب كأنما يرمين عن قوس القدر مزنر شككني في دينه حتى أحلت الكفر فيمن قد كفر لأنه كالحور في تصويره والحور لا يسكنها الله سقر لو لم يكن زناره في وسطه يمسك ضعف الخصر منه لانبتر وبان منه نصفه عن نصفه لكنه جاء له على قدر إن قلت يحكي قمرا عنفني عقل له أعدمه عند القمر أنى يوازيه وهذا ناطق وذاك إن خوطب لم ينطق حصر
يا لك منه منظرا أشهى إلى قلبي من جنة عدن أو أسر يا طيب ذي الدنيا لنا منزلة لو لم نكن نزعج منها بسفر من الرجز وقال أيضا علل فؤادك والدنيا أعاليل لا يشغلنك عن اللهو الأباطيل ولا يصدنك عن أمر هممت به من العواذل لا قال ولا قيل فخير يوميك يوم أنت فيه إذا ميزت في الناس محمود ومعذول وإن أتوك فقالوا كن خليفتنا فقل لهم إنني عن ذاك مشغول فإن ذلك أمر مع نفاسته ونبله بفناء العمر موصول وارض الخمول فلا يحظى بلذته إلا امرؤ خامل في الناس مجهول ولا تبع عاجل الدنيا بآجل ما ترجو فذلك أمر شأنه الطول واسفك دم القهوة الصهباء تحي به روحي فإن دم الصهباء مطلول يا خائف الإثم فيها حين تشربها لا تقنطن فعفو الله مأمول قم فاسقني النض مما حرموه ولا تعرض لما كثرت فيه الأقاويل من قهوة عتقت في دنها حقبا كأنها في سواد الليل قنديل عروس كرم أتت تختال في حلل صفر على رأسها للمزح إكليل كأنها بأكف القوم إذ جليت ذوب من الذهب الإبريز محلول في فتية جعلوا للهو طاعتهم فما لهم عن طريق اللهو معدول جليسهم ليس يروى من حديثهم يوما وبعض حديث القوم مملول لا كالذين إذا ما كنت حاضرهم ففي سكوتهم المأمول والسول ترى مجالسهم مملوءة لجبا وكل ذاك فضول عنك معزول من البسيط
وقال أيضا اشرب فقد طابت العقار وابتسم الورد والبهار من قهوة ما انبرت لهم إلا وولى له انشمار لها جيوش من الملاهي للهم قدامها الفرار لألاؤها في الدجى نهار يظلم من نوره النهار إذا استقرت حشا لبيب رأيته ما له قرار لم يرها ناظر حديد إلا ثنى لحظه انكسار خيالها جسمه لجين وجسمها شخصه نضار كأنها تحته كميت عليه من فضة عذار لها لدى حزن شاربيها ثأر وعند الحلوم ثار فالحزن عن أهلها مطار والحلم في إثره مطار فلا انتصار لذا عليها ولا عليها لذا انتصار يسعى بها جؤذر غرير في لحظ أجفانه احورار يحسن مني الوقار إلا فيه فما يحسن الوقار أغار مني عليه حتى عليه من نفسه أغار كل جمال ترى فمنه إذا تأملت مستعار كأن صدغا له تراه وهو على خده مدار ميدان آس بدا جنيا ألهب في جانبيه نار بيت من الحسن لي إليه حج مدى الدهر واعتمار زيارة البيت كل عام ودهر ذا كله يزار
قلت له إذ بدا وقلبي من لاعج الشوق مستطار يا جامع الحسن كل حسن للناس من شرطك اختصار ما فضل الغانيات عندي عليك إلا امرؤ حمار من مخلع البسيط وقوله أيضا اشرب فقد طابت المدام وافتر عن ثغره الغمام من قهوة حرمت علينا والصبر عن مثلها حرام جلت عن الوصف فهي شيء يدق شأنها الكلام إذا استذم الأسى إليها فما له عندها ذمام طوقها الماء سمط در ليس لمنثوره نظام كأنها تحته كميت عليه من فضة لجام إذا بدت للهموم ظلت وهي لإعظامها قيام تلوذ منها فلا لواذ ينفع منها ولا اعتصام في فتية كلهم كريم وخير من يصحب الكرام يكسد سوق الفتاة فيهم ظرفا ولا يكسد الغلام أئمة كلهم عليم بكل ما فعله أثام لكنني فيهم على ما وصفت من فضلهم إمام وعندنا شادن غرير في لحظ أجفانه سقام للحسن قدامه جيوش للصبر قدامها انهزام يخف في حبه التصابي كمثل ما يثقل الملام ذا العيش فافطن له وبادر من قبل أن يفطن الحمام
وانعم فعام السرور عندي يوم ويوم الهموم عام من مخلع البسيط وقال أيضا جانبت بعدك عفتي ووقاري وخلعت في طرق المجون عذاري ورأيت إيثار الصبابة في الذي تهوى النفوس ممحق الأعمار لا تأمرني بالتستر في الهوى فالعيش أجمع في ركوب العار إن التوقر للحياة مكدر والعيش فهو تهتك الأستار من تابعت أمر المروءة نفسه فنيت من الحسرات والأفكار لا تكثرن علي إن أخا الحجا برم بقرب الصاحب المهذار خوفتني بالنار جهدك دائبا ولججت في الإرهاب والإنذار خوفي كخوفك غير أني واثق بجميل عفو الواحد القهار أقررت أني مذنب ومحرم تعذيب ذي جرم على الإقرار انظر إلى زهر الربيع وما جلت فيه عليك طرائف الأنوار أبدت لنا الأمطار فيه بدائعا شهدت بحكمة منزل الأمطار ما شئت للأزهار في صحرائه من درهم بهج ومن دينار وجواهر لولا تغير حسنها جلت عن الأثمان والأخطار من أبيض يقق وأصفر فاقع مثل الشموس قرن بالأقمار ناحت لنا الأطيار فيه فأرهجت عرس السرور ومأتم الأطيار دار له اتصل البقاء لأهلها لم يحفلوا بنعيم تلك الدار فانهض بنا نحو السرور فإنه ما زال يسكن حانة الخمار
فاشرب معتقة كأن نسيمها مسك تضوعه يد العطار أخفى دبيبا في مفاصل شربها وأدق ألطافا من المقدار أحكامها في العقل إن هي حكمت أحكام صرف الدهر في الأحرار يرضى على الأقدار شاربها الذي ما زال ذا سخط على الأقدار وكأنها والكأس ساطعة بها ذوب تحلل في عقيق جاري لا سيما من أغيد شادن يسبي العقول بطرفه السحار فضل الغصون لأنها من غرسنا عند التأمل وهو غرس الباري قد غيب الزنار دقة خصره حتى ظنناه بلا زنار منتصر قويت على إسلامنا بالحسن منه حجة الكفار قالوا أيصنع مثل هذا ربكم ويرى فساد صنيعه بالنار مع مسمع حلفت له أوتاره أن لا تنافر رنة المزمار فطن يحرك كل عضو ساكن تحريكه لسواكن الأوتار شدو إذا الحلماء زار حلومهم باعوا بطيب السخف كل وقار والشدو أحسنه الذي لم يستمع إلا أطار العقل كل مطار ذا العيش لا نعت المهامه والفلا وسؤال رسم الدار والأحجار لا فرج الرحمن كربة جاهل يبكي على الأطلال والآثار من الكامل وقال أيضا قد رضينا من الغزال الكحيل بغرور العدات والتعليل وهجرنا سواه وهو منيل وهويناه وهو غير منيل
فكثير البغيض غير كثير وقليل الحبيب غير قليل يا عذولي زعمت صبري صوابا وطريق الصواب غير محيل هلك العزم بين شوق صحيح أنا فيه وبين صبر عليل لا تعب من هويت بالبخل إني لا أحب الحبيب غير بخيل يجمل البخل بالملاح وإن كان بغير الملاح غير جميل كل من سره حبيب جواد فلتطب نفسه بقرن طويل من الخفيف وقال أيضا ألست ترى وشي الربيع المنمنما وما رصع الربعي فيه ونظما فقد حكت الأرض السماء بنورها فلم أدر في التشبيه أيهما السما فخضرتها كالجو في حسن لونه وأنوارها تحكي لعينيك أنجما فمن نرجس لما رأى حسن نفسه تداخله عجب بها فتبسما وأبدى على الورد الجني تطاولا فأظهر غيظ الورد في خده دما وزهر شقيق نازع الورد فضله فزاد عليه الورد فضلا وقدما وظل لفرط الحزن يلطم خده فأظهر فيه اللطم جمرا مضرما ومن سوسن لما رأى الصبغ كله على كل أنوار الرياض تقسما تجلب من زرق اليواقيت حلة فأغرب في الملبوس منه وأعلما وألوان منثور تخالف شكلها فظل بها شكل الربيع متمما جواهر لو قد طال فينا بقاؤها رأيت بها كل الملوك مختما فقم فاسقني ما حرموه فما أرى من العيش حلوا غير ما قيل حرما من الطويل
وقال أيضا قالوا عشقت كثير البخل ممتنعا فقلت هيهات عنكم غاب أطيبه لو جاد هان وقيل الجود عادته وإنما عز لما عز مطلبه من البسيط وقال أرجي دنو الوصل من بعد بعده كما قد ترجى في الجدوب السحائب وأكثر في الهجر العتباب كأنني لدهري من ظلم الكرام أعاتب وأهوى مواعيد المنى عنك بالرضى وقد تمنع الآمال وهي كواذب من الطويل وقال حبذا زور أتاني طارقا بعد اجتنابه شق جنح الليل بدر لاح من ثني نقابه طربت نفسي إليه وإلى طيب اقترابه طرب الشيخ إذا ذكر أيام شبابه من الرمل وقال خلعت في حبه عذاري وطاب لي العيش باشتهاري وذقت طعم الجنون فيه فكان أحلى من العقار إن أبد في حبه خضوعا فليس ذل الهوى بعار لو كان في الحب لي اختيار لكان تركي له اختياري من روحه في يدي سواه فهو حقيق بأن يداري لا تحمدوني على احتمالي هوانه واحمدوا اصطباري من مخلع البسيط
وقال متى وعدتك في ترك الهوى عدة فاشهد على عدتي بالزور والكذب أما ترى الليل قد ولت عساكره وأقبل الصبح في جيش له لجب وجد في أثر الجوزاء يطلبها في الجو ركض هلال دائم الطلب كصولجان لجين في يدي ملك أدناه من كرة صيغت من الذهب فم بنا نصطبح صفراء صافية كالنار لكنها نار بلا لهب عروس كرم أتت تختال في حلل صفر على رأسها تاج من الحبب من البسيط وقال قم فاسقني والخليج مضطرب والريح تثنى ذوائب القضب كأنها والرياح تعطفها صف قنا سندسية العذب والجو في حلة ممسكة قد طرزتها البروق بالذهب من المنسرح وقال وسحاب إذا همى الماء فيه ألقت الرعد في حشاه البروقا مثل ماء العيون لم تجر إلا ظل يذكي على القلوب حريقا من الخفيف وقال جوهري الأوصاف يقصر عنه كل وصف لكل ذهن دقيق شارب من زبرجد وثنايا لؤلؤ فوقها فم من عقيق من الخفيف وقال صوره خالقه جامعا لكل شيء حسن بارع
وكل حسن من جميع الورى مختصر من ذلك الجامع من السريع وقال عشقت من لا ألام فيه وما يخلو من اللوم كل من عشقا رأي الورى في سواه مختلف وأنت تلقاه فيه متفقا وكل قلب إليه منصرف كأنه من جميعها خلقا من المنسرح ألم فيه بقول إسحاق بن إبراهيم الموصلي خلق من كل قلب فهو يغني كلا ما يشتهيه وقال زارني في دجا الظلام البهيم قمر بات مؤنسي ونديمي بحديث كأنه عودة الصحة في الجسم بعد يأس السقيم تتلقى القلوب منه قبولا كتلقي المخمور برد النسيم من الخفيف وقال ظفرت بقبلة منه اختلاسا وكنت من الرقيب على حذار ألذ من الصبوح على غمام ومن برد النسيم على خمار من الوافر وقال لا تلفين مقارنا من لا يزين من الصحاب فالثوب ينفذ صبغه فيما يليه من الثياب من الكامل وقال ريق إذا ما ازددت من شربه ريا ثناني الري ظمآنا
كالخمر أروى ما يكون الفتى من شربها أعطش ما كانا من السريع وقال حملت كأسه إلى شفتيه كفه والظلام مرخي الإزار فالتقى لؤلؤا حباب وثغر وعقيقان من فم وعقار من الخفيف وقال وصفرا من ماء الكروم كأنها فراق عدو أو لقاء صديق كأن الحباب المستدير بطوقها كواكب در في سماء عقيق صببت عليها الماء حتى تعوضت قميص بهار من قميص شقيق من الطويل وقال سلا عن حبك القلب المشوق فما يصبو إليك ولا يتوق جفاؤك كان عنك لنا عزاء وقد يسلى عن الولد العقوق من الوافر وقال كأن أوراق زهر للباقلاء بهيه خواتم من لجين فصوصها حبشيه من المجتث وقال أسنى الأماني كلها وأجل منها ما ينال كأس ومسمعة وإخوان تحادثهم ومال من الكامل وقال أبصره عاذلي عليه ولم يكن قبل ذا رآه
فقال لي لو هويت هذا ما لامك الناس في هواه قل لي إلى إلى من عدلت عنه فليس أهل الهوى سواه فظل من حيث ليس يدري يأمر بالحب من نهاه من مخلع البسيط وقال في ثقيل ما السقم في سفر والدين مع عدم يوما بأثقل منه حين يلقاني مالي عليه معين حين أبصره غير الصدود وتغميضي لأجفاني من البسيط وقال إن كان قد بعد اللقاء فودنا دان ونحن على النوى أحباب كم قاطع للوصل يؤمن وده ومواصل بوداده يرتاب من الكامل وقال لا ووعد الوصل باللحظ على رغم الرقيب واختلاس القبلة الحلوة من خد الحبيب وسماع مستطاب جاء في لفظ مصيب ما سوى الراح لداء الهم عندى من طبيب من الرمل وقال يا من إذا لاحت محاسن وجهه غفرت بدائعها جميع ذنوبه النجم يعلم أن عيني في الدجا معقودة بطلوعه وغروبه إن كان في تعذيب قلبي راحة لك فاجتهد بالله في تعذيبه لو كان سفك دمي إليك محببا لرأيتني متضرجا بصبيبه من الكامل
قال ازهد إذا الدنيا أنالتك المنى فهناك زهدك من شروط الدين فالزهد في الدنيا إذا ما رمتها فأبت عليك كعفة العنين من الكامل وقال لا تحسدن صديقا على تزايد نعمه فإن ذلك عندي سقوط نفس وهمه من المجتث وقال وجلنار بهي ضرامه يتوقد بدا لنا في غصون خضر من الري ميد يحكى فصوص عقيق في قبة من زبرجد من المجتث وقال أقبل والعذال يلحونني فكلهم قال من البدر فقلت ذا من طال في حبه منكم لي التعنيف والزجر قالوا جهلنا فاغتفر جهلنا فليس عن ذا لامرئ صبر عذرك في الحب له واضح وما لنا في لومنا عذر من السريع وقال بما بعينيك من فتون ومن فتور بها وسحر وبالعذار الذي تولى خلع عذاري وبسط عذري
ومضحك منك لؤلؤي ممتزج مسكه بخمر جد لي بالصفح عن ذنوبي أولا فعاقب بغير هجر من مخلع البسيط وقال عدت إلى الغي بعد نسكي ولذ لي فيك طعم محكي أضحك للكاشحين جهرا ولي ضمير عليك يبكي تمنعني أن أبوح نفس تأنف من ذلة التشكي عيني التي أوقعت فؤادي يا عين ماذا لقيت منك من مخلع البسيط وقال واحربي من جفون ظبي أقام عذري به عذاره أسقم جسمي بسقم طرف حيرني في الهوى احوراره عجبت من جمر وجنتيه يحرقني دونه استعاره هذا اختياري فأبصروه شاهد عقل الفتى اختياره من مخلع البسيط وقال لا تقبلن من الرشيد كلامه وإذا دعاك أخو الغواية فاقبل ودع التزمت والتجمل للورى فالعيش ليس يطيب بالمتجمل واشرب مزعفرة القميص سلافة من صبغة البردان أو قطربل كأس إذا رمت الهموم بسهمها لم يخط نافذه سواء المقتل تحلو وتعذب في النفوس كأنها كبت العدو ورغم أنف العذل
حمراء يرحب كل صدر ضيق معها ويفتح كل باب مقفل تحكى ضرام النار إلا أنها نار لعمرك ليس تؤذي المصطلي لا سيما من كف طاوية الحشا ترنو بناظرتي خذول مطفل من الكامل وقال كتبت وفرط شوقي قد عناني وقد بعد اللقاء على التداني وما في البيت لي ثان فكن لي جعلت فداك يا مولاي ثاني فعندى ما يجاوز كل وصف وما يرضى الخليل إذا أتاني خروف أظهر الشواء فيه تأنقه فليس له مداني غلالة باطن منه لجين وظاهره غلالة زعفران وكأس مثل عين الديك صرف لها حبب كمنظوم الجمان لها في كف شاربها شعاع تطرف منه مبيض البنان يطوف بشمسها قمر منير تمكن طالعا في غصن بان وإن أحببت مسمعة أتتنا محذقة بأصناف الأغاني تطلق هم سامعها ثلاثا بتحريك المثالث والمثاني فهذا عندنا ولدون هذا لعمرك ما كفاك وما كفاني فزرنا لاعدمتك من صديق تتم لنا بزورته الأماني من الوافر وقال فحم شبه الغلام وأدلى في كوانينه حياة النفوس
كان كالآبنوس غير محلى فغدا وهو مذهب الآبنوس لقي النار في ثياب حداد فكسته مصبغات عروس من الخفيف وقال بت ضيفا لسيد يمني فقراني والجود قدما يماني وأتت عرسه تغازل إيري قلت لا تفعلي فلست بزاني ولو أني فعلت ما كنت ممن يتصدى لنسوة الإخوان فأتاني وقال نكها بعيشي فهي موقوفة على الضيفان قلت قد زدت في الضيافة معنى ما عرفناه في قديم الزمان قال من أجل ذاك طار لي اسم وألح الضيوف في غشياني فمتى يدعى مع اسمي ضيوف قيل مرعى وليس كالسعدان من الخفيف القاضي أبو الحسن علي بن النعمان أنشدني له ابن وهب ولي صديق ما مسني عدم مذ وقعت عينه على عدمي أغنى وأقنى فما يكلفني تقبيل كف له ولا قدم قام بأمري لما قعدت به ونمت عن حاجتي ولم ينم من المنسرح وأنشدني له أيضا صديق لي له أدب صداقة مثله نسب رعى لي فوق ما يرعى وأوجب فوق ما يجب
فلو نقدت خلائقه لبهرج عندها الذهب من مجزوء الوافر إسحاق بن أحمد بن المارديني أنشدني له ابن وهب يصف الثريا أرقني الشوق فلم أكتحل بلذة الغمض إلى الفجر تسري همومي فأراعي بها كواكبا دائبة تسري حتى كأن البدر إذ أشرقت على الثريا غرة البدر صفحة مرآة وقد أذهبت بمقبض رصع بالدر من السريع وله في الليل والنجوم كم مجهل بسواد الليل ملتبس باتت تقمه العيس المراسيل ليل قد اختلفت أشكال أنجمه كأنهن عيون للدجى حول تبدو الثريا ككف للدعاء بها قد مدها الصبح والجوزاء إكليل تلوى رقاب المطايا من تطاوله وينهض الفجر فيه وهو مشكول من البسيط القاضي أبو عبد الله محمد بن النعمان أنشدني له عبد الصمد بن وهب هذه الأبيات وهي مما يتغنى بها رب ليل لم أذق فيه الكرى حظ عيني فيه دمع وسهر طال حتى خلته لا ينقضي ونأى الصبح فما منه أثر
غاب عني قمر أحببته فتعللت بأنوار القمر كلما هيج شوقي حزني صحت يا ليلي أما فيك سحر من الرمل وقال رب خود عرفت في عرفات سلبتني في حسنها حسناتي حرمت يوم أحرمت نوم عيني واستباحت حماي باللحظات وأفاضت مع الحجيج ففاضت من جنوبي سواكب العبرات ولقد أضرمت بقلبي جمرا حين راحت للرمي بالجمرات لم أنل من منى منى النفس حتى خفت بالخيف أن تكون وفاتي من الخفيف وقال يصف الهلال انظر إلى حسن ذا الهلال وقد بدا لست مضين من عمره وقد أطافت به كواكبه حسنا فبينته لمعتبره مثل زناد قد صيغ من ذهب يقدح نارا وهن من شرره ثم تولى يريد مغربه في شفق الشمس وهي في أثره فخلته غائصا ببحر دم يقذف بالرائعات من درره فلم أزل ليلتي أراجعه لحظي وأبكي للوقت من قصره حتى تبدى الصباح منتبها قبل انتباه المخمور من سكره من المنسرح وقوله في مليح بعمامة حرير حمراء يا من يمر ولا تمر به القلوب من الحرق
بعمامة من خده أو خده منها سرق فكأنها وكأنه قمر أحاط به شفق فإذا مشى وإذا انثنى وإذا رنا وإذا نطق شغل الجوارح والخواطر والمسامع والحدق من الكامل صالح بن مؤنس أنشدني له ابن وهب في ابن رشدين صالح يفديك بالمهجة يا صالح من كل ما يكرهه صالح فأنت غصن صيغ من دره على ذراه قمر لائح من السريع وله فيه بديها شربنا مثل ماء الورد في الطيب على الورد ونادمت ابن رشدين فما حدت عن الرشد فتى كالبدر في الرفعة والإشراق والسعد كأني منه في الجنة لو أظفر بالخلد من الهزج وله فيه بك يا صالح أرضى عن زماني حين أسخط فأدم لي الوصل إني بك في العالم أغبط أنت والرحمن مذ كنت على قلبي مسلط ومصيب أنا في الحب ومن بعدي يغلط يا جوادا في لهاه بنداه أتبسط
أسقط الحشمة في العشرة فالحشمة تسقط من مجزوء الرمل وله جارية اسمها خمرة وأضمره ما اسم إذا صحفته وعكسته ونقصت حرفا منه كان سلاحا وإذا قام ولم يحل عن حاله عادى العقول وصالح الأرواحا من الكامل وله في بعض آل الفرات قد مر عيد وعيد ما اخضر لي فيه عود وكيف يخضر عودي والماء منه بعيد يا من له عدد المجد كلها والعديد آل الفرات نداهم على الفرات يزيد وأنت فضلك فيهم عليك منه شهود وكل يوم لغيري من راحتيك مدود هل لي إلى الرزق ذنب إن كان منه صدود ما الناس إلا شقي في دهرنا وسعيد من المجتث وقال في صفة جدي جد لي بجدي نعته من اسمه لم يلج التنور مثل جسمه كأن بين جلده ولحمه لفات قطن بسطت من شحمه يؤكل من نعمته بعظمه من الرجز وله يصف رءوسا قد غدونا على رءوس سمان ناعمات من أرؤس الخرفان
وارمات الخدود من غير سوء شحمات العيون والآذان تتداعى بالوهم من قبل أن تلمسها كف آكل ببنان ولأصل اللسان طيب ينسيك من الطيب مص طرف اللسان ورقاق ذي نعمة وبياض كوجوه المخدرات الحسان وبقول تغنيك عن زهرة الروض وتنسيك خضرة البستان وأتت راحنا التي هي في الأرواح مثل الأرواح في الأبدان ثم وافى بنفسج في حداد فرأينا السرور في الأحزان عند حر يستنفد الوصف مدحا وهو عبد لسائر الإخوان أحكمتك الأيام يا ابن حكيم فأريت الزمان حكم الزمان من الخفيف وقال أيضا سأدمن شرب الراح ما دمت باقيا وأمدح من شرابها كل مدمن فما تكمل الأوقات إلا بقهوة ولا تحسن الأيام إلا لمحسن من الطويل وقال إذا هجا الشاعر في خفية وخفض الصوت عن الرفع ولاذ بالجحد لما قاله فإنما خاف من الصفع من السريع وقال في يوم شديد البرد هذا لعمرك يوم يستطير له من قرة شعر الهامات بالرعد لو شئت لا خائفا لذعا ولا ألما قبضت فيه على جمر الغضا بيدي من البسيط
وله في غلام صوفي عشقت صوفيا له شاهد يقيم عذري عند عذالي قد قصد الله بأحواله فليته يقصد في حالي من السريع وقال يهجو عبيد الله بن أبي الجوع من قصيدة أولها هاجيك فيما قاله مادح فأنت في صفقتك الرابح وما يقوت الفيل من بقة أمثالها في فمه طائح ورب من ترفعه خزية ميسمها في وجهه لائح ففخر عبد الله في الناس أن يقول قد ناقضني صالح يا ابن أبي الجوع قدحت امرءا من فكره يحترق القادح لقد تعرضت على غرة قريحة صاحبها قارح فاركب ذلول الأمر أو صعبه في فقد جد بك المازح وعق من أهلك من شئته فإنما أنت له فاضح واغد بما تهوى وروح إنني غاد بما تكرهه رائح يا أيها الصعو الذي لم يزل يرقص حتى دقه الجارح من السريع ومنها إن زأر الليث على ما أرى وهاج يوما ضرط النابح وود أن يفلت من بعدما انحى على أوداجه الذابح
إن الذي تطمع في قربه نجم لمن يرمقه لائح يا شاربا في يده حتفه لم تدر ما خاض لك الجارح أراك قد لججت في غمرة يغرق في تيارها السابح فقد تمرست بمن شعره كالبحر لا ينزفه الماتح كم جامح قبلك ألجمته بالذل حتى سكن الجامح وقوله فيه يا ذا الذي عن رشده قد عمي لو كنت جلدا حدت عن أسهمي لو كنت شهما حازما ضابطا لما تقلبت على الشيهم ما أنت في فعلك إلا كمن تطعم الريق من الأرقم كيف يخوض البحر من مثله يغرق في دائرة الدرهم فاثبت أو أجزع كل ذا واحد لا عاصم اليوم لمستعصم استقدر الله على كل ما ألصق منك الأنف بالمرغم تجاسر الجوع على صالح تجاسر الكلب على الضيغم وفاه باسمي مفصحا بعدما تركته أسكت من أبكم وقال قوم قد غدا شاعرا والشعر لا يعرف للمفحم فقلت لا لوم على مثله من أخذ الصفع قفاه حمي أنا الذي ألبسته حسرة بما جرى من ذكره في فمي والله لا يجهل من بعدها وفي قفاه للردى ميسمي
أبين به من ميسم واضح يضيء كالغرة في الأدهم فليت شعري كيف رام العلا وهم أن يرقى بلا سلم من السريع ومنها ثم أتت بالصعو مستبشرا يروم أن يلحق بالقشعم في الثمر المر دليل على رداءة الأصل لمستطعم وله فيه لا تعجبي لسكوتي بعد أشجاني فالعذر عن كل ما أهواه أسلاني قد أرقأ الله دمعي بعد جريته وأنقذ القلب من هم وأحزان فما أرى أحدا يصفي الهوى أحدا وجود هذا رعاك الله أعياني لم يبق بين الورى إلا مكاشرة تبدو لنا عن صدور ذات أضغان أقول لابن أبي الجوع المنافق إذ لم ينهه الحلم عني وهو ينهاني أراك تقرعني سرا وتعجمني فهل وجدت صفاتي غير صوان ترد في جبهة النقار معوله إذا تضعضع عنها كل كدان العز داري وظهر العزم راحلتي والوحش أنسي وجن الأرض إخواني من البسيط وله في العناق وأحسن ما شاء لي سيد ما مثله سيد تصدت الحمى له فاشتكى عانقته عند موافاتها والأفق بالليل قد احلولكا
فجاءت الحمى كعاداتها فلم تجد ما بيننا مسلكا من السريع وقوله يصف برادة على حامل نحاس أم الحياة على سرير نحاس عريانة أبدا بغير لباس هي في الموات لدى الورى معدودة لكنها ضمنت حياة الناس من الكامل وقوله بعين الله أنت فإن عيني إذا ما غبت دامية الجفون كأنك مهجتي فإذا تدانى فراقك حم لي ريب المنون من الوافر وقال يصف البنفسج والورد بنفسج جاء في حداد ووردنا في معصفرات فاشرب على مأتم وعرس جلا جميعا عن الصفات من مخلع البسيط وسأله ابن رشدين المسير معه إلى القاش فقال مرتجلا يا آمري بالمسير في لجج النيل كأن سخرت لي الريح ما جمد الماء لي فأركبه كلا ولا صامت التماسيح من المنسرح محمد بن الحسن اليمني أنشدت له في صالح يا قاطعي بعد وصل تسوم ما لا أسومك
يا ليت أني يوما من الزمان نديمك فالشوق عندي غريم كما السلو غريمك من المجتث وقوله فاضح الغصن النضير كاسف البدر المنير أنت عذري في حياتي ومماتي ونشوري ما سرور غاب عنه صالح لي بسرور من مجزوء الرمل محمد بن هرون بن الأكتمي أنشدت له في بعض الوزراء يهجوه يا وزيرا إلى المكاييل والبيع ينسب من يرم حبك يتعب وأمانيه تكذب وإذا ما رجوته قلت ما مات أشعب يا وضيعا ترجل المجد مذ صار يركب من مجزوء الخفيف وله يهجو ابني كشاجم أبا النصر وأبا الفرج يا ابني كشاجم أنتما مستعملان مجربان مات المشوم أبوكما فخلفتماه على المكان وقرنتما في عصرنا ففعلتما فعل القران لغلاء أسعار الطعام وميتة الملك الهجان من الكامل وقوله في عزاء بقاؤكما يعيد الميت حيا وإن غطاه دونكما التراب
فلا تستشعرا حزنا عليه فيذهب لاعدمتكما الثواب من الوافر وله في غلامه راشد يا قمر الليل كن شهيدي فأنت من أعدل الشهود هل نمت أو ذقت طعم غمض مذ هجعت أعين الرقود وكيف يلتذ باغتماض من لج مولاه في الصدود فكن شفيعي إلى حبيب قد زاد في كثرة الجحود من مخلع البسيط وقال رحمه الله كأن الأباريق مملوءة ظباء وقوف على ساحل رماها بأسهمه قانص فخضبها بالدم السائل من المتقارب وقوله في شمعة باكية ضاحكة خدامها جلاسها مظهرة أنوارها إن جز منها رأسها كأنها عاشقة تذيبها أنفاسها من مجزوء الرجز وقال لو أنصفت عطفت أو رقت ما أضنت الجسم ولا سلت أفدي التي إن أقبلت أقبلت دنياي أو غنت لنا أغنت من السريع وقال يا أيها ذا أستمع مقالي فليس في قصتي ضلال ثلاثة مالها مثال السجن والجوع والعيال إن دام هذا علي منهم صححت ما شنعوا وقالوا أليس إن مت مات شعري أفنى وما قلته يقال من مخلع البسيط
وقوله أكثر العذال لومي يا ابن رشدين وزادوا وبقلبي منك وجد ماله الدهر نفاد قد تجافى عن جفوني مذ تجافيت الرقاد فيك يا صالح للقلب صلاح وفساد أنا من حبك مولاي عليل لا أعاد من مجزوء الرمل وقوله دافعت أيامي بأيامي حتى مضى أكثر أعوامي وإنما عمر الفتى كله كأنه طارق أحلام يا ويح من أمسى على غرة وأنفه من حتفه دامي يرمى بسهم للردى صائب من حيث لا يشعر بالرامي من السريع عبيد الله بن محمد بن أبي الجوع أحد رواه المتنبي الأدباء وأصحابه العلماء وممن تمهر في لغات العرب وأجاد أنواع الأدب فمن شعره قوله رحمه الله تعالى أظنك يا سيدي إذ جفوت توهمت بي نبوة الغادر وخلت بأني ملالا سلوت ولست بسال ولا صابر وقد علم الله أني عليك أشفق مني على ناظري من المتقارب
وقال صالح يا مشبه بدر الدجى بالحسن والإشراق والرفعة وجهك في الليل كشمس الضحى نورا فما تصنع بالشمعة من السريع وقال يا أطيب الناس ريحا وأطيب الناس راحا وما به أتصدى الأطراب والأفراحا هات اسقني أو تراني لا أعرف الأقداحا واحفظ علي فؤادي من أن يطير ارتياحا لو كنت كاسمك يا صالح اعتمدت الصلاحا لكن أبى الله إلا أن تفسد الأرواحا من المجتث قال وكتب إلى بعض إخوانه يستدعيه بهذه الأبيات شعبان قد صار نضوا ولم نفد فيه لهوا وليس ذلك منا جهلا ولا كان سهوا فبالمودة إلا بكرت للقصف عدوا حتى نقوم فنرفوا ما خرق الدهر رفوا من بعد تقديم جدي مسمن ظل يشوى له ثلاثون يوما يحبو إلى الضرع حبوا وأوفر الزور في الخل قد تبوا مثوى
لما انتزعت حشاه عوضته البقل حشوا وقد عنيت بجام ملأته لك حلوى وقهوة بنت كرم صفت من الذم صفوا ما شعشعت قط إلا سطت على الهم سطوا جنبتها كل وغد يمحو المحاسن محوا إلا إذا ما اقتنصنا عذب الخلائق حلوا وشادن ذي دلال يشدو فيلهيك شدوا إما غناء وإما عجائبا عنه تروى حتى تظل بما فيه من وقارك خلوا وعندنا لك ورد يحدو المسرة حدوا ريحانه لا يوازي لونا وعطرا وسروا فما اعتذارك في أن تفني زمانك صحوا وأنت بعد قليل بالصوم والله تطوى أبا علي ألا اسمع نصيحة ليس تزوى فإنما نحن سفر على محجة بلوى ولا تعرج ذميما على معاهد حزوى من المجتث وله في أبخر لا تنفس في مجلس أنا فيه وتنفس سرا وراء الباب ثم لا تعترض لسر صديق إن ذاك السراء سوط عذاب إنما فوك فقحة كل وقت تتصدى الأنوف كالنشاب
تصرع الطائر المحلق في الجو ولو غاب في سواء السحاب من الخفيف وقوله أرى اللذات تعبر بي يمينا على رغمي وتعبر بي شمالا فأجرع دونها غصصا لأني أشاهدها وما اعطيت مالا من الوافر وقوله وعذار مجعد فوق خد مورد كلما رمت فرصة لسعت عقرب يدي من مجزوء الخفيف الحسن بن محمد الشهواجي كتب إلى صالح بن رشدين يستهديه مشوربا في يوم نيروز اليوم يا صالح ما تبصر وصحو مثلي فيه مستنكر وقد مضى الوعد وحصلته وصفوه من مطله يكدر فهات ما يحضر إني امرؤ يقنعه منك الذي يحضر من السريع وله قولي ماض على العباد فما يرد في جده ولا لعبه ولي لسان كأنه ظبة السيف طويل أكاد أعثر به من المنسرح وقوله وقهوة كشعاع الشمس صافية شربتها مع شرب سادة كرما
إذا ثنوا أرؤس الفرسان في رهج حازو الفخار وأجروا بالسيوف دما إذا رأيتهم أيقنت أنهم نجوم كل فخار لا نجوم سما من البسيط وقوله تضيق بي الدنيا إذا كنت غائبا وأسرع في أقطارها حين تقرب وأنت جناحي كلما طرت للعلا وسيفي الذي أسطو به حين أضرب من الطويل وقوله وقهوة في كأسها ترمي الندامى بالشرر قد جمعت نشر الربا وبرد أنفاس السحر أطيب ما شربتها على غناء ووتر طوبى لمن حج إلى كعبتها ثم اعتمر من الرجز وقوله وعلو قدرك وهو أبعد غاية في كل حال من علو الكوكب لأسيرن مديحك الحسن الذي ألبسته ثوب الثناء الطيب حتى يحدث من بأرض المشرق الأقصى حديثك من بأرض المغرب من الكامل وقوله ومهفهف ساق أغن سقيته قبل الصبوح سلافة عذراء ما صاح ديك الصبح إلا صيحة حتى توسد كفه اغفاء جعلته قبل رقاده كاسلته لما استقل لسانه فأفاء من الكامل
أبو علي صالح بن رشدين الكاتب أحد أئمة الكتاب المهرة في سائر الآداب صحب المتنبي وروى شعره وكان جيد المعاني أنشدني له محمد بن عمر الزاهر قل لمولاي منعما لم صرمت المتيما أنت أعطشتني إليك وأبكيتني دما فإذا شئت أن ترى عاشقا ميتا ظما فأدر في ناظريك تجدني توهما من الخفيف وقوله أجنة نحن فيها أم نحن في المرزجوش ما بين آس وماء ينساب بين العروش وقهوة ذات حسن وطاجن ذي نشيش وسيد رشت منه لما تطاير ريشي من المجتث وزاره ابن أبي الزلازل في منزله فلم يره فطرح له رقعة من طاق في المنزل وكتب اسمه على الباب فلما أتى صالح ورأى اسمه على الباب ووجد الرقعة فقرأها فوجده يعتبه فيها على انقطاعه عنه فذهب صالح في
الوقت إلى منزل ابن أبي الزلازل فلم يجده فكتب اسمه على بابه وترك رقعة فيها قد ومن خصني بودك أذكى طول شوقي إليك في القلب نارا سرت فيه تلقاء داري قصدا فإذا النور قد تغشى الديارا فتعجبت أن أرى الأفق ليلا مدلهما وجوف داري نهارا وإذا خطك البديع على الباب يبت الضياء والأنوارا فتمنيت أن خدي نعلا أخمصيك اللذين نحوي سارا غير مستنكر لمثلك أن يسبق فضلا وأن يفوت فخارا ثم أصبحت أشتكي عثر السكر وعزمي زيارتيك ابتكارا فإذا رقعة تمر بها الريح يمينا طورا وطورا يسارا فتأملتها وكانت من اللائي تروق القلوب والأبصارا ما توهمت أنني قبلها أقرأ خطا يزيل عني الخمارا قابلتني منها سهام عتاب جعلت درعي الحصين اعتذارا وأحاشيك أن تكون خليلا مذق الود للصديق معارا من الخفيف فلما رأى ابن أبي الزلازل الرقعة كتب إليه بهذه الأبيات بأبي أنت سابق لا يجارى قاده نحوي اشتياق فزارا عاقني الحظ أن أراه وأن نقضي عند اجتماعنا الأوطارا يا ابن رشدين قد أفدت بك الرشد وبدلت بعد عسر يسارا كنت بالأمس عند إخوان صدق أدباء ندير كأسا عقارا قد جعلنا محمود ذكرك نقلا وشربنا من قبله تذكارا
ثم إني انصرفت سكران أعتس طريقي تمايلا وعثارا والدجى كالهموم في قلب من فارق عشقا وغربة وادكارا أخبط الليل مفردا إذ تراءى لي نور أضاء ثم استطارا فهنيئا إني أودك ودا ترتضيه مغيبا وجهارا ثم أخبرتني بشكواك فيها فوقاني الإله فيك الحذارا لم أزل دائبا أكرر قولي كان لي فيك حافظ الجار جارا من الخفيف أحمد بن محمد العوفي أنشدني له محمد بن عمر الزاهر قوله يا حسرة في نفوس ويا شجى في حلوق يا فضة بين ثنيي غلالة من عقيق علي لا زلت همي في صبحتي وغبوقي ودون سلوة وجدي وجدان بيض الأنوق من المجتث وأنشدني أيضا يا موقظا ظرف همي من بعد ما كان أغفى تظن ما بت أخفيه من جوى بك يخفي ولي لسان دموع ما يكتم الناس حرفا إذا تظلم طرفي وقعت بالطرف تكفى من المجتث
وأنشدني له قد عابني برقادي خياله حين زارا ولا وحبيه ما إن فعلت ذاك اختيارا طمعت في أن أراه طوعا فنمت اضطرارا فتلك علة نومي يا ملزمي فيه عارا من المجتث القائد أبو تميم سليمان بن جعفر كتب إلى صالح بن رشدين رسالة يستدعيه فيها إلى الشراب فامتنع عليه وكتب له هذه الأبيات يا أيها القائد الجليل ومن أصبح بالمكرمات يفتخر آليت لا أشرب المدام وإن كانت ذنوب المدام تغتفر يكفي أخا العقل أن سورتها تجني على عقله ويعتذر من المنسرح فكتب إليه القائد أبو تميم أبا علي حاشاك يا أملي من أن أراك الغداة تعتذر قلبي إذا غبت ساعة قلق يكاد شوقا إليك يستعر فسر إلينا فوقتنا حسن ساعد فيه السحاب والمطر من المنسرح قال ابن رشدين حضرت عند القائد أبي تميم في ضيعة له فلما عمل فينا الشراب نظرت إلى جارية له تسمى عبدة ذاهبة وجائية فحملني
النبيذ أن أخذت رقعة وكتبت فيها إليه صالح لا يزال يطلب عبده من كريم يصفي الأخلاء وده قد بثثت الغداة وجدي وحبي من ولي يولي لمولاه مجده فإذا شئت أن أرى لك عبدا فتفضل أبا تميم بعبده من الخفيف فقرأها وأمسك فارتعت وخفته وتماديت في الشرب معه ثم نهضت إلى منزل أنزلني فيه بقربه فلما استقر بي أنفذ لي الجارية ومعها درج فيه طيب كثير وعليها ثياب رفيعة حسنة ورقعة فيها شعر قد بعثنا أبا علي بعبده وقضينا بذاك حق الموده وحمدناك إذ خطبت إلينا أسأل الله أن يهنيك حمده فخذنها فأنت أكرم كفء وهي ما عشت كاسمها لك عبده من الخفيف وقال الخادم الذي جاء بها يقول لك مولاي لا تخرج غدا من منزلك أو يأتيك رسولي فلما أصبحت جاءني القائد أبو تميم بجواريه المغنيات وطباخه معه طعام كثير قد أعده وشراب فما زلنا نأكل ونشرب إلى الليل وانصرف فرحا مسرورا أبو هريرة أحمد بن عبد الله بن أبي العصام أنشدني له ابن وهب لئن ذهبت أيام لذتنا الأولى بذي الأسل ما وجدي عليها بذاهب ألا ليت أياما مضت لم تكن مضت ففقدي لها يا صاح إحدى المصائب رعى الله أيام السرور فإنها تمر سريعات كمر السحائب من الطويل
وقوله في رثاء صالح قد أفسد الموت على صالح كل الذي أصلحه صالح وانصرف البواب عن بابه وصاح في مجلسه الصائح خلوه في دار البلى مفردا وناح في أوطانه النائح يا ليت شعري ما الذي قاله إذ راح في حفرته الرائح يا أيها الناس ألا فاسمعوا قولي فإني مشفق ناصح لا تؤثروا الدنيا على غيرها ففرق ما بينهما واضح فالحمد لله وشكر له كل امرئ عن أهله نازح من السريع وقوله من رسولي إليك أو من شفيعي يا شبيه الهلال عند الطلوع أنت في القلب شاهد ليس يخلو من ضميري وأنت بين ضلوعي من الخفيف وقوله أما ترى الغيم كالباكي بأربعة والأرض تضحك كالجذلان من فرح فقم فديتك نشكو ما نكابده من الزمان وما نلقى إلى القدح من البسيط وقوله كم لي بدير القصير من قصف مع كل ذي نشوة وذي ظرف لهوت فيه بشادن غنج تقصر عنه بدائع الوصف من المنسرح وقوله أذكرتني يا دير من قد مضى من أهل ودي ومصافاتي
كم كان لي فيك وفيهم معا من طيب أيام وليلات أشكو إلى الله مصاباتهم وفقدنا أهل المروءات من السريع وقوله كتمت حبك في قلبي فما وسعه هذا وليس له شغل سواه معه يا من إذا ما بدت للناس صورته رأيت فيها فنون الحسن مجتمعه والله ما حلت عما قد عهدت ولا أصغيت أذنا إلى العذال مستمعه رفقا بمن لو تسلى عنك يا أملي بكل شيء على الدنيا لما نفعه من البسيط أبو القاسم بن علي بن بشر الكاتب أنشدني له محمد بن عمر الزاهر يصف العذار من عذيري إلى العذار الجديد من رسولي إلى القريب البعيد دب في خده العذار فحاكى ظلمة النحس في بياض السعود من الخفيف وقوله أما ترى لي ناظرا شاهدا بالحب والأعين رسل القلوب ودون إلحاح جفوني به تخبر عما في فؤادي الكئيب وأنت لا شك به عالم لأن عند المرد علم الغيوب من السريع وقوله ضممته ضم مفرط الضم لا كأب مشفق ولا أم ولم نزل والظلام حارسنا جسمين مستودعين في جسم
ألثمه في الدجا وبرق ثناياه يريني مواقع اللثم ثم افترقنا عند الصباح وقد أثرت فيه كهيئة الختم من المنسرح وقوله إذا ذكرت أياديك التي سلفت مع قبح فعلي وزلاتي ومجترمي أكاد أقتل نفسي ثم يدركني علم بأنك مجبول على الكرم من البسيط وقوله أنت مني بحيث مأوى الغرام وبحيث افتقاد طيب المنام في فؤادي وناظري وهما منك قرينا صبابة وانسجام من الخفيف وقوله لحى الله امرءا يوعيك سرا لتكتمه وفض الله فاه فإنك بالذي استودعت منه أنم من الزجاج بما حواه من الوافر وقوله بيضاء جنح جبينها في ليل طرتها البهيم ضدان ما اجتمعا لغير تشتت الصبر المقيم ولذكرها أندى على الأكباد من برد النسيم ووصفت نعمة حسنها فنعمت في صفة النعيم من الكامل وقوله ديوان المكارم لا تقتضى كما تقتضى واجبات الديون
ولكنها في قلوب الكرام تجول مجال القذى في العيون من المتقارب وقوله طرفي على ما عهدت في أرقه فيك وقلبي يزداد من حرقه ولي حبيب أقام معتنقي كما أقام الشهاب في غسقه وجملة الأمر أنني رجل قدمت قبل الفراق من فرقه هذا حديثي والشمل مجتمع فما حديثي في عقب مفترقه من المنسرح قال لي الزاهر أخبرني ابن بشر أنه كان له جد لأم يعرف بكولان وكان هو من أهل الأدب والكتابة وحسن الشعر والخطابة قال لي حججت سنة من السنين وجاورت بمكة حرسها الله فاعتللت علة تطاولت بي وضاق معها خلقي ثم صلحت منها بعض الصلاح ففكرت في أنني عملت في أهل البيت تسعا وأربعين قصيدة مدحا فقلت أكملها خمسين ثم ابتدأت فقلت بني أحمد يا بني أحمد ثم ارتج عليه فلم أقدر على زيادة فعظم ذلك علي واجتهدت في أن أكمل البيت فلم أقدر فحدث لي من الغم بهذه الحالة ما زاد على غمي بإضاقتي وعلتي فنمت اهتماما بالحال فرأيت النبي فجئت إليه فشكوت إليه ما أنا فيه من الإضافة وما أجده من العلة وأخرى من القلة فقال لي تصدق يوسع عليك وصم يصح جسمك فقلت له يا رسول الله وأعظم مما شكوته إليك أنني رجل شاعر أتشيع وأخص بالمحبة ولدك
الحسين وتداخلني له رحمة لما جرى عليه من القتل وكنت قد عملت في أهل بيتك تسعا وأربعين قصيدة فلما خلوت بنفسي في هذا الموضع حاولت أن أكملها خمسين فبدأت قصيدة قلت فيها مصراعا وأرتج علي إجازته ونفر عني كل ما كنت أعرفه فما أقدر على قول حرف قال فقال لي قولا نحا فيه إلى أنه ليس هذا إلي لقول الله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له ثم قال لي اذهب إلى صاحبك وأومأ بيده الشريفة إلى ناحية من نواحي المسجد وأمر رسولا أن يمضي بي إلى حيث أومأ فمضى بي الرسول على ناس معهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقال له الرسول أخوك وجه إليك بهذا الرجل فاسمع ما يقوله قال فسلمت عليه وقصصت عليه قصتي كما قصصت على النبي فقال لي فما المصراع قلت بني أحمد يا بني أحمد من المتقارب فقال للوقت قل بكت لكم عمد المسجد بيثرب واهتز قبر النبي أبي القاسم السيد الأصيد وأظلمت الأفق أفق البلاد وذر على الأرض كالإثمد ومكة مادت ببطحائها لإعظام فعل بني الأعبد ومال الحطيم بأركانه وما بالبنية من جلمد وكان وليكم خاذلا ولو شاء كان طويل اليد
قال ورددها علي ثلاث مرات فانتبهت وقد حفظتها الحسن بن خلاد رحمه الله تعالى أنشدني الزاهر له ومنهتك له نظر يصون مواقع النظر هلال لو بدا للسفر ألهاهم عن السفر فوا ويلاه من قمر يريك مساوي القمر لقد أصبحت من كلفي بغرته على غرر من مجزوء الوافر وقوله يا مريدا مني الوصل ووصلي في يديه أنا لا أعرف من لا يعرف الحق عليه من مجزوء الرمل وقوله من أبيات نختال في حلل الصبا كالبدر في حلل الغيوم وإذا تثنت جال في أعطافها ماء النعيم ينسيك طيب نسميها بعد الكرى برد النسيم من مجزوء الكامل وله أول قصيدة هو السيف لا يكسوك ما لم يجرد فجرده واسترفد بغربيه ترفد من الطويل
أبو الحسن اللطيم أنشدني ابن وهب قوله لا تنكري سرعة اختلاسي لذات أيامي القصار فإن علمي بغدر دهري صيرني خالع العذار من مخلع البسيط وقوله أهديت لي تذكرة خاتما اسمك منقوش على فصه فما اعترتني زفرات الهوى إلا تروحت إلى مصه من السريع سليمان بن حسان النصبي رحمه الله أنشدني ابن وهب له وهتوف ورقاء أرقت العين وزادت خبل الفؤاد خبالا ذات طوق من الزبرجد يحكي صفو عيش عني تولى وزالا أيقظتني والصبح قد خالط الليل كما خالط الصدود الوصالا وتراها كأنما بدموعي خضبوها أو خاضت الجريالا من الخفيف وقوله يصف الراي المقلي وهو ضرب من السمك ما رأينا مثل هذا الراي حسنا ما رأينا صار تبرا بعد أن كان عقيقا ولجينا من مجزوء الرمل وقوله في شمعة ومجدولة مثل صدر القناة تعرت وباطنها مكتسي
لها مقلة هي روح لها وتاج على الراس كالبرنس إذا رنقت لنعاس عرا وقطت من الرأس لم تنعس وإن غازلتها الصبا حركت لسانا من الذهب الأملس وتنتج في وقت تلقيحها ضياء يجلي دجا الجندس فنحن من النور في أسعد وتلك من النار في أنحس وقد ناب وجهك عن ضوئها وعن ذا البنفسج والنرجس ولكنها آلة للندام ونجم تألق في المجلس توقدها نزهة للعيون ورؤيتها منية الأنفس تكيد الظلام كما كادها فتفنى وتفنيه في مجلس فيا ربة العود حثي الغناء ويا حامل الكأس لا تحبس ويا صالح أنعم وعش سالما على الدهر في عزك الأقعس من المتقارب وله يصف روضة وروضة ذات غدير متئق وزهر مثل عشور المهرق ونرجس مثل العيون الرمق أجفانها من لؤلؤ مفلق باهتة قد فتحت لم تطبق وسوسن غض النبات مونق يشف فيه كالزجاج الأزرق وقد حكاه في ضياء الرونق بنفسج مثل اللجين المحرق يا حسنها من روضة لم تطرق
كأنها سافرة عن خلقي أو حسن ما ألفته عن منطقي باكرتها مثل انفلاق الفلق وشهبه حائرة في الأفق في عصبة غر كرام سبق يخطرن فيها بقسي البندق كل فتى في قصده موفق كأنه من نفسه في فيلق مقرطس في رميه مؤنق وهو يراعيها بطرف شيق خوفا عليها وهو عين المحنق فصاد ما شاء بلا تعوق وراح من نجيعه في يلمق من الرجز وقوله في الحمام أنت في الحمام موقوف على قلبي وسمعي فتأملها تجدها كونت من بعض طبعي جرها من حر أنفاسي وفيض الماء دمعي من مجزوء الرمل وله يصف ناعورة كم نعرت بالحي ناعورة حنينها كالبربط الناعر فتارة تحسبها قينة تردد الزمر على الزامر وتارة ثكلى جرى دمعها في مستهل واكف ماطر كأنما كيزانها أنجم دائرة في فلك دائر من السريع
الحسن بن علي الأسدي كاتب السر كتب إليه أحمد بن محمد بن إسماعيل الرسي يطلب منه الكتاب الذي عمله المعروف بالأنيس فأنفذ إليه الجزء الأول منه وكتب إليه قد بعثنا بمؤنس لك في الوحشة خل يدعى كتاب الأنيس فيه ما يشتهي الأديب من العلم وفيه جلاء هم النفوس فيه ما شئت من بدور معان ضاحكات إلى وجوه شموس والنفيس البهي ما زال يهدى كل حين إلى البهي النفيس من الخفيف فلما قرأ رقعته كتب على ظهرها ارتجالا قد قرأت الكتاب يا خل نفسي فهو لي مؤنس وأنت الأنيس فهو تأليف ذى ذكاء وفهم وهو وقف على العلوم حبيس من الخفيف وحكى عنه أنه قال قد كان أبو الحسين جنبك الأخشيدي من كرماء الناس وكانت بيني وبينه مودة فكنت أغشاه كثيرا للحوائج التي تعرض إليه فاستخدم بوابا فحجبني غير مرة فكتبت إليه يا علم المكرمات والسؤدد إليك أشكو بوابك الأسود يبعدني كلما دنوت وما حق كريم الوداد أن يبعد في كل يوم ألقى بطلعته طالع نحس يسوءني أنكد وجه شتيم بكل فاحشة عليه من كل مشهد يشهد كلب يهر الضيوف إن طرقوا فناءك الرحب كالح اعقد أبعده وانف الخبيت عنك كما ينفي القذى عنه خالص العسجد أولا فلن تستيطع تنظم ما عنك من المكرمات قد بدد
وما انتفاع الورى ببحر ندى تذاد عنه العطاش لا تورد من المنسرح فما شعرت حتى جاءني خادم له يقال له بشرى وكان يحبه والبواب الأسود معه وقال لي إن مولاي يقرأ عليك السلام ويقول لك قد غمني ما جرى من البواب وقد قرئ علي الشعر ولو كنت أحسن قوله لأجبتك ولكني قد أنفذته إليك وأمرت بشرى أن يضربه بين يديك ثلاثين مقرعة ونحبسه فشكرت له وقلت لبشرى قل له يا سيدي ما أحب أن تبلغ به إلى هذا كله وسألت بشرى أن لا يضربه فقال والله مالي إلى تركه من سبيل وقد قال لي سيقول لك لا تضربه وعلي لئن رددته إلي بلا ضرب لأضربنه بين يدي مائة مقرعة قلت فإذا كان كذلك فاضربه ضربا خفيفا ولا تحنثه فضربه بحضرتي ضربا خفيفا وانصرف به ولا والله ما رأيته في داره بعدها أبو القاسم أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن طباطبا الحسني الرسي أنشدني له ابن وهب قوله يا بدر بادر إلي بالكاس فرب خير أتى على ياس ولا تقبل يدي فإن فمي أولى بها من يدي ومن رأسي لا عاش في الناس من يلوم على حبي وعشقي لأحسن الناس من المنسرح وقوله قل للذي حسنت منه خلائقه باكر صبوحك واسبق من تسابقه
أما ترى الغيم مجموعا ومفترقا يسير هذا إلى هذا يعانقه كعاشق زار معشوقا يودعه قبل الفراق فآلى لا يفارقه من البسيط وقوله قالت أراك خضبت الشيب قلت لها سترته عنك يا سمعي ويا بصري فاستضحكت ثم قالت من تعجبها تكاثر الغش حتى صار في الشعر من البسيط وقوله عيرتني بالنوم جورا وظلما قلت زدت الفؤاد هما وغما اسمعي حجتي وإن كنت أدري أن عذري يكون عندك جرما لم أنم لذة ولا نمت إلا طمعا في خيالك أن يلما من الخفيف وقوله خليلي إني للثريا لحاسد وإني على صرف الزمان لواجدا أيبقى جميعا وهي سبعة وأفقد من أحببته وهو واحد كذلك من لم تخترمه منية يرى عجبا فيما يرى ويشاهد من الطويل وقوله وقوله وهو مما يتغنى به قالت لطيف خيال زارني ومضى صف لي هواه ولا تنقص ولا تزد فقال أبصرته لو مات من ظمأ وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت صدقت الوفا في الحب عادته يا برد ذاك الذي قالت على كبدي من البسيط وقوله سأعتبها حق ما استعتبت وإن لم تكن أبدا معتبه وسوف أجربها بالصدود ومن يشرب السم للتجربه من المتقارب ولده أبو محمد القاسم بن أحمد الرسي أنشدني له ابن وهب إذا الكروان صاح على الرمال وحل البدر في برج الكمال وجعد وجه بركتنا هبوب تمر به الجنوب مع الشمال وحركت الغصون فشابهتها قدود سقاتنا في كل حال فهات الكأس مترعة ودعني أبادر لذتي قبل ارتحالي فكل جماعة لا شك يوما يفرق بينهم صرف الليالي من الوافر وقوله إذا التحف الجو بالأدكن وغنى الحمائم بالأعن وهب نسيم الصبا سحرة بريح البنفسج والسوسن وحن إلى القصف ألافه فبادر إلى شيخك المنحني فنفس من الحنق أوداجه وسق الندامى ولا تنسني من المتقارب
وقوله بهجو ابن كلس المتطبب توق معز الدين شؤم ابن كلس ولا تقبلن منه مقال مدلس فإنا أردناه لكافور شربة فزاد على تقديرنا ألف مجلس من الطويل أخوه أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الرسي أنشدت له عرفت الديار على ما بها وأوقفت ركبي على بابها وناديت فيها بأعلى النداء مرارا بأسماء أربابها فلم أر فيها سوى بومها تصيح جهارا بأترابها فأعلمني ذاك أن الزمان أخنى عليها وأودى بها من المتقارب ولده أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم ابن أحمد رحمهما الله تعالى أنشدني له الزاهر شم النسيم لذيذا من قبل أن لا تشمه واصرف عن القلب ما اسطعت بالمسرة همه وغالط الدهر إن كنت لست تملك حكمه وقد نصحتك جهدي فلا تصم وتكمه من المجتث
وقوله صدقت عنا نوار ولقد كانت تزور ثم قالت كيف أودى ذلك الغصن النضير وشباب يتلالا فيه للناظر نور قلت إن أنصفت هذا لابن خمسين كثير من مجزوء الرمل أبو الحسن العقيلي رحمه الله أنشدني الزاهر قوله لنا أخ يحسن أن يحسنا جناه للجانين عذب الجنى قد عرفت روضة معروفه بأنها تنبت زهر الغنى إذا تبدى وجه إحسانه تنزهت فيه عيون المنى من السريع وقوله الصبح ينشر فوق مسك الليل كافور الضياء والبرق يذهب ما تفضضه الغيوم من السماء فاشرب على ديباج نبت قد أحاط بشرب ماء فالعيش في زمن الربيع رقيق حاشية الرداء من الكامل وقوله وراح تتيه بأنفاسها على ما يفوح من العنبر
كأن زجاجاتها درة تشف عن الذهب الأحمر من المتقارب وقوله تاه الربيع بآذريونه وزها لما بدا منه نشر في الربا أرج كأن أغصانه فيروزج بهج من فوقه ذهب في وسطه سبج من البسيط وقوله اشرب على زهر البنفسج قهوة تنفي الأسى عن كل صب مكمد فكأنه قرص بخد غريرة أو أعين زرق كحلن بأثمد من الكامل وقوله ونارنجة بين الرياض نظرتها على غصن رطب كقامة أغيد إذا ميلتها الريح مالت كأكرة بدت ذهبا في صولجان زمرد من الطويل وقوله ومدامة يبدو إليك جنينها وعليه تاج لم يصغه صائغ تخفى لفرط صفاتها فكأنما إبريقنا الملآن منها فارغ من الكامل وقوله إن كنت تعلم أن لي علما بأسرار السرور فاعمل بحسب وصيتي لك في ملازمة البكور ودع الصغير مكانه واعدل إلى جهة الكبير من الكامل
ما بين ورد كالخدود وأقحوان كالثغور وعليك بالذهب الذي أجراه روباس العصير ما زال يسبك بالذي قد شب من نار الهجير حتى صفا فكأنه دمع الطليق على الأسير من الكامل وقوله نحن أناس نوالنا خضل يرتع فينا الرجاء والأمل كل فتى ليس في مودته مذق ولا في خلاله خلل لو أبصر البحر فيض أنملنا فاض على وجه فيضه الخجل تسبق أموالنا مؤملنا لا يعترينا مطل ولا بخل تسمح قبل السؤال أنفسنا بخلا على ماء وجه من يسل من المنسرح أبو القاسم بن أبي العفير الأنصاري رحمه الله أنشدت له وروض كحسن العرف يسري وبهجة من الزهر فيها شاكلت بهجة الحمد يريك عناق العاشقين عناقه بثغر على ثغر وخد على خد
وعارضه المتنبي بحضرة كافور في قصيدته الميمية التي أولها نظر المحب إلى الحبيب غرام من الكامل فقال له العرب لا تقول إليه غرام وإنما تقول له فقال له الأنصاري تقول إليه ولديه وله وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض والوزير أبو بكر بن صالح الروزباري حاضر والوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات حاضر فقال الأنصاري أما الثناء فصادر بك وارد باد بما تسدي إلي وعائد لك يا أبا بكر إلي صنائع أيقظن أحوالي وجدي راقد أوليتني نعما متى أنكرتها شهدت علي مواهب وفوائد نعم أقر بها وكم من نعمة يخفى المقر بها ويحظى الجاحد ولرب ليل قد هجرت رقادة لك والردى مغف وطرفي ساهد أتحلل الكلم العوان تحللا فأغافص المعنى كأني صائد وقصائد لي فيك لولا أنها كلم شهدت بأنهن مشاهد ولهن في عين الولي شواهد تترى وفي عين العدو جلامد لما رعيت مودتي وخلطتني ببني أبيك ظننت أنك والد ولقد علمت وأنت خير معلم أن الثناء على الليالي خالد لما تعرض لي بمقت حاسدي أبدى الملام وكيف يرضى الحاسد ما زال ينشد قائما حتى إذا أنشدت عارضني لأني قاعد في مجلس أما الوزير فمنكب فيه يؤيده وأنت الساعد ولى ولا أنا شاكر لسؤاله فيه ولا هو للإجابة حامد من الكامل
أحمد بن محمد الكحال أنشدني له الزاهر وقد كتب إلى بعض إخوانه يستهديه جرة نبيذ لو قد سألتك حسب قدرك ما رضيت بألف جره ولقل ذاك لقدر من لا تحصر الأوصاف قدره فابعث إلي بجرة وكفاف ما أبغيه جره وتوخها كبر الجرار فرب وافية كزكره من رسم بسطام الذي أحيا بحسن الرسم ذكره لا بوطسا يؤذي النديم ولا مذاقته بمره واعلم بأن محلها عند الضرورة مثل صره من الكامل وكتب إلي بعض إخوانه يستدعيه لا تتركن لغد مالا ولا سبدا فلست تقتل علما هل تعيش غدا خذ من زمانك ما جاد الزمان به فمن جنى بعض ما يهوى فقد سعدا أنت ابن وقتك فاحذر أن تضيعه فليس يرجع وقت فائت أبدا وعند عبدك شيء إن نشطت له وزرت زدت أياديك الكرام يدا راي طري كقاب الفتر تحسبه ذوبا من الفضة البيضاء أو بردا كأن كفا عليه جرشت قطعا من اللجين صغار النظم أو زردا
كأن قاليه بالقلي ألبسه من الشقائق أثوابا له جددا كأنه في سعير القلي منقليا صب تقلبه كف الهوى كمدا كأن ياقوتة حمراء هللها صواغها ذهبا للحسن متحدا كأنه كان في نهر الحياة فما يكاد يسلم منه روحه الجسدا وقهوة تذكر الأفلاك ساكنة مشمولة أفنت الأيام والممدا يديرها قمر في كفه قمر من الرحيق يزيل الهم والكمدا فلا تضيع سرورا جاء عن كثب عجزا فتكتسب التوبيخ والفندا من البسيط أبو الحسن محمد بن الوزير الحافظ كتب إلى صديق يستدعيه الاتجالا لسنا مسمعة حلوه ولون يفتق الشهوه فالبارع من مجدك إن لم تجب الدعوه من الهزج وأهدى إلى بعض إخوانه مقطا وكتب إليه إني بعثت مقطا غير محتشم ولم أجل في الغنى فكري ولا العدم ولو بعثت سوادي ناظري لما كانا كفاء لما تولي من النعم فاقبله واجعله مما يستعان به فإنه خادم السكين والقلم من البسيط وقوله يصف النرجس خواتم من لجين فصوصها كارباء وليس تضحك إلا إذا بكتها السماء من المجتث
وقوله منذ حل السواد زاد البياض واعتداءاته طوال عراض وإذا ما طغى المشيب فلا المنقاش يقوى به ولا المقراض وكثيرا أرى جساما صحاحا لأناس فيها قلوب مراض من الخفيف وأهدى إلى الإخشيد خاتما وكتب معه وذي عنق لم يطل عليه ولم يقصر ومتنين قد حصرا على قدر الخنصر وقد زاد في ضمره على الفرس المضمر وأسفله فضة وأعلاه من جوهر بعثت به معسرا إلى ملك موسر ولا غرو أن يهدي المقل إلى المكثر من مجزوء المتقارب وقوله قد قلت إذ سار السفين بهم والسوق ينهب مهجتي نهبا لو أن لي عزا أصول به لأخذت كل سفينة غصبا من الكامل أحمد بن محمد بن عبد الكريم اليتيم النحوي أنشدت قوله إذا ما نلت من دنياك حظا فأحسن للغني وللفقير
ولا تمسك يديك على قليل فإن الله يأتي بالكثير من الوافر وقوله خاطبت شمس النهار إذ بدت وقلت ما أنت لي بمنصفة إن التي أشبهتك مائلة من بعد ذاك الوصال قد جفت فعاتبيها فليس يقنعني يا شمس من شبهك الذي أتت لما رأتني على الوفاء لها صدت وما أنصفت ولا وفت من المنسرح أبو محمد بن أبي عمرو الطرازي أنشدت له من نار جرت في غاية ترمى العلا بالشهب كأنها جيش وغى فرسانه من ذهب مجزوء الرجز وقوله يصف الفستق وفستق رأيت منه طرفا من الطرف كأنه لما بدا والراح فينا تختلف زمرد ضمنه من خالص العاج الصدف من مجزوء الرجز أبو الحسن علي بن لؤلؤ الكاتب أنشدت له رب صبح كطلعة الوصل جلى جنح ليل كطلعة الهجران
زار في حلة البزاة فولى الليل عنه في حلة الغربان من الخفيف وقوله يوم كأن الروض خاط لضوئه قراطق من وشي غلائلها الغدر كأن صفاء الجو ناظر أزرق له الغيم جفن هدب أجفانه القطر كأن أعالى السرو بين رياضه مطارف لفت في مواكبها خضر من الطويل أبو القاسم عبد الصمد بن فضالة الصفار قال يصف الورد لا تصحب الدنيا كئيبا مكمدا من ذا رأيت من البرية خالدا قم فاغتنم طيب الربيع وحسنه فلقد حباك به الغمام وأسعدا ورد كأن أصوله وفروعه سقيت دما حتى ارتوى فتوردا وشقائق شق القلوب كأنه خد مليح ضم صدغا أسودا والماء يجري في الرياض كأنه سيف صقيل من قراب جردا فاشرب عليه فإنه وقت إذا ولى تفاوت أن ينال فيوجدا من الكامل وله فلو زين الحسن في وجهه بهجر الصدود ووصل الوصال لتم وإن كنت ما إن أرى بديع الجمال جميل الفعال من المتقارب
ابن الزيعي قال يصف دير القصير من قصيدة يقول فيها يا حسرة في القلب ما أقتلها كأنها في القلب أطراف الأسل فكم وكم من ليلة طيبة أحييتها في الدير في خير محل دير القصير الفرد في صفائه يا من رأى الجنة من غير عمل أشربها راحا شمولا قرقفا تدب في الجسم فما تبقي علل يديرها ذو غنج بطرفه يحيي إذا شاء وإن شاء قتل كأنه غصن من البان وقد زاد عليه بالقوام المعتدل ألثغ حتف النفس في لثغته تاه بها على الورى تيه مدل إن قال نار قال ناغ أو يقل نور يقل نوغ بدل وغزل فاحثث كؤوس الراح يا ساقينا واغتنم الدهر فللدهر دول من قبل أن يطرقنا بين فلا ينفع عند البين ليست ولعل من الرجز محمد بن عباس البصري المعروف بصاحب الراقوية قال لا تعذلوني فما مثلي بمعذول جسمي سقيم وأمري غير مجهول إن مل مولاي وصلي بعد ألفته فإن مولاي عندي غير مملول ملكت قلبي ولم تعطف على دنف ما كل ذاك على قلبي بمعزول من البسيط
وقوله يا حامل الكأس أدرها واسقني قد ذعر الشوق فؤادي فانذعر أما ترى البركة ما أحسنها إذا تداعى الطير فيها وصفر أما ترى نوارها أما ترى حسن مسير مائها إذا انحدر كأنما الجوهر في ألوانه نثر في تلك النواحي فانتثر من الرجز وقوله أما طغان فقد طغى والطرف منه قد بغى شهر السلاح بطرفه فتكا وما شهد الوغى لولا مخافة عقرب في صدغه أن يلدغا للثمت منه ممسكا ومصندلا ومصبغا من مجزوء الكامل وقوله أتاني في قميص اللاذ يسعى عدو لي يلقب بالحبيب فقلت له لم استحليت هذا فقد أصبحت في زي عجيب فقال الشمس أهدت لي قميصا غريب اللون في شفق المغيب فصوبي والمدام ولون خدي قريب من قريب من قريب من الوافر وقوله وشمعة ظلت أناجيها تبيت تبكي وأبكيها كأنما صفرتها صفرتي ومدمعي دمع مآقيها أعارها قلبي من ناره فمثل ما فيه كذا فيها من السريع
أبو عبد الله الحسين المعروف بالجمل له في طبيب إذا سقام عراك نازله فاندب أبا جعفر لنازله يعرف ما يشتكيه صاحبه كأنما جال في مفاصله من المنسرح أبو عبد الله بن العرمرم قدم له صديق سمكا في يوم شديد البرد فقال ارتجالا شيخ وبرد وسمك لكل ما يخشى شرك فهاتها صافية وضمن الكأس الدرك ولا تبال بعدها من لام فيها وترك من مجزوء والرجز وقوله وليتم أمر الخراج محمدا فغدا الخراج بغير جيم يكتب إن كان من عدم الرجال دهيتم فالكلب فيكم عن قليل يخطب من الكامل وقوله في أبخر أردت لقاءه فلقيت منه كما يلقى الخلاء من الفقاح وجالسني فلم أشعر بأني ولم أبعد جليس المستراح من الوافر
أحمد بن صدقة الكاتب كتب إلى ابن رشيد يستدعيه بالله يا صالح قم مسرعا إلى عقار أدركت تبعا وساعد الليلة في شربها وخذ من السكر بها مصرعا وقد بذلنا لك أرواحنا لما رأيناك لها موضعا من السريع أبو الحسن بن أبي ياسر قال يصف شمعة وهيفاء من ندماء الملوك تزيد فينقص من قدرها إذا ضحكت جنح داجى الظلام بكت فجرى الدمع من نحرها فإن نعست للكرى نعسة فإيقاظها القص من شعرها من المتقارب محمد بن عاصم الموقفي أنشدني له الزاهر في الفصادة ألا قل لعلوان كيف أجترأت على الأسد الباسل الخادر وكيف أرقت دما دونه يراق دم الجحفل الثائر ترفق قليلا على مرفق به مرفق البدو والحاضر فليس الحديد على ساعد ولكن من الدهر في الناظر من المتقارب
وقوله أسكر الخمر خمر ريقك حتى باتت الخمر من رضابك سكرا فلهذا أراك تزداد صحوا وأراها عليك لا تتجرا من الخفيف وقوله أشرب على الجيزة والمقس من قهوة صفراء كالورس وروح النفس بها إنما عيش الفتى في راحة النفس وأنس بإخوان الصفا إنهم من أكبر النزهة والأنس فلست تدري أيما ساعة تبيت تحت اللحد والرمس والمرء لا يعرف في يومه يصبح في دنياه أو يمسي من السريع وقوله أقول والليل دجى مسبل والأنجم الزهر به ميل يا طول ليل ماله آخر فيك وصبح ماله أول من السريع وقوله اشرب ستنسى ويك مع من نسي من قهوة قوصية المغرس في قمر للربع من شهره كشقة من درهم أطلس من السريع وقوله يا حادي اللذات عرس بنا ويا مدير الكأس قم فاسقنا
أما ترى شمس ضحى يومنا قد لبست مطرفها الأدكنا والروض للوسمي في حلة أذهبها من بعد ما لونا من السريع وقوله اشرب شمولا على ريح الشمال فقد هبت شمالا ولاح الصبح فاتضحا كأنها جنة في الكف مائلة تبدو فيخفي ضيا أنوارها القدحا كأن حاملها من خمر ريقته وافى بها أولها من خده اقتدحا من البسيط وقوله وظبي زارني من غير وعد نعمت بقربه بأتم سعد سقاني ثم نقلني بلثم على عجل وحياني بورد وشمر ساعدا فيه وشوم بقلبي مثلها من أجل صد فكان كفضة سكت عمودا عليها أسطر باللازورد من الوافر وقوله في دير القصير من قصيدة أولها إن دير القصير هاج ادكاري لهو أيامي الحسان القصار وزمانا مضى حميدا سريعا وشبابا مثل الرداء المعار عرفتني ربوعه بعد نكر فعرفت الربوع بالإنكار ولو أن الديار تشكو اشتياقا لشكت جفوتي وبعد مزاري ولكادت نحوي تسير لما قد كنت فيها سيرت من أشعاري وكأني إذ زرته بعد هجر لم يكن من منازلي ودياري
إذ صعودي على الجياد إليه وانحداري في المعقبات الجواري بصقور إلى الدماء سوار وكلاب على الوحوش ضواري منزلا لست محصيا ما لقلبي ولنفسي فيه من الأوطار منزلا في علوه كسماء والمصابيح حوله كالدراري من الخفيف ومنها غردت بينها الطيور فطارت بفؤاد المتيم المستطار كم خلعت العذار فيه ولم أرع مشيبا بمفرقي وعذاري كم شربنا على التصاوير فيه بصغار محثوثة وكبار صورة من مصور فيه ظلت فتنة للقلوب والأبصار أطربتنا من غير شدو فأغنت عن سماع العيدان والمزمار لا وحسن العينين والشفة اللمياء منها وخدها الجلناري لا تخلفت عن مزاري ديرا هي فيه ولو نأى بي مزاري فسقى الله أرض حلوان فالنخل فدير القصير صوب العشار كم تنبهت من لذاذة نومي بنعير الرهبان في الأسحار والنواقيس صائحات تنادي حي يا نائما على الابتكار قبل أن يبلي الجديد الجديدان بليل معاقب ونهار إنما هذه الحياة عوار وعلى المستعير رد العواري
وقوله أأيامي بشاطى البركتين سقاك الله نوء المرزميني لقد أذكرتني طربي ولهوي ووكلت الفؤاد بلوعتين ترى أيامنا فيك المواضي يعود وصالها من بعد بين سقى الله البقاع ملث قطر وأعطش منزلا بالجلهتين ودار على المدار رهام مزن تسير إلى جنان السروتين فكم من بيعة عقدت لقصف وعزف في رياض البيعتين وكم من مدنف قد حاز وصلا ونال مناه وسط المنيتين من الوافر وقوله إشرب بطموة من صفراء صافية تزرى بخمر قراهيت وغايات على رياض من النوار زاهرة تجري الجداول فيها بين جنات منازلا كنت مفتونا بها يفعا وكن قدما مواخيري وحاناتي كأنما النيل في مر النسيم بها مسيلم في دروع سامريات من البسيط
وقوله أأيامي بشاطى البركتين سقاك الله نوء المرزميني لقد أذكرتني طربي ولهوي ووكلت الفؤاد بلوعتين ترى أيامنا فيك المواضي يعود وصالها من بعد بين سقى الله البقاع ملث قطر وأعطش منزلا بالجلهتين ودار على المدار رهام مزن تسير إلى جنان السروتين فكم من بيعة عقدت لقصف وعزف في رياض البيعتين وكم من مدنف قد حاز وصلا ونال مناه وسط المنيتين من الوافر وقوله إشرب بطموة من صفراء صافية تزرى بخمر قراهيت وغايات على رياض من النوار زاهرة تجري الجداول فيها بين جنات منازلا كنت مفتونا بها يفعا وكن قدما مواخيري وحاناتي كأنما النيل في مر النسيم بها مسيلم في دروع سامريات من البسيط
حتى دخلنا بيتها فحصلت في البيت الحرام فجعلت أفتح ميمها لما جثوت لها بلامي وكأنني إذ ذاك أولجت الضياء على الظلام ضدان لم يجمعهما إلا المحبة للحرام كأنت لعمري عاهة جمعت غرابا مع حمام من الكامل أبو سهل بن أسباط الكاتب قال إن كنت يا قلب عزمت الهوى فاستخر الله إذا قبلا ولا تكن يا قلب مثل الذي قدم رجلا وثنى رجلا حتى تلاقي في الهوى أهله وقلما تلقى له أهلا لا توردني موردا كلما قطعت وحلا ألتقى وحلا من السريع عبد الله الصفري قال يصف الشيب بد الشيب في رأسي فقالت تعجبا لقد شبت من هجري وأنت صغير فقلت لها لا غرو إن وصالكم يرد شباب المرء وهو كبير من الطويل أبو العباس الكندي قال يصف الندى على البحر كأني الندى في البحر بحران مائع على مائع هذا على ذاك مطبق فهذا لجين سابح مترقرق وذاك لجين في السماء معلق
إذا أبصرته الشمس بعد احتجابها له ساعة أبصرته يتمزق من الطويل وقوله عذارك المنقطع المسبل يقطع عذري عند من يعذل ووجهك المقبل إقبال من أنت على طلعته مقبل لا عشت أن أعدمه فالذي يعدمه يعدم ما يأمل من المتقارب وقوله يصف السحاب سارية في غسق الظلام دانية من قلل الآكام جاءت مجيء الجحفل اللهام فافترقت كالإبل السوامي كأنها والبرق ذا ابتسام كتيبة مذهبة الأعلام دنت من الأرض بلا احتشام ثم بكت بكاء مستهام وانتشرت بسائغ الإنعام وثورة تحكم في الإعدام من الرجز أحمد بن بدر المعروف بالبلاط قال في ولده وقد حم أعزز علي بني ما تلقى سدت علي شكاتك الطرقا قد كنت بالحمى أحق فليتني ألقى من الحمى الذي تلقى من الكامل أبو العباس الزوفي أنشدت له في الشيب قد رابني من شبيبتي ريب وفل من غرب صبوتي الشيب
وكان ثوب الشباب أحسن ملبوسا بهاء فأخلق الثوب من عابني بالمشيب قلت له صدقت فالشيب كله عيب طلائع الشيب كلما طلعت شق على ميت الصبا جيب من المنسرح عبد الوهاب بن جعفر الحاجب أنشدت له هاتر هتور بكثرة الفرح واقدح زناد اللهو بالقدح وصل الغبوق إذا وصلت إلى المسى وإن أصبحت فاصطبح أبرد إلى الندمان رسلك ما برد النسيم وغن واقترح أصلح فساد العيش مجتهدا ففساد عمرك غير منصلح من الكامل أبو بكر الموسوس المعروف بسيبويه أبو بكر هذا من البصرة وكان يشبه في حضور جوابه وبيان خطابه وحسن عبارته وكثرة درايته بأبي العيناء وكان قد تناول البلاذر فعرضت له منه لوثة وكان الناس يتبعونه ويكتبون عنه ما يقول فقال يوما للمصريين يا أهل مصر أصحابنا البغداديون أحزم منكم لا يقولون باتخاذ الولد حتى يقتنوا له العقد والعدد فهم أبدا يعزبون ولا يقولون باتخاذ العقار خوفا أن يملكهم شر الجار فهم أبدا يكنزون ولا يقولون بإظهار الغنى في موضع عرفوا فيه بالفقر فهم أبدا يسافرون ووقف يوما بالجامع وقد أخذت الحلق مأخذها فقال يا أهل مصر
حيطان المقابر أنفع منكم يستند إليها ويستدرى بها من الريح ويستظل بها من الشمس والبهائم خير منكم تمتطى ظهورها وتؤكل لحومها وتحتذى جلودها وكان ابن خزابة الوزير ربما رفع أنفه تيها فقال له سيبويه وقد رآه فعل ذلك أيشم الوزير رائحة كريهة فيشمر أنفه فأطرق واستعمل النهوض فخرج سيبويه فقال له رجل من أين أقبلت فقال من عند هذا الزاهي بنفسه المدل بعرسه المستطيل على أبناء جنسه وكانت زوجته ابنة الإخشيد وأخلى الحمام لمفلح فجاء سيبويه ليدخل فمنع وقيل له الأمير مفلح داخل فقال لا أنقي الله مغسوله ولا بلغه رسوله ولا وقاه من العذاب مهوله وجلس حتى خرج من الحمام فقال له إن الحمام لا يخلى إلا لأحد ثلاث مبتلي في قبله أو مبتلي في دبره أو سلطان يخاف من شره فأي الثلاثة أنت ومن شعره اعذر أخاك على رداءة خطه واغفر رداءته لجودة ضبطه فالخط ليس يراد من تحسينه وبيانه إلا إبانة سمطه فإذا أبان عن المعاني سمطه كانت ملاحته زيادة شرطه من الكامل أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن يونس المنجم أنشدت له غنت فأخفت صوتها في عودها فكأنما الصوتان صوت العود غيداء تأمر عودها فيطيعها أبدا ويتبعها اتباع ودود
أندى من النوار صبحا صوتها وأرق من نشر الثنا المعهود فكأنما الصوتان حين تمازجا ماء الغمامة وابنة العنقود من الكامل وقوله سقى الله أحياء اللوى كلما سقى بضرب من المزن الكتهور هامل إذا نثرت ريح جمان سحابة غدا وهو حلي للرياض العواطل به خفق برق ليس بين جوانح ووسواس رعد ليس بين مفاصل إذا كاد در البرق يلمس نبته فلقاه در النور بين الخمائل من الطويل وقوله يجري النسيم على غلالة خده وأرق منه ما يمر عليه ناولته المرآة ينظر وجهه فعكست فتنة ناظريه إليه من الكامل وقوله صديق قد ندمت على اختباري له لما تأمله اختباري ينم بسر مستوعيه سرا كما نم الظلام بسر نار أنم من النصول على مشيب ومن صافى الزجاج على عقار من الوافر وقوله وذي حرص تراه يلم وفرا لوارثه ويدفع عن حماه ككلب الصيد يمسك وهو طاو فريسته ليأكلها سواه من الوافر وقوله لكل شيء في الورى آفة وآفة المرء من الكبر
يحسب أن الكبر فخر له وليس غير العلم من فخر من السريع أبو القاسم عبد الغفار المصري أنشدت له إنما الفضل غرة في وجوه المدائح أريحي رياحه عبقات الروائح كعبة الجود كفه بين غاد ورائح إنما تصلح الأمور برأي ابن صالح من مجزوء الخفيف أبو العباس أحمد بن مروان بن حماد النحوي أنشدني ابن وهب له لم يطل ليلى ولكن سهري كان طويلا وكذا ليس يلذ النوم من كان عليلا يا غزالا لم أجد عنه إلى الصبر سبيلا هب لعين سهرت فيك من الغمض قليلا من مجزوء الرمل محمد بن جعفر الأنصاري الكاتب المعروف بالقصير من شعره قد طال منك المطل في الوعد لي وأنت في مطلك لا تخطي
لو كنت تعطي مال مصر وما حوت من الدور على الشط وما لدار الضرب عن عسجد لكان كفرا بالذي تعطي من السريع أبو علي تميم بن معد صاحب مصر أنشدني له علي بن مأمون المصيصي يا دهر ما أقساك من متلون في حالتيك وما أقلك منصفا أتروح للنكس الجهول ممهدا وعلى اللبيب الحر سيفا مرهفا فإذا صفوت كدرت شيمة باخل وإذا وفيت نقضت أسباب الوفا لا أرتضيك وإن صفوت لأنني أدري بأنك لا تدوم على الصفا زمن إذا أعطى استرد عطاءه وإذا استقام بدا له فتحرفا ما قام خيرك يا زمان بشره أولى بنا ما قل منك وما كفى من الكامل وقوله أيا دير مرخنا سقتك رعود من الغيم تهمي مزنها وتجود فكم واصلتنا من رباك أو انس يطفن علينا بالمدامة غيد وكم ناب عن نور الضحى فيك مبسم وناب عن الورد الجني خدود وماست على الكثبان قضبان فضة فأثقلها من حملهن نهود ليالي أغدو بين ثوبي صبابة ولهو وأيام الزمان هجود وإذ لمتي لم يوقظ الشيب ليلها وإذ أثري في الغانيات حميد من الطويل
وقوله يا منتهى أملي لا تدن لي أجلي ولا تعذب ظنوني فيك بالظن إن كان وجهك وجها صيغ من قمر فإن قدك قد قد من غصن من البسيط وأنشدني له من قصيدة أولها سرى البرق فارتاع الفؤاد المعذب من الطويل يقول فيها وبات ضجيعي منه أهيف ناعم وأدعج نشوان وألعس أشنب كأن الدجى في لون صدغيه طالع وشمس الضحى في صحن خديه تغرب وإني لألقي كل خطب بمهجة يهون عليها منه ما يتصعب وأستصحب الأهوال في كل موطن ويمزج لي السم الذعاف فأشرب فما الحر إلا من تدرع عزمه ولم يك إلا بالقنا يتنكب وما لي أخاف الحادثات كأنني جهول بأن الموت ما منه مهرب خليلي ما في أكؤس الراح راحتي ولا في المثاني لذتي حين تضرب ولكنني للمدح أرتاح والعلا وللجود والإعطاء أصبو وأطرب ومن بين جنبيه كنفسي وهمتي يروح له فوق الكواكب موكب وقوله إذا حان من شمس النهار غروب تذكر مشتاق وحن حبيب
ترى عندهم علم وإن شطت النوى بأن لهم قلبي علي رقيب لهم كبدي دوني وقلبي ومهجتي ونفسي التي أدعى بها وأجيب فآية حزني لوعة وصبابة وعنوان شيني زفرة ونحيب وما بلد الإنسان إلا الذي له به سكن يشتاقه وحبيب إلى الله أشكو وشك بين وفرقة لها بين أحشاء المحب دبيب من الطويل وقوله أما والذي لا يملك الأمر غيره ومن هو بالسر المكتم أعلم لئن كان كتمان المصائب مؤلما لإعلانها عندي أشد وآلم وبي كل ما تشكو العيون أقله وإن كنت منه دائما أتبسم من الطويل وقوله وهو مما يتغنى به قالت وقد نالها للبين أوجعه والبين صعب على الأحباب موقعه اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت قواه عن حمل ما فيه وأضلعه واعطف علي المطايا ساعة فعسى من شت شمل الهوى بالبين يجمعه كأنني يوم ولت حسرة وأسى غريق بحر يرى الشاطي ويمنعه من البسيط وقوله وغضبي من الإدلال والتيه والهوى بلا غضب سكرى الجفون بلا سكر كأن على لباتها رونق الضحى وفي حيث يهوى القرط منها سنا الفجر ترى البدر مثل البدر في صحن خدها وتفتر عن مثل الجمان من الثغر من الطويل وقوله أما ترى الرعد بكى فاشتكى والبرق قد أومض فاستضحكا
فاشرب على غيم كصبغ الدجا أضحك وجه الأرض لما بكى وانظر لماء النيل في مده كأنه صندل أو مسكا من السريع وقوله وليلة بتها على طرب آخرها مشبه لأولاها أقبل البرق من ترائبها وألثم الشمس من محياها سقتني الراح وهي خداها بأكؤس السكر وهي عيناها إذا أرادت مزاحها جعلت بآخر اللحظ في فمي فاها فيا لها قهوة معتقة وليس إلا الخدود مأواها حبابها الثغر حين يمزج لي ونقلها اللثم حين أسقاها لله أيامنا التي سلفت بدار حزوى ما كان أحلاها فالقصر من حيرة الملوك إلى أعلى رباها إلى مصلاها إذ نجتني اللهو من أصائلها والعز من فجرها ومغداها إن عرضت لذة ملكناها أو صعبت خطة حويناها من المنسرح وقوله وصفراء لم تطبخ بنار شربتها على وجه معشوق السجا يا مقرطق كأن حباب الكأس من نظم ثغره وإشراقها من خده المتألق من الطويل وقوله لو صورت خلقها إرادتها ما قدرته كمثل ما قدرا
كامسك نشرا والبرق مبتسما والغصن قدا والحقف مؤتزرا من المنسرح وقوله شبهتها بالبدر فاستضحكت وقابلت قولي بالنكر وسفهت قولي وقالت متى سمجت حتى صرت كالبدر والبدر لا يرنو بعين كما أرنو ولا يبسم عن ثغر ولا يميط المرط عن ناهد ولا يشد العقد في نحر من قاس بالبدر صفاتي فلا زال أسيرا في يدي هجري من السريع وقوله ناولتها شبه خديها مشعشعة صرفا كأن سناها ضوء مقباس فقبلتها وقالت وهي ضاحكة وكيف تسقى خدود الناس للناس أليس خداي ذابا إذ لمستهما فاستنبطا قهوة حمراء في الكاس قلت اشربي إنها دمعي وحمرتها دمي وطابخها في الكأس أنفاسي قالت إذا كنت من حبي بكيت دما فسقنيها على العينين والراس يا ليلة بات فيها البدر معتنقي وباتت الشمس فيها بعض جلاسي وبت مستغنيا بالثغر عن قدحي وبالخدود عن التفاح والآس من البسيط وقوله وما أم خشف ظل يوما وليلة ببلقعة بيداء ظمآن صاديا
تهيم فلا تدري إلى أين تنتهي مولهة حيرى تجوب الفيافيا أضر بها حر الهجير فلم تجد لغلتها من بارد الماء شافيا إذا بعدت عن خشفها انعطفت له فألفته ملهوفا إلى الجوع ظاميا بأوجع مني يوم شدوا رحالهم ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا من الطويل وقوله مفتخرا ألقى الكمي فلا أخاف لقاءه ويفل إقدامي شبا الحدثان وأكر في صدر الخميس معانقا للموت حين يفر كل جبان ويزيدني كل الخطوب تعظما وتسلط الأيام عز مكان وعلمت أخلاق الزمان فلم أضق ذرعا بأيامي وغر زماني وكما يمل الدهر من إعطائه فكذا ملالته من الحرمان وكما يكر لمعشر بسعادة فكذا يكر لمعشر بهوان فإذا رماك بشدة فاصبر لها فلسوف يأتي بعدها بليان وسل الليالي عن نفاذ عزيمتي وسل الحوادث عن ثبات جناني يخبرك عني أنني لم ألقها بين العزائم واهن الأركان أصبحت لا أشتاق إلا للندى إلفا ولا أهوى سوى الإحسان وإذا السيوف قطعن كل ضريبة قطع السيوف القاطعات لساني من الكامل وقوله اسقياني فلست أصغى لعذل ليس إلا تعلة النفس شغلي أأطيع العذول في ضد ما أهوى كأني اتهمت رأيي وعقلي عللاني بها فقد أقبل الليل كلون الصدود من بعد وصل
وانجلى الغيم بعدما أضحك الروض بكاء السحاب فيه بوبل عن هلال كصولجان نضار في سماء كأنها جام ذبل من الخفيف أحسن في هذا التشبيه ما شاء وقوله إذا هب سلطان المريسي نافحا سحيرا وحل القر كل نقاب ومد على الأفق الغمام ثيابه فقم فالقه في عدة وحراب بكن وكانون وكأس مدامة وكيس وكس وافر وكباب من الطويل وقوله ورد الخدود أرق من ورد الرياض وأنعم هذا تنشقه الأنوف وذا يقبله الفم فإذا علت فأفضل الوردين ورد يلثم هذا يشم ولا يضم وذا يضم ويشم من الكامل وأنشدني المصيصي له وجنة من شفني هواه ومن أفنيت فيه دموع آماقي كأنما الصيرفي دنر ما يحمر منها ودرهم الباقي من المنسرح وأنشدني له أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي من قصيدة مخمسة أولها دم العشاق مطلول ودين الحب ممطول
وسيف اللحظ مسلول ومبدا الحب معزول وإن لم يصغ للآثم إذا لم يظهر الحب ولم ينهتك الصب ويفشي سره القلب فجملة ما ادعى كذب فبح يا أيها الكاتم وأحور ساهر الطرف يفوق جوامع الوصف مليح الدل والظرف جنت ألحاظه حتفي فمن يعدي على الظالم أطاع جفونه السحر وذل لوجهه البدر وماد بردفه الخصر وأشبه ثغره الدر فقلب محبه هائم يعنفني على حبي ويهجرني بلا ذنب كأني لست بالصب لقهوة ريقه العذب أما في الحب من راحم غزال لحظه شركه وبدر ثوبه فلكه لو أني كنت أمتلكه فأنهب ما حوت تككه نهاب الظافر الغانم خذوا بدمي قنا القد وحسن تورد الخد
وليل الشعر الجعد وثقل الكفل النهد وسقم الأعين الدائم متى يظفر بالوصل وينفي الجور بالعدل محب دائم الخبل سليب الصبر والعقل كئيب مدنف هائم بحسن الأعين النجل وعض الوقف والحجل وذاك القصب الجدل وريق كجنا النحل وثغر يطمع الشائم سلوا الشمس التي طلعت علينا ثم ما أفلت عسى ترثي لمن قتلت بعينيها وما علمت فقد يستعطف العالم أما والخرد الصفر شبيهات سنا البدر وألوان صفا الخمر لقد أضر من في صدري غراما ليس بالنائم وراح تبعث الطربا وتحيي الظرف والأدبا يثير مزاجها حببا تخال به عيون دبى
ودرا صفه الناظم أما والجمرة الكبرى وزمزم والصفا ومنى ومن لبى بها ودعا وطاف البيت ثم سعى خميصا مخبتا صائم لقد أضحى لنا خلفا نزار وابتنى شرفا وأصبح خامس الخلفا وأحيا سعيه السلفا وأضحى بالهدى قائم نمى في المجد عنصره وطال النجم مفخره وفاق البدر منظره فصرف الدهر يحذره أبي لين صارم من الهزج وقوله في الراي كأن الراي حين أتى طريا بأذناب كمجمرة العقيق بإسقيات بلور لطاف بأسفلها بقايا من رحيق من الوافر محمد بن أبي مروان بن أخي المستنصر بالله المدعو الخليفة بالأندلس وهو الحكم بن عبد الرحمن المرواني من شعره وما كان من عطف علي حديثها ولكن لتعذيب الفؤاد المعذب حديث لو استسقت به الصخر جادها بأعذب من صوب الغمام وأطيب من الطويل
وقوله راجعه شوقه فحنا وشفه شجوه فأنا وسال من دمعه مصون أظهر ما كان مستكنا فعاد فيه الهوى يقينا وكان عند الرقيب ظنا لو كان يلقى الذي تلاقي أوسعه رحمة ومنا من مخلع البسيط وقوله بين أجفانها وبين ضلوعي نازعتني الحياة أيدي المنون لست أدري أعن مدى طرفها الفاتن موتي أم طرفي المفتون من الخفيف وقوله قد رضيت الهوى لنفسي خلا ورأيت الممات في الحب سهلا وتذللت للحبيب وعز الصب في سنة الهوى أن يذلا بأبي من أحل قتلي عمدا وهنيئا لسيدى ما استحلا سوف أجزي الحبيب بالصدود ودا مستجدا وبالقطيعة وصلا وإذا ما استزاد تيها وعجبا زدت نفسي له خضوعا وذلا من الخفيف وقوله غير مستنكر همول دموعي في التصابي وغير بدع خشوعي ليس عزي إلا فناء عزائي وسنائي إلا بقاء خضوعي وبحسبي أني ألاقي عذولي باصطبار عاص ودمع مطيع من الخفيف وقوله أعد نظرا واستوقف الطرف منعما تجد كلفا صبا بحبك مغرما
سرى الحب في أخلاقه فأرقها وعلمه أحكامه فتعلما ولست تراه سائلا منك عطفة حذارا من التقبيل إلا توهما فإن جدت لاقته الحياة كريمة وإن لم تجد لاقى الحمام مقدها من الطويل وقوله لئن وعدتني وصلها وعد عاتب يجاحدني وعدي وينكرني حقي فأفضل ثوب الغيث في الأرض دافق وأبلغه ما جاء بالرعد والبرق فإن ما نعتني فضل إنجاز موعد فإن الحيا الممنوع أشهى إلى الخلق فلا كان لي في الأرض رزق أناله إذا لم يكن في نيل موعدها رزقي من الطويل وقوله يا ربيعي ما كان ضرك لوجدت علينا كما يجود الربيع ورده ذاهب ووردك باق وهو سهل به وأنت منوع كن شفيعي إليك يا جنة الخلد فمالي غير الخضوع شفيع من الخفيف وقوله كم تصاب أردفته بتصاب واصطباح وصلته باغتباق وكؤوس عاطيتها بدر تم جل أن يعتريه نقص المحاق وغصون جنيت منها ثمارا لم يشنها تساقط الأوراق زمن بكيته حسب وجدي كنت أبكيه من دم الأحداق من الخفيف وقوله ومختطف للعين بت أشيمه مجالسة والليل حيران مطرق سرى يخبط الظلماء حتى كأنه بوجدي يسرى أو بقلبي يخفق من الطويل
وقوله تبدت بأكناف الحجاز ديارها فأوقد نار الوجد في القلب نارها كأن بأنفاسي استمد ضرامها وعن كبدي الحرى تلظي استعارها يحن إليها القلب حتى كأنما إليه تناهيها ومنه انتشارها من الطويل وقوله ولما حمى الشوق المبرح ناظري كراه حذارا أن يريني مثاله شربت عقارا أذكرتني بريقه وأهدت كرى أهدى إلي خياله فهل هي إلا نعمة مسترقة أنالت يدي ما لم أؤمل نواله من الطويل حبيب بن أحمد الأندلسي قال ودعتني بزفرة واعتناق ثم نادت متى يكون التلاقي وتصدت فأشرق الصبح منها بين تلك الجيوب والأطواق يا سقيم الجفون من غير سقم بين عينيك مصرع العشاق إن يوم الفراق أفظع يوم ليتني مت قبل يوم الفراق من الخفيف وله هيج البين دواعي سقمي وكسا جسمي ثوب الألم أيها البين أقلني مرة فإذا عدت فقد حل دمي يا خلي الروع نم في غبطة إن من فارقته لم ينم
ولقد هاج لقلبي سقما حب من لو شاء داوى سقمي من الرمل وقوله وجنة كالربيع جاد عليها من حياء لا من حيا وسمي ووجوه قلبتها كالدنانير ومثلي لمثلها صيرفي تتهادى الرياح منها نسيما شابه عنبر ومسك ذكي من الخفيف وقوله ألا بأبي من قلبه غير مشفق علي ولي قلب عليه شفيق وإني لأبدي للوشاة تبسما وإنسان عيني في الدموع غريق وكم شافهتني للصبا أريحية ومازج ريقي للأحبة ريق من الطويل تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه مراجعة الجزء الأول من كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر لأبي منصور الثعالبي ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني مفتتحا بترجمة الوزير أبي مروان عبد الملك بن جهور نسأل الله المعونة والتوفيق إلى إكماله
تدقيقه خالد الزبن
حذف
بسم الله الرحمن الرحيم الوزير أبو مروان عبد الملك بن جهور أنشدت له من البسيط أسقمت قلبي فكن أنت الدواء له ولا تدعه بأيدي الشوق مخترما عيناي أورثتاه سقمه نظرا رضيت دمعي من عيني منتقما البسيط وقوله من الكامل ألحاظه منهوكة النظر ضعفت نواظرها من الخفر وحديثه اشهى لسامعه من نغمة الشادي على الوتر ورضابه أشهى على كبدي من ري عذب بارد خصر وكأن قلبي حين يفقده ما بين ذي ناب وذي ظفر الكامل وقوله من البسيط يا أحسن الناس في عيني مبتسما وأعذب الخلق عندي منطقا وفما حلت بقلبي من عينيك نازلة من الهوى صيرتني في الورى علما
لم تبق جارحة مني أقلبها إلا بعثت عليها بالهوى سقما فارحم مقام محب ما شكا وبكى تبرما بالذي يلقى ولا ندما البسيط وقوله من السريع أملح ما تنظر عيناك شاك شكا الحب إلى شاكي يقصر من ذكرك ليلي على أني فيه ساهر باكي ولي فؤاد يستجير من الشوق إلى برد ثناياك سيدتي لو كنت أبصرت ما يصنع بي حبك أبكاك السريع وقوله من البسيط أنار لي وجهه ليلا فخلت به بدرا تماما على الافاق يطلع ومر يمشي دقيق الخصر يجذبه ردف فقلت ادركوه قبل ينقطع البسيط وقوله من الوافر أجلك أن تحل بك الاماني فكيف بأن أراك وأن تراني وأكره أن يمثلك التمني حذارا أن يبوح به لساني ولو أني ستطعت لفرط شجوي عليك لما رآك الحافظان وما أشكو إليك بغير دمعي بيان الدمع أعرب من بياني الوافر وقوله من البسيط اليوم منقبض والدمع منبسط وحب من شفني بالروح مختلط حملت قلبي أن يسلو تذكره فقال إن الذي حملتني شطط
تسومني الصبر عن روحي وتمنعني عن ذكره إن ذا من رأيك الغلط البسيط وقوله من الوافر ترى العشاق لاقوا ما ألاقي فقد بلغت بي النفس التراقي خصصت من الهوى بأمر شيء وكنت ارى الهوى عذب المذاق أنا العبد الذي لا عتق يرجو ولا يجد السبيل إلى الاباق الوافر وقوله من الطويل وما سرني أن الهوى غير صاحبي وأن خراج العبشميين في ملكي ولا كنت أرضى أن أرى متخليا من الحب لو أعطى به خاتم الملك نسيم الهوى أذكى وإن جار واعتدى على أنف العشاق من نفحة المسك الطويل وقوله من الطويل ومن يحمد الصبر الجميل على الهوى فإن خلاف الصبر عندي احمد إذا كان قلب المرء لا يألم النوى ويشكو لظى نيرانها فهو جلمد الطويل وقوله من الكامل احوى النواظر ألعس الشفتين عذب الريق آلمى مخضر شاربه علا درا يريك الدر نظما لو زارني طيف له عند الهجوع ولو ألما لاعاد روحا أو لفرج من هموم النفس هما الكامل
احمد بن عبد ربه الاندلسي رحمه الله تعالى انشدت له من الكامل بكرت علي عواذلي تلحينني وعلى الذي لم يعد بي اعدينني إيها عليك فقد كبرت عن الصبا ونهى المشيب عن الذي تنهينني إنى وكيف وقد رأين تغيري عن عهدهن إذا العيون رأينني وعلى مفارقة الشباب شمتن بي وعلى معاداة الصبا عادينني أدنينني حتى إذا التهب الجوى أقصينني اضعاف ما أدنينني وفتنني بلواحظ تشكو الضنى دائب بهن وربما داوينني يذكين في قلبي وبين جوانحي حرقا بنار جحيمها اصلينني الكامل ومنها ايضا يا ابن الخلائف إن ايام الغنى ايامك الغر التي أغنينني بنوالها وسجالها وثمالها اسقينني حتى لقد أروينني الكامل وقوله من الكامل وصحائح مرضى العيون شحائح بيض الوجوه نواعم الابشار اضنينني بلواحظ تشكو الضنى وكسونني ما هن منه عواري بجوى حوته مهجتي عن مقلتي والجار قد يشقى بذنب الجار الكامل
وله في العذار من الكامل يا ذا الذي خط الجمال بخده خطين هاجا لوعة وبلابلا ما صح عندي أن لحظك صارم حتى لبست بعارضيك حمائلا الكامل وفي مثله من الكامل ومعذر نقش الجمال بمسكه خدا له بدم القلوب مضرجا لما تيقن أن سيف جفونه من نرجس جعل النجاد بنفسجا الكامل وقوله من الوافر تعللنا أمامة بالاماني ولج بنا البعاد من التداني إذا ما قلت اين الوصل قالت طلبت العز في دار الهوان الوافر وقوله من الخفيف بذمام الهوى امت إليه وبحكم العقار اقضي عليه بابي من زها علي بوجه كاد يدمي لما نظرت إليه كلما علني من الراح صرفا علني بالرضاب من شفتيه ناول الكأس واستمال بلحظ فسقتني عيناه قبل يديه الخفيف وقوله من الرمل المجزوء أيها البدر الذي ضن علينا بالطلوع ابغ لي عندك قلبا طار من بين ضلوعي يا بديع الحسن كم لي فيك من وجد بديع الرمل المجزوء
وقوله من الطويل وساحبة فضل الذيول كأنها قضيب من الريحان فوق كثيب إذا ما بدت من خدرها قال صاحبي أطعني وخذ من وصلها بنصيب الطويل وقوله من الكامل ينبيك أنك لم تجد وجدي ما خدت العبرات من خدي نام الخلي عن الشجي به وجفا الملول ولج في الصد كنت الشفاء فصرت لي سقما أبدا تتوق إلي هوى مردي الكامل وقوله من الطويل سقوني حمامي يوم ساقوا حمولهم فرحت وراحوا بين ساق وسائق وأخرس لفظي وهو ليس بأخرس وأنطق دمعي وهو ليس بناطق فيا بأبي تلك الدموع التي همت فدلت على مكنون تلك العلائق الطويل وقوله من الكامل أزف الرحيل فودعتني مقلة أوحت إلي جفونها بسلام وتطلعت بين الحدوج كأنها شمس تطلع من خلال غمام وشكت بتاريخ الصبابة والهوى بمدامع نطقت بغير كلام كمهاة رمل قد تربعت الحمى بين الظباء العفر والآرام حتى إذا ضرب المصيف رواقه صافت بظل أراكة وبشام الكامل
وقوله من الطويل ألا إنما الدنيا غضارة أيكة إذا اخضر منها جانب جف جانب هي الدار ما الآمال إلا فجائع عليها ولا اللذات إلا مصائب فكم سخنت بالأمس عين قريرة وقرت عيون دمعها اليوم ساكب فلا تكتحل عيناك منها بعبرة على ذاهب منها فإنك ذاهب الطويل وقوله من الطويل صحا القلب إلا نظرة تبعث الأسى لها زفرة موصولة بحنين بلى ربما حلت عرى عزماته سوالف آرام وأعين عين لواقط حبات القلوب إذا رنت بسحر عيون وانكسار جفون وريط من الموشي أينع تحته ثمار صدور لا ثمار غصون برود كأنوار الربيع لبسنها ثياب خضاب لا ثياب مجون قرين نجوم ديم عن نور أوجه تجن بها الألباب أي جنون وجوه جرى فيها النعيم فكللت بورد خدود يجتني بعيون سألبس للأحزان ثوب تصبر وإن لم يكن عند اللقا بحصين وكيف ولى قلب إذا هبت الصبا أهاب بشوق في الفؤاد كمين الطويل وقوله من البسيط ونائح في غصون السدر أرقني وما عنيت بشيء ظل يعنيه مطوق بعقود ما تزايله حتى تزايله إحدى تراقيه
قد بات يبكي لشجو ما دريت به وبت ابكي لشجو ليس يدريه البسيط وقوله من الخفيف وقضيب يميس فوق كثيب طيب المجتنى لذيذ العناق قد تغنى كما استهل يغني ساق حر مغرد فوق ساق ينثر الدر في المسامع نثرا بين در منظم مستاق وافتضضنا من العواتق بكرا نكحت امها بغير صداق ثم بانت ولم تطلق ثلاثا لم تبن حرة بغير طلاق ديننا في السماع دين مديني وفي شربنا الشراب عراقي الخفيف وقوله من الوافر سرى طيف الحبيب على البعاد ليصلح بين عيني والرقاد فبات إلى الصباح يدي وساد لوجنته كما يده وسادي بنفسي من أعاد إلي نفسي ورد إلى جوانحه فؤادي خيال زارني لما رآني عدتني عن زيارته عوادي يواصلني على الهجران منه ويدنيني على طول البعاد الوافر وقوله من الطويل وريان من ماء الشباب تهاتفت به نشوات من صبا ودلال كما اهتز بان من أكاليل روضة تلاعبه ريحا صبا وشمال
تعلم منه الهجر طيف خياله هدوا فما يلقاه طيف خيال وأعرض حتى عاد يعرض في المنى ويمنع ذكراه الخطور ببالي الطويل وقوله من الكامل بأبي غزال صد بعد وصاله وزها علي بحسنه وجماله سلب الكرى عيني والبسها الكرى وحمى خيالي من لقاء خياله الكامل وقوله من البسيط مستوحشا من جميع الناس كلهم كأنما الناس اقذاء على بصري البسيط وقوله من الطويل أما والذي سوى السماء مكانها ومن مرج البحرين يلتقيان ومن قام في الاوهام من غير رؤية بأثبت من إدراك كل عيان لما خلقت كفاك إلا لأربع عقائل لم يخلق لهن يدان لتقبيل أفواه وإعطاء نائل وتقليب هندي وحبس عنان الطويل عبد الملك بن سعيد المرادي أنشدت له من المديد قد بلوت الحب مختبرا فأنا المسئول عن خبره هو عذب عز مورده غير أن الموت في صدره نظري أذكى جوى كبدي وهلاك الصب في نظره المديد
وقوله من الكامل قمر بسبي ذوي العقول أنيقا ورشا بتقطيع القلوب رفيقا ما إن رأيت ولا سمعت بمثله درا يصير من الحياء عقيقا وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ابصرت وجهك في سناه غريقا الكامل وقوله من الكامل برح الخفاء فأعتبي او عاتبي فهواك سد علي رحب مذاهبي لو كنت أعلم لي سوى فرط الهوى ذنبا إليك لكنت أول تائب يا ظالما لا يستفيد بظلمه متعتبا في الحب غير معاتب هلا عطفت علي عطفة راحم لما ذللت إليك ذلة راغب الكامل الوزير ابو عثمان عبد الله بن يحيى بن إدريس انشدت له من الطويل أسحرا سقت عيني جفونك أم خمرا فقد رحت ملآن الجفون به سكرا وشعرا أراني صبح وجهك أم دجا ووجها جلا إظلام شعرك أم فجرا وجسم تثنى بين ثوبيك ناعم أم الغصن اللدن اكتسى ورقا خضرا الطويل وقوله من الخفيف رب خمر شربتها من جفون ورياض جنيتها من خدود
إذ يشج اللثام ريقا بريق ويلف العناق جيدا بجيد تحت ظل من النعيم ظليل وبفيء من السرور مديد الخفيف وقوله من الخفيف إن بين الضلوع نيران شوق وغليلا يذوب منه الغليل وحنينا إليه في طول ليل ما إلى الصبح من دجاه وصول غاب صبري الجميل إذ غاب فيه وجهه عني المليح الجميل الخفيف وقوله من الخفيف إن بين الضلوع شوقا دفينا ترك القلب والها مستكينا يا غزالا يصبي القلوب هواه وهلالا يعشي سناه العيونا أنت علمتني الصبابة والبخل فصرت البخيل فيك الضنينا الخفيف وقوله من البسيط لأنزعن وإن لم أقض من وطري إلا لبانة أشواق ومدكر أكف كفي وأثني من تقلبه قلبي وأقصر من سمعي ومن بصري البسيط يوسف بن هرون البطليوسي أنشدت له من الكامل هو ظالمي لكن أرق عليه من أن أجيل اللحظ في خديه
أعفيت رقة وجنتيه من أذى عيني وما أعفيت من عينيه وكأن در الخد يكسي حمرة الياقوت من نظر العيون إليه الكامل وقوله من الوافر أتضرب بين عيني واغتماضي بواش من لواحظك المراض وتخلفني بوعد قد تقضى مدى عمري وليس له تقاضي ولم أسألك إلا النزر إني بذاك النزر مغتبط وراض أبح تفاحتيك للحظ عيني وأعطيك الأمان من العضاض الوافر عبد الله بن إسمعيل بن بدر قال من البسيط اشكو إلى الله من سمعي ومن بصري ما يجلبان إلى قلبي من الفكر قد كنت أسمع عمن لست أذكره خوفا عليه من التصريح بالذكر سمعت حتى إذا أبصرت قلت له يا حاش لله ما هذا من البشر البسيط سعيد بن محمد بن فرج انشدني له من البسيط سمعي فلا كان أعمي بالبكا بصري وقاد قلبي إلى الاحزان والفكر فإن بكت مقلة من فقد من عرفت فقد بكيت بمن لم أدر بالنظر يا واصفية رويدا إن وصفكم لم يبق من جلدي شيئا ولم يذر
قالوا بدا فغلطنا بالسرار له لما تبلج منه الليل بالقمر البسيط وقوله من الكامل سقم الأحبة للقلوب سقام وإذا القلوب سقمن فهو حمام لله بدر قد تنقص نوره بالسقم وهو بما سواه تمام الكامل وقوله من المتقارب بكيت ومثلي بكى للوداع وعاصي العزاء بشوق مطاع ولم أحمد الصبر يوم النوى ولا كان من قبله في طباعي ولو كنت لم أبك من بينهم بكيت على عهد حب مضاع المتقارب وأنشدني لبعضهم شعرا من الوافر كلامك مثل ريقك ذا بهذا مزاج سلافة حلو بعذب فلو أني إذا اسمعت هذا شربت بذاك ضاع علي لبي فإن أبصرتني منه صريعا فغالط في هواي وشاة صحبي وقل هو نشوة من خمر حب فإن الدن قد يدعى بحب الوافر يحيى بن عبد الملك بن هذيل رحمه الله تعالى أنشدني له من الخفيف لا تلم هائما قد استحسن الوجد وكل أمره إلى استحسانه
فأنا الطائع المشوق لمن صار يريني الهوان في عصيانه مر بي خاطرا يكاد من العجب به ان يراع في ريعانه في ملاء كأنه وهو فيها ورد خديه في جنى سوسانه يشتكي بالفتور من كسل المشي ولا يشتكيه من أجفانه ولقد شفني واسهر طرفي لمع برق يزف في لمعانه شمته والظلام يفتر عنه كافترار الزنجي عن أسنانه الخفيف وقوله من الطويل ألا عودة من طيفه فيرى حالي ألا ياد ادكاري للكرى لي أتى تالي يكاد يضيق الجو من عظم زفرتي وتهفو نجوم الليل من فرط إعوالي ابي غير تعذيبي ولو امر الردى أطاع ولكن فعله هو أنكى لي الطويل وقوله من الخفيف والثريا دنت من البدر حتى خلتها دارعا يدير مجنا الخفيف وقوله من الكامل ومزنة والبرق ينسج فوقها بردين من نوء وطل باكي مالت على طي الجناح وإنما جعلت أريكتها قضيب أراك الكامل
وقوله في الخضاب من الكامل لما رأت شعري تغير لونه ورأته محتجبا وراء حجاب قالت خضبت فقلت شيبي إنما لبس الحداد على ذهاب شبابي الكامل قاسم بن عبد الرحمن العجلي انشدني له من السريع استحيت الاغصان من قده وحار ماء الحسن في خده إني لمشتاق إلى ريقه طوبى لمن يرشف من برده السريع محمد بن هشام بن سعد الخير انشدني له من الخفيف يا سقيم الجفون من غير سقم حاش لله أن تبوء بإثمي أنت أذكي